→ راشد بن سعد المقراني الحمصي | البداية والنهاية – الجزء التاسع محمد بن كعب القرظي ابن كثير |
ثم دخلت سنة تسع ومائة ← |
توفي فيها في قول، وهو: أبو حمزة، له روايات كثيرة عن جماعة من الصحابة، وكان عالما بتفسير القرآن، صالحا عابدا.
قال الأصمعي: حدثنا أبو المقدام - هشام بن زياد -، عن محمد بن كعب القرظي، أنه سئل: ما علامة الخذلان؟ قال: أن يقبح الرجل ما كان يستحن، ويستحسن ما كان قبيحا.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا عبد الله بن عبد الله بن موهب، قال: سمعت بن كعب، يقول: لأن أقرأ في ليلة حتى أصبح إذا زلزلت والقارعة لا أزيد عليهما وأردد فيهما الفكرة، أحب إلى من أن أهد القرآن هدا - أو قال: انثره نثرا -.
وقال: لو رخص لأحد في ترك الذكر، لرخص لزكريا عليه السلام، قال تعالى: { آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } [آل عمران: 41] .
فلو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص له، ولرخص للذين يقاتلون في سبيل الله، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأنفال: 45] .
وقال في قوله تعالى: { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } [آل عمران: 200] قال: اصبروا على دينكم وصابروا لوعدكم الذي وعدتم، ورابطوا عدوكم الظاهر والباطن، واتقوا الله فيما بيني وبينكم، لعلكم تفلحون إذا لقيتموني.
وقال في قوله تعالى: { لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف: 24] : علم ما أحل القرآن مما حرم.
{ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } [هود: 100] قال: القائم: ما كان من بنائهم قائما، والحصيد: ما حصد فهدم.
{ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاما } [الفرقان: 65] قال: غرموا ما نعموا به من النعم في الدنيا.
وفي رواية: سألهم ثمن نعمة فلم يقدروا عليها ولم يؤدوها، فأغرمهم ثمنها. فأدخلهم النار.
وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، قال: سمعت محمد بن كعب في هذه الآية: { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ } [الروم: 39] قال: هو الرجل يعطي الآخر من ماله ليكافئه به أو يزداد، فهذا الذي لا يربو عند الله، والمضعفون هم الذي يعطون لوجه الله لا يبتغي مكافئة أحد.
وفي قوله تعالى: { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80] قال: اجعل سريرتي وعلانيتي حسنة.
وقيل: أدخلني مدخل صدق في العمل الصالح، أي: الإخلاص، وأخرجني مخرج صدق أي: سالما.
{ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق: 37] أي: يسمع القرآن وقلبه معه في مكان آخر.
{ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } [الجمعة: 9] قال: السعي العمل ليس بالشد.
وقال: الكبائر ثلاثة: أن تأمن مكر الله، وأن تقنط من رحمة الله، وأن تيأس من روح الله.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، قال: إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه ثلاث خصال: فقها في الدين، وزهادة في الدنيا، وبصرا بعيوب نفسه.
وقال: الدنيا دار قلق، رغب عنها السعداء، وانتزعت من أيدي الأشقياء، فأشقى الناس بها أرغب الناس فيها، وأزهد الناس فيها أسعد الناس بها، هي الغاوية لمن أضاعها، المهلكة لمن اتبعها، الخائنة لمن انقاد لها، علمها جهل، وغناؤها فقر، وزيادتها نقصان، وأيامها دول.
وروى ابن المبارك، عن داود بن قيس، قال: سمعت محمد بن كعب يقول: إن الأرض لتبكي من رجل، وتبكي على رجل، تبكي على من كان يعمل على ظهرها بطاعة الله، وتبكي ممن كان يعمل على ظهرها بمعصية الله قد أثقلها.
ثم قرأ: { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } [الدخان: 29] .
وقال في قوله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7-8] : من يعمل مثقال ذرة خيرا من كافر يرى ثوابها في نفسه وأهله وماله حتى يخرج من الدنيا وليس له خير، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، من مؤمن يرى عقوبتها في نفسه وأهله وماله حتى يخرج من الدنيا وليس له شر.
وقال: ما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي في بعض ما يكره فمقتني، وقال: اذهب لا أغفر لك مع إن عجائب القرآن تردني على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى محمد بن كعب يسأله أن يبيعه غلامه سالما - وكان عابدا خيرا زاهدا - فكتب إليه: إني قد دبرته، قال: فازدد فيه، فأتاه سالم فقال له عمر: إني قد ابتليت بما ترى، وأنا والله أتخوف أن لا أنجو، فقال له سالم: إن كنت كما تقول فهذا نجاته، وإلا فهو الأمر الذي يخاف.
قال: يا سالم عظني، قال: آدم عليه السلام أخطأ خطيئة واحدة خرج بها من الجنة، وأنتم مع عمل الخطايا ترجون دخول الجنة، ثم سكت.
قلت: والأمر كما قيل في بعض كتب الله: تزرعون السيئات وترجون الحسنات، لا يجتنى من الشوك العنب.
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي * درج الجنان وطيب عيش العابد
ونسيت أن الله أخرج آدما * منها إلى الدنيا بذنب واحد
وقال: من قرأ القرآن متِّع بعقله وإن بلغ من العمر مائتي سنة.
وقال له رجل: ما تقول في التوبة؟ قال: لا أحسنها، قال: أفرأيت إن أعطيت الله عهدا أن لا تعصيه أبدا؟ قال: فمن أعظم جرما منك، تتألى على الله أن لا ينفذ فيك أمره.
وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني: حدثنا ابن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا عباد بن عباد، عن هشام بن زياد أبي المقدام، قالوا كلهم: حدثنا محمد بن كعب القرظي، قال: حدثنا ابن عباس، أن رسول الله ﷺ قال: «من أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده، ألا أنبئكم بشراركم؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «من لا يقبل عثرة، ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنبا»، ثم قال: «ألا أنبئكم بشر من هذا؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموها - وقال مرة: فتظلموهم - ولا تظلموا ظالما، ولا تطاولوا ظالما فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة: أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله».
وهذه الألفاظ لا تحفظ عن النبي ﷺ بهذا السياق إلا من حديث محمد بن كعب، عن ابن عباس، وقد روى أول الحديث إلى ذكر عيسى من غير طريقه، وسيأتي أن هذا الحديث تفرد به الطبراني بطوله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفيها توفي أبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، وقد ذكرنا ترجمهم في كتابنا التكميل.