→ فأما الحسن بن أبي الحسن | البداية والنهاية – الجزء التاسع وأما ابن سيرين ابن كثير |
أما الحسن أبو سعيد البصري ← |
فهو محمد بن سيرين، أبو بكر بن أبي عمرو الأنصاري، مولى أنس بن مالك النضري، كان أبو محمد من سبي عين التمر، أسره خالد بن الوليد في جملة السبي، فاشتراه أنس ثم كاتبه.
ثم ولد له من الأولاد الأخيار، جماعة: محمد هذا، وأنس بن سيرين، ومعبد، ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكلهم تابعيون ثقاة أجلاء رحمهم الله.
قال البخاري: ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.
وقال هشام بن حسان: هو أصدق من أدركت من البشر.
وقال محمد بن سعد: كان ثقةً مأمونا عالما رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا وكان به صمم.
وقال مؤرق العجلي: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه، وأورع في فقهه منه.
قال ابن عون: كان محمد بن سيرين أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزارا على نفسه، وأشدهم خوفا عليها.
قال ابن عون: ما بكى في الدنيا مثل ثلاثة: محمد بن سيرين في العراق، والقاسم بن محمد في الحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، وكانوا يأتون بالحديث على حروفه.
وكان الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم - يعني محمد بن سيرين -.
وقال ابن شوذب: ما رأيت أحدا أجرأ على تعبير الرؤيا منه.
وقال عثمان البتي: لم يكن بالبصرة أعلم بالقضاء منه.
قالوا: ومات في تاسع شوال من هذه السنة بعد الحسن بمائة يوم.
كان اللائق بالمؤلف: أن يذكر تراجم هؤلاء العلماء الأخيار قبل تراجم الشعراء المتقدم ذكرهم فيبدأ بهم ثم يأتي بتراجم الشعراء.
وأيضا: فإنه أطال القول في تراجم الشعراء، وأختصر تراجم العلماء، ولو كان فيها حسن وحكم ينتفع بها من وقف عليها، ولعلها أفيد من مدحهم والثناء عليهم، ولا سيما كلام الحسن وابن سيرين ووهب بن منبه كما ذكره بعد، وكما سيأتي ذكر ترجمته في هذه الزيادة، فإنه قد اختصره جدا.
وإن المؤلف أقدر وأوسع علما، فما ينبغي أن يخل ببعض كلامهم وحكمهم، فإن النفوس مستشرفة إلى معرفة ذلك والنظر فيه، فإن أقوال السلف لها موقع من القلوب، والمؤلف غالبا في التراجم يحيل على ما ذكره في التكميل الذي صنفه في أسماء الرجال، وهذا الكتاب لم نقف عليه نحن ولا من سألناه عنه من العلماء، فإنا قد سألنا عنه جماعة من أهل الفن فلم يذكر غير واحد أنه اطلع عليه، فكيف حال غيرهم.
وقد ذكرت في غالب التراجم زيادات على ما ذكره المؤلف مما وصلت إليه معرفتي واطلعنا عليه، ولو كان عندي كتب لأشبعت القول في ذلك، إذ الحكمة هي ضالة المؤمن.
ولعل أن يقف على هذا راغب في الآخرة، طالب ما عند الله عز وجل، فينتفع به أعظم مما ينتفع به من تراجم الخلف والملوك والأمراء، وإن كانت تلك أيضا نافعة لمعتبر ومزدجر، فإن ذكر أئمة العدل والجور بعد موتهم فيها فضل أولئك، وغم هؤلاء، ليعلم الظالم أنه وإن مات لم يمت ما كان متلبسا به من الفساد والظلم، بل هو مدون في الكتب عند العلماء وكذلك أهل العدل والصلاح والخير، فإن الله قد قص في القرآن أخبار الملوك والفراعنة والكفار والمفسدين، تحذيرا من أحوالهم وما كانوا يعملون، وقص أيضا أخبار الأتقياء والمحسنين والأبرار والأخيار والمؤمنين، للإقتداء والتأسي بهم، والله سبحانه أعلم.
فنقول وبالله التوفيق: