→ سنة ثلاث وأربعين | البداية والنهاية – الجزء الثامن أما عمرو بن العاص ابن كثير |
وممن توفي فيها عبد الله بن سلام أبو يوسف الإسرائيلي ← |
فهو عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي، أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، أحد رؤساء قريش في الجاهلية، وهو الذي أرسلوه إلى النجاشي ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده فلم يجبهم إلى ذلك لعدله، ووعظ عمرو بن العاص في ذلك.
فيقال: إنه أسلم على يديه والصحيح أنه إنما أسلم قبل الفتح بستة أشهر هو وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبدري.
وكان أحد أمراء الإسلام، وهو أمير ذات السلاسل، وأمده رسول الله ﷺ بمدد عليهم أبو عبيدة، ومعه الصديق، وعمر الفاروق، واستعمله رسول الله ﷺ على عمان، فلم يزل عليها مدة حياة رسول الله ﷺ، وأقره عليها الصديق.
وقد قال الترمذي: ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، ثنا مشرح بن عاهان، عن عقبة بن عامر قال:
قال رسول الله ﷺ: «أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص».
وقال أيضا: ثنا إسحاق بن منصور، ثنا أبو أسامة، عن نافع، عن عمر الجمحي، عن ابن أبي ملكية، قال: قال طلحة بن عبيد الله:
سمعت رسول الله يقول: «إن عمرو بن العاص من صالحي قريش».
وفى الحديث الآخر: «ابنا العاص مؤمنان».
وفى الحديث الآخر: «نِعم أهل البيت عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله».
رووه في فضائل عمرو بن العاص، ثم إن الصديق بعثه في جملة من بعث من أمراء الجيش إلى الشام فكان ممن شهد تلك الحروب، وكانت له الآراء السديدة، والمواقف الحميدة، والأحوال السعيدة.
ثم بعثه عمر إلى مصر فافتتحها واستنابه عليها وأقره فيها عثمان بن عفان أربع سنين، ثم عزله كما قدمنا، وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فاعتزل عمرو بفلسطين وبقي في نفسه من عثمان رضي الله عنهما.
فلما قتل سار إلى معاوية فشهد مواقفه كلها بصفين وغيرها، وكان هو أحد الحكمين.
ثم لما أن استرجع معاوية مصر وانتزعها من يد محمد بن أبي بكر، استعمل عمرو بن العاص عليها، فلم يزل نائبها إلى أن مات في هذه السنة على المشهور.
وقيل: إنه توفي سنة سبع وأربعين.
وقيل: سنة ثمان وأربعين.
وقيل: سنة إحدى وخمسين رحمه الله.
وقد كان معدودا من دهاة العرب وشجعانهم، وذوي آرائهم وله أمثال حسنة، وأشعار جيدة.
وقد روي عنه أنه قال: حفظت من رسول الله ﷺ ألف مثل، ومن شعره:
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه * ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منه وغادر سبة * إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
وقال الإمام أحمد: حدثنا على بن إسحاق، ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله: لم تبكي؟ أجزعا على الموت
فقال: لا والله ولكن مما بعد الموت.
فقال له: قد كنت على خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله وفتوحه الشام.
فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاثة أطباق ليس فيها طبق إلا عرفت نفسي فيه، كنت أول قريش كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله ﷺ فلومت حينئذ وجبت لي النار.
فلما بايعت رسول الله ﷺ كنت أشد الناس حياء منه، فما ملأت عيني من رسول الله ولا راجعته فيما أريد حتى لحق بالله حياء، فلو مت يومئذ قال الناس: هنيئا لعمرو أسلم، وكان على خير فمات عليه نرجو له الجنة.
ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدرى علي أم لي، فإذا مت فلا تبكين عليَّ باكية، ولا يتبعني مادح، ولا نار، وشدوا علي إزاري فأني مخاصم، وشنوا عليَّ التراب شنا، فإن جنبي الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبي الأيسر، ولا تجعلن في قبري خشبة ولا حجرا، وإذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور أستأنس بكم.
وقد روى مسلم هذا الحديث في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب بإسناده نحوه وفيه زيادات على هذا السياق.
فمنها: قوله: كي أستأنس بكم لأنظر ماذا أراجع رسل ربي عز وجل.
وفي رواية: أنه بعد هذا حول وجهه إلى الجدار وجعل يقول: اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك.
وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا قوي فانتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستنكر بل مستغفر، لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه.
وأما محمد بن مسلمة الأنصاري فقد أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، شهد بدرا وما بعدها إلا تبوك، فإنه استخلفه رسول الله على المدينة في قوله.
وقيل: استخلفه في قرقرة الكدر، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودي.
وقيل: أنه الذي قتل مرحبا اليهودي يوم خيبر أيضا.
وقد أمره رسول الله ﷺ على نحو من خمس عشرة سرية، وكان ممن اعتزل تلك الحروب بالجمل وصفين ونحو ذلك، واتخذ سيفا من خشب.
وقد ورد في حديث قدمناه أنه أمره رسول الله ﷺ بذلك وخرج إلى الربذة.
وكان من سادات الصحابة، وكان هو رسول عمر إلى عماله، وهو الذي شاطرهم عن أمره، وله وقائع عظيمة، وصيانة وأمانة بليغة رضي الله عنه، واستعمله على صدقات جهينة.
وقيل: إنه توفي سنة ست أو سبع وأربعين.
وقيل: غير ذلك.
وقد جاوز السبعين، وترك بعده عشرة ذكور وست بنات، وكان أسمر، شديد السمرة، طويلا، أصلع رضي الله عنه.