→ ثم دخلت سنة ثمان وتسعين | البداية والنهاية – الجزء التاسع وفيها فتحت مدينة الصقالبة ابن كثير |
وممن توفي فيها من الأعيان سنة ثمانية وتسعين ← |
قال الواقدي: وقد أغارت البرجان على جيش مسلمة وهو في قلة من الناس في هذه السنة. فبعث إليه سليمان جيشا فقاتل البرجان حتى هزمهم الله عز وجل.
وفيها غزا يزيد بن المهلب قهستان من أرض الصين، فحاصرها وقاتل عندها قتالا شديدا، ولم يزل حتى تسلمها، وقتل من الترك الذين بها أربعة آلاف صبرا، وأخذ منها من الأموال والأثاث والأمتعة ما لا يحد ولا يوصف كثرة وقيمة وحسنا، ثم سار منها إلى جرجان فاستجاش صاحبها بالديلم، فقدموا لنجدته فقاتلهم يزيد بن المهلب وقاتلوه، فحمل محمد بن عبد الرحمن أبي سبرة الجعفي - وكان فارسا شجاعا باهرا - على ملك الديلم فقتله وهزمهم الله، ولقد بارز ابن أبي سبرة هذا يوما بعض فرسان الترك، فضربه التركي بالسيف على البيضة فنشب فيها، وضربه ابن أبي سبرة فقتله، ثم أقبل إلى المسلمين وسيفه يقطر دما وسيق التركي ناشب في خودته، فنظر إليه يزيد بن المهلب فقال: ما رأيت منظرا أحسن من هذا، من هذا الرجل؟ قالوا: ابن أبي سبرة. فقال: نعم الرجل لولا انهماكه في الشراب. ثم صمم يزيد على محاصرة جرجان وما زال يضيق على صاحبها حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة ألف دينار، ومائتي ألف ثوب وأربعمائة حمار موقرة زعفرانا، وأربعمائة رجل على رأس كل رجل ترس: على الترس طيلسان وجام من فضة وسرقة من حرير، وهذه المدينة كان سعيد بن العاص فيها فتحها صلحا على أن يحملوا الخراج في كل سنة مائة ألف، وفي سنة مائتي ألف، وفي بعض السنين ثلاثمائة ألف، ويمنعون ذلك في بعض السنين، ثم امتنعوا جملة وكفروا، فغزاهم يزيد بن المهلب وردها صلحا على ما كانت عليه في زمن سعيد بن العاص.
قالوا: وأصاب يزيد بن المهلب من غيرها أموالا كثيرةً جدا، فكان من جملتها تاج فيه جواهر نفيسه، فقال: أترون أحدا يزهد في هذا؟ قالوا: لا نعلمه، فقال: والله إني لأعلم رجلا لو عرض عليه هذا وأمثاله لزهد فيه، ثم دعا بمحمد بن واسع - وكان في الجيش مغازيا - فعرض عليه أخذ التاج فقال: لا حاجة لي فيه، فقال أقسمت عليك لتأخذنه، فأخذه وخرج به من عنده، فأمر يزيد رجلا أن يتبعه فينظر ماذا يصنع بالتاج، فمر بسائل فطلب منه شيئا فأعطاه التاج بكماله، وانصرف فبعث يزيد إلى ذلك السائل فأخذ منه التاج وعوضه عنه مالا كثيرا.
وقال علي بن محمد المدائني، قال أبو بكر الهذلي: كان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب فرفعوا إليه أنه أخذ خريطة فيها مائة دينار، فسأله عنها فقال: نعم وأحضرها، فقال له يزيد: هي لك ثم استدعى الذي وشى به فشتمه، فقال: في ذلك القطامي الكلبي، ويقال: إنها لسنان بن مكمل النميري:
لقد باع شهر دينه بخريطة * فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
أخذت به شيئا طفيفا وبعته * من ابن جونبوذان هذا هو الغدر
وقال مرة بن النخعي:
يا ابن المهلب ما أردت إلى امرئ * لولاك كان كصالح القراء
قال ابن جرير: ويقال إن يزيد بن المهلب كان في غزوة جرجان في مائة ألف وعشرين ألفا، منهم ستون ألفا من جيش الشام أثابهم الله، وقد تمهدت تلك لبلاد بفتح جرجان وسلكت الطرق، وكانت قبل ذلك مخوفة جدا، ثم عزم يزيد على المسير إلى خوزستان، وقدم بين يديه سرية هي أربعة آلاف من سراة الناس، فلما التقوا اقتتلوا قتالا شديدا، وقتل من المسلمين في المعركة أربعة آلاف و إنا لله و إنا إليه راجعون.
ثم إن يزيد عزم على فتح البلاد لا محالة، وما زال حتى صالحه صاحبها - وهو الأصبهبذ - بمال كثير سبعمائة، ألف في كل عام، وغير ذلك من المتاع والرقيق.