الرئيسيةبحث

سافونارولا

سافونارولا, 1498
سافونارولا, 1498
بوابة سافونارولا ،بادوفا
بوابة سافونارولا ،بادوفا

Girolamo Savonarola جيرولامو سافونارولا (21 سبتمبر 1452 - 23 مايو 1498) ، متدين و سياسي إيطالي ، ينتمي إلى نظام الرهبان الدومينيكان . أُدرجت مؤلفاته في الطبعة الأولى (1559) لفهرس الكتب المحظورة . و الآن هو ممنوح لقب خادم الرب ، و قُدمت دعوى تطويبه في 30 مايو من عام 1997 من قبل أسقفية فلورنسا .

و كان زعيم فلورنسا منذ عام 1494 حتى إعدامه حرقا في عام 1498 . و اشتهر مصلحا دينيا و واعظا مناوئا للنهضة و حارقا للكتب و محطما لما اعتبره فناً غير أخلاقي . و خطب مهاجما بشدة ضد ما رأه فسادا أخلاقيا من جانب رجال الدين ، و كان خصمه الرئيسي البابا ألكسندر السادس . يُنظر إليه أحيانا باعتباره بشيرا لظهور مارتن لوثر و الإصلاح البروتستانتي ، رغم أنه بقي كاثوليكيا ورعا و تقيا طيلة حياته .

قورنت ممارسته الدينية بتلك الينسينية المتأخرة عنه ، و رغم وجود اختلافات لاهوتية كثيرة .

فهرس

النشأة

تمثال جيرولامو سافونارولا - فيرارا
تمثال جيرولامو سافونارولا - فيرارا

ولد سافونارولا في مدينة فيرارا عاصمة الدوقية المستقلة عند الساعة 23,30 في يوم 21 سبتمبر 1452 ، كثالث أبناء التاجر نيكولو دي ميكيلي دي دالا سافونارولا و إلينا بوناكوسي سلسلة عائلة بوناكولسي النبيلة التي تحكم مانتوفا . لا معلومات عن أخويه أونيبيني و بارتولوميو ، بينما الأخرون ماوريليو و ألبيرتو و بياتريتشي و كيارا ، يعرف عنهم فقط أن ألبيرتو كان طبيبا و ماوريليو راهبا دومينيكيا كأخيه جيرولامو .

انتقلت عائلة سافونارولا بادوفية إلى فيرارا عام 1440 حيث الجد ميكيلي (1385 - 1468) ، الطبيب المعروف و صاحب المؤلفات الطبية ، و كان الطبيب الخاص للماركيز نيكولو الثالث ديستي و للبلاط الفيراري . كان ميكيلي سافونارولا رجلا عميق التدين ، ملتزما بالإنجيل متسما بالبساطة و الشدة و حتى مُرائياً ، معرضاً عن حياة البلاط ؛ في شيخوخته كتب كتيبات مثل laudibus Iohanni Baptistae ، متوحدا بتعاليمه و أسلوب حياته ، كان له تأثير كبير على تشكيل جيرولامو : أخذ الجد على عاتقه الإشراف على تعليمه الأولي معلما إيّاه له قواعد اللغة و الموسيقى و الرسم .

و بعد وفاة جده ، و رغبةً من والده نيكولو في أن يكون طبيبا ، جعله يدرس الفنون الحرة في جامعة فيرارا ؛ شُغف في البداية بحوارات أفلاطون ، ثم درس الأرسطية و التومية .

بعد حصوله على الأستاذية في الفنون الحرة ، بدأ دراسة الطب بيد أنه تركها في سن الثامنة عشرة ليكرس نفسه لدراسة اللاهوت ؛ كتب مؤلفات شعرية : تعود أغنيته De ruina mundi (عن سقوط العالم) إلى عام 1472 التي تحوي مواضيع عظاته المستقبلية و تجلى فيها وقوفه ضد رجال الدين الفاسدين أخلاقيا و قال فيها : الأرض تظلم بكل معصية / من لم يعطي أبدا لن يرفع جسده: / روما ، لقد رحل رئيسها إلى الأرض / كي لا يعود أبدا إلى وظيفته الكبيرة . و من هنا بدأ أيضا تطوير موقفه الاخلاقي

و أيضا في عام 1475 ، أغنيته الأخرى De ruina Ecclesiae (عن سقوط الكنيسة) و فيها شبه روما البابوية ببابل الفاسدة . و احتقر للإدارة البابوية بوصفها بالزائفة و العاهرة الفخورة .

بولونيا ، كنيسة سان دومينيكو
بولونيا ، كنيسة سان دومينيكو

بهذه الروح سمع في كنيسة سانت أغوستينو بفاينسا كلمات واعظ معلقا على عبور سفر التكوين غادر أرضك و أسرتك و بيت أبيك . و وفقا لما كتبه شخصيا ، قد دافعته هذه الكلمات في 24 أبريل سنة 1475 ، لترك أسرته و دخول دير سان دومينيكو البولوني خلال عصر النهضة الإيطالية .

لعل نداءه الباطني قاده على إدراك للتراجع الأخلاقي القوي . فقال في رسالة إلى عائلته : «اخترت الدين لأنني رأيت بؤس الرجال اللامتناهي ، و الاغتصاب ، و الزناة ، و السرقات ، و الكبر ، و الوثنية ، و فحش الحديث ، كل العنف لمجتمع فقد كل قدرة خيرة ... لكي أستطيع العيش حرا أعرضت عن تكون لي زوجة ، و لكي أستطيع العيش في سلام لجئت إلى ميناء الدين هذا ».

استلم في 26 أبريل عام 1475 لباس الراهب المبتدئ من قبل رئيس الدير جورجو دا فرشيلي ، و بعد سنة تلقى التصويت ، رُقي إلى شماس مساعد في 21 سبتمبر 1476 ، و أصبح شماسا في 1 مايو سنة 1477 . أراده رؤسائه واعظا و في دير Studium generale تعمق في دراسة اللاهوت و كان ضمن أساتذته اللاهوتي الشهير بييترو دا بيرغامو مؤلف Tabula aurea ، و دومينيكو دا بيربينيانو و ونيكولو دا بيزا .

عام 1479 أرسله الدير إلى فيرارا و بعد بثلاث سنوات إلى ريدجو ، حيث بمناسبة انعقاد المجمع الدومينيكي اللومباردي في 28 أبريل 1482 عين قارئاً في دير سان ماركو بفلورنسا.

في دير سان ماركو (1482 -- 1487)

وصل إلى فلورنسا إبان حكم لورينزو دي ميديشي ، و كانت تلك الفترة العاصمة الثقافية لشبه الجزيرة الإيطالية ، أو كما وصفها جيرولامو نفسه بقلب إيطاليا ، في مايو 1482 : في دير سان ماركو كان لديه واجب تفسير الكتابات و الوعظ من منابر الكنائس الفلورنسية : دروسه في الدير هي نفسها العظات .

خلال الصوم الكبير لعام 1484 اعتلى منبر سان لورينزو أبرشية آل ميديشي ؛ لم ينجح كما تشهد أخبار تلك الفترة وذلك للكنته الإميلية التي لم ترق للأذان الفلورنسية و لطريقة عرضه : كتب سافونارولا نفسه "لم يكن لدي لا صوت ولا صدر و لا طريقة للوعظ ، بل و كان وعظي مزعجا أي كان" و لكن يأتي للإستماع إلا "بسطاء معينين و بعض الجبناء"

في 29 أغسطس انتخب جوفاني باتيستا تشيبو بابا باسم إنوسنتيوس الثامن بعد وفاة البابا سيكستوس الرابع في 12 أغسطس 1484 . و يبدو أن سافونارولا في هذه الفترة كان يتأمل وحيدا في كنيسة سان جورجو ، تلك الاضاءة ، تكلم عنها في نهاية حياته خلال المحاكمة موضحاً "عدة أراء أوضح بها أن الكنيسة قريبة من كارثة".

سان جيمينيانو و الكلية
سان جيمينيانو و الكلية

بُعث إلى سان جيمينيانو لعظات الصوم الكبير ، و مباشرة في مارس 1485 في كلية الكنسية خطب قائلا أن كنيسة "ستصاب قريبا بكارثة متجددة" : إنها المرة الأولى التي يشهد فيها بعظاته "التنبؤية" . في 9 مارس ثم 23 أكتوبر من ذلك العام تلقى رسالتين من أمه في فيرارا تحملان خبر وفاة والده و عمه بورسو .

أكد مرة أخرى من على منبر الكلية في السنة التالية "نتوقع كارثة عاجلة أو مسيحا ًدجالاً أو مجاعةً أو وباءاً . إن سألتني بآموس ، عمّا إذا كنت نبياً ، فسأجيبك معه Non sum propheta (لست نبياً) " . و قائمة آراء عن البلاء القادم : وحشية الرجال - القتل و الشهوة واللواط و الوثنية و المعتقدات فلكية و السيمونية - رعاة الكنيسة السيئون ، حدوث نبوءات - علامة المحنة القادمة - إزدراء القديسين و قلة الإيمان. بيد أنه يبدو أن هذه الغظات لم تُحدث ضجة أو فضيحة ، كما لم تُثِر عظات سافونارولا في الصوم الكبير التي ألقاها في عام 1487 في كنيسة سانتا فِرديانا الفلورنسية .

بعد الإنتهاء مهمته كقارئ في فلورنسا ، و في نفس العام حصل تعيين مرموق كأستاذ Studium generale سان دومينيكو في بولونيا، و منها بعد أن درّس لمدة عام عاد إلى فيرارا في عام 1488.

في لومبارديا(1488 - 1490)

في فيرارا ظل سنتين في دير سانتا ماريا ديلي أنجيلي ، مع القيام برحلات وعظ متكررة محذرا من العقاب الإلهي الآتي فقصد مودينا و بياتشنسا و مانتوفا و بريشا .

ثم أرسله الدير إلى جنوى للعظة في الصوم الكبير و توجه كالعادة دائما على الأقدام .

في 29 أبريل 1489 و باقتراح من جوفاني بيكو ديلا ميراندولا ، كتب لورينزو دي ميديشي إلى جنرال الرهبان الوعاظ طالبا إرسال الراهب هيرونيمو من فيرارا . و دخل فلورنسا في حزيران يونيو 1490 من باب سان غالو ، و ودعه مجهول رافقه من بولونيا تقريبا بعبارة : "إفعل ما أرسلك الرب من أجل إلى فلورنسا" .

العودة إلى فلورنسا (1490 - 1498)

منذ الأول من أغسطس 1490 استأنف الدروس في سان ماركو - ولكن جميع المستمعين فسّروها على أنها عظات حقيقية - عن موضوع الرؤى ، ثم أيضا عن رسالة يوحنا الأولى :

و وعظ بحماس عن الأيام الأخيرة ، مصحوبا بما زعم أنه رؤى و اعلانات رسولية عن اتصالات مباشرة مع الرب والقديسين . هذه الخطب المتقدة كانت مألوفة في ذلك الوقت ، و لكن مجموعة من الظروف سببت لسافونارولا نجاحا عظيما و سريعا . أولى الكوارث التي أعطت مصداقية لرسالة سافونارولا الرؤيوية كانت إضعاف قبضة آل ميديشي على السلطة بسبب الحروب الإيطالية . و أثار ازدهار فن و ثقافة عصر النهضة الثمينة و التي تدفع له العائلات الإيطالية الغنية مع تنامي البؤس في إيطاليا إستياء و حنق الشعب . الكارثة الثانية كانت ظهور مرض الزهري ، ربما جلبه معهم البحارة من العالم الجديد ، و الذي كان وباءا سريعا و قاتلا كالطاعون. وأخيرا جلب اقتراب سنة 1500 مزاج الايمان بالعصر الألفي . وهكذا بالنسبة للكثير من الناس في الايام الاخيرة قد وصل إلى سافونارولا وكان النبي من اليوم.

كانت كنيسته سان ماركو دائما مزدحمة للاستزادة أثناء مراسم عظاته المقدسة و خطبه . لم يكن سافونارولا لاهوتيا أكاديميا . و لم يعلن نظريات لاهوتية و لا تعاليم صعبة . و بدلا من ذلك ، بشرهم بأن الحياة النصرانية تتضمن أن يكون الإنسان جيدا و ممارسا للفضائل أ كثر من كونها إقامة عروض أًبّهة مفرطة و إحتفالات . و هو لم يسعى إلى محاربة على كنيسة روما . بل رغب في تصحيح تجاوزات البابوات و علمنة أعضاء من الإدارة البابوية .

حذره لورينزو دي ميديشي العظيم مرارا بعدم تكرار عظات كهذه ، لدرجة أنه بات مترددا حول ضرورة الاستمرار على هذا المنوال ولكن ، و كما كتب ، أنه في صباح يوم 27 أبريل 1491 سمع صوتاً يقول له "أيها الأحمق ، ألا ترى أن إرادة الرب هي أن تعظ بهذه الطريقة؟" ، فصعدت على المنبر وقدم عظة فظيعة . و لم يأبه بالتهديدات بالإقصاء ، الذي استخدمه لورينزو نفسه ضد برناردينو دا فلتري ، متوقعا موت العظيم : "أنا غريب و هو مواطن من المدينة و كبيرها ، و أنا سأبقى و هو سيذهب ، أنا من سيبقى و ليس هو " .

بدلا من أن يبعده ، فكر لورينزو باستخدام بلاغة أوغستيني شهير ضد سافونارولا و هو ماريانو ديلا باربا من جيناغاتسو الواعظ القديم و المثقف و الأنيق ، و الذي وعظ في 12 مايو أمام حشد كبير من الناس ، من ضمنهم يبرز لورينزو ، و بيكو و بوليتسيانو ، حول موضوع يتعلق بسفر أعمال الرسل . كان واضحا جداله ضد نبوءات سافونارولا . لكنه لم يوفق ، وفقا للرواة و سافونارولا ، الذي خطب بعد ثلاثة ايام حول نفس الموضوع ، فقلب الوضع ضده .

في يوليو ، انتخب جيرولامو رئيسا لدير سان ماركو. وبطبيعة الحال ، وخلافا لعادة الرئاء السابقين لم يقدم هدية إلى لورينزو و لم يطب خاطه بهداياه و لا صدقاته الكبير . في تلك السنة نشر أول كتاب مطبوع Trattato della vita viduale (معاهدة حياة الترمل).

في ليلة 5 أبريل 1492 أصابت صاعقة منارة الكاتدرائية و فسّر كثير من الفلورنسيين الحادث على أنه فأل سيئ ، بعد ثلاثة أيام توفي لورينزو دي ميديشي في فيلته في كاريدجي ، و عزي بطلب سافونارولا المباركة ، كما انتظر بوليتسيانو ، تاركا ، غويتشارديني يكتب ، "ثلاثة أبناء ذكور."

وفي مايو ذهب جيرولامو إلى البندقية ليشارك في الملتقى العام للمجمع لومباردي ، التي انضم له دير من سان ماركو منذ عام 1456 ، لما قضى وباء عام 1448 قد على عدد كبير من الرهبان مما جعل من الضروري أن تتحد في المجمع اللومباردي لإعادة حيوية الأديرة و الرهبان . عاد إلى فلورنسا في 22 مايو وفي تلك السنة أخرج أربعة كتبه .

وفي 25 يوليو 1492 مات البابا إنوسنتيوس الثامن ، و في 11 أغسطس ارتقى البابوية الكاردينال رودريغو بورجا باسم ألكسندر السادس ، أحد أسوأ البابوات في التاريخ . عقّب سافونارولا على هذا الإختيار ، بأنه قد يعود فائدة للكنيسة .

إصلاح دير سان ماركو

كان دعم أوليفييرو كارافا ، الكاردينال الحامي للنظام الدومينيكي ، حاسما للحصول في 22 مايو 1493 على الإذن البابوي باستقلال دير سان ماركو. فانسل خاتم الصياد ببساطة من إصبع بورجا ، دون أن يحدث ذلك أية معارضة ، سجل الكاردينال النابولي الوثيقة بنفسه المعدّة سلفاً.

خطط سافونارولا للحصول على استقلال أكبر عدد ممكن من الأديرة بطريقة يمكن من خلالها السيطرة و إعطاء مزيد من القوة إلى الإصلاح الذي كان يدور في خلده . و في 13 أغسطس 1494 حصلت على الإنفصال عن المجمع لومباردي أيضا الأديرة الدومنيكية في فييزولي و سان جيمينيانو و بيزا و براتو ، موجدا بذلك مجمعا توسكانياً ، و الذي أصبح جيرولامو نفسه نائبه العام.

نزول شارل الثامن في إيطاليا

شارل الثامن
شارل الثامن

ومن المعروف أن لودوفيكو سفورزا حث شارل الثامن ملك فرنسا بالزحف بجيشه على إيطاليا للمطالبة بحقوق آل أنجو في مملكة نابولي . و في 9 سبتمبر 1494 التقى الملك الفرنسي في أستي مع لودوفيكو ، و يبدو أنه كان في جنوى في 21 سبتمبر . في فلورنسا حيث السياسة المترددة لبييرو دي ميديشي في وضع دفاعي ضد الأراغونيين في نابولي ، و تقليديا كان فرنسي الهوى ما أثار مشاعر الكُره لدى معظم المواطنين اتجاه الميديشي .

في ذلك اليوم نفسه صعد سافونارولا على منبر الكاتدرائية الحاشدة و كانت إحدى أعنف خُطبه - عن الطوفان - و بصيحة ، كما كتب ، أنها أوقفت شعر بيكو ديلا ميراندولا ، قال : "إليكم ، أنا سأسكب مياه طوفان على الأرض!" .

في الواقع مازل شارل الثامن في أستي و لكنه تحرك بجيش نحو ميلانو عبر بافيا و بياتشنسا و بونتريمولي ، و دخل فيفيتسانو في 29 أكتوبر مستوليا عليها و محصارا قلعة سرزانيلو ، طالبا فتح الطرق إلى فلورنسا. فغيّر بييرو المجلس في خلسة عن المدينة ، و أعطى شارل أكثر مما طلب : حصون سرزانيلو و سارزانا و بييتراسانتا ، و مدينتي بيزا و ليفورنو و طريقا سالكة إالى فلورنسا . و حال عودته إلى فلورنسا في 8 نوفمبر طُرد على الفور : و برز سافونارولا قائدا جديدا للمدينة ، و جامعاً في شخصه دور زعيم القائد العلماني و الكاهن . و أسس جمهورية ديمقراطية حديثة في فلورنسا . مميزا إيّاها بأنها "جمهورية نصرانية و دينية " ، أحد أول قرارتها جعل عقوبة اللواط هي الإعدام ، بعد ما كانت عقوبته تقتصر على الغرامة . كان الشذوذ الجنسي سابقا مقبولا في المدينة ، و غادر فلورنسا الكثير من مثليي النخبة .

يحكم الجمهورية غونفالونييري العدل و ثمانية قادة ، والذين يشكلون السنيوريا (السيادة) الجديدة ، وكان المجلس الأكبر (Consiglio Maggiore) نتيجة لتوحيد المجالس الثلاثة القائمة البلدي و الشعبي و السبعين ، و التي يمكن لجميع الفلورنسيين الذين تجاوزوا التاسعو و العشرين من العمر و يدفعون الضرائب المشاركة فيها ، كما انتخب مجلس من ثمانين عضوا ، لا يقل سنهم عن الأربعين ، وظيفته المصادقة المبدئية على قرارات الحكومة قبل إقرارها نهائيا من قبل المجلس الأكبر .

شُكلت فصائل البيض (Bianchi) وهو جمهوري ، و الكرويون (Palleschi) موالي لآل ميديشي ، في تقليد للفصائل القديمة متنافسة البيض و السود ؛ و من خلالها ، تشكل أيضا تقسيم جديد من المواطنين المتعاطفين مع الراهب ، لذا سموا المترهبنين ، في مواجهة أعداءهم الغاضبون (Arrabbiati) .

16 نوفمبر 1494 زار سافونارولا صديقه جوفاني بيكو ديلا ميراندولا الراقد على فراش الموت ، و استلم منه اللباس الدومينيكي و مات في اليوم التالي . في عظة 23 نوفمبر مدحه سافونارولا جنائزيا مضيفا انه قد اكتشف أن روحه كانت في المطهر .

مباشرة طلب البابا برسالة أن يقوم بالوعظ في الصوم الكبير لعام 1495 في لوكا ، و من غير الواضح ما اذا كان هذا الطلب قد التمست إلى الغاضبين أو السلطات اللوكية ، و لكن في أعقاب احتجاجات الحكومة الفلورنسية ، رفضت لوكا الطلب . نُشرت شائعات لا أصل لها أن سافونارولا يخبئ أموالا في الدير و بإغناء نفسه بكنوز عائلة ميديشي و أتباعهم ؛ و سعى الغاضبون أيضا لتصادمه مع دومينيكو دا بونزو ، وهو سافونارولي سابق جاء من ميلانو ، و دعي من قبل غونفالونييري العدل فيليبو كوربيتسي نفسه أمام ساحة السيادة لمواجهة جيرولامو و تومازو دا رييتي الرئيس الدومينيكي لكنيسة سانتا ماريا نوفيلا و خصم سافونارولي و بعض رجال الدين في 8 يناير 1495.

و في 31 مارس 1495 عقد كل من الإمبراطور و إسبانيا و البابا ، و البندقية و لودوفيكو سفورزا تحالفا ضد شارل الثامن ، و من الضروري أن تشارك أيضا فيه فلورنسا ، لقطع أي طريق للعودة إلى فرنسا ، و لكن فلورنسا و سافونارولا فان فرنسيو الهوى : لا بد من تخليهم عنه و إنهاء أي نفوذ يمارسه في المدينة و إلى الأبد . شارل الثامن الذي استولى دون قتال على كل مملكة نابولي ، ترك هناك كحامية نصف قواته المسلحة و ببقية القوات أسرع للعودة إلى فرنسا : دخل روما في الأول من يونيو حيث فر ألكسندر السادس إلى أورفييتو ثم إلى بيرودجا و واصل الملك صعوده شمالا ، مع خيبة أمل كبيرة لجيرولامو ، الذي أمِل بانقلاب في مدينة البابوية ، و خشي الفلورنسيون كثيرا ، و قد وصلهم خبر إتفاق بين بييرو دي ميديشي و الملك .

و في بودجيبونسي اجتمع سافونارولا مع شارل الثامن في 17 يونيو ليضمن عدم الإضرار بفلورنسا و عدم عودة آل ميديشي ، لم تكن للملك الذي كان يفكر فقط في العودة إلى فرنسا مشاكل في طمأنته ، و عاد الراهب جيرولامو إلى فلورنسا ظافراً .

7 يوليو اقتحم شارل الثامن في فورنوفو قوات الرابطة المعترضة لطريقه و عاد إلى فرنسا و لكن حملته كانت فاشلة : فبغيابه عادت مملكة نابولي بسهولة في امتلاك فرناندو الثاني ، و بدى أن سافونارولا و جمهوريته الآن أضعف بكثير .

ألكسندر السادس

أرسل البابا في 21 يوليو 1495 رسالة إلى سافونارولا ، و بعد أن أعرب فيها عن تقديره لعمله nella vigna del Signore ، دعاه إلى روما . بطبيعة الحال رفض سافونارولا برسالة رد في 31 يوليو السفر إلى روما ، معللا ذلك بأسباب صحية واعدا بلقاء في المستقبل ، و في هذه الأثناء أطلق كتيباً لابد أن البابا استنتج من خلاله أطروحاته : Compendio di rivelazioni نُشر في فلورنسا في الثامن عشر من أغسطس .

ألكسندر السادس
ألكسندر السادس

رد البابا في 8 سبتمبر برسالة أخرى اتهمه فيها بالهرطقة و النبوءات الكاذبة ، و أعفاه من كل منصب و إحالة وظائفه إلى النائب العام للمجمع اللومباردي سيباستيانو مادجي . رد سافونارولا 30 سبتمبر رفضا كل الاتهامات و رفضا ان يوضع تحت تصرف نائب المجمع ، الذي يعتبر خصمه و متوقعا أن البابا نفسه سيبرئه من أي اتهام ، في 11 أكتوبر اتهم من المنبر الغاضبين (Arrabbiati) بالتآمر مع البابا لتدميره . برسالة أخرى علق ألكسندر السادس في 16 أكتوبر الأوامر السابقة و اقتصرها على منعه من إلقاء المواعظ ، في انتظار قرارات ستتخذ مستقبلا .

أطاع سافونارولا الأمر ولكن لم يبقى مكتوف الأيدي : 24 أكتوبر نشر (Operetta sopra i Dieci Comandamenti) و انهمك في تأليف (De simplicitate christianae vitae')' . في ديسمبر ظهر "رسالة إلى صديق" (Epistola a un amico) رد خلاله على إتهامه بالهرطقة و دافع عن الإصلاحات السياسية الحادثة في فلونسا . في غضون ذلك ضغطت السيادة على البابا للسماح لجيرولامو بالوعظ : خروجه على الجماهير كان أمرا لا بد منه للتصدي لهجمات الغاضبين ضد الحكومة و الرهبان ، المتهمين بالمسؤولية عن خسارة بيزا.

و يبدو أن الإذن قد وصل من ألكسندر السادس شفويا إلى الكاردينال كارافا و مندوب الفلورنسي ريتشاردو بيكي ، على أي حال ، في 16 فبراير عام 1496 وبعد أن رافقه إلى الكاتدرائية حشد في موكب من 15000 شخص ، صعد جيرولامو على منبر سانتا ماريا ديل فيوري التواريخ ، في الصوم الكبير العظة الأولى لتلك السنة.

طلع متظاهرا بحوار مع الشريك ، و الذي منعه من الوعظ رغم أنه تبرّأ منه .

و في 24 فبراير شن هجوما عنيفا ضد الإدارة البابوية .

لم يكن البابا العدو الخارجي الوحيد لفلورنسا و سافونارولا ، و لكن جميع أطراف العصبة المناهضة لفرنسا ، مثل لودوفيكو سفورزا و الذي كتب له الراهب في 11 أبريل 1496 داعيا إياه للتوبة من خطاياه قبل حلول البلاء .

في أبريل وعظ في براتو في كنيسة سان دومينيكو ، و كالعادة استمع له حشد كبير ، من ضمنهم أهم فلاسفة فلورنسا ذلك الوقت ، الأفلاطوني مارسيليو فيتشني و الأرسطي أليفييرو أردويني ، في نهاية هذا الشهر طبع بفلورنسا آخر مؤلفات جيرولامو Expositio psalmi Qui regis Israel ، حين رفضت الجمهورية اقتراحه للحظر القانوني على الفساتين الكاشفة و أدوات تزين شعر النساء .

في أغسطس ، عرض ألكسندر السادس عليه عبر الدومينيكي لودوفيكو دا فالنيسا -- يزعم آخرون أن المبعوث كان ابن البابا تشيزاري بورجا كاردينال فالنيسا -- تعيينه كاردينالا بشرط التراجع عن انتقاداته للكنيسة و الأمتناع في المستقبل ، وعد جيرولامو بالرد في اليوم التالي ، عند العظة المقامة في صالة المجلس ، بحضور السيادة (Signoria) . بعد تتابع أحداث السنوات الأخيرة ، المتفاقمة تدريجيا ، خرج هاتفاً : "لا أريد قلنسوات ، و لا أريد قبعات تاجية كبيرة كانت أو صغيرة ، أريد ذلك الذي قدمتموه إلى قديسيكم : الموت . قلنسوة حمراء ، و لكن بالدم ، أريدها ".

لودوفيكو سفورزا
لودوفيكو سفورزا

في 23 أغسطس 1496 كشف لودوفيكو سفورزا بأنه اعترض رسالتين لسافونارولا باتجاه فرنسا ، واحدة إلى شارل الثامن يدعوه فيها للقدوم إلى إيطاليا ، و أخرى إلى نيكولو محذرا إيّاه من مطران اكس ، السفير الفرنسي في فلورنسا ، زاعما غدره بالملك و موقفه العدائي في فلورنسا. يبدو أن الرسالتين مزورتان من قبل لودوفيكو لكسر التحالف الفرنسي - الفلورنسي و التشكيك في جيرولامو ، الذي نفى أن يكون قد كتبهما أبدا.

في 7 فبراير عام 1497 قام و اتباعه بعملية Falò delle vanità (حرق الباطل) . فأرسلوا الصبية من باب إلى باب ، لجمع الأغراض المرتبطة بالإنحلال الأخلاقي : المرايا ، مستحضرات التجميل ، الصور الخليعة ، الكتب الوثنية ، المنحوتات غير الأخلاقية (التي أراد تحويلها إلى تماثيل للقديسين و صور محتشة لمشاهد من الإنجيل) ، طاولات القمار ، قطع الشطرنج ، الأعواد و غيرها من الآلات الموسيقية ، الفساتين الفاخرة ، المجوهرات ، القبعات النسائية ، و الأعمال المنافية للآداب و شعر القديم ، و أحرقت كلها في كومة كبيرة في ساحة السيادة بفلورنسا . فقدت العديد من أعمال عصر النهضة الفنية الفلورنسية بنيران سافونارولا - بما فيها لوحات لبوتيتشيلي و مايكل أنجلو و التي يقال أنها ألقيت في المحرقة من قبل الفنانين أنفسهم ، وان كان البعض يشكك في هذه الإدعاء .

و واصل سافونارولا حملته ضد رذائل الكنيسة ، حتى و لو بمزيد من العنف ، مكونا عداوات كثيرة ، ولكن أيضا معجبين جدد حتى خارج فلورنسا : و تعود لهذه الفترة مراسلة محدودة مع كاتيرينا سفورزا سيدة إيمولا و فورلي و التي طلبت مساعدته الروحية .

سرعان فلورنسا ما تعبت من سافونارولا لاستمرار متاعب المدينة السياسية والاقتصادية ، و حيث أنه بدى لهم أن الرب لم يتدخل ليساعد المدينة ، و أن اليوم الآخر لم يأتي رغم إصرار حكومة المدينة على أن النبوؤة على وشك أن تحدث .

خلال خطبة عيد الصعود في الربع من مايو عام 1497 ، شاغبت عصابات من الشبان ، و تحول الشغب إلى ثورة : رقص و غناء و إعيد فتح الحانات ، و تجرأ الرجال على مقامرة علنا .

الحرمان الكنسي و الإعدام

في 13 مايو 1497 ، عزل الأب سافونارولا كنسيا من قبل البابا ألكسندر السادس ، و طالب في عام 1498 باعتقاله و اعدامه . لقد جعلته قلة دعم الفرنسي أقلية مقارنة مع حزب ميديشي المتنامي . و في 8 أبريل ، هاجم حشد دير سان ماركو ؛ تلى ذلك صراع دامي ، قتل خلاله العديد من حراس سافونارولا و أنصاره المتدينون : استسلم مع أقرب مساعديه الراهبان دومينيكو دا بيشا و سيلفيسترو . واجه سافونارولا تهما من قبيل الهرطقة و افتراء النبوءات ، والتحريض على الفتنة ، و حتى جرائم أخرى ، تسمى خطايا دينية من جانب بابا بورجي .

خلال الأسابيع القليلة التالية تعرض الثلاثة للتعذيب على المخلعة . و وقّع ثلاثتهم على اعترافات ؛ لقد استثنى التعذيب فقط ذراع سافونارولا اليمنى ، ليكون قادرا على توقيع اعترافه ، و هو ما فعله غالبا قبل 8 مايو . وفي ذلك اليوم أتم كتابة تأملاته عن الترنيمة 50 بعنوان Infelix ego ، الذي ناشد فيه الرحمة من الله لضعفه الجسدي فاعتراف بجرائم يؤمن بأنه لم يرتكبها . و يوم اعدامه في الثالث و العشرون من مايو عام 1498 ، كان ما يزال يعمل على تأمل آخر حول الترنيمة 31 ، بعنوان Tristitia obsedit me .

اقتيد يوم إعدامه خارجا إلى ساحة السيادة إلى جانب دومينيكو دا بيشا و سيلفيسترو . جُرّد الثلاثة شعائريا من أثوابهم الدينية ، أهينوا "كمهرطقين و مرتددين" ، وبالنظر إلى ما يزيد على السلطات العلمانية لتكون احرقت. شنق الثلاثة بحبال على نفس العارضة ؛ و أشعل عليهم نار هائل من أسفل ؛ لقد أعدموا في نفس مكان إقامة "حرق الباطل" . تم إلقاء رماد الثلاثة في نهر أرنو بجوار الجسر العتيق .

فختتم هكذا أوان الجمهورية الفلورنسية .