→ الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب | البداية والنهاية – الجزء التاسع موسى بن نصير أبو عبد الرحمن البلوي ([1]) ابن كثير |
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ← |
مولاهم، كان مولى لا مرأة منهم، وقيل كان مولى لبني أمية، افتتح بلاد المغرب، وغنم منها أموالا لا تعد ولا توصف، وله بها مقامات مشهورة هائلة، ويقال إنه كان أعرج، ويقال إنه ولد في سنة تسع عشرة، وأصله من عين التمر، وقيل أنه من أراشة من بلِّي، سبي أبوه من جبل الخليل من الشام في أيام الصديق، وكان اسم أبيه نصرا فصغر، روى عن تميم الداري، وروى عنه ابنه عبد العزيز، ويزيد بن مسروق اليحصبي، وولي غزو البحر لمعاوية، فغزا قبرص، وبنى هنالك حصونا كالماغوصة وحصن بانس وغير ذلك من الحصون التي بناها بقبرص، وكان نائب معاوية عليها بعد أن فتحها معاوية في سنة سبع وعشرين، وشهد مرج راهط مع الضحاك بن قيس، فلما قتل الضحاك لجأ موسى بن نصير لعبد العزيز بن مروان، ثم لما دخل مروان بلاد مصر كان معه فتركه عند ابنه عبد العزيز، ثم لما أخذ عبد الملك بلاد العراق جعله وزيرا عند أخيه بشر بن مروان.
وكان موسى بن نصير هذا ذا رأي وتدبير وحزم و خبرة بالحرب، قال البغوي: ولي موسى ابن نصير إمرة بلاد إفريقية سنة تسع وسبعين فافتتح بلادا كثيرة جدا مدنا وأقاليم، وقد ذكرنا أنه افتتح بلاد الأندلس، وهي بلاد ذات مدن وقرى وريف، فسبى منها ومن غيرها خلقا كثيرا، وغنم أموالا كثيرةً جزيلةً، ومن الذهب والجواهر النفيسة شيئا لا يحصى ولا يعد، وأما الآلات والمتاع والدواب فشيء لا يدرى ما هو وسبى من الغلمان الحسان والنساء الحسان شيئا كثيرا، حتى قيل أنه لم يسلب أحد مثله من الأعداء، وأسلم أهل المغرب على يديه وبث فيهم الدين والقرآن، وكان إذا سار إلى مكان تحمل الأموال معه على العجل لكثرتها وعجز الدواب عنها.
وقد كان موسى بن نصير هذا يفتح في بلاد المغرب، وقتيبة يفتح في بلاد المشرق، فجزاهما الله خيرا فكلاهما فتح من الأقاليم والبلدان شيئا كثيرا، ولكن موسى بن نصير حظي بأشياء لم يحظ بها قتيبة، حتى قيل أنه لما فتح الأندلس جاءه رجل فقال له: ابعث معي رجالا حتى أدلك على كنز عظيم، فبعث معه رجالا فأتى بهم إلى مكان فقال: احفروا، فحفروا فأفضى بهم الحفر إلى قاعة عظيمة ذات لواوين حسنة، فوجدوا هناك من اليواقيت والجواهر والزبرجد ما أبهتهم، وأما الذهب فشيء لا يعبر عنه، ووجدوا في ذلك الموضع الطنافس، الطنفسة منها منسوجة بقضبان الذهب، منظومة باللؤلؤ الغالي المفتخر، والطنفسة منظومة بالجوهر المثمن، واليواقيت التي ليس لها نظير في شكلها وحسنها وصفاتاه، ولقد سمع يومئذ مناد ينادي لا يرون شخصه أيها الناس إنه قد فتح عليكم باب من أبوب جهنم فخذوا حذركم. وقيل إنهم وجدوا في هذا الكنز مائدة سليمان بن داود التي كان يأكل عليها. وقد جمع أخباره وما جرى له في حروبه وغزواته رجل من ذريته يقال له أبو معاوية معارك بن مروان بن عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير النصيري.
وروى الحافظ ابن عساكر: أن عمر بن عبد العزيز سأل موسى بن نصير حين قدم دمشق أيام الوليد عن أعجب شيء رأيت في البحر، فقال: انتهينا مرة إلى جزيرة فيها ست عشرة جرة مختومة بخاتم سليمان بن داود عليهما السلام، قال: فأمرت بأربعة منها فأخرجت، وأمرت بواحدة منها فنقبت فإذا قد خرج منها شيطان ينفض رأسه ويقول: والذي أكرمك بالنبوة لا أعود بعدها أفسد في الأرض، قال: ثم إن ذلك الشيطان نظر فقال: إني لا أرى بهاء سليمان وملكه، فانساخ في الأرض فذهب، قال: فأمرت بالثلاث البواقي فرددن إلى مكانهن.
وقد ذكر السمعاني وغيره عنه أنه سار إلى مدينة النحاس التي بقرب البحر المحيط الأخضر، في أقصى بلاد المغرب، وأنهم لما أشرفوا عليها رأوا بريق شرفاتها وحيطانها من مسافة بعيدة، وأنهم لما أتوها نزلوا عندها، ثم أرسل رجلا من أصحابه ومعه مائة فارس من الأبطال، وأمره أن يدور حول سورها لينظر هل لها باب أو منفذ إلى داخلها، فقيل: إنه سار يوما وليلة حول سورها، ثم رجع إليه فأخبره أنه لم يجد بابا ولا منفذا إلى داخلها، فأمرهم فجمعوا ما معهم من المتاع بعضه على بعض فلم يبلغوا أعلى سورها، فأمر فعمل سلالم فصعدوا عليها، وقيل: إنه أمر رجلا فصعد على سورها، فلما رأي ما في داخلها لم يملك نفسه أن ألقاها في داخلها فكان آخر العهد به، ثم آخر فكذلك، ثم امتنع الناس من الصعود إليها، فلم يحط أحد منهم بما في داخلها علما، ثم ساروا عنها فقطعوها إلى بحيرة قريبة منها، فقيل: إن تلك الجرار المذكورة وجدها فيها، ووجد عليها رجلا قائما، فقال له: ما أنت؟ قال: رجل من الجن وأبي محبوس في هذه البحيرة حبسه سليمان، فأنا أجيء إليه في كل سنة مرة أزوره. فقال له: هل رأيت أحدا خارجا من هذه المدينة أو داخلا إليها؟ قال: لا إلا أن رجلا يأتي في كل سنة إلى هذه البحيرة يتعبد عليها أياما ثم يذهب فلا يعود إلى مثلها، والله أعلم ما هو.
ثم رجع إلى إفريقية، والله أعلم بصحة ذلك، والعهدة على من ذكر ذلك أولا.
وقد استسقى موسى بن نصير بالناس في سنة ثلاث وتسعين حين أقحطوا بأفريقية، فأمرهم بصيام ثلاثة أيام قبل الاستسقاء، ثم خرج بين الناس وميز أهل الذمة عن المسلمين، وفرق بين البهائم وأولادها، ثم أمر بارتفاع الضجيج والبكاء، وهو يدعو الله تعالى حتى انتصف النهار، ثم نزل فقيل له: ألا دعوت لأمير المؤمنين؟ فقال: هذا موطن لا يذكر فيه إلا الله عز وجل، فسقاهم عز وجل لما قال ذلك.
وقد وفد موسى بن نصير على الوليد بن عبد الملك في آخر أيامه، فدخل دمشق في يوم جمعة والوليد على المنبر، وقد لبس موسى ثيابا حسنةً وهيئةً حسنةً، فدخل ومعه ثلاثون غلاما من أبناء الملوك الذين أسرهم، والأسبان، وقد ألبسهم تيجان الملوك مع ما معهم من الخدم والحشم والأبهة العظيمة، فلما نظر إليهم الوليد وهو يخطب الناس على منبر جامع دمشق بهت إليهم لما رأى عليهم من الحرير والجواهر والزينة البالغة، وجاء موسى بن نصير فسلم على الوليد وهو على المنبر، وأمر أولئك فوقفوا عن يمين المنبر وشماله، فحمد الله الوليد وشكره على ما أيده به ووسع ملكه، وأطال الدعاء والتحميد والشكر حتى خرج وقت الجمعة، ثم نزل فصلى بالناس، ثم استدعى بموسى بن نصير فأحسن جائزته وأعطاه شيئا كثيرا، وكذلك موسى بن نصير قدم معه بشيء كثير، من ذلك مائدة سليمان بن داود عليهما السلام، التي كان يأكل عليها، وكانت من خليطين ذهب وفضة، وعليها ثلاثة أطواق لؤلؤ وجوهر لم ير مثله، وجدها في مدينة طليطلة من بلاد الأندلس مع أموال كثيرة.
وقيل: إنه بعث ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس، وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب من السبي مائة ألف رأس أيضا من البربر، فلما جاء كتابه إلى الوليد وذكر فيه أن خمس الغنائم أربعون ألف رأس قال الناس: إن هذا أحمق، من أين له أربعون ألف رأس خمس الغنائم؟ فبلغه ذلك فأرسل أربعين ألف رأس وهي خمس ما غنم، ولم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير أمير المغرب.
وقد جرت له عجائب في فتحه بلاد الأندلس وقال: ولو انقاد الناس لي لقدتهم حتى أفتح بهم مدينة رومية - وهي المدينة العظمى في بلاد الفرنج - ثم ليفتحها الله على يدي إن شاء الله تعالى، ولما قدم على الوليد قدم معه بثلاثين ألفا من السبي غير ما ذكرنا، وذلك خمس ما كان غنمه في آخر غزاة غزاها ببلاد المغرب، وقدم معه من الأموال والتحف واللآلي والجواهر ما لا يحد ولا يوصف، ولم يزل مقيما بدمشق حتى مات الوليد وتولى سليمان، وكان سليمان عاتبا على موسى فحبسه عنده وطالبه بأموال عظيمة. ولم يزل في يده حتى حج بالناس سليمان في هذه السنة وأخذه معه فمات بالمدينة، وقيل بوادي القرى، وقد قارب الثمانين، وقيل توفي في سنة تسع وتسعين، فالله أعلم ورحمه الله وعفا عنه بمنه وفضله آمين.
- ↑ 1 ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص.422 (تحقيق: عبد السلام هارون – دار المعارف – القاهرة)