→ عطاء بن أبي رباح | البداية والنهاية – الجزء التاسع فصل من أقوال عطاء بن أبي رباح ابن كثير |
ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائة ← |
أسند أبو محمد عطاء بن أبي رباح، - واسم أبي رباح أسلم - عن عدد كثير من الصحابة، منهم ابن عمرو، وابن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأبو هريرة وزيد بن خالد الجهني، وأبو سعيد.
وسمع من ابن عباس التفسير وغيره، وروى عنه من التابعين عدة منهم: الزهري، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، وقتادة، ويحيى بن كثير، ومالك بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت، والأعمش، وأيوب السختياني، وغيرهم من الأئمة والأعلام كثير.
قال أبو زهران: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشر مجالس من مجالس الباطل.
قال أبو هزان: قلت لعطاء: ما مجلس الذكر؟ قال: مجالس الحلال والحرام، كيف تصلي، كيف تصوم، كيف تنكح وتطلق وتبيع وتشتري.
وقال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، عن يحيى بن ربيعة الصنعاني، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول في قوله تعالى: { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ } [النمل: 48] قال: كانوا يقرضون الدراهم، قيل: كانوا يقصون منها ويقطعونها.
وقال الثوري: عن عبد الله بن الوليد - يعني الوصافي - قال: قلت لعطاء: ما ترى في صاحب قلم إن هو كتب به عاش هو وعياله في سعة، وإن هو تركه افتقر؟ قال: من الرأس؟
قال القسري لخالد: قال عطاء: قال العبد الصالح: { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرا لِلْمُجْرِمِينَ } [القصص: 17] .
وقال: أفضل ما أتي العباد العقل عن الله وهو الدين.
وقال عطاء: ما قال العبد: يا رب، ثلاث مرات إلا نظر الله إليه، قال: فذكرت ذلك للحسن فقال: أما تقرؤون القرآن: { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا } إلى قوله: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } الآيات [آل عمران: 195] .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو عبد الله السلمي، حدثنا ضمرة، عن عمر بن الورد، قال: قال عطاء: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل.
وقال سعيد بن سلام البصري: سمعت أبا حنيفة النعمان، يقول: لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء، فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة.
قال: أنت من أهل القرية الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا؟
قلت: نعم !
قال: فمن أي الأصناف أنت؟
قلت: ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب.
فقال عطاء: عرفت فالزم.
وقال عطاء: ما اجتمعت عليه الأمة أقوى عندنا من الإسناد.
وقيل لعطاء: إن هاهنا قوما يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقال: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى } [محمد: 17] فما هذا الهدى الذي زادهم؟
قلت: ويزعمون أن الصلاة والزكاة ليستا من دين الله.
فقال: قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5] فجعل ذلك دينا.
وقال يعلى بن عبيد: دخلنا على محمد بن سوقة فقال: ألا أحدثكم بحديث لعله أن ينفعكم، فإنه نفعني.
قال لي عطاء بن أبي رباح: يا ابن أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام إثما، ما عدا كتاب الله أن يقرأ، وأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو ينطلق العبد بحاجته في معيشته التي لا بد له منها، أتنكرون: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاما كَاتِبِينَ } [الانفطار: 10-11] .
و { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 17-18] .
أما يستحي أحدكم لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره فرأى أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه؟.
وقال: إذا أنت خفت الحر من الليل فاقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وروى الطبراني وغيره: أن الحلقة في المسجد الحرام كانت لابن عباس، فلما مات ابن عباس كانت لعطاء بن أبي رباح.
وروى عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن الفضل بن دكين، عن سفيان، أن سلمة بن كهيل، قال: ما رأيت أحدا يطلب بعمله ما عند الله تعالى إلا ثلاثة: عطاء، وطاوس، ومجاهد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا عمر بن ذر، قال: ما رأيت مثل عطاء قط، وما رأيت على عطاء قميصا قط، ولا رأيت عليه ثوبا يساوي خمسة دراهم.
وقال أبو بلال الأشعري: حدثنا قيس، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء: أن يعلى بن أمية كانت له صحبة، وكان يقعد في المسجد ساعة ينوي فيها الاعتكاف.
وروى الأوزاعي، عن عطاء، قال: إن كانت فاطمة بنت رسول الله ﷺ لتعجن، وإن كانت قصتها لتضرب بالجفنة.
وعن الأوزاعي، عنه، قال: { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور: 2] قال: ذلك في إقامة الحد عليهما.
وقال الأوزاعي: كنت باليمامة، وعليها رجل وال يمتحن الناس من أصحاب رسول الله ﷺ إنه منافق وما هو بمؤمن، ويأخذ عليهم بالطلاق والعتاق أن يسمي المسيء منافقا وما يسميه مؤمنا، فأطاعوه على ذلك وجعلوه له، قال: فلقيت عطاء فيما بعد فسألته عن ذلك، فقال: ما أرى بذلك بأسا يقول الله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } [آل عمران: 28] .
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا إسماعيل بن أمية، قال: كان عطاء يطيل الصمت فإذا تكلم تخيل إلينا أنه يؤيد.
وقال في قوله تعالى: { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } [النور: 37] قال: لا يلهيهم بيع ولا شراء عن مواضع حقوق الله تعالى التي افترضها عليهم أن يؤدوها في أوقاتها وأوائلها.
وقال ابن جرير: رأيت عطاء يطوف بالبيت فقال لقائده: امسكوا احفظوا عني خمسا:
القدر خيره وشره، حلوه ومره من الله عز وجل، وليس للعباد فيه مشيئة ولا تفويض.
وأهل قبلتنا مؤمنون حرام دماؤهم وأموالهم إلا بحقها.
وقتال الفئة الباغية بالأيدي والنعال والسلاح.
والشهادة على الخوارج بالضلالة.
وقال ابن عمر: تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح.
وقال معاذ بن سعيد: كنت جالسا عند عطاء فحدث بحديث، فعرض رجل له في حديثه فغضب عطاء وقال: ما هذه الأخلاق؟ وما هذه الطبائع؟ والله إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه فأريه أني لا أحسن شيئا منه.
وكان عطاء يقول: لأن أرى في بيتي شيطانا خير من أرى فيه وسادة، لأنها تدعو إلى النوم.
وروى عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جرير، قال: كان عطاء بعد ما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من سورة البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك.
وقال ابن عيينة: قلت لابن جريج: ما رأيت مصليا مثلك. فقال: لو رأيت عطاء؟.
وقال عطاء: إن الله لا يحب الفتى يلبس الثوب المشهور، فيعرض الله عنه حتى يضع ذلك الثوب.
وكان يقال: ينبغي للعبد أن يكون كالمريض لا بد له من قوت وليس كل الطعام يوافقه.
وكان يقال: الدعوة تعمي عين الحكيم فكيف بالجاهل؟ ولا تغبطن ذا نعمة بما هو فيه فإنك لا تدري إلى ماذا يصير بعد الموت.