Pisa بيزا ، مدينة إيطالية تقع في إقليم توسكانا و عاصمة مقاطعة بيزا ، عدد سكانها 88.363 نسمة ، على يمين نهر أرنو ، بالقرب من ساحل البحرالليغوري و تبعد عن مدينة ليفورنو حوالي 20 كم شمالا ، و بها أهم مطار في توسكانا و هو مطار غاليليو ، و بها ثلاثة جامعات. من أشهر معالمها توجد في Piazza dei Miracoli ساحة المعجزات المعلنة كأحد مواقع التراث العالمي ، و هي الكاتدرائية الرخامية التي استمر بناءها من عام 1064 م حتى عام 1118 م بأسلوب بناء روماني بأبواب برونزية ، كما يجد بها برج بيزا المائل المبني في القرن الثاني عشر بطول 55 متر و الذي أخذ شكله المائل مباشرة بعد بدء بناءه .
فهرس |
أصول بيزا غير معروفة . و تقع المدينة عند ملتقى نهري آرنو و أوسير (و هو مختفي الآن) مشكلين لساناً بحرياً على البحر الليغوري أو ما يعرف بالاغونا . تختلف الآراء حول مؤسسيها بين البيلاسجيين و الإغريق و الأتروسكان و الليغوريين . تؤكد البقايا الأثرية من القرن الخامس قبل الميلاد وجود مدينة على البحر تاجرت مع الإغريق و الغال . و قد اكتشفت مقبرة أترورية خلال حفريات في أرينا غاريبالدي عام 1991 . كما أشار كـُتـّاب رومان قدماء إلى أن بيزا مدينة قديمة . فذكر ماوروس سيرفيوس هونوراتوس بأن تيوتي أو بيلوبس ملك البيسيين أسس المدينة قبل ثلاثة عشر قرناً من ميلاد المسيح . و أرجع سترابو أصولها إلى نيستور ملك بيلوس الاسطوري ، بعد سقوط طروادة . بينما شهـِد فيرجيل في الاينييد بأن بيزا كانت مركزاً عظيماً و متطوراً ذلك الزمن ؛ و ينسب تأسيس المدينة على الأراضي الإترورية لمستوطنين من ضفاف ألفيوس .
ولا بد أن دور بيزا البحري كان بارزاً ذلك الوقت بما أن السلطات القديمة نسبت إليها اختراع السفينة الحربية القديمة "rostrum" : استفادت من كونها الميناء الوحيد على طول الساحل من جنوا حتى أوستيا . و استخدمت بيزا كقاعدة للحملات البحرية الرومانية ضد الليغوريين و الغال و القرطاجيين . و صارت مستعمرة في ظل القانون الروماني عام 180 ق.م باسم بورتوس بيسانوس . و في سنة 89 ق.م أصبحت بورتوس بيسانوس بلدية رومانية . و حصـّن الأمبراطور أوغسطس المستعمرة لتكون ميناءاً هاماً و غيـّر الاسم إلى كولونيا يوليا أوبسيكوينس . و باتت منذ عام 313 مقراً لأسقفية .
لعل بيزا لم تنحدر خلال سنوات الأخيرة للإمبراطورية الرومانية بقدر المدن الإيطالية الأخرى ، بفضل تعقيد نظامها النهري و بالتالي سهولة الدفاع عنها. في القرن السابع ساعدت بيزا البابا غريغوريوس الأول بتوفيرها العديد من السفن في حملته عسكرية ضد بيزنطيي رافينا : كانت بيزا المركز البيزنطي الوحيد في توشا الذي وقع سلمياً في أيدي اللومبارديين ، من خلال التفاهم مع المنطقة المجاورة حيث كانت تسود مصالحهم التجارية . و هكذا بدأت بيزا ارتقاءها لتلعب دور الميناء الرئيسي في أعالي البحر التيراني لتصبح المركز التجاري الرئيسي بين توسكانا من جهة و كورسيكا و سردينيا و السواحل الجنوبية لفرنسا و إسبانيا من جهة أخرى .
بعد أن هـَزَمَ شارلمان آخر ملوك اللومبارديين ديسيديريوس عام 774 ، مرت ببيزا أزمة سرعان ما تلاشت . أصبحت سياسياً جزءاً من دوقية لوكا . و صارت بيزا عام 930 مركز كونتية (حافظت على هذه الصفة حتى وصول أوتو الأول) داخل توشا . كانت لوكا هي العاصمة و لكن بيزا كانت المدينة الأهم ، و في منتصف القرن العاشر أعلن ليوتبراند الكريموني أسقف كريمونا بيزا عاصمةً لمقاطعة توشا ، و في القرن اللاحق عادة ما كان يشير ماركيز توشا إلى "ماركيز بيزا" . في عام 1003 قادت بيزا الحرب البلدية الأولى في إيطاليا ، و ضد لوكا بطبيعة الحال . من الناحية البحرية و منذ القرن التاسع ، حث ظهور الفتوحات الإسلامية البحرية المدينة لتوسيع أسطولها : و قد أعطى في السنوات القادمة هذا الأسطول المدينة فرصة لمزيد من التوسع . فقد هاجمت السفن البيزية ساحل شمال إفريقيا في عام 828 . و شاركت في عام 871 بالدفاع عن ساليرنو ضد المسلمين . كما ساندت بيزا بقوة حملة أوتو الأول في عام 970 ، الذي هزم الأسطول البيزنطي قـُبالة سواحل كالابريا .
تنامت أهمية بيزا كأمة بحرية قوية ، و بلغت ذروتها في القرن الحادي عشر حين اكتسب سمعة تقليدية باعتبارها إحدى أربع جمهوريات بحرية تاريخية إيطالية .
كانت المدينة آنذاك مركزاً تجارياً هاماً جداً و تملك أسطولاً تجارياً و حربياً كبيراً . وسّعت نفوذها باستيلاءها في سنة 1005 على ريدجو كالابريا جنوبي ايطاليا. كانت بيزا في صراع مستمر مع العرب ، الذين كانت لهم قواعدهم في سردينيا و كورسيكا من أجل السيطرة على البحر الابيض المتوسط . و تمكنت في عام 1017 من الاستيلاء على سردينيا بالتحالف مع جنوى بهزيمة ملك المسلمين مجاهد العامري . فأعطى هذا الانتصار بيزا السيادة على البحر التيراني . و ولّد طرد البيزيون للجنويين من سردينيا فيما بعد الصراع و التناحر بين هاتين الجمهوريتين البحريتين القوتين . بين عامي 1030 و 1035 انتصرت بيزا على عدة مدن منافسة في صقلية و احتل قرطاج في شمال أفريقيا . في عام 1051-1052 أثار إستيلاء الاميرال ياكوبو تشوريني على كورسيكا حفيظة جنوة . عام 1063 ساعد الاميرال جيوفاني أورلاندو ملك النورمان روجر الأول في احتلال باليرمو و انتزاعها من الحكم الإسلامي . سمحت كنوز الذهب المأخوذة من المسلمين في باليرمو للبيزين بالبدء ببناء كاتدرائيهم و معالم أخرى التي تشكل Campo dei Miracoli (ساحة المعجزات) الشهيرة .
عام 1060 خاضت بيزا أول معركة مع جنوى . و ساهم انتصار البيزيين في تعزيز موقعهم في البحر المتوسط . اعترف البابا غريغوري السابع في عام 1077 ب"قوانين واعراف البحار" الجديدة التي وضعها البيزيون ، و منحهم الامبراطور هنري الرابع الحق في تسمية قناصلهم بمشورة مجلس الشيوخ ، و لم يكن هذا إلا مجرد تأكيد لهذه الحالة لأنه في تلك السنوات تم فعلا استبعاد الماركزيين عن السلطة . في عام 1092 منح البابا أوربان الثاني بيزا السيادة على كورسيكا و سردينيا ، و عمل في الوقت نفسه على رفع المدينة إلى رتبة الأسقفية .
احتلت بيزا مدينة المهدية عام 1088 . و بعد أربع سنوات ساعدت سفن بيزا و جنوة الفونسو السادس (ملك قشتالة) لطرد إل سيد من بالنسيا . و شارك أسطول بيزي من 120 سفينة في الحملة الصليبية الأولى و ساهمت بفاعلية في احتلال القدس في عام 1099 . و في طريقهم إلى الأراضي المقدسة لم تفوت سفن بيزا الفرصة لاحتلال بعض الجزر البيزنطية : كان يقود الصليبيين البيزيين المطران دايبيرت بطريرك القدس المقبل . و استغلت بيزا و غيرها من الجمهوريات البحرية الحملة الصليبية لإنشاء نقاط تجارة في المستعمرات و المدن الساحلية الشرقية من سورية و لبنان و فلسطين . و أسس البيزيون خاصة مستعمرات في أنطاكيا و عكا و يافا و طرابلس و صور و جوبا و اللاذقية ، و أكوني . كما كان لهم ممتلكات في القدس و قيسارية ، بالاضافة إلى مستعمرات صغيرة (بإستقلال الذاتي أقل) في القاهرة والإسكندرية و القسطنطينية ، و فيها الامبراطور البيزنطي أليكسيوس الاول الذي منحهم مرسى خاص و حقوق تجارية . و في جميع هذه المدن تم منح البيزيين إمتيازات و إعفاء من الضرائب ، للمساهمة في الدفاع في حالة الهجوم عليها . في القرن الثاني عشر زاد سكان الحي البيزي في الجزء الشرقي من القسطنطينية إلى 1،000 نسمة . لبضع سنوات من هذا القرن كانت بيزا أبرز قوة تجارية و عسكرية ضمن حلفاء الامبراطورية البيزنطية و قبل البندقية نفسها.
في عام 1113 خاضت بيزا و البابا باسكال الثاني مع كونت برشلونة و فرق أخرى من بروفينس (و استبعدت جنوة) حربا لطرد المسلمين من جزر الباليار : و تم إحضار ملكة و ملك مايوركا مكبلين بالسلاسل إلى توسكانا . رغم ذلك سرعان ما استعاد المرابطون الجزيرة ، و ساعدت الغنيمة المأخوذة البيزيين في برنامج الضخم في تشييد المباني ، خصوصا كاتدرائية بيزا ، و اكتسبت بيزا دور الصدارة في غرب البحر الابيض المتوسط .
في السنوات التالية أقصى الاسطول البيزي القوي بقيادة الاسقف بييترو موريكوني المسلمين بعد قتال شرس . و إن كان قصير الامد فإن هذا النجاح لبيزا في اسبانيا زاد التنافس مع جنوى . تجارة بيزا مع لانغيدوك و بروفينس (نولي و سافونا و فريجوس ، و مونبلييه) تشكل عقبة امام مصالح جنوة في مدن مثل هييريس و فوس و أنتيبيس ، ومرسيليا.
و اندلعت الحرب في عام 1119 عندما هاجمت جنوة عدة سفن في طريقها إلى الوطن ، واستمرت حتى عام 1133 ، و تقاتلت المدينتين بعضهما البعض في البر و البحر ، و لكن القتال كان يقتصر على غارات و ما يشبه هجمات القراصنة .
في حزيران يونيو عام 1135 ، قاد برنارد كلايرفاوك جزءا من مجلس بيزا و أيد مطالب البابا إنوسينت الثاني ضد البابا أناكليتوس الثاني ، الذي كان قد انتخب البابا عام 1130 بدعم النورمان لكن بدون اعتراف به خارج روما. تمكن إنوسينت الثاني من حل الصراع مع جنوى ، و إقامة منطقة نفوذ لبيزا و جنوة . عندئذ أمكن لبيزا و دون إعاقة جنوة المشاركة في صراع إنوسينت الثاني ضد ملك صقلية روجر الثاني . و استولوا على واحدة من الجمهوريات البحرية و هي أمالفي (رغم إنحدارها أصلا تحت الحكم النورماني) في 6 أغسطس 1136 : دمر بيزيون السفن في الميناء ، و هاجموا القلاع في المناطق المجاورة و صدوا جيشا أرسله روجر من أفيرسا . أوصل هذا الانتصار بيزا إلى قمة قوتها و تضاهي البندقية . و بعد عامين احتل جنودها ساليرنو.
في السنوات التالية في إطار الصراع بين غويلفي و غيبيليني كانت بيزا واحدة من أقوى المؤيدين لحزب غيبيليني . و كان هذا محل تقدير كبير من فريدريك الأول و أصدر في عامي 1162 و 1165 وثيقتين هامتين بمنح بيزا مايلي : إعطاءها السلطة على ريف بيزا ، للبيزيين مطلق الحرية في التجارة في جميع أنحاء الامبراطورية ، الساحل من تشيفيتافيكيا إلى بورتوفينيري و نصف باليرمو و مسينا و نابولي و ساليرنو و كل غاييتا و مازاري و تراباني ، و شارع بمنازله لتجارها في كل مدينة من مدن مملكة صقلية . أكد بعض هذه المنح لاحقا هنري السادس و أوتو الرابع و فريدريك الثاني . و قد مثلت ذروة سلطة بيزا ، و دفع هذا أيضا إلى استياء مدن مثل لوكا ، ماسا ، فولتيرا و فلورنسا ، الذين رؤوا في هذا إجهاض لأهدافهم بالتوسع باتجاه البحر . الصدام مع لوكا كان أيضا بشأن حيازة قلعة من مونتينيوزو و خاصة السيطرة على طريق فرانشيجينا الطريق التجاري الرئيسي بين روما و فرنسا . أخيرا وليس آخرا ، فان هذه الزيادة الكبيرة و المفاجئة لقوة بيزا يمكن أن تؤدي إلى حرب اخرى مع جنوا .
و اكتسبت جنوة هيمنة واسعة في أسواق جنوب فرنسا . و اندلعت الحرب في سنة 1165 عندما فشل هجوم للجنويين و حليفهم كونت تولوز على قافلة التجارية بيزية على نهر الرون . و بيزا و من ناحيتها كانت متحالفة مع بروفينس ، و استمرت الحرب حتى عام 1175 بدون انتصارات مهمة . و كانت صقلية نقطة إستنزاف أخرى ، حيث كانت لكل من المدينتين مزايا منحها هنري السادس . عام 1192 نجحت بيزا في التغلب على ميسينا ، فتبع هذا الحدث سلسلة من المعارك بلغت ذروتها في غزو جنوة لسيراكوزا في سنة 1204 . و بعد ذلك خسرت المراكز التجارية في صقلية بإزالة البابا إنوسنت الثالث للعزل المخيم لصالح بيزا من سلفه البابا سيلستين الثالث و متحالفا مع حزب غويلفي توسكانا بزعامة فلورنسا . و بعد قليل اشترط وجود تحالف مع جنوى أيضا ، و هذا أيضا أضعف وجود بيزا في جنوب ايطاليا.
لمواجهة سيطرة جنوة في جنوب البحر التيراني ، عززت بيزا علاقتها مع قواعدها التقليدية الإسبانية و الفرنسية (ناربون ، مرسيليا ، برشلونة ، الخ) و حاولت أن تتحدى سيادة البندقية في البحر الادرياتي . و سنة 1180 وافقت المدينتان قد على معاهدة عدم اعتداء في البحرين الادرياتي و التيراني ، و لكن وفاة الإمبراطور البيزنطي مانويل الأول كومنينوس في القسطنطينية غيرت الوضع . و بعد قليل حدثت هجمات على قوافل البندقية . وقعت بيزا مواثيق تجارية و سياسية مع أنكونا و بولا و زادار و سبليت و برينديزي : عام 1195 بلغ أسطول بيزا بولا للدفاع عن استقلالها عن البندقية ، و لكن سرعان ما نجحت جمهورية البندقية في إخضاع متمردي المدينة البحرية .
بعد سنة وقعت المدينتين معاهدة السلام التى حسنت من ظروف بيزا. بيد أن البيزيين انتهكوها في عام 1199 بحصار ميناء برينديزي في بوليا . ما لبثوا أن انهزموا من البندقيين في معركة بحرية . الحرب التي اعقبتها انتهت في سنة 1206 بمعاهدة تخلت بيزا بموجبها عن جميع آمالها للتوسع في البحر الادرياتي ، رغم أنهم حافظوا على نقاط تجارية أنشأت في المنطقة . و من هذا المنطلق اتحدت المدينتان ضد نفوذ جنوة المتزايد و أحيانا تعاونتا من أجل زيادة المنافع التجارية في القسطنطينية .
في عامي 1209 و 1217 كانت هناك في ليريتشي مجلسين من أجل التوصل إلى حل نهائي للتنافس مع جنوا . و وقعت معاهدة سلام تستمر عشرين عاما . بيد أن تأكيد الامبراطور فردريك الثاني لسيادته على ساحل البحر التيراني من تشيفيتافيكيا حتى بورتوفينيري في عام 1220 ، آثار إستياء جنوا و التوسكانيين ضد بيزا مرة أخرى . في السنوات التالية تصادمت بيزا مع لوكا في غارفانيانا و هُزمت من قبل فلورنسا في كاستيل دل بوسكو . موقف حزب غيبيليني القوي في بيزا وجه هذه المدينة تماما لتكون ضد البابا ، و هو الذي في نزاع مع القوى الامبراطورية . و في الواقع أن البابا حاول تجريد المدينة من سيطرتها في شمال سردينيا .
في عام 1238 تحالف البابا غريغوري التاسع مع جنوى و البندقية ضد الامبراطورية ، و بالتالي أيضا ضد بيزا . و بعد سنة قام بعزل فريدريك الثاني و دعى مجلس المناهضين للإمبراطورية للإنعقاد في روما عام 1241 ، و في 3 مايو 1241 ، شكل أسطول من سفن بيزية و صقلية بقيادة ابن الإمبراطور إنزو ، و هاجموا قافلة جنوية تقل رجال دين من شمال إيطاليا و فرنسا بالقرب من جزيرة جيليو قبالة توسكانا : خسر جنويون 25 سفينة ، أُخذ حوالي الأف من البحارة و اثنين من الكارادلة و المطران واحد كأسرى . بعد هذا الإنتصار البين فشل مجلس روما ، و لكن بيزا عزلت ، و لم يرفع هذا الإجراء المتطرف إلا عام 1257 . على أية حال ، و حاولت بيزا إستغلال هذا الوضع المواتي لقهر مدينة أليريا الكورسيكية بل و محاصرة جنوى نفسها في عام 1243 .
و لكن جمهورية جنوة الليغوية تعافت بسرعة من هذه الضربة و استعادت ليريتشي في عام 1256 التي ظفر بها البيزيون قبل سنوات .
إن التوسع الكبير في البحر الابيض المتوسط ، و بروز طبقة التاجر أوجب التعديل في قوانين المدينة . فترك النظام القناصل ، و عام 1230 سمي حكام المدينة الجدد باسم Capitano del Popolo (زعيم الشعب) و هو قائد عسكري ومدني . و على الرغم من هذه الإصلاحات ، فإن الأراضي المستولى عليها و المدينة نفسها أُنهكت من التنافس بين عائلتي ديلا غيرارديسكا و فيسكونتي . و في عام 1237 تدخل الأسقف و الإمبراطور فردريك الثاني للتوفيق المتنافسين ، و لكن الإنفعالات لم تتوقف . و في عام 1254 تمرد الشعب و فرض اثنا عشر من Anziani del Popolo (حكماءالشعب) كممثلين سياسيين لهم في البلدية . كما أضافوا إلى المجالس التشريعية المكونة من النبلاء مجالس شعبية الجديدة مؤلفة من أهم النقابات و رؤساء الشركات الشعبية . و كانت لها سلطة التصديق على قوانين المجلس العام الكبير و مجلس الشيوخ .
بدأ انحدار بيزا في 6 أغسطس 1284 ، عندما انهزم أسطول بيزا المتفوق عدديا تحت قيادة ألبرتينو موروزيني أمام التكتيكات البارعة للأسطول الجنوي بقيادة بينيديتو زاكاريا و أوبيرتو دوريا في معركة ميلوريا البحرية الكبيرة . هذه الهزيمة أنهت القوة البحرية لبيزا و لم تتمكن المدينة نت استعادت ألقها السابق : في عام 1290 دمر الجنويون بورتو بيزانو (ميناء بيزا) إلى الأبد . و لم تسمح المنطقة حول بيزا (توسكانا) باستعادة المدينة لعافيتها نتيجة فقدان لآلاف البحارة في معركة ميلوريا ، بينما ضمنت ليغوريا لجنوا ما يكفيها من البحارة . تواصلت تجارة البضائع و لو أن الكمية انخفضت ، و حلت النهاية عندما بدأ نهر أرنو يغير مساره ، و منعت السفن من الوصول إلى مرفأ المدينة النهري . و يبدو أيضا أن المنطقة المجاورة أصبحت موبوءة بالملاريا. و خسرت سردينيا تماما بحلول عام 1324 لصالح الأراغونيون .
لطالما حاولت بيزا و غيبيليني إعادة بناء قوتها خلال القرن الرابع عشر حتى أنها استطاعت أن تهزم فلورنسا في معركة مونتيكاتيني عام 1315 تحت قيادة أوغوتشيوني ديلا فاجوولا . و لكن الصراعات الداخلية كانت قد قسمتها و ضعفت من فقدان قوتها التجارية ، فاحتلتها فلورنسا عام 1406 . كانت بيزا عام 1409 مقر لمؤتمر الذي حاول حل مشكلة الإنقسام العظيم في الكنيسة . و علاوة على ما سبق ذكره من مشاكل في القرن الخامس عشر أصبح الوصول إلى البحر أكثر صعوبة ، فالميناء غزاه الطمي و قطع من البحر . لما غزا شارل الثامن ملك فرنسا عام 1494 الدول الإيطالية مطالبا بمملكة نابولي ، استغلت بيزا الفرصة للمطالبة باستقلالها كجمهورية بيزية ثانية .
لكن الحرية الجديدة لم تدم طويلا . فبعد خمسة عشر عاما من المعارك و الحصار ، استعاد الجيش الفلورنسي بيزا في عام 1509 بقيادة كل من أنطونيو دا فيليكايا و أفيراردو سالفياتي و نيكولو كابوني . دورها كميناء توسكانا الرئيسي تحول إلى ليفورنو . و حصلت بيزا بشكل رئيسي على دور ثقافي بوجود جامعة بيزا ، التي أنشأت في عام 1343 . يعبر تناقص عدد سكانها عما وصلته المدينة من انحدار ، و الذي يظل مستمرا منذ القرون الوسطى .
كانت بيزا مسقط رأس الفيزيائي المشهور غاليليو . و ما تزال مقر أسقفية ؛ و أصبحت مركزا صناعيا مضيئا و محورا في طريق السكك الحديدية . تعرضت للتدمير اثناء الحرب العالمية الثانية .