→ كتاب الطهارة | ابن حزم - المحلى كتاب الطهارة (مسألة 110 - 120) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة121 - 125) ← |
كتاب الطهارة
110 - مسألة : الوضوء للصلاة فرض لا تجزئ الصلاة إلا به لمن وجد الماء.
هذا إجماع لا خلاف فيه من أحد ، وأصله قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } .
111 - مسألة : ولا يجزئ الوضوء إلا بنية الطهارة للصلاة فرضا وتطوعا لا يجزئ أحدهما دون الآخر ، ولا صلاة دون صلاة.
برهان ذلك الآية المذكورة:
لإن الله تعالى لم يأمر فيها بالوضوء إلا للصلاة على عمومها ، لم يخص تعالى صلاة من صلاة فلا يجوز تخصيصها ، ولا يجزئ لغير ما أمر الله تعالى به.
وقال أبو حنيفة : يجزئ الوضوء والغسل بلا نية وبنية التبرد والتنظف.
كان حجتهم أن قالوا : إنما أمر بغسل جسمه أو هذه الأعضاء فقد فعل ما أمر به .
وقالوا : قسنا ذلك على إزالة النجاسة فإنها تجزئ بلا نية .
ومن قولهم : إن التيمم لا يجزئ إلا بنية.
وقال الحسن بن حي : الوضوء والغسل والتيمم يجزئ كل ذلك بلا نية .
وقال أبو يوسف : إن انغمس جنب في بئر ليخرج دلوا منها لم يجزه ذلك من غسل الجنابة .
وقال محمد بن الحسن : يجزيه من غسل الجنابة.
قال علي : أما احتجاجهم بأنه إنما أمر بغسل جسمه أو هذه الأعضاء وقد فعل ما أمر به ، فكذب بل ما أمر إلا بغسلها بنية القصد إلى العمل الذي أمره الله تعالى به في ذلك الوجه ، قال الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
فنفى عز وجل أن يكون أمرنا بشيء إلا بعبادته مفردين له نياتنا بدينه الذي أمرنا به فعم بهذا جميع أعمال الشريعة كلها.
حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا أبو زيد المروي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول ، سمعت عمر بن الخطاب يقول على المنبر : سمعت رسول الله ﷺ يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
فهذا أيضا عموم لكل عمل ، ولا يجوز أن يخص به بعض الأعمال دون بعض بالدعوى.
وأما قياسهم ذلك على إزالة النجاسة فباطل لانه قياس ، والقياس كله باطل ، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل ، لوجوه : منها أن يقال لهم : ليس قياسكم الوضوء والغسل على إزالة النجاسة بأولى من قياسكم ذلك على التيمم الذي هو وضوء في بعض الأحوال أيضا ، وكما قستم التيمم على الوضوء في بعض الأحوال وهو بلوغ المسح إلى المرفقين ، فهلا قستم الوضوء على التيمم في أنه لا يجزئ كل واحد منهما إلا بنية ، لإن كليهما طهر للصلاة.
فإن قالوا : إن الله تعالى قال : فتيمموا صعيدا طيبا ولم يقل ذلك في الوضوء
قلنا نعم فكان ماذا !!
وكذلك قال الله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} فصح أنه لا يجزئ ذلك الغسل إلا للصلاة بنص الآية .
والوجه الثاني أن دعواهم أن غسل النجاسة يجزئ بلا نية باطل ليس كما قالوا .
بل كل تطهير لنجاسة أمر الله تعالى به على صفة ما فإنه لا يجزئ إلا بنية وعلى تلك الصفة لقول رسول الله ﷺ : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
وقد ذكرناه بإسناده قبل ، وكل نجاسة ليس فيها أمر بصفة ما فإنما على الناس أن يصلوا بغير نجاسة في أجسامهم ، ولا في ثيابهم ، ولا في موضع صلاتهم ، فإذا صلوا كذلك فقد فعلوا ما أمروا به ، فظهر فساد احتجاجهم وعظم تناقضهم في الفرق بين الوضوء والغسل وبين التيمم والصلاة وغير ذلك من الأعمال بلا برهان ، واختلافهم في الجنب ينغمس في البئر كما ذكرنا بلا دليل .
وقال بعضهم : لو احتاج الوضوء إلى نية لاحتاجت النية إلى نية وهكذا أبدا .
قلنا لهم : هذا لازم لكم فيما أوجبتم من النية للتيمم وللصلاة وهذا محال ، لإن النية المأمور بها هي مأمور بها لنفسها ، لانها القصد إلى ما أمر به فقط .
وأما الحسن بن حي فإنه ينقض قوله بالآية التي ذكرنا والحديث الذي أوردناه .
وقولنا في هذا قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وغيرهم وبالله تعالى التوفيق .
112 - مسألة : ويجزئ الوضوء قبل الوقت وبعده ، وقال بعض الناس ، لا يجزئ الوضوء ، ولا التيمم إلا بعد دخول وقت الصلاة ، وقال آخرون : يجزئ الوضوء قبل الوقت ، ولا يجزئ التيمم إلا بعد الوقت ، وقال آخرون : الوضوء والتيمم يجزيان قبل الوقت.
واحتج من رأى كل ذلك لا يجزئ إلا بعد دخول الوقت بقول الله تعالى ﴿ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه .
قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه ، بل هو حجة عليهم كافية ; لإن الله تعالى لم يقل : إذا قمتم إلى صلاة فرض ، ولا إذا دخل وقت صلاة فرض فقمتم إليها .
بل قال عز وجل : إذا قمتم إلى الصلاة
فعم تعالى ولم يخص ، والصلاة تكون فرضا وتكون تطوعا بلا خلاف ، وقد أجمع أهل الأرض قاطبة من المسلمين على أن صلاة التطوع لا تجزئ إلا بطهارة من وضوء أو تيمم أو غسل ، ولا بد ، فوجب بنص الآية ضرورة أن المرء إذا أراد صلاة فرض أو تطوع وقام إليها أن يتوضأ أو يغتسل إن كان جنبا أو يتيمم إن كان من أهل التيمم ثم ليصل ، فإن ذلك نص الآية بيقين فإذا أتم المرء غسله أو وضوءه أو تيممه فقد طهر بلا شك.
وإذ قد صحت طهارته فجائز له أن يجعل بين طهارته وبين الصلاة التي قام إليها مهلة من مشي أو حديث أو عمل .
لإن الآية لم توجب اتصال الصلاة بالطهارة لا بنصها ، ولا بدليل فيها .
وإذا جاز أن يكون بين طهارته وبين صلاته مهلة فجائز أن تمتد المهلة ما لم يمنع من تماديها قرآن أو سنة .
وذلك يمتد إلى آخر أوقات الفرض .
وأما في التطوع فما شاء. فصح بنص الآية جواز التطهر بالغسل وبالوضوء وبالتيمم قبل وقت صلاة الفرض ، وإنما وجب بنص الآية أن لا يكون شيء من ذلك إلا بنية التطهر للصلاة فقط ، ولا مزيد .
ودليل آخر : وهو أن الصلاة جائزة بلا خلاف في أول وقتها ، فإذا ذلك كذلك فلا يكون ذلك ألبتة إلا وقد صحت الطهارة لها قبل ذلك ، وهذا ينتج ، ولا بد جواز التطهر بكل ذلك قبل أول الوقت .
برهان آخر ، وهو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ : (( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح فكأنما قدم بدنة. ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر.
فهذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة والتيمم لها قبل دخول وقتها ، لإن الإمام يوم الجمعة لا بد ضرورة من أن يخرج قبل الوقت أو بعد دخول الوقت ، وأي الأمرين كان فتطهر هذا الرائح من أول النهار كان قبل وقت الجمعة بلا شك ، وقد علم رسول الله ﷺ أن في الرائحين إلى الجمعة المتيمم في السفر والمتوضئ .
وأما من فرق بين جواز الوضوء قبل الوقت وجواز التيمم قبل الوقت فمنع منه ، فإنهم ادعوا أن حكم الآية يوجب أن يكون كل ذلك بعد الوقت ، وادعوا أن الوضوء خرج بصلاة رسول الله ﷺ يوم الفتح الصلوات كلها بوضوء واحد ، وهذا لا حجة لهم فيه ; لانه ليس في هذا الخبر أن رسول الله ﷺ توضأ قبل دخول وقت الصلاة ، ولعله توضأ بعد دخول الوقت ثم بقي يصلي بطهارته ما لم تنتقض ، فإذا هذا ممكن فلا دليل في هذا الخبر على جواز الوضوء قبل دخول الوقت . وبالله تعالى التوفيق .
113 - مسألة : فإن خلط بنية الطهارة للصلاة نية لتبرد أو لغير ذلك لم تجزه الصلاة بذلك الوضوء .
برهان ذلك قول الله تعالى ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )
فمن مزج بالنية التي أمر بها نية لم يؤمر بها ، فلم يخلص لله تعالى العبادة بدينه ذلك ، وإذا لم يخلص فلم يأت بالوضوء الذي أمره الله تعالى به ، فلو نوى مع وضوئه للصلاة أن يعلم الوضوء من بحضرته أجزأته الصلاة به ، لإن تعليم الناس الدين مأمور به. وبالله تعالى التوفيق.
114 - مسألة : ولا تجزئ النية في ذلك ، ولا في غيره من الأعمال إلا قبل الابتداء بالوضوء أو بأي عمل كان متصلة بالابتداء به لا يحول بينهما وقت قل أم كثر .
برهان ذلك أن النية لما صح أنها فرض في العمل وجب أن تكون لا يخلو منها شيء من العمل ، وإذا لم تكن كما ذكرنا فهي إما أن يحول بينها وبين العمل زمان فيصير العمل بلا نية .
وأيضا فإنه لو جاز أن يحول بين النية وبين العمل دقيقة لجاز أن يحول بينهما دقيقتان وثلاث وأربع ، وما زاد إلى أن يبلغ الأمر إلى عشرات أعوام .
وأما أن يكون مقارنا للنية فيكون أول العمل خاليا من نية دخل فيه بها ، لإن النية هي القصد بالعمل والإرادة به ما افترض الله تعالى في ذلك العمل ، وهذا لا يكون إلا معتقدا قبل العمل ومعه كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
115 - مسألة : ومن غمس أعضاء الوضوء في الماء ونوى به الوضوء للصلاة ، أو وقف تحت ميزاب حتى عمها الماء ونوى بذلك الوضوء للصلاة ، أو صب الماء على أعضاء الوضوء للصلاة ، أو صب الماء على أعضاء الوضوء غيره ونوى هو بذلك الوضوء للصلاة أجزأه .
برهان ذلك أن اسم " غسل " يقع على ذلك كله في اللغة التي بها نزل القرآن ، ومن ادعى أن اسم الغسل لا يقع إلا على التدلك باليد فقد ادعى ما لا برهان له به وقولنا هذا قول أبي حنيفة والشافعي وداود. وبالله تعالى التوفيق.
116 - مسألة : وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز ، كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب والحائض .
برهان ذلك أن قراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى أفعال خير مندوب إليها مأجور فاعلها ، فمن ادعى المنع فيها في بعض الأحوال كلف أن يأتي بالبرهان .
فأما قراءة القرآن فإن الحاضرين من المخالفين موافقون لنا في هذا لمن كان على غير وضوء ، واختلفوا في الجنب والحائض. فقالت طائفة : لا تقرأ الحائض ، ولا الجنب شيئا من القرآن ، وهو قول روي ، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وعن غيرهما روي أيضا كالحسن البصري وقتادة والنخعي وغيرهم .
وقالت طائفة : أما الحائض فتقرأ ما شاءت من القرآن.
وأما الجنب فيقرأ الآيتين ونحوهما ، وهو قول مالك .
وقال بعضهم : لا يتم الآية ، وهو قول أبي حنيفة.
فأما من منع الجنب من قراءة شيء من القرآن ، فاحتجوا بما رواه عبد الله بن سلمة ، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله ﷺ لم يكن يحجزه ، عن القرآن شيء ليس الجنابة وهذا لا حجة لهم فيه ; لانه ليس فيه نهي ، عن أن يقرأ الجنب القرآن ، وإنما هو فعل منه عليه السلام لا يلزم ، ولا بين عليه السلام أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة.
وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة ، وهو عليه السلام لم يصم قط شهرا كاملا غير رمضان ، ولم يزد قط في قيامه على ثلاث عشرة ركعة ، ولا أكل قط على خوان ، ولا أكل متكئا.
أفيحرم أن يصام شهر كامل غير رمضان أو أن يتهجد المرء بأكثر من ثلاث عشرة ركعة ، أو أن يأكل على خوان ، أو أن يأكل متكئا هذا لا يقولونه ، ومثل هذا كثير جدا.
وقد جاءت آثار في نهي الجنب ومن ليس على طهر ، عن أن يقرأ شيئا من القرآن ، ولا يصح منها شيء ، وقد بينا ضعف أسانيدها في غير موضع ، ولو صحت لكانت حجة على من يبيح له قراءة الآية التامة أو بعض الآية ; لانها كلها نهي ، عن قراءة القرآن للجنب جملة.
وأما من قال يقرأ الجنب الآية أو نحوها ، أو قال لا يتم الآية ، أو أباح للحائض ومنع الجنب فأقوال فاسدة ; لانها دعاوى لا يعضدها دليل لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا سقيمة.
ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من رأي سديد ، لإن بعض الآية والآية قرآن بلا شك ، ولا فرق بين أن يباح له آية أو أن يباح له أخرى ، أو بين أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى ، وأهل هذه الأقوال يشنعون مخالفة الصاحب الذي لا يعرف له مخالف ، وهم قد خالفوا ههنا عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسلمان الفارسي ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة. رضي الله عنهم .
وأيضا فإن من الآيات ما هو كلمة واحدة مثل والضحى و مدهامتان و والعصر و والفجر ومنها كلمات كثيرة كآية الدين ، فإذ لا شك في هذا. فإن في إباحتهم له قراءة آية الدين والتي بعدها أو آية الكرسي أو بعضها ، ولا يتمها ، ومنعهم إياه من قراءة والفجر وليال عشر والشفع والوتر أو منعهم له من إتمام مدهامتان لعجبا.
وكذلك تفريقهم بين الحائض والجنب بأن أمد الحائض يطول ، فهو محال ، لانه إن كانت قراءتها للقرآن حراما فلا يبيحه لها طول أمدها ، وإن كان ذلك لها حلالا فلا معنى للاحتجاج بطول أمدها.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، عن قاسم بن أصبغ ، عن محمد بن وضاح ، عن موسى بن معاوية ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ربيعة قال : لا بأس أن يقرأ الجنب القرآن .
وبه إلى موسى بن معاوية ، حدثنا يوسف بن خالد السمتي ، حدثنا إدريس ، عن حماد قال سألت سعيد بن المسيب ، عن الجنب هل يقرأ القرآن فقال : وكيف لا يقرؤه وهو في جوفه .
وبه إلى يوسف السمتي ، عن نصر الباهلي. قال : كان ابن عباس يقرأ البقرة وهو جنب .
أخبرني محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن حماد بن أبي سليمان قال : سألت سعيد بن جبير ، عن الجنب يقرأ فلم ير به بأسا وقال : أليس في جوفه القرآن وهو قول داود وجميع أصحابنا.
وأما سجود القرآن فإنه ليس صلاة أصلا ، لما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن جعفر قالا ، حدثنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء أنه سمع عليا الأزدي وهو علي بن عبد الله البارقي ثقة أنه سمع ابن عمر يقول ، عن رسول الله ﷺ ، أنه قال : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد صح عنه عليه السلام ، أنه قال : الوتر ركعة من آخر الليل .
فصح أن ما لم يكن ركعة تامة أو ركعتين فصاعدا فليس صلاة.
والسجود في قراءة القرآن ليس ركعة ، ولا ركعتين فليس صلاة ، وإذ ليس هو صلاة فهو جائز بلا وضوء ، وللجنب وللحائض وإلى غير القبلة كسائر الذكر ، ولا فرق ، إذ لا يلزم الوضوء إلا للصلاة فقط ، إذ لم يأت بإيجابه لغير الصلاة قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس.
فإن قيل : إن السجود من الصلاة ، وبعض الصلاة صلاة.
قلنا وبالله تعالى التوفيق : هذا باطل ; لانه لا يكون بعض الصلاة صلاة إلا إذا تمت كما أمر بها المصلي ، ولو أن امرأ كبر وركع ثم قطع عمدا لما قال أحد من أهل الإسلام إنه صلى شيئا ، بل يقولون كلهم إنه لم يصل ، فلو أتمها ركعة في الوتر أو ركعتين في الجمعة والصبح والسفر والتطوع لكان قد صلى بلا خلاف.
ثم نقول لهم : إن القيام بعض الصلاة والتكبير بعض الصلاة وقراءة أم القرآن بعض الصلاة والجلوس بعض الصلاة ، والسلام بعض الصلاة ، فيلزمكم على هذا أن لا تجيزوا لاحد أن يقول ، ولا أن يكبر ، ولا أن يقرأ أم القرآن ، ولا يجلس ، ولا يسلم إلا على وضوء ، فهذا ما لا يقولونه ، فبطل احتجاجهم ، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قالوا هذا إجماع .
قلنا لهم : قد أقررتم بصحة الإجماع على بطلان حجتكم وإفساد علتكم وبالله تعالى التوفيق.
وأما مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه فإنه لا يصح منها شيء ; لانها إما مرسلة
وأما صحيفة لا تسند
وأما ، عن مجهول
وأما ، عن ضعيف .
وقد تقصيناها في غير هذا المكان .
وإنما الصحيح ما حدثناه عبد الله بن ربيع قال ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا سعيد بن السكن ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا شعيب ، عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أنه كان عند هرقل فدعا هرقل بكتاب رسول الله ﷺالذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل فقرأه ، فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. فهذا رسول الله ﷺ قد بعث كتابا وفيه هذه الآية إلى النصارى وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب .
فإن ذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان ينهى النبي ﷺ أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو يخاف أن يناله العدو فهذا حق يلزم اتباعه وليس فيه أن لا يمس المصحف جنب ، ولا كافر. وإنما فيه أن لا ينال أهل أرض الحرب القرآن فقط .
فإن قالوا : إنما بعث رسول الله ﷺ إلى هرقل آية واحدة. قيل لهم : ولم يمنع r من غيرها وأنتم أهل قياس فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها .
فإن ذكروا قول الله تعالى ﴿ في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون فهذا لا حجة لهم فيه لانه ليس أمرا وإنما هو خبر. والله تعالى لا يقول إلا حقا. ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي أو إجماع متيقن.
فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يعن المصحف وإنما عنى كتابا آخر .
كما أخبرحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن جامع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى ﴿ لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الملائكة الذين في السماء .
حدثنا حمام بن أحمد حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا يحيى بن العلاء ، عن الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة قال : أتينا سلمان الفارسي فخرج علينا من كنيف له .
فقلنا له : لو توضأت يا أبا عبد الله ثم قرأت علينا سورة كذا فقال سلمان : إنما قال الله عز وجل : في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون وهو الذكر الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة .
حدثحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثنا منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس : إنه كان إذا أراد أن يتخذ مصحفا أمر نصرانيا فنسخه له.
وقال أبو حنيفة : لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته ، ولا يحمله بغير علاقة . وغير المتوضئ عندهم كذلك .
وقال مالك : لا يحمل الجنب ، ولا غير المتوضئ المصحف لا بعلاقة ، ولا على وسادة. فإن كان في خرج أو تابوت فلا بأس أن يحمله اليهودي والنصراني والجنب وغير الطاهر .
قال علي : هذه تفاريق لا دليل على صحتها لا من قرآن ، ولا من سنة لا صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا من إجماع ، ولا من قياس ، ولا من قول صاحب .
ولئن كان الخرج حاجزا بين الحامل وبين القرآن فإن اللوح وظهر الورقة حاجز أيضا بين الماس وبين القرآن ، ولا فرق وبالله تعالى التوفيق .
117 - مسألة : وكذلك الآذان والإقامة يجزئان أيضا بلا طهارة وفي حال الجنابة. وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه وقول أبي سليمان وأصحابنا .
وقال الشافعي : يكره ذلك ويجزئ إن وقع. وقال عطاء : لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا .
وقال مالك : يؤذن من ليس على وضوء ، ولا يقيم إلا متوضئ .
قال علي : هذا فرق لا دليل على صحته لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس .
فإن قالوا إن الإقامة متصلة بالصلاة ، قيل لهم : وقد لا تتصل ويكون بينهما مهلة من حديث بدأ فيه الإمام مع إنسان يمكن فيه الغسل والوضوء ، وقد يكون الآذان متصلا بالإقامة والصلاة ، كصلاة المغرب وغيرها ، ولا فرق وإذا لم يأت نص بإيجاب أن لا يكون الآذان والإقامة إلا بطهارة من الجنابة وغيرها ، فقول من أوجب ذلك خطأ ، لانه إحداث شرع من غير قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع وهذا باطل .
فإن قيل : قد صح ، عن النبي ﷺ ، أنه قال : كرهت أن أذكر الله إلا على طهر .
قيل لهم : هذه كراهة لا منع ، وهو عليكم لا لكم لانكم تجيزون الآذان وقراءة القرآن وذكر الله تعالى على غير طهر.
وهذا هو الذي نص على كراهته في الخبر وأنتم لا تكرهونه أصلا ، فهذا الخبر أعظم حجة عليكم .
وأما نحن فهو قولنا ، وكل ما ذكرنا فهو عندنا على طهارة أفضل ، ولا نكرهه على غير طهارة ، لإن هذه الكراهة منسوخة على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.
118 - مسألة : ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم ولرد السلام ولذكر الله تعالى ، وليس ذلك بواجب .
فإن قيل : فهلا أوجبتم ذلك كله لقول رسول الله ﷺ إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ولقوله ﷺ لعمر بن الخطاب إذ ذكر له أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله ﷺ: توضأ واغسل ذكرك ثم نم ولما روته عائشة أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة .
قلنا وبالله تعالى التوفيق : أما الحديث في كراهة ذكر الله تعالى إلا على طهر فإنه منسوخ بما حدثناه عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا صدقة ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي حدثني عمير بن هانئ حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثنا عبادة بن الصامت ، عن النبي ﷺ قال : من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ، ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته .
قال علي : فهذه إباحة لذكر الله تعالى بعد الانتباه من النوم في الليل وقبل الوضوء نصا ، وهي فضيلة ، والفضائل لا تنسخ لانها من نعم الله علينا ، قال الله تعالى ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وهذا أمر باق غير منسوخ بلا خلاف من أحد.
وقال تعالى ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فهذا عموم ضمان لا يخيس قال الله تعالى ﴿ إن الله لا يخلف الميعاد وقد أيقنا بما ذكرنا قبل من إخباره عليه السلام ، أنه قال : لا تزال طائفة من أمتي على الحق أن جميع الآمة لا تغير أصلا .
وإذا صح أن الآمة كلها لا تغير أبدا ، فقد أيقنا أن الله تعالى لا يغير نعمه عند الآمة أبدا. وبالله تعالى التوفيق.
وأما أمره عليه السلام بالوضوء فهو ندب ، لما حدثناه حمام قال : حدثنا عمر بن مفرج قال ، حدثنا ابن الأعرابي قال ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة أم المؤمنين قالت كان رسول الله ﷺ ينام جنبا ، ولا يمس ماء وهذا لفظ يدل على مداومته ﷺ لذلك وهي ، رضي الله عنها ، أحدث الناس عهدا بمبيته ونومه جنبا وطاهرا.
فإن قيل : إن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان ; لإن زهير بن معاوية خالفه فيه .
قلنا : بل أخطأ بلا شك من خطأ سفيان بالدعوى بلا دليل ، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك. وبالله تعالى التوفيق.
قال علي : وكان اللازم للقائلين بالقياس أن يقولوا : لما كانت الصلاة وهي ذكر لا تجزئ إلا بوضوء ، أن يكون سائر الذكر كذلك ، ولكن هذا مما تناقضوا فيه ، ولا يمكنهم ههنا دعوى الإجماع ، لما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان لا يقرأ القرآن ، ولا يرد السلام ، ولا يذكر الله إلا وهو طاهر .
إلا معاودة الجنب للجماع فالوضوء عليه فرض بينهما.
للخبر الذي رويناه من طريق حفص بن غياث وابن عيينة كلاهما ، عن عاصم الأحول ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي ﷺ إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا هذا لفظ حفص بن غياث ولفظ ابن عيينة إذا أراد أن يعود فلا يعود حتى يتوضأ ولم نجد لهذا الخبر ما يخصصه ، ولا ما يخرجه إلى الندب إلا خبرا ضعيفا من رواية يحيى بن أيوب ، وبإيجاب الوضوء في ذلك يقول عمر بن الخطاب وعطاء وعكرمة ، وإبراهيم والحسن ، وابن سيرين .
119 - مسألة : والشرائع لا تلزم إلا بالاحتلام أو بالإنبات للرجل والمرأة أو بإنزال الماء الذي يكون منه الولد ، وإن لم يكن احتلام ، أو بتمام تسعة عشر عاما ، كل ذلك للرجل والمرأة أو بالحيض للمرأة .
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان هو الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن عبد الله بن عباس ، أن علي بن أبي طالب قال لعمر بن الخطاب : أوما تذكر أن رسول الله ﷺ قال : رفع القلم ، عن ثلاث ; ، عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم والصبي لفظ يعم الصنف كله الذكر والآنثى في اللغة التي بها خوطبنا.
حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا عبد الله بن روح ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي قال : لما كان يوم قريظة جعل رسول الله ﷺ من أنبت ضرب عنقه ، فكنت فيمن لم ينبت فعرضت على رسول الله ﷺ فخلى عني .
قال علي : لا معنى لمن فرق بين أحكام الإنبات ، فأباح سفك الدم به في الآسارى خاصة ، جعله هنالك بلوغا ، ولم يجعله بلوغا في غير ذلك ; لإن من المحال أن يكون رسول الله ﷺ يستحل دم من لم يبلغ مبلغ الرجال ، ويخرج ، عن الصبيان الذين قد صح نهي النبي ﷺ ، عن قتلهم. ومن الممتنع المحال أن يكون إنسان واحد رجلا بالغا غير رجل ، ولا بالغ معا في وقت واحد .
وأما ظهور الماء في اليقظة الذي يكون منه الحمل فيصير به الذكر أبا والآنثى أما فبلوغ لا خلاف فيه من أحد .
وأما استكمال التسعة عشر عاما فإجماع متيقن ، وأصله أن رسول الله r ورد المدينة وفيها صبيان وشبان وكهول ، فألزم الأحكام من خرج ، عن الصبا إلى الرجولة ، ولم يلزمها الصبيان ، ولم يكشف أحدا من كل من حواليه من الرجال : هل احتلمت يا فلان وهل أشعرت وهل أنزلت وهل حضت يا فلانة هذا أمر متيقن لا شك فيه .
فصح يقينا أن ههنا سنا إذا بلغها الرجل أو المرأة فهما ممن ينزل أو ينبت أو يحيض ، إلا أن يكون فيهما آفة تمنع من ذلك ، كما بالأطلس آفة منعته من اللحية ، لولاها لكان من أهل اللحى بلا شك ، هذا أمر يعرف بما ذكرنا من التوقف وبضرورة الطبيعة الجارية في جميع أهل الأرض ، ولا شك في أن من أكمل تسع عشرة سنة ودخل في عشرين سنة فقد فارق الصبا ولحق بالرجال لا يختلف اثنان من أهل كل ملة وبلدة في ذلك وإن كانت به آفة منعته من إنزال المني في نوم أو يقظة ، ومن إنبات الشعر ومن الحيض .
وأما الحيض فحدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثحدثنا محمد بن الجارود القطان ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا قتادة ، عن محمد بن سيرين ، عن صفية بنت الحارث ، عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار فأخبر عليه السلام أن الحائض تلزمها الأحكام ، وأن صلاتها تقبل على صفة ما ، ولا تقبل على غيرها.
وقال الشافعي : من استكمل خمس عشرة سنة فهو بالغ .
واحتج بأن رسول الله ﷺ عرض عليه ابن عمر يوم أحد ، و، هو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرض عليه يوم الخندق هو ورافع بن خديج وهما ابنا خمس عشرة سنة فأجازهما .
قال علي : وهذا لا حجة له فيه لوجهين :
أحدهما أن رسول الله ﷺ لم يقل إني أجزتهما من أجل أنهما ابنا خمس عشرة سنة ، فإذ ذلك كذلك فلا يجوز لاحد أن يضيف إليه عليه السلام ما لم يخبر به ، عن نفسه ، وقد يمكن أن يجيزهما يوم الخندق ، لانه كان يوم حصار في المدينة نفسها ، ينتفع فيه بالصبيان في رمي الحجارة وغير ذلك ، ولم يجزه يوم أحد لانه كان يوم قتال بعدوا فيه ، عن المدينة فلا يحضره إلا أهل القوة والجلد .
والوجه الثاني أنه ليس في هذا الخبر أنهما في تلك الساعة أكملا معا خمسة عشر عاما لا بنص ، ولا بدليل كما قال الشافعي ، ولا خلاف في أنه يقال في اللغة لمن بقي عليه من ستة عشر عاما الشهر والشهران : هذا ابن خمسة عشر عاما ، فبطل التعلق بهذا الخبر جملة. وبالله تعالى التوفيق.
120 - مسألة : وإزالة النجاسة وكل ما أمر الله تعالى بإزالته فهو فرض .
هذه المسألة تنقسم أقساما كثيرة ، يجمعها أن كل شيء أمر الله تعالى على لسان رسوله ﷺ باجتنابه أو جاء نص بتحريمه ، أو أمر كذلك بغسله أو مسحه ، فكل ذلك فرض يعصي من خالفه ، لما ذكرنا قبل من أن طاعته تعالى وطاعة رسوله ﷺ فرض. وبالله تعالى التوفيق .