→ سليمان بن يسار أحد التابعين | البداية والنهاية – الجزء التاسع عكرمة مولى ابن عباس ابن كثير |
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ← |
أحد التابعين، والمفسرين المكثرين، والعلماء الربانيين، والرحالين الجوالين، وهو: أبو عبد الله، وقد روى عن خلق كثير من الصحابة، وكان أحد أوعية العلم، وقد أفتى في حياة مولاه ابن عباس.
قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة.
وقد طاف عكرمة البلاد، ودخل إفريقية واليمن والشام والعراق وخراسان، وبث علمه هنالك، وأخذ الصلات وجوائز الأمراء.
وقد روى ابن أبي شيبة، عنه، قال: كان ابن عباس يجعل في رجليَّ الكبل يعلمني القرآن والسنن.
وقال حبيب بن أبي ثابت: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدا: عطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، فأقبل سعيد ومجاهد يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما، جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، قال: ثم دخلوا الحمام ليلا.
قال جابر بن زيد: عكرمة أعلم الناس.
وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.
وروى الإمام أحمد، عن عبد الصمد، عن سلام بن مسكين، سمعت قتادة، يقول: أعلمهم بالتفسير عكرمة. وقال سعيد بن جبير نحوه.
وقال عكرمة: لقد فسرت ما بين اللوحتين.
وقال ابن علية: عن أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل - وأشار إلى سلع -.
وقال عبد الرزاق: عن أبيه: لما قدم عكرمة الجند حمله طاوس على نجيب فقال: ابتعت علم هذا الرجل.
وفي رواية: أن طاوسا حمله على نجيب ثمنة ستون دينارا، وقال: ألا نشتري علم هذا العبد بستين دينارا !
ومات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد، فأخرجت جنازتهما، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس.
وقال عكرمة: قال لي ابن عباس: انطلق فأفتِ الناس، فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عني ثلثي مؤنة الناس.
وقال سفيان: عن عمرو، قال: كنت إذا سمعت عكرمة يحدث عن المغازي كأنه مشرف عليهم ينظر كيف يصنعون ويقتتلون.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت معمرا، يقول: سمعت أيوب، يقول: كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة إلى أفق من الآفاق، قال: فإني لفي سوق البصرة فإذا رجل على حمار، قيل: هذا عكرمة، قال: واجتمع الناس إليه، فما قدرت أنا على شيء أسأله عنه، ذهبت مني المسائل، وشردت عني فقمت إلى جنب حماره، فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظه.
وقال شعبة: عن خالد الحذاء، قال: قال عكرمة لرجل وهو يسأله: مالك أخبلت؟ أي: فتنت.
وقال زياد بن أبي أيوب: حدثنا أبو ثميلة، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، قال: قلت لعكرمة بنيسابور: الرجل يريد الخلاء وفي إصبعه خاتم فيه اسم الله، قال: يجعل فصه في باطن يده ثم يقبض عليه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أمية بن خالد، قال: سمعت شعبة، يقول: قال خالد الحذاء: كل شيء قال فيه محمد بن سيرين: ثبت عن ابن عباس، إنما سمعه من عكرمة، لقيه أيام المختار بالكوفة.
وقال سفيان الثوري: خذوا المناسك عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة.
وقال أيضا: خذوا التفسير عن أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك.
وقال عكرمة: أدركت مئتين من أصحاب رسول الله ﷺ في هذا المسجد.
وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان بن داود عليه السلام عشرين ألفا فعقرها.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا معمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } [النساء: 17] قال: الدنيا كلها قريب، وكلها جهالة.
وفي قوله: { لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الْأَرْضِ } [القصص: 83] قال: عند سلاطينها وملوكها.
{ وَلَا فَسَادا } [القصص: 83] : لا يعلمون بمعاصي الله عز وجل.
{ وَالْعَاقِبَةُ } [القصص: 83] : هي الجنة.
وقال في قوله تعالى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } [الأنعام: 44] أي: تركوا ما وعظوا.
{ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [الأعراف: 165] أي: شديد.
{ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ } [الأعراف: 166] أي: تمادوا وأصروا.
{ خَاسِئِينَ } [الأعراف: 166] : صاغرين.
{ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } [البقرة: 66] أي: من الأمم الماضية.
{ وَمَا خَلْفَهَا } [البقرة: 66] : من الأمم الآتية، من أهل زمانهم وغيرهم.
{ وَمَوْعِظَةً } [البقرة: 66] : تقي من اتعظ بها الشرك والمعاصي.
وقال ابن عباس: إذا كان يوم القيامة بعث الله الذين اعتدوا ويحاسب الذين تركوا الأمر والنهي كان المسخ لهم عقوبة في الدنيا حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال عكرمة: قال ابن عباس: هلك والله والقوم جميعا.
قال ابن عباس: فالذين أمروا ونهوا نجوا، والذين لم يأمروا ولم ينهوا هلكوا فيمن هلك من أهل المعاصي.
قال: وذلك أهل أيلة - وهي: قرية على شاطئ البحر - وكان الله قد أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا ليوم الجمعة فقالوا: بل نتفرغ ليوم السبت، لأن الله فرغ من الخلق يوم السبت، فأصبحت الأشياء مسبوتة.
وذكروا قصة أصحاب السبت، وتحريم الصيد عليهم، وأن الحيتان كانت تأتيهم يوم السبت ولا تأتيهم في غيره من الأيام، وذكروا احتيالهم على صيدها في يوم السبت فقال قوم: لا ندعكم تصيدون في يوم السبت ووعظوهم، فجاء قوم آخرون مداهنون فقالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْما اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابا شَدِيدا }؟ [الأعراف: 164] .
قال الناهون: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأعراف: 164] أي: ينتهون عن الصيد في يوم السبت.
وقد ذكر عكرمة أنه لما قال لابن عباس: إن المداهنين هلكوا مع الغالفين، كساه ثوبين.
وقال حوثرة، عن مغيرة، عن عكرمة، قال: كانت القضاة ثلاثة - يعني: في بني إسرائيل - فمات واحد فجعل الآخر مكانه، فقضوا ما شاء الله أن يقضوا فبعث الله ملكا على فرس فمر على رجل يسقي بقرة معها عجل، فدعا الملك العجل فتبع العجل الفرس، فجاء صاحبه ليرده فقال: يا عبد الله ! عجلي وابن بقرتي، فقال الملك: بل هو عجلي وابن فرسي، فخاصمه حتى أعيا، فقال: القاضي بيني وبينك.
قال: لقد رضيت، فارتفعا إلى أحد القضاة، فتكلم صاحب العجل فقال له: مر بي على فرس فدعا عجلي فتبعه فأبى أن يرده، قال: ومع الملك ثلاث درات لم ير الناس مثلها، فأعطى القاضي درة، وقال: اقض لي، فقال: كيف يسوغ هذا؟ فقال: نرسل العجل خلف الفرس والبقرة فأيهما تبعها فهو ابنها، ففعل ذلك فتبع الفرس فقضى له.
فقال صاحب العجل: لا أرضى، بيني وبينك القاضي الآخر، ففعلا مثل ذلك، ثم أتيا الثالث فقصا عليه قصتهما، وناوله الملك الدرة الثالثة فلم يأخذها، وقال: لا أقضي بينكما اليوم، فقالا: ولم لا تقضي بيننا؟ فقال: لأني حائض، فقال الملك: سبحان الله !! رجل يحيض !؟.
فقال القاضي: سبحان الله ! وهل تنتج الفرس عجلا؟ فقضى لصاحب البقرة.
فقال الملك: إنكم إنما ابتليتم، وقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك.
وقال أبو بكر بن عياش: عن أبي حمزة الثمالي، عن عكرمة، أن ملكا من الملوك نادى في مملكته: إني إن وجدت أحدا يتصدق بصدقة قطعت يده.
فجاء سائل إلى امرأة فقال: تصدقي علي بشيء، فقالت: كيف أتصدق عليك والملك يقطع يد من يتصدق؟ قال: أسالك بوجه الله إلا تصدقت علي بشيء، فتصدقت عليه برغيفين، فبلغ ذلك الملك فأرسل إليها فقطع يديها.
ثم إن الملك قال لأمه: دليني على امرأة جميلة لأتزوجها، فقالت: إن ههنا امرأة ما رأيت مثلها، لولا عيب بها، قال: أي عيب هو؟ قالت: مقطوعة اليدين، قال: فأرسلي إليها، فلما رآها أعجبته - وكان لها جمال - فقالت: إن الملك يريد أن يتزوجك، قالت: نعم إن شاء الله، فتزوجها وأكرمها، فنهد إلى الملك عدو فخرج إليهم.
ثم كتب إلى أمه: انظري فلانة فاستوصي بها خيرا وافعلي وافعلي معها، فجاء الرسول فنزل على بعض ضرائرها فحسدنها، فأخذن الكتاب فغيرنه وكتبن إلى أمه: انظري فلانة فقد بلغني أن رجالا يأتونها فأخرجيها من البيت، وافعلي وافعلي، فكتبت إليه الأم: إنك قد كذبت، وإنها لامرأة صدق، فذهب الرسول إليهن، فنزل بهن، فأخذن الكتاب فغيرنه، فكتبن إليه: إنها فاجرة وقد ولدت غلاما من الزنا.
فكتب إلى أمه: انظري فلانة فاجعلي ولدها على رقبتها واضربي على جيبها وأخرجيها. قال: فلما جاءها الكتاب قرأته عليها وقالت لها: اخرجي، فجعلت الصبي على رقبتها وذهبت، فمرت بنهر وهي عطشانة فنزلت لتشرب والصبي على رقبتها فوقع في الماء فغرق، فجلست تبكي على شاطئ النهر.
فمر بها رجلان فقالا: ما يبكيك؟ فقالت: ابني كان على رقبتي وليس لي يدان فسقط في الماء فغرق.
فقالا لها: أتحبين أن يرد الله عليك يديك كما كانتا؟ قالت: نعم ! فدعوا الله ربهما لها فاستوت يداها، ثم قالا لها: أتدرين من نحن؟ قالت: لا ! قالا: نحن الرغيفان اللذان تصدقت بهما.
وقال في قوله: { طَيْرَا أَبَابِيْل } [الفيل: 3] قال: طير خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع فلم تزل ترميهم حتى جدرت جلودهم، وما رؤي الجدري قبل يومئذ، وما رؤي الطير قبل يومئذ ولا بعد.
وفي قوله تعالى: { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [فصلت: 6-7] قال: لا يقولون لا إله إلا الله.
وفي قوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } [الأعلى: 14] قال: من يقول لا إله إلا الله.
وفي قوله: { هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى } [النازعات: 18] : إلى أن تقول لا إله إلا الله.
وفي قوله: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } [فصلت: 30] : على شهادة أن لا إله إلا الله.
وفي قوله: { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } [هود: 78] : أليس منكم من يقول: لا إله إلا الله.
وفي قوله: { وَقَالَ صَوَابا } [النبأ: 38] قال: لا إله إلا الله.
وفي قوله: { إنك لا تخلف الميعاد } [آل عمران: 194] لمن قال: لا إله إلا الله.
وفي قوله: { فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } [البقرة: 193] : على من لا يقول: لا إله إلا الله.
وفي قوله: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف: 24] قال: إذا غضبت.
{ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } [الفتح: 29] ، قال: السهر.
وقال: إن الشيطان ليزين للعبد الذنب، فإذا عمله تبرأ منه، فلا يزال يتضرع إلى ربه ويتمسكن له ويبكي حتى يغفر الله له ذلك وما قبله.
وقال: قال جبريل عليه السلام: إن ربي ليبعثني إلى الشيء لأمضيه فأجد الكون قد سبقني إليه.
وسئل عن الماعون قال: العارية.
قلت: فإن منع الرجل غربالا أو قدرا أو قصعةً أو شيئا من متاع البيت فله الويل؟ قال: لا ! ولكن إذا نهى عن الصلاة ومنع الماعون، فله الويل.
وقال: البضاعة المزجاة: التي فيها تجوز.
وقال: السائحون، هم طلبة العلم.
وقال: { كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } [الممتحنة: 13] قال: إذا دخل الكفار القبور وعاينوا ما أعد الله لهم من الخزي، يئسوا من نعمه الله.
قال غيره: «يئس الكفار من أصحاب القبور» أي: من حياتهم وبعثهم بعد موتهم.
وقال: كان إبراهيم عليه السلام يدعى: أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبوب لكيلا يفوته أحد.
وقال: أنكالا، أي: قيودا.
وقال في كاهن سبأ: أنه قال لقومه لما دنا منهم العذاب: من أراد سفرا بعيدا وحملا شديدا، فعليه بعمان، ومن أراد الخمر والخمير، وكذا وكذا والعصير، فعليه ببصرى - يعني الشام - ومن أراد الراسخات في الوحل، والمقيمات في المحل فعليه بيثرب ذات النخل.
فخرج قوم إلى عمان وقوم إلى الشام، وهم غسان، وخرج الأوس والخزرج - وهم: بنو كعب بن عمرو - وخزاعة حتى نزلوا يثرب، ذات النخل.
فلما كانوا ببطن مر قالت خزاعة: هذا موضع صالح لا نريد به بدلا، فنزلوا، فمن ثم سميت: خزاعة، لأنهم تخزعوا من أصحابهم.
وتقدمت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب، فقال الله عز وجل ليوسف عليه السلام: يا يوسف ! بعفوك عن إخوتك رفعت لك ذكرك مع الذاكرين.
وقال: قال لقمان لابنه: قد ذقت المرار فلم أذق شيئا أمر من الفقر. وحملت كل حمل ثقيل فلم أحمل أثقل من جار السوء. ولو أن الكلام من فضة لكان السكوت من ذهب.
رواه وكيع بن الجراح، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } [الأنفال: 17] قال: ما وقع شيء منها إلا في عين رجل منهم.
وقال: في قوله تعالى: { زَنِيْم } [القلم: 13] : هو اللئيم الذي يعرف اللؤمة كما يعرف الشاة بذمتها.
وقال: في قوله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأحزاب: 57] قال: هم أصحاب التصاوير.
{ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } [الأحزاب: 10] قال: لو أن القلوب تحركت أو زالت لخرجت نفسه، وإنما هو الخوف والفزع.
{ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي: بالشهوات.
{ وَتَرَبَّصْتُمْ }: بالتوبة.
{ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ } أي: التسويف.
{ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ }: الموت.
{ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [الحديد: 14] : الشيطان.
وقال: من قرأ يس والقرآن الحكيم لم يزل ذلك اليوم في سرور حتى يمسي.
قال سلمة بن شعيب: حدثنا إبراهيم بن الحكم، عن أبان، عن أبيه. قال: كنت جالسا مع عكرمة عند البحر فذكروا الذين يغرقون في البحر فقال عكرمة: الذين يغرقون في البحار تقتسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منها شيء إلا العظام، حتى تصير حائلا نخرة فتمر بها الإبل فتأكلها، ثم تسير الإبل فتبعرها، ثم يجيء بعدهم قوم فينزلون ذلك المنزل فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه، ثم يصير رمادا فتجيء الريح فتأخذه فتذريه في كل مكان من الأرض حيث يشاء الله من بره وبحره، فإذا جاءت النفخة - نفخة المبعث - فيخرج أولئك وأهل القبور المجموعين سواء.
وبهذا الإسناد، عنه، قال: إن الله أخرج رجلين، رجلا من الجنة ورجلا من النار، فقال لصاحب الجنة: عبدي ! كيف وجدت مقيلك؟ قال: خير مقيل. ثم قال لصاحب النار: «عبدي ! كيف وجدت مقيلك؟» فقال: شر مقيل قاله القائلون، ثم ذكر من عقاربها وحياتها وزنابيرها، ومن أنواع ما فيها من العذاب وألونه.
فيقول الله تعالى لصاحب النار: «عبدي ! ماذا تعطيني إن أنا أعفيتك من النار؟» فيقول العبد: إلهي وماذا عندي ما أعطيك؟ فقال له الرب تعالى: «لو كان لك جبل من ذهب أكنت تعطيني فأعفيك من النار؟» فقال: نعم، فقال له الرب: «كذبت لقد سألتك في الدنيا ما هو أيسر من ذلك ! تدعوني فأستجيب لك، وتستغفرني فأغفر لك، وتسألني فأعطيك، فكنت تتولى ذاهبا».
وبهذا الإسناد قال: ما من عبد يقربه الله عز وجل يوم القيامة للحساب إلا قام من عند الله بعفوه.
وبه، عنه: لكل شيء أساس، وأساس الإسلام الخلق الحسن.
وبه، عنه، قال: شكا نبي من الأنبياء إلى ربه عز وجل الجوع والعري، فأوحى الله إليه: «أما ترضى أني سددت عنك باب الشر الناشئ عنها؟».
وبه، عنه، قال: إن في السماء ملكا يقال له: إسماعيل لو أذن الله له بفتح أذن من آذانه يسبح الرحمن عز وجل لمات من في السموات والأرض.
وبه، عنه، قال: سعة الشمس سعة الأرض وزيادة ثلاث مرات، وسعة القمر سعة الأرض مرة، وإن الشمس إذا غربت دخلت بحرا تحت العرش تسبح الله حتى إذا أصبحت استعفت ربها تعالى من الطلوع فيقول لها: ولم ذاك؟ - وهو أعلم - فتقول: لئلا أعبد من دونك، فيقول لها: اطلعي فليس عليك شيء من ذلك، حسبهم جهنم أبعثها إليهم مع ثلاثة عشرة ألف ملك تقودها حتى يدخلوهم.
وهذا خلاف ما ثبت في الحديث الصحيح: «إن جهنم يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك».
وقال مندل: عن أسد بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يقفن أحدكم على رجل يضرب ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من يحضره إذا لم تدفعوا عنه. ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من يحضره إذا لم تدفعوا عنه». لم يرفعه إلا مندل هذا.
وروى شعبة، عن عمارة بن حفصة، عن عكرمة، عن أبي هريرة، «أن رسول الله ﷺ كان إذا عطس غطى وجهه بثوبه، ووضع يديه على حاجبيه». هذا حديث عال من حديث شعبة.
وروى بقية، عن إسحق بن مالك الخضري، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «من حلف على أحد يمينا، وهو يرى أنه سيبره فلم يفعل، فإنما أثمه على الذي لم يبره». تفرد به بقية بن الوليد مرفوعا.
وقال عبد الله بن أحمد في مسند أبيه: حدثنا عبيد بن عمر القواريري، حدثنا يزيد بن ربيع، حدثنا عمارة بن أبي حفصة، حدثنا عكرمة، حدثتنا عائشة أن النبي ﷺ كان عليه بردان قطريان خشنان غليظان، فقالت عائشة: يا رسول الله، إن ثوبيك هذين غليظان خشنان، ترشح فيهما فيثقلان عليك، فأرسل إلى فلان فقد أتاه برد من الشام فأشتر منه ثوبين إلى ميسرة.
فقال: قد علمت والله، ما يريد نبي الله إلا أن يذهب بثوبي ويمطلني بثمنها، فرجع الرسول إلى رسول الله ﷺ فأخبره فقال ﷺ: «كذب ! قد علموا أني أتقاهم لله وآداهم للأمانة».
وفي هذا اليوم قال النبي ﷺ: «لأن يلبس أحدكم من رقاع شتى خير له من أن يستدين ما ليس عنده»، والله سبحانه أعلم.