الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الخامسة والثلاثون

ابن حزم - المحلى كتاب الطهارة (مسألة 270 - 274)
المؤلف: ابن حزم


كتاب الطهارة

الفطــــرة

270 - مسألة : السواك مستحب ، ولو أمكن لكل صلاة لكان أفضل ، ونتف الإبط والختان وحلق العانة وقص الأظفار ، وأما قص الشارب ففرض ولا يحل للمرأة نتف الشعر من وجهها ، ويستحب للجنب إن أراد الأكل أو النوم أو الشرب أن يتوضأ ، وليس فرضا عليه ، وإن أراد المعاودة فيجب عليه أن يتوضأ أيضا ، وإن وطئ زوجتين له أو زوجات أو إماء وزوجات فيغتسل بين كل اثنتين فحسن ، وإن لم يغتسل إلا في آخر ذلك فحسن . برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب } . وبه إلى مسلم : ثنا قتيبة بن سعيد وعمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } قال علي : فإذ لم يأمرهم فليس فرضا . وبه إلى مسلم بن الحجاج . ثنا يحيى بن يحيى وقتيبة كلاهما عن جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال : { وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة } . وأما فرض قص الشارب وإعفاء اللحية فإن عبد الله بن يوسف ثنا قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا سهل بن عثمان ثنا يزيد بن زريع عن عمر بن محمد ثنا نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى } . حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا محمد بن عجلان قال : قال لي عثمان بن عبيد الله بن رافع رأيت أصحاب رسول الله ﷺ يبيضون شواربهم شبه الحلق ، قلت : من ؟ قال جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأبا أسيد وسلمة بن الأكوع وأنس بن مالك ورافع بن خديج . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : { كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة } . حدثنا يونس بن عبد الله ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أرنا عبد الله هو ابن المبارك - عن يونس هو ابن يزيد - عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ ، وإن أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل أو يشرب } . فإن قيل : فقد صح أن { عمر ذكر لرسول الله ﷺ أنه تصيبه الجنابة من الليل ، فقال له رسول الله ﷺ : توضأ واغسل ذكرك ثم نم } . قلنا فحدثنا محمد بن سعيد بن نبات قال : ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عائشة { أن رسول الله ﷺ كان ينام وهو جنب كهيئته ولا يمس ماء } . وحدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي - عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ إذا رجع من المسجد صلى ما قضى الله له ، ثم مال إلى فراشه أو إلى أهله فإن كانت له حاجة إلى أهله قضاها ثم نام كهيئته لا يمس ماء ، فإذا سمع النداء وثب فإن كان جنبا أفاض عليه الماء ، وإن لم يكن جنبا توضأ وصلى ركعتين ثم خرج إلى المسجد } . فهذا عموم يدخل فيه الوضوء والغسل معا وغير ذلك ، ومن ادعى أن سفيان أخطأ في هذا الحديث فهو المخطئ ، بدعواه ما لا دليل عليه . فإن قيل : قد خالفه زهير بن معاوية . قلنا : سفيان أحفظ من زهير ، ولو لم يكن لما كان في خلاف بعض الرواة لبعض دليل على خطأ أحدهم ، بل الثقة مصدق في كل ما يروي . وبالله تعالى التوفيق . وقول عائشة هذا إخبار عن مداومته عليه السلام على ذلك ، وممن روينا عنه إباحة النوم للمجامع قبل أن يتوضأ : سعيد بن المسيب وربيعة ويزيد بن هارون الشافعي وأبو ثور . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون وهشيم وحفص بن غياث . قال يزيد عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع { أن رسول الله ﷺ طاف على نسائه في ليلة واحدة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا } . وقال هشيم : ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك { أن رسول الله ﷺ كان يطوف على جميع نسائه في ليلة بغسل واحد } وقال حفص بن غياث عن عاصم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال ، قال رسول الله ﷺ : { إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا } .

الآنية

271 - مسألة : لا يحل الوضوء ولا الغسل ولا الشرب ولا الأكل لا لرجل ولا لامرأة في إناء عمل من عظم ابن آدم ، لما ذكرنا في كتابنا هذا في جلود الميتة من وجوب دفن المؤمن والكافر ، وتحريم المثلة ، ولا في إناء عمل من عظم خنزير لما ذكرنا من أنه كله رجس ، ولا في إناء من جلد ميتة قبل أن يدبغ . ولا في إناء فضة أو إناء ذهب . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى حدثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة والوليد بن شجاع قالا : ثنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ قال : { إن الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة قال : { نهانا رسول الله ﷺ عن لبس الحرير والديباج وعن آنية الذهب والفضة ، وقال : هو لهم في الدنيا وهو لنا في الآخرة } . ولا في إناء مأخوذ بغير حق ، لقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

272 - مسألة : ثم كل إناء بعد هذا من صفر أو نحاس أو رصاص أو قزدير أو بلور أو زمرد أو ياقوت أو غير ذلك فمباح الأكل فيه والشرب والوضوء والغسل فيه للرجال والنساء ، لقول الله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } وقول رسول الله ﷺ : { دعوني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه } فصح أن كل مسكوت عن ذكره بتحريم أو أمر فمباح . والمذهب والمضبب بالذهب حلال للنساء دون الرجال لأنه ليس إناء ، وقد صح عن النبي ﷺ { الحرير والذهب حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها } أو كما قال عليه السلام : " وليس المذهب إناء ذهب ، والمفضض والمضبب بالفضة حلال للرجال والنساء ، لأنه ليس إناء ، وبالله تعالى نتأيد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل " .

273 - مسألة : من عجز عن بعض أعضائه في الطهارة : من قطعت يداه أو رجلاه أو بعض ذلك سقط عنه حكمه ، وبقي عليه غسل ما بقي لقوله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فإن كان في الجسد جرح سقط حكمه وبقي فرض غسل سائر الجسد أو الأعضاء لما ذكرناه ، فإن عمت القروح يديه أو يده أو رجليه أو وجهه أو بعض جسده ، فإن أخرجه ذلك إلى اسم المرض وكان عليه من إمساسه الماء حرج تيمم فقط ، لأن هذا حكم المريض ، وإن كان لا مشقة عليه في الماء غمسه فقط وأجزأه ، أو صب عليه الماء وأجزأه ، وإن كان لم يخرجه إلى اسم المرض غسل ما أمكنه وسقط عنه ما عليه فيه حرج فقط كثر أو قل لما ذكرناه ، ولا يجوز أن يجمع في وضوء تيمم وغسل ، ولا في طهر واحد أيضا إذ لم يأت بذلك نص ولا إجماع ، إلا في موضع واحد وقد ذكرناه قبل وهو : من معه ماء لا يعم به جميع أعضاء وضوئه أو جميع جسده فقط . وبالله تعالى التوفيق .

من شك في الماء ؟

274 - مسألة : من كان بحضرته ماء وشك أولغ فيه الكلب أم لا ؟ أم هو فضل امرأة أم لا ، فله أن يتوضأ به لغير ضرورة وأن يغتسل به كذلك لأنه على يقين من طهارته في أصله ، وجواز التطهير به ، ثم شك هل حرم ذلك فيه أم لا ، والحق اليقين لا يسقطه الظن ، قال الله تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } فإن شك أهو ماء أم هو معتصر من بعض النبات لم يحل له الوضوء به ولا الغسل لأنه ليس على يقين من أنه جاز به التطهر يوما ما ، والوضوء والغسل فرضان ، فلا يرفع الفرض بالشك ، فإن كان بين يديه إناءان فصاعدا في أحدهما ماء طاهر بيقين وسائرها مما ولغ فيه الكلب ، أو فيها واحد ولغ فيه كلب وسائرها طاهر ، ولا يميز من ذلك شيئا فله أن يتوضأ بأيها شاء ، ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات وتوضأ بما لا يحل الوضوء به ، لأن كل ماء منها فعلى أصل طهارته على انفراده ، فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام ، فعليه أن يطهر أعضاءه إن كان ذلك الماء حراما استعماله جملة ، فإن كان فيها واحد معتصر لا يدري ، لم يحل له الوضوء بشيء منها ، لأنه ليس على يقين من أنه توضأ بماء ، واليقين لا يرتفع بالظن ، وبالله تعالى التوفيق .