→ قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري مع ابني زياد عبيد الله وعباد | البداية والنهاية – الجزء الثامن الحطيئة الشاعر ابن كثير |
عبد الله بن مالك بن القشب ← |
واسمه جرول بن مالك بن جرول بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عيسى بن مليكة، الشاعر الملقب بالحطيئة لقصره.
أدرك الجاهلية وأسلم في زمن الصديق، وكان كثير الهجاء حتى يقال إنه هجا أباه وأمه، وخاله وعمه، ونفسه وعرسه، فمما قال في أمه قوله:
تنحي فاقعدي عني بعيدا * أراح الله منك العالمينا
أغرْبالا إذا استودعت سرا * وكانونا على المتحدثينا
جزاك الله شرا من عجوزٍ * ولقاك العقوق من البنينا
وقال في أبيه وعمه وخاله:
لحاك الله ثمَّ لحاكَ حقا * أبا ولحاكَ من عمٍ وخالِ
فنعمَ الشيخُ أنتَ لدى المخازي * وبئس الشيخُ أنتَ لدى المعالي
ومما قال في نفسه يذمها
أبتْ شفتايَ اليوم أن تتكلما * بشرٍ فما أدري لمن أنا قائله؟
أرى ليَ وجها شوّهَ الله خلقه * فقبحَ من وجهٍ وقبحَ حاملهْ
وقد شكاه الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأحضره وحبسه، وكان سبب ذلك أن الزبرقان بن بدر شكاه لعمر أنه قال له يهجوه:
دعْ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها * واقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي
فقال له عمر: ما أراه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا؟
فقال: يا أمير المؤمنين إنه لا يكون هجاء أشد من هذا، فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله عن ذلك.
فقال: يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه، فعند ذلك حبسه عمر وقال: يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين، ثم شفع فيه عمرو بن العاص فأخرجه وأخذ عليه العهد أن لا يهجو الناس واستتابه.
ويقال: إنه أراد أن يقطع لسانه فشفعوا فيه حتى أطلقه.
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحرامي، عن عبد الله بن مصعب، حدثني عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: أمر عمر بإخراج الحطيئة من الحبس وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره، فأخرج وأنا حاضر فأنشأ يقول:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ * زعب الحواصل لا ماء ولا شجر
غادرت كاسبهم في قعر مظلمةٍ * فارحم هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه * ألقى إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فامنن على صبيةٍ بالرمل مسكنهم * بين الأباطح يغشاهم بها القدر
نفسي فداؤك كم بيني وبينهم * من عرض واديةٍ يعمى بها الخبر
قال: فلما قال الحطيئة: ماذا تقول الأفراخ بذي مرخ، بكى عمر فقال عمرو بن العاص: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة.
ثم ذكروا أنه أراد قطع لسان الحطيئة لئلا يهجو به الناس فأجلسه على كرسي وجيء بالموس، فقال الناس: لا يعود يا أمير المؤمنين وأشاروا إليه قل: لا أعود.
فقال له عمر: النجا.
فلما ولى قال له عمر: ارجع يا حطيئة، فرجع فقال له: كأني بك عند شاب من قريش قد كسر لك نمرقة، وبسط لك أخرى.
وقال: يا حطيئة غننا، فاندفعت تغنيه بأعراض الناس.
قال أسلم: فرأيت الحطيئة بعد ذلك عند عبيد الله بن عمر وقد كسر له نمرقة وبسط له أخرى.
وقال: يا حطيئة غننا فاندفع حطيئة يغني.
فقلت له: يا حطيئة أتذكر يوم عمر حين قال لك ما قال؟
ففزع وقال: رحم الله ذلك المرء، لو كان حيا ما فعلنا هذا.
فقلت لعبيد الله: إني سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل.
وقال الزبير: حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال: قال عمر للحطيئة: دع قول الشعر.
قال: لا أستطيع.
قال: لم؟
قال: هو مأكلة عيالي، وعلة لساني.
قال: فدع المدحة المجحفة.
قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟
قال: تقول بنو فلان أفضل من بني فلان، امدح ولا تفضل.
فقال: أنت أشعر مني يا أمير المؤمنين.
ومن مديحه الجيد المشهور قوله:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم * من اللوم أوسدّوا المكان الذي سدوا
أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها * وإن أنعموا لا كدروها ولا كدّوا
قالوا: ولما احتضر الحطيئة، قيل له: أوص.
قال: أوصيكم بالشعر، ثم قال:
الشعر صعب وطويل سلّمة * إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه * والشعر لا يستطبعه من يظلمه
أراد أن يعربه فأعجمه.
قال أبو الفرج الجوزي في المنتظم: توفي الحطيئة في هذه السنة.
وذكر أيضا فيها وفاة عبد الله بن عامر بن كريز، وقد تقدم في التي قبلها.