→ كتاب الطهارة (مسألة121 - 125) | ابن حزم - المحلى كتاب الطهارة (مسألة 126 - 130) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 131 - 135) ← |
كتاب الطهارة
126 - مسألة : وتطهير الإناء إذا كان لكتابي من كل ما يجب تطهيره منه بالماء
وعلى كل حال إذا لم يجد غيرها سواء علمنا فيه نجاسة أو لم نعلم بالماء ، فإن كان إناء مسلم فهو طاهر ، فإن تيقن فيه ما يلزم اجتنابه فبأي شيء أزاله كائنا ما كان من الطاهرات إلا أن يكون لحم حمار أهلي أو ودكه أو شحمه أو شيئا منه فلا يجوز أن يطهر إلا بالماء ، ولا بد. حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث ، حدثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن محمد بن بشر ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن أبي ثعلبة الخشني ، أنه قال : يا نبي الله إنا بأرض أهلها أهل كتاب نحتاج فيها إلى قدورهم وآنيتهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا تقربوها ما وجدتم بدا ، فإذا لم تجدوا بدا فاغسلوها بالماء واطبخوا واشربوا.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن عباد وقتيبة قالا ، حدثنا حاتم ، هو ابن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى خيبر ، ثم إن الله تعالى فتحها عليهم ، فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة ، فقال رسول الله ﷺ : ما هذه النيران ، على أي شيء توقدون قالوا على لحم ، قال على أي لحم قالوا على لحم الحمر الإنسية ، فقال رسول الله ﷺ : أهريقوها واكسروها ، فقال رجل : يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها قال : أو ذاك
قال علي : قد قدمنا أن كل غسل أمر به في الدين فهو تطهير ، وكل تطهير فلا يكون إلا بالماء.
وبالله تعالى التوفيق. ولا يجوز أن يقاس تطهير الإناء من غير ما ذكرنا من الحمر الأهلية على تطهيره من لحوم الحمر ; لإن النصوص اختلفت في تطهير الآنية من الكلب ومن لحم الحمار فليس القياس على بعضها أولى من القياس على بعض ، لو كان القياس حقا ، ولا يجوز أن يضاف إلى ما حكم فيه رسول الله ﷺ ما لم يحكم ; لانه يكون قولا عليه ما لم يقل ، أو شرعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى.
والوقوف عند أوامره عليه السلام أولى من الوقوف عند الدرهم البغلي ، وتلك الفروق الفاسدة ، وبالله تعالى التوفيق.
127 - مسألة : فإن ولغ في الإناء كلب ، أي إناء كان وأي كلب كان كلب صيد أو غيره ، صغيرا أو كبيرا
فالفرض إهراق ما في ذلك الإناء كائنا ما كان ثم يغسل بالماء سبع مرات ، ولا بد أولاهن بالتراب مع الماء ، ولا بد ، وذلك الماء الذي يطهر به الإناء طاهر حلال ، فإن أكل الكلب في الإناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الإناء ، ولا هرق ما فيه ألبتة وهو حلال طاهر كله كما كان .
وكذلك لو ولغ الكلب في بقعة في الأرض أو في يد إنسان أو في ما لا يسمى إناء فلا يلزم غسل شيء من ذلك ، ولا هرق ما فيه. والولوغ هو الشرب فقط ، فلو مس لعاب الكلب أو عرقه الجسد أو الثوب أو الإناء أو متاعا ما أو الصيد ، ففرض إزالة ذلك بما أزاله ماء كان أو غيره ، ولا بد من كل ما ذكرنا إلا من الثوب فلا يزال إلا بالماء.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا علي بن حجر السعدي ، حدثنا علي بن مسهر أنا الأعمش ، عن أبي رزين وأبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : (( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات.
وبه إلى مسلم ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا شعبة ، حدثنا أبو التياح ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن ابن مغفل قال : أمر رسول الله ﷺ بقتل الكلاب ثم قال : ما لهم ولها فرخص في كلب الصيد وفي كلب الغنم.
وقال عليه السلام : إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات والثامنة عفروه بالتراب.
قال علي : فأمر عليه السلام بهرق ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب ، ولم يخص شيئا من شيء ، ولم يأمر عليه السلام باجتناب ما ولغ فيه في غير الإناء ، بل نهى ، عن إضاعة المال.
وقد جاء هذا الخبر بروايات شتى ، في بعضها والسابعة بالتراب وفي بعضها إحداهن بالتراب وكل ذلك لا يختلف معناه ، لإن الآولى هي بلا شك إحدى الغسلات. وفي لفظة " الآولى " بيان أيتهن هي ، فمن جعل التراب في أولاهن فقد جعله في إحداهن بلا شك واستعمل اللفظتين معا ، ومن جعله في غير أولاهن فقد خالف أمر رسول الله ﷺ في أن يكون ذلك في أولاهن ، وهذا لا يحل ، ولا شك ندري أن تعفيره بالتراب في أولاهن تطهير ثامن إلى السبع غسلات ، وأن تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعن ، وبهذا تصح الطاعة لجميع ألفاظه عليه السلام المأثورة في هذا الخبر ، ولا يجزئ بدل التراب غيره ، لانه تعد لحد رسول الله ﷺ .
والماء الذي يغسل به الإناء طاهر ; لانه لم يأت نص باجتنابه ، ولا شريعة إلا ما أخبرنا بها عليه السلام ، وما عدا ذلك فهو مما لم يأذن الله تعالى به ، والماء حلال شربه طاهر ، فلا يحرم إلا بأمر منه عليه السلام.
وأما ما أكل فيه الكلب أو وقع فيه أو دخل فيه بعض أعضائه فلا غسل في ذلك ، ولا هرق ; لانه حلال طاهر قبل ذلك بيقين إن كان مما أباحه الله تعالى من المطاعم والمشارب وسائر المباحات فلا ينتقل إلى التحريم والتنجيس إلا بنص لا بدعوى.
وأما وجوب إزالة لعاب الكلب وعرقه في أي شيء كان فلان الله تعالى حرم كل ذي ناب من السباع ، والكلب ذو ناب من السباع ، فهو حرام ، وبعض الحرام حرام بلا شك ، ولعابه وعرقه بعضه فهما حرام ، والحرام فرض إزالته واجتنابه ، ولم يجز أن يزال من الثوب إلا بالماء لقول الله تعالى ﴿ وثيابك فطهر وقد قلنا إن التطهير لا يكون إلا بالماء ، وبالتراب عند عدم الماء.
وممن قال بقولنا في غسل ما ولغ فيه الكلب سبعا أبو هريرة ، كما حدثنا يونس بن عبد الله ، حدثنا أبو بكر بن أحمد بن خالد ، حدثنا أبي ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، حدثنا إسماعيل ، هو ابن علية ، عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال " إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات ، أولاهن أو إحداهن بالتراب ، والهر مرة.
وروينا ، عن الحسن البصري " إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه واغسله سبع مرات .
وبه يقول ابن عباس وعروة بن الزبير وطاووس وعمرو بن دينار. وقال الأوزاعي " إن ولغ الكلب في إناء فيه عشرة أقساط لبن يهرق كله ويغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب ، فإن ولغ في ماء في بقعة صغيرة مقدار ما يتوضأ به إنسان فهو طاهر ، ويتوضأ بذلك الماء ويغسل لعاب الكلب من الثوب ومن الصيد.
قال علي : قول الأوزاعي هو نفس قولنا ، وبهذا يقول يعني غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا إحداهن بالتراب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور وداود وجملة أصحاب الحديث.
وقال الشافعي كذلك إلا ، أنه قال " إن كان الماء في الإناء خمسمائة رطل لم يهرق لولوغ الكلب فيه ، ورأى هرق ما عدا الماء وإن كثر ، ورأى أن يغسل من ولوغ الخنزير في الإناء سبعا كما يغسل من الكلب ، ولم ير ذلك في ولوغ شيء من السباع ، ولا غير الخنزير أصلا.
قال علي : وهذا خطأ ; لإن عموم أمر رسول الله ﷺ في الأمر بهرقه أولى أن يتبع .
وأما قياس الخنزير على الكلب فخطأ ظاهر لو كان القياس حقا لإن الكلب بعض السباع لم يحرم إلا بعموم تحريم لحوم السباع فقط ، فكان قياس السباع وما ولغت فيه على الكلب الذي هو بعضها والتي يجوز أكل صيدها إذا علمت أولى من قياس الخنزير على الكلب ، وكما لم يجز أن يقاس الخنزير على الكلب في جواز اتخاذه وأكل صيده فكذلك لا يجوز أن يقاس الخنزير على الكلب في عدد غسل الإناء من ولوغه ، فكيف والقياس كله باطل.
وقال مالك في بعض أقواله : يتوضأ بذلك الماء وتردد في غسل الإناء سبع مرات فمرة لم يره ومرة رآه ، وقال في قول له آخر : يهرق الماء ويغسل الإناء سبع مرات فإن كان لبنا لم يهرق ولكن يغسل الإناء سبع مرات ويؤكل ما فيه ، ومرة قال : يهرق كل ذلك ويغسل الإناء سبع مرات.
قال علي : هذه تفاريق ظاهرة الخطإ ; لا النص اتبع في بعضها ، ولا القياس اطرد فيها ، ولا قول أحد من الصحابة أو التابعين ، رضي الله عنهم ، قلد فيها.
وروي عنه ، أنه قال : إني لاراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل كلب ولغ فيه.
قال علي : فيقال لمن احتج بهذا القول : أعظم من ذلك أن تخالف أمر الله على لسان نبيه ﷺ بهرقه. وأعظم مما استعظمتموه أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل عصفور مات فيه بغير أمر من الله بهرقه.
فإن قالوا : العصفور الميت حرام .
قلنا : نعم لم نخالفكم في هذا ، ولكن المائع الذي مات فيه حلال ، فتحريمكم الحلال من أجل مماسته الحرام هو الباطل ، إلا أن يأمر بذلك رسول الله ﷺ فيطاع أمره ، ولا يتعدى حده ، ولا يضاف إليه ما لم يقل.
وقال أبو حنيفة : يهرق كل ما ولغ فيه الكلب أي شيء كان كثر أم قل ، ومن توضأ بذلك الماء أعاد الوضوء والصلوات أبدا ، ولا يغسل الإناء منه إلا مرة.
قال علي : وهذا قول لا يحفظ ، عن أحد من الصحابة ، ولا من التابعين إلا أننا روينا ، عن إبراهيم ، أنه قال فيما ولغ فيه الكلب " اغسله " وقال مرة " اغسله حتى تنقيه " ولم يذكر تحديدا.
وهو قول مخالف لسنة رسول الله ﷺ التي أوردنا. وكفى بهذا خطأ.
واحتج له بعض مقلديه بأن قال " إن أبا هريرة وهو أحد من روى هذا الخبر قد روي عنه أنه خالفه.
قال علي : فيقال له هذا باطل من وجوه :
أحدها أنه إنما روى ذلك الخبر الساقط عبد السلام بن حرب وهو ضعيف ، ولا مجاهرة أقبح من الاعتراض على ما رواه ، عن أبي هريرة ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن سيرين النجوم الثواقب بمثل رواية عبد السلام بن حرب.
وثانيها أن رواية عبد السلام على تحسينها إنما فيها أنه يغسل الإناء ثلاث مرات ، فلم يحصلوا إلا على خلاف السنة وخلاف ما اعترضوا به ، عن أبي هريرة ، فلا النبي ﷺ اتبعوا ، ولا أبا هريرة الذي احتجوا به قلدوا.
وثالثها أنه لو صح ذلك ، عن أبي هريرة لما حل أن يعترض بذلك على ما رواه ، عن النبي ﷺ ; لإن الحجة إنما هي في قول رسول الله ﷺ لا في قول أحد سواه ، لإن الصاحب قد ينسى ما روى وقد يتأول فيه ، والواجب إذا وجد مثل هذا أن يضعف ما روي ، عن الصاحب من قوله ، وأن يغلب عليه ما روي ، عن النبي ﷺ لا أن نضعف ما روي ، عن النبي ﷺ ونغلب عليه ما روي ، عن الصاحب ، فهذا هو الباطل الذي لا يحل.
ورابعها أنه حتى لو صح عن أبي هريرة خلاف ما روى ومعاذ الله من ذلك فقد رواه من الصحابة غير أبي هريرة ، وهو ابن مغفل ، ولم يخالف ما روى.
وقال بعضهم : إنما كان هذا إذ أمر بقتل الكلاب ، فلما نهى ، عن قتلها نسخ ذلك.
قال علي : وهذا كذب بحت لوجهين. أحدهما ; لانه دعوى فاضحة بلا دليل ، وقفو ما لا علم لقائله به ، هذا حرام.
والثاني أن ابن مغفل روى النهي ، عن قتل الكلاب والأمر بغسل الإناء منها سبعا في خبر واحد معا ، وقد ذكرناه قبل.
وأيضا فإن الأمر بقتل الكلاب كان في أول الهجرة ، وإنما روى غسل الإناء منها سبعا أبو هريرة ، وابن مغفل ، وإسلامهما متأخر.
وقال بعضهم : كان الأمر بغسل الإناء سبعا على وجه التغليظ.
قال علي : يقال لهم أبحق أمر النبي ﷺ في ذلك وبما تلزم طاعته فيه أم أمر بباطل وبما لا مئونة في معصيته في ذلك
فإن قالوا بحق وبما تلزم طاعته فيه ، فقد أسقطوا شغبهم بذكر التغليظ.
وأما القول الآخر فالقول به كفر مجرد لا يقوله مسلم.
وقال بعضهم : قد جاء أثر بأنه إنما أمر بقتلها ، لانها كانت تروع المؤمنين
قيل له : لسنا في قتلها ، إنما نحن في غسل الإناء من ولوغها ، مع أن ذلك الأثر ليس فيه إلا ذكر قتلها فقط ، وهو أيضا موضوع ; لانه من رواية الحسين بن عبيد الله العجلي وهو ساقط.
وشغب بعضهم فذكر الحديث الذي فيه المغفرة للبغي التي سقت الكلب بخفها.
قال علي : وهذا عجب جدا ; لإن ذلك الخبر كان في غيرنا ، ولا تلزمنا شريعة من قبلنا.
وأيضا فمن لهم أن ذلك الخف شرب فيه ما بعد ذلك ، وأنه لم يغسل ، وأن تلك البغي عرفت سنة غسل الإناء من ولوغ الكلب ولم تكن تلك البغي نبية فيحتج بفعلها ، وهذا كله دفع بالراح وخبط يجب أن يستحى منه.
ويجزئ غسل من غسله وإن كان غير صاحبه ، لقوله عليه السلام فاغسلوه فهو أمر عام.
قال علي : فإن أنكروا علينا التفريق بين ما ولغ الكلب فيه وبين ما أكل فيه أو وقع فيه أو أدخل فيه عضوا من أعضائه غير لسانه. قلنا لهم : لا نكرة على من قال ما قال رسول الله ﷺ ولم يقل ما لم يقل عليه السلام ، ولم يخالف ما أمره به نبيه عليه السلام ، ولا شرع ما لم يشرعه عليه السلام في الدين ، وإنما النكرة على من أبطل الصلاة بما زاد على الدرهم البغلي في الثوب من دم الدجاج فأبطل به الصلاة ، ولم يبطل الصلاة بثوب غمس في دم السمك ، ومن أبطل الصلاة بقدر الدرهم البغلي في الثوب من خرء الدجاج وروث الخيل ، ولم يبطلها بأقل من ربع الثوب من بول الخيل وخرء الغراب. وعلى من أراق الماء يلغ فيه الكلب ، ولم يرق اللبن إذا ولغ فيه الكلب ، وعلى من أمر بهرق خمسمائة رطل غير أوقية من ماء وقع فيه درهم من لعاب كلب ، فإن كان خمسمائة رطل ووقع فيه رطل من لعاب الكلب كان طاهرا لا يراق منه شيء ، فهذه هي النكرات حقا لا ما قلنا. وبالله نتأيد.
128 - مسألة : فإن ولغ في الإناء الهر لم يهرق ما فيه ، لكن يؤكل أو يشرب أو يستعمل ، ثم يغسل الإناء بالماء مرة واحدة فقط .
ولا يلزم إزالة لعابه مما عدا الإناء والثوب بالماء لكن بما أزاله ومن الثوب بالماء فقط. حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا عمرو بن علي الصيرفي ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، حدثنا قرة بن خالد ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال : إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسله سبع مرات والهر مرة.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا مالك بن أنس أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، عن حميدة بنت عبيد بن رافع ، عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ولد أبي قتادة أنها صبت لابي قتادة ماء يتوضأ به ، فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء فجعلت أنظر ، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي قال رسول الله ﷺ إنها ليست بنجس ، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات.
قال علي : فوجب غسل الإناء ولم يجب إهراق ما فيه ; لانه لم ينجس ، ووجب غسل لعابه من الثوب ، لإن الهر ذو ناب من السباع فهو حرام ، وبعض الحرام حرام ، وليس كل حرام نجسا ، ولا نجس إلا ما سماه الله تعالى أو رسوله نجسا ، والحرير والذهب حرام على الرجال وليسا بنجسين.
وقال الله تعالى ﴿ وثيابك فطهر.
وقال أبو حنيفة : يهرق ما ولغ فيه الهر ، ولا يجزئ الوضوء به ، ويغسل الإناء مرة. وهذا خلاف كلام رسول الله ﷺ من رواية أبي قتادة.
وقال مالك والشافعي : يتوضأ بما ولغ فيه الهر ، ولا يغسل منه الإناء ، وهذا خلاف أمر رسول الله ﷺ من رواية أبي هريرة.
وممن أمر بغسل الإناء من ولوغ الهر أبو هريرة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس وعطاء.
إلا أن طاووسا وعطاء جعلاه بمنزلة ما ولغ فيه الكلب. وممن أباح أن يستعمل ما ولغ فيه الهر أبو قتادة ، وابن عباس وأبو هريرة وأم سلمة وعلي ، وابن عمر باختلاف عنه فصح قول أبي هريرة كقولنا نصا. والحمد لله رب العالمين.
129 - مسألة : وتطهير جلد الميتة ، أي ميتة كانت ولو أنها جلد خنزير أو كلب أو سبع أو غير ذلك فإنه بالدباغ بأي شيء دبغ طاهر .
فإذا دبغ حل بيعه والصلاة عليه ، وكان كجلد ما ذكي مما يحل أكله ، إلا أن جلد الميتة المذكور لا يحل أكله بحال ، حاشا جلد الإنسان ، فإنه لا يحل أن يدبغ ، ولا أن يسلخ ، ولا بد من دفنه وإن كان كافرا.
وصوف الميتة وشعرها وريشها ووبرها حرام قبل الدباغ حلال بعده ، وعظمها وقرنها مباح كله لا يحل أكله ، ولا يحل بيع الميتة ، ولا الأنتفاع بعصبها ، ولا شحمها.
حدثني أحمد بن قاسم ثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان ، هو ابن عيينة ثنا زيد بن أسلم أنه سمع عبد الرحمان بن وعلة المصري يقول : سمعت ابن عباس يقول : سمعت رسول الله r يقول : أيما إهاب دبغ فقد طهر ".
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله r على شاة لمولاة لميمونة ميتة فقال : أفلا انتفعتم بإهابها قالوا : وكيف وهي ميتة يا رسول الله قال : إنما حرم لحمها.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن ميمونة أن رسول الله r مر على شاة ملقاة ، فقال لمن هذه ، قالوا لميمونة ، قال : ما عليها لو انتفعت بإهابها قالوا إنها ميتة. قال : إنما حرم الله أكلها.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ، وابن أبي عمر ، كلهم ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت : فمر بها رسول الله r فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا : إنها ميتة فقال : إنما حرم أكلها.
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس أخبرتني ميمونة أن شاة ماتت ، فقال رسول الله r : ألا دبغتم إهابها.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عبيد الله بن سعيد ثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن الجون بن قتادة ، عن سلمة بن المحبق أن رسول الله r في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة فقالت : ما عندي إلا في قربة لي ميتة. قال : أليس قد دبغتها قالت : بلى. قال : فإن دباغها ذكاتها.
حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري ثنا محمد بن حاتم ثنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ثنا جون بن قتادة التميمي قال " كنا مع رسول الله r فقال في حديث ذكره فإن دباغ الميتة طهورها قال علي : جون وسلمة لهما صحبة.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله r يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس قال لا.
هو حرام. فقال رسول الله r عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه.
قال علي : ذهب أحمد بن حنبل إلى أنه لا يحل استعمال جلد الميتة وإن دبغ ، وذكر ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن قدامة ثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عكيم قال : كتب إلينا رسول الله r : ألا تستنفعوا من الميتة بإهاب ، ولا عصب.
قال علي : هذا خبر صحيح ، ولا يخالف ما قبله. بل هو حق ، لا يحل أن ينتفع من الميتة بإهاب إلا حتى يدبغ ، كما جاء في الأحاديث الأخر ، إذ ضم أقواله عليه السلام بعضها لبعض فرض ، ولا يحل ضرب بعضها ببعض ، لأنها كلها حق من عند الله عز وجل قال الله تعالى وما ينطق ، عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
وقال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
وروي ، عن عائشة أم المؤمنين بإسناد في غاية الصحة دباغ الأديم ذكاته وهذا عموم لكل أديم. وعن ابن عباس ، عن أم المؤمنين ميمونة : أنها دبغت جلد شاة ميتة فلم تزل تنبذ فيه حتى بلي ، وعن عمر بن الخطاب : دباغ الأديم ذكاته.
وقال إبراهيم النخعي في جلود البقر والغنم تموت فتدبغ : إنها تباع وتلبس. وعن الأوزاعي إباحة بيعها.
وعن سفيان الثوري إباحة الصلاة فيها.
وعن الليث بن سعد إباحة بيعها.
وعن سعيد بن جبير في الميتة : دباغها ذكاتها ، وأباح الزهري جلود النمور ،
واحتج بما جاء عن النبي r في جلد الميتة ، وعن عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وابن سيرين مثل ذلك.
وقال أبو حنيفة : جلد الميتة إذا دبغ وعظامها وعصبها وعقبها وصوفها وشعرها ووبرها وقرنها لا بأس بالأنتفاع بكل ذلك ، وبيعه جائز ، والصلاة في جلدها إذا دبغ جائز ، أي جلد كان حاشا جلد الخنزير.
وقال مالك : لا خير في عظام الميتة وهي ميتة ، ولا يصلى في شيء من جلود الميتة وإن دبغت ، ولا يحل بيعها ، أي جلد كان ، ولا يستقى فيها ، لكن جلود ما يؤكل لحمه إذا دبغت جاز القعود عليها وأن يغربل عليها ، وكره الأستقاء فيها بآخرة لنفسه ، ولم يمنع ، عن ذلك غيره. ورأى جلود السباع إذا دبغت مباحة للجلوس والغربلة. ولم ير جلد الحمار وإن دبغ يجوز استعماله ، ولم ير استعمال قرن الميتة ، ولا سنها ، ولا ظلفها ، ولا ريشها. وأباح صوف الميتة وشعرها ووبرها.
وكذلك إن أخذت من حي.
وقال الشافعي : يتوضأ في جلود الميتة إذا دبغت أي جلد كان.
إلا جلد كلب أو خنزير. ولا يطهر بالدباغ لا صوف ، ولا شعر ، ولا وبر ، ولا عظم ، ولا قرن ، ولا سن ، ولا ريش. إلا الجلد وحده فقط.
قال علي : أما إباحة أبي حنيفة العظم والعقب من الميتة فخطأ ، لأنه خلاف الأثر الصحيح الذي أوردنا ألا ننتفع من الميتة بإهاب ، ولا عصب وجاء الخبر بإباحة الإهاب إذا دبغ ، فبقي العصب على التحريم ، والعقب عصب بلا شك ، وكذلك تفريقه بين جلود السباع والميتات وجلد الخنزير خطأ ، لأن كل ذلك ميتة محرم ، ولا نعلم هذه التفاريق ، ولا هذا القول ، عن أحد قبله.
وأما تفريق مالك بين جلد ما يؤكل لحمه وبين جلد ما لا يؤكل لحمه فخطأ ، لأن الله تعالى حرم الميتة كما حرم الخنزير ، ولا فرق قال الله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، ولا فرق بين كبش ميت وبين خنزير ميت عنده ، ولا عندنا ، ولا عند مسلم في التحريم.
وكذلك فرقه بين جلد الحمار وجلد السباع خطأ ، لأن التحريم جاء في السباع كما جاء في الحمير ، ولا فرق ، والعجب أن أصحابه لا يجيزون الأنتفاع بجلد الفرس إذا دبغ ، ولحمه إذا ذكي حلال بالنص ، ويجيزون الأنتفاع بجلد السبع إذا دبغ ، وهو حرام لا تعمل فيه الذكاة بالنص ،
وكذلك منعه من الصلاة عليها إذا دبغت خطأ ; لأنه تفريق بين وجوه الأنتفاع بلا نص قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا تابع ، ولا قياس ، ولا نعلم هذا التفريق ، عن أحد قبله.
وأما تفريق الشافعي بين جلود السباع وجلد الكلب والخنزير فخطأ ، لأن كل ذلك ميتة حرام سواء ، ودعواه أن معنى قوله عليه السلام : إذا دبغ الإهاب فقد طهر أن معناه عاد إلى طهارته خطأ ، وقول بلا برهان ، بل هو على ظاهره أنه حينئذ طهر ، ولا نعلم هذا التفريق ، عن أحد قبله.
قال علي : أما كل ما كان على الجلد من صوف أو شعر أو وبر فهو بعد الدباغ طاهر كله لا قبل الدباغ ; لأن النبي r قد علم أن على جلود الميتة الشعر والريش والوبر والصوف ، فلم يأمر بإزالة ذلك ، ولا أباح استعمال شيء من ذلك قبل الدباغ ، وكل ذلك قبل الدباغ بعض الميتة حرام ، وكل ذلك بعد الدباغ طاهر ليس ميتة ، فهو حلال حاشا أكله ، وإذ هو حلال فلباسه في الصلاة وغيرها وبيع كل ذلك داخل في الأنتفاع الذي أمر به رسول الله r فإن أزيل ذلك ، عن الجلد قبل الدباغ لم يجز الأنتفاع بشيء منه ، وهو حرام ، إذ لا يدخل الدباغ فيه ، وإن أزيل بعد الدباغ فقد طهر ، فهو حلال بعد كسائر المباحات حاشا أكله فقط.
وأما العظم والريش والقرن فكل ذلك من الحي بعض الحي ، والحي مباح ملكه وبيعه إلا ما منع من ذلك نص ، وكل ذلك من الميتة ميتة ، وقد صح تحريم النبي r بيع الميتة ، وبعض الميتة ميتة ، فلا يحل بيع شيء من ذلك ، والأنتفاع بكل ذلك جائز ، لقوله عليه السلام : إنما حرم أكلها فأباح ما عدا ذلك إلا ما حرم باسمه من بيعها والأدهان بشحومها ، ومن عصبها ولحمها.
وأما شعر الخنزير وعظمه فحرام كله ، لا يحل أن يتملك ، ولا أن ينتفع بشيء منه ; لأن الله تعالى قال : أو لحم خنزير فإنه رجس والضمير راجع إلى أقرب مذكور ، فالخنزير كله رجس ، والرجس واجب اجتنابه ، بقوله تعالى رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه حاشا الجلد فإنه بالدباغ طاهر بعموم قوله عليه السلام وأيما إهاب دبغ فقد طهر
قال علي : وأما جلد الإنسان فقد صح نهي رسول الله r عن المثلة ، والسلخ أعظم المثلة ، فلا يحل التمثيل بكافر ، ولا مؤمن ، وصح أمره عليه السلام بإلقاء قتلى كفار بدر في القليب ، فوجب دفن كل ميت كافر ومؤمن. وبالله تعالى التوفيق.
130 - مسألة : وإناء الخمر إن تخللت الخمر فيه فقد صار طاهرا يتوضأ فيه ويشرب وإن لم يغسل ، فإن أهرقت أزيل أثر الخمر ، ولا بد بأي شيء من الطاهرات أزيل ، ويطهر الإناء حينئذ سواء كان فخارا أو عودا أو خشبا أو نحاسا أو حجرا أو غير ذلك .
أما الخمر فمحرمة بالنص والإجماع المتيقن ، فواجب اجتنابها.
قال تعالى ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فإذا تخللت الخمر أو خللت فالخل حلال بالنص طاهر حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام ، حدثنا سفيان هو الثوري ، عن محارب بن دثار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ : (( نعم الإدام الخل فعم عليه السلام ولم يخص ، والخل ليس خمرا ، لإن الحلال الطاهر غير الحرام الرجس بلا شك ، فإذن لا خمر هنالك أصلا ، ولا أثر لها في الإناء ، فليس هنالك شيء يجب اجتنابه وإزالته.
وأما إذا ظهر أثر الخمر في الإناء فهي هنالك بلا شك. وإزالتها واجتنابها فرض. ولا نص ، ولا إجماع في شيء ما بعينه تزال به.
فصح أن كل شيء أزيلت به فقد أدينا ما علينا من واجب إزالتها. والحمد لله رب العالمين.
وإذا أزيلت فالإناء طاهر ، لانه ليس هنالك شيء يجب اجتنابه من أجله.