→ كتاب الطهارة (مسألة 224 - 235) | ابن حزم - المحلى كتاب التيمم (مسألة 236 - 245) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 246 - 249) ← |
كتاب الطهارة
كتاب التـــيمم
236 - مسألة : والمتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات الفرض والنوافل ما لم ينتقض تيممه بحدث أو بوجود الماء ، وأما المريض فلا ينقض طهارته بالتيمم إلا ما ينقض الطهارة من الأحداث فقط . وبهذا يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والليث بن سعد وداود . وروينا أيضا عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال : يصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث . وعن معمر قال : سمعت الزهري يقول : التيمم بمنزلة الماء . يقول يصلي به ما لم يحدث . وعن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : صل بتيمم واحد الصلوات كلها ما لم تحدث ، هو بمنزلة الماء وهو قول يزيد بن هارون ومحمد بن علي بن الحسين وغيرهم . وقال مالك : لا يصلى صلاتا فرض بتيمم واحد ، وعليه أن يتيمم لكل صلاة فإن تيمم وتطوع بركعتي الفجر أو غيرهما فلا بد له من أن يتيمم تيمما آخر للفريضة فلو تيمم ثم صلى الفريضة جاز له أن يتنفل بعدها بذلك التيمم . وقال الشافعي : يتيمم لكل صلاة فرض ولا بد ، وله أن يتنفل قبلها وبعدها بذلك التيمم . وقال شريك : يتيمم لكل صلاة . وروي مثل قول شريك عن إبراهيم النخعي والشعبي وربيعة وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو قول الليث بن سعد وأحمد وإسحاق . وقال أبو ثور : يتيمم لكل وقت صلاة فرض إلا أنه يصلي الفوائت من الفروض كلها بتيمم واحد . قال علي : أما قول مالك فلا متعلق له بحجة أصلا ، لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا بقياس ، ولا يخلو التيمم من أن يكون طهارة أو لا طهارة ، فإن كان طهارة فيصلي بطهارته ما لم يوجب نقضها قرآن أو سنة ، وإن كان ليس طهارة فلا يجوز له أن يصلي بغير طهارة . وقال بعضهم : ليس طهارة تامة ولكنه استباحة للصلاة . قال علي : وهذا باطل من وجوه : أحدها أنه قول بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل . والثاني أنه قول يكذبه القرآن . قال الله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } فنص تعالى على أن التيمم طهارة من الله تعالى . والثالث : أنه تناقض منهم لأنهم قالوا ليس طهارة تامة - ولكنه استباحة للصلاة ، وهذا كلام ينقض أوله آخره ؛ لأن الاستباحة للصلاة لا تكون إلا بطهارة ، فهو إذن طهارة لا طهارة . والرابع أنه هبك أنه كما قالوا استباحة للصلاة ، فمن أين لهم أن لا يستبيحوا بهذه الاستباحة الصلاة الثانية كما استباحوا به الصلاة الأولى ؟ ومن أين وجب أن يكون استباحة للصلاة الأولى دون أن يكون استباحة للثانية ؟ وقالوا : إن طلب الماء ينقض طهارة المتيمم وعليه أن يطلب الماء لكل صلاة . قلنا لهم : هذا باطل ، أول ذلك إن قولكم ، إن طلب الماء ينقض طهارة المتيمم دعوى كاذبة بلا برهان ، وثانيه أن قولكم : أن عليه طلب الماء لكل صلاة باطل وأي ماء يطلب ؟ وهو قد طلبه وأيقن أنه لا يجده ؟ ثم لو كان كذلك ، فأي ماء يطلبه المريض الواجد الماء ؟ فظهر فساد هذا القول جملة ، لا سيما قول مالك في بقاء الطهارة بعد الفريضة للنوافل وانتقاض الطهارة بعد النافلة للفريضة ، وبعد الفريضة للفريضة ، وطلب الماء على قولهم يلزم للنافلة ولا بد ، كما يلزم للفريضة ، إذ لا فرق في وجوب الطهارة للنافلة كما تجب للفريضة ولا فرق ، بلا خلاف به من أحد من الأمة وإن اختلفت أحكامها في غير ذلك ، لا سيما وشيخهم الذي قلدوه - مالك - يقول في الموطأ : ليس المتوضئ بأطهر من المتيمم ، ومن تيمم فقد فعل ما أمره الله تعالى به . وأما قول الشافعي فظاهر الخطأ أيضا ، لأنه أوجب تجديد التيمم للفريضة ولم يوجبه للنافلة ، وهذا خطأ بكل ما ذكرناه . وأما قول أبي ثور فظاهر الخطأ أيضا ، لأنه جعل الطهارة بالتيمم تصح ببقاء وقت الصلاة وتنتقض بخروج الوقت وما علمنا في الأحداث خروج وقت أصلا ، لا في قرآن ولا سنة ، وإنما جاء الأمر بالغسل في كل صلاة فرض أو في الجمع بين الصلاتين في المستحاضة ، والقياس باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن قياس المتيمم على المستحاضة لم يوجبه شبه بينهما ولا علة جامعة ، فهو باطل بكل حال ، فحصلت هذه الأقوال دعوى كلها بلا برهان وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا إن قولنا هذا هو قول ابن عباس وعلي وابن عمر وعمرو بن العاص قلنا أما الرواية عن ابن عباس فساقطة لأنها من طريق الحسن بن عمارة وهو هالك وعن رجل لم يسم . وأما الرواية عن عمرو بن العاص فإنما هي عن قتادة عن عمرو بن العاص ، وقتادة لم يولد إلا بعد موت عمرو بن العاص ، والرواية في ذلك عن علي وابن عمر أيضا لا تصح ، ولو صحت لما كان في ذلك حجة ، إذ ليس في قول أحد حجة دون رسول الله ﷺ . وأيضا فإن تقسيم مالك والشافعي وأبي ثور لم يرو عن أحد ممن ذكرنا ، فهم مخالفون الصحابة المذكورين في كل ذلك ، وأيضا فقد روي نحو قولنا عن ابن عباس أيضا ، فصح قولنا وبالله التوفيق . وقد قال بعضهم : لما قال الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } إلى قوله : { فتيمموا صعيدا طيبا } قال فأوجب عز وجل الوضوء على كل قائم إلى الصلاة ، فلما صلى النبي ﷺ الصلوات بوضوء واحد خرج الوضوء بذلك عن حكم الآية ، وبقي التيمم على وجوبه على كل قائم للصلاة . قال علي رضي الله عنه : وهذا ليس كما قالوا ، لا سيما المالكيين والشافعيين المبيحين للقيام إلى صلاة النافلة بعد الفريضة بغير إحداث تيمم ولا إحداث طلب للماء ، فلا متعلق لهاتين الطائفتين بشيء مما ذكرنا في هذا الباب ، وإنما الكلام بيننا وبين من قال بقول شريك ، فنقول وبالله التوفيق : إن الآية لا توجب شيئا مما ذكرتم ، ولو أوجبت ذلك لأوجبت غسل الجنابة على كل قائم إلى الصلاة أبدا ، وإنما حكم الآية في إيجاب الله تعالى الوضوء والتيمم والغسل إنما هو على المجنبين والمحدثين فقط ، بنص آخر الآية المبين لأولها ، لقول الله تعالى فيها : { وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ولا يختلف اثنان من الأمة في أن ههنا حذفا دل عليه العطف وإن معنى الآية : وإن كنتم مرضى أو على سفر فأحدثتم أو جاء أحد منكم من الغائط ، فبطل ما شغبوا به . بل لو قال قائل إن حكم تجديد الطهارة عند القيام إلى الصلاة إنما هو بنص الآية إنما هو على من حكمه الوضوء لا على من حكمه التيمم ، لكان أحق بظاهر الآية منهم ، لأن الله تعالى لم يأمر قط بالتيمم في الآية إلا من كان محدثا فقط ، لا كل قائم إلى الصلاة أصلا ، وهذا لا مخلص لهم منه ألبتة ، فبطل تعلقهم في إيجاب تجديد التيمم لكل صلاة بالآية وصارت الآية موجبة لقولنا ، ومسقطة للتيمم إلا عمن كان محدثا فقط ، وأن التيمم طهارة صحيحة بنص الآية ، فإذ الآية موجبة لذلك فقد صح أنه يصلي بتيمم واحد ما شاء المصلي من صلوات الفرض في اليوم والليلة وفي أكثر من ذلك ومن النافلة ، ما لم يحدث أو يجنب أو يجد الماء بنص الآية نفسها والحمد لله رب العالمين .
237 - مسألة : والتيمم جائز قبل الوقت وفي الوقت إذا أراد أن يصلي به نافلة أو فرضا كالوضوء ولا فرق ، لأن الله تعالى أمر بالوضوء والغسل والتيمم عند القيام إلى الصلاة ، ولم يقل تعالى إلى صلاة فرض دون النافلة ، فكل مريد صلاة فالفرض عليه أن يتطهر لها بالغسل إن كان جنبا ، وبالوضوء أو التيمم إن كان محدثا ، فإذ ذلك كذلك فلا بد لمريد الصلاة من أن يكون بين تطهره وبين صلاته مهلة من الزمان ، فإذ لا يمكن غير ذلك فمن حد في قدر تلك المهلة حدا فهو مبطل ، لأنه يقول من ذلك ما لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ، فإذ هذا كما ذكرنا فلا ينقض الطهارة بالوضوء ولا بالتيمم طول تلك المهلة ولا قصرها وهذا في غاية البيان ، والحمد لله رب العالمين .
238 - مسألة : ومن كان في رحله ماء فنسيه فتيمم وصلى فصلاته تامة ، لأن الناسي غير واجد للماء . وبالله تعالى التوفيق .
239 - مسألة : ومن كان في البحر والسفينة تجري فإن كان قادرا على أخذ ماء البحر والتطهر به لم يجزه غير ذلك ، فإن لم يقدر على أخذه تيمم وأجزأه . روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أن ماء البحر لا يجزئ الوضوء به ، وأن حكم من لم يجد غيره التيمم . وروينا عن عمر رضي الله عنه الوضوء بماء البحر ، وهو الصحيح لقول الله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ولقول رسول الله ﷺ { وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء } وماء البحر ماء مطلق ، فإن لم يقدر على أخذ الماء منه فهو لا يجد ماء يقدر على التطهر به ، ففرضه التيمم .
240 - مسألة : وكذلك من كان في سفر أو حضر وهو صحيح أو مريض فلم يجد إلا ماء يخاف على نفسه منه الموت أو المرض ، ولا يقدر على تسخينه إلا حتى يخرج الوقت ، فإنه يتيمم ويصلي ، لأنه لا يجد ماء يقدر على التطهر به .
241 - مسألة : وليس على من لا ماء معه أن يشتريه للوضوء ولا للغسل ، لا بما قل ولا بما كثر ، فإن اشتراه لم يجزه الوضوء به ولا الغسل وفرضه التيمم ، وله أن يشتريه للشرب إن لم يعطه بلا ثمن ، وأن يطلبه للوضوء فذلك له . وليس ذلك عليه فإن وهب له توضأ به ولا بد ، ولا يجزيه غير ذلك . برهان ذلك { نهي رسول الله ﷺ عن بيع الماء } . وروينا من طريق مسلم : حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا ابن جريج أخبرني زياد بن سعد أخبرني هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ { لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ } . حدثنا حمام ثنا عيسى بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أخبره أبو المنهال أن إياس بن عبد قال لرجل : لا تبع الماء ، فإن { رسول الله ﷺ نهى عن بيع الماء } ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال { عن إياس بن عبد المزني - ورأى ناسا يبيعون الماء - فقال لا تبيعوا الماء ، فإني سمعت رسول الله ﷺ نهى أن يباع } . ومن طريق ابن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ثنا أبو إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت { نهى رسول الله ﷺ أن نمنع نقع البئر يعني فضل الماء } هكذا في الحديث تفسيره . ورويناه أيضا مسندا من طريق جابر ، فهؤلاء أربعة من الصحابة ، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته . قال علي : وقد تقصيت الكلام في هذا في مسألة المنع من بيع الماء في كتاب البيوع من ديواننا هذا . والحمد لله . قال أبو محمد : فإذ نهى رسول الله ﷺ عن بيعه فبيعه حرام ، وإذ هو كذلك فأخذه بالبيع أخذ بالباطل ، وإذ هو مأخوذ بالباطل فهو غير متملك له ، وإذ هو غير متملك له فلا يحل استعماله له ، لقول الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولقول رسول الله ﷺ { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فإذا لم يجده إلا بوجه حرام - من غصب أو بيع محرم - فهو غير واجد الماء ، وإذا لم يجد الماء ففرضه التيمم . وأما ابتياعه للشرب فهو مضطر إلى ذلك ، والثمن حرام على البائع ، لأنه أخذه بغير حق ، ومنع فضل الماء هو محرم عليه ذلك . وأما استيهابه الماء فلم يأت بذلك إيجاب ولا جاء عنه منع فهو مباح ، قال عليه السلام : { دعوني ما تركتكم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه } أو كما قال عليه السلام ، فإذا ملكه بهبة فقد ملكه بحق ، فواجب عليه استعماله في الطهارة وبالله التوفيق . وقد اختلف الناس في هذا فقال الأوزاعي والشافعي وإسحاق : عليه أن يشتري الماء للوضوء بثمنه ، فإن طلب منه أكثر من ثمنه ، تيمم ولم يشتره . وقال أبو حنيفة لا يشتريه بثمن كثير . وقال مالك : إن كان قليل الدراهم ولم يجد الماء إلا بثمن غال تيمم ، وإن كان كثير المال اشترى ما لم يشطوا عليه في الثمن ، وهو قول أحمد . وقال الحسن البصري : يشتريه ولو بماله كله . قال أبو محمد : إن كان واجده بالثمن - واجدا للماء - فالحكم ما قاله الحسن ، وإن كان غير واجد فالقول قولنا ، وأما التقسيم في ابتياعه ما لم يغل عليه فيه ، وتركه إن غولي به ، فلا دليل على صحة هذا القول ، وكل ما دعت إليه ضرورة فليس غاليا بشيء أصلا وبالله تعالى التوفيق .
242 - مسألة : ومن كان معه ماء يسير يكفيه لشربه فقط ففرضه التيمم لقول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } .
243 - مسألة : ومن كان معه ماء يسير يكفيه للوضوء وهو جنب تيمم للجنابة وتوضأ بالماء ، لا يبالي أيهما قدم ، لا يجزيه غير ذلك ، لأنهما فرضان متغايران ، وإذ هما كذلك فلا ينوب أحد عن الآخر على ما قدمنا ، وهو قادر على أن يؤدي أحدهما بكماله بالماء ، فلا يجزيه إلا ذلك ، ويؤدي الآخر بالتيمم أيضا كما أمر .
244 - مسألة : فلو فضل له من الماء يسير فلو استعمله في بعض أعضائه ذهب ولم يمكنه أن يعم به سائر أعضائه ، ففرضه غسل ما أمكنه والتيمم ، وقال الشافعي يغسل به أي أعضائه شاء ويتيمم . قال علي : قال أصحابنا : وهذا خطأ ، لأنه غير عاجز عن سائر أعضائه . بمنع منها فيجزيه تطهير بعضها : ولكنه عاجز عن تطهير ما أمر بتطهيره بالماء ، ومن هذه صفته فالفرض عليه التيمم ولا بد ، بتعويض الله تعالى الصعيد من الماء إذا لم يوجد . وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : قال رسول الله ﷺ { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وهذا مستطيع لأن يأتي ببعض وضوئه أو ببعض غسله ، غير مستطيع على باقيه ، ففرض عليه أن يأتي من الغسل بما يستطيع في الأول ، فالأول من أعضاء الوضوء وأعضاء الغسل حيث بلغ ، فإذا نفد لزمه التيمم لباقي أعضائه ولا بد ، لأنه غير واجد للماء في تطهيرها ، فالواجب عليه تعويض التراب كما أمره الله تعالى ، فلو كان بعض أعضائه ذاهبا أو لا يقدر على مسه الماء لجرح أو كسر سقط حكمه ، قل أو كثر ، وأجزأه غسل ما بقي ، لأنه واجد للماء عاجز عن تطهير الأعضاء ، وليس من أهل التيمم لوجوده الماء وسقط عنه ما عجز عنه لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وبالله التوفيق .
245 - مسألة : فمن أجنب ولا ماء معه فلا بد له من أن يتيمم تيممين ، ينوي بأحدهما تطهير الجنابة وبالآخر الوضوء ، ولا يبالي أيهما قدم . برهان ذلك أنهما عملان متغايران كما قدمنا ، فلا يجزئ عمل واحد عن عملين مفترضين إلا بأن يأتي نص بأنه يجزئ عنهما ، والنص قد جاء بأن غسل أعضاء الوضوء يجزئ عن ذلك وعن غسلها في غسل الجنابة فصرنا إلى ذلك ، ولم يأت ههنا نص بأن تيمما واحدا يجزئ عن الجنابة وعن الوضوء : وكذلك لو أجنبت المرأة ثم حاضت ثم طهرت يوم جمعة وهي مسافرة ولا ماء معها فلا بد لها من أربع تيممات : تيمم للحيض وتيمم للجنابة وتيمم للوضوء وتيمم للجمعة لما ذكرناه ، فإن كانت قد غسلت ميتا فتيمم خامس ، والبرهان في ذلك قد ذكرناه في الغسل واجتماع وجوهه الموجبة له ، وبالله تعالى التوفيق .