→ كتاب الطهارة (مسألة 148 - 157) | ابن حزم - المحلى كتاب الطهارة (مسألة 158 - 163) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 164 - 168) ← |
كتاب الطهارة
158 - مسألة : والنوم في ذاته حدث ينقض الوضوء سواء قل أو كثر ، قاعدا أو قائما ، في صلاة أو غيرها ، أو راكعا كذلك أو ساجدا كذلك أو متكئا أو مضطجعا ، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا . برهان ذلك ما حدثناه يونس بن عبد الله وعبد الله بن ربيع قالا : ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن عبد الأعلى ويحيى بن آدم وقتيبة بن سعيد قال محمد ثنا شعبة وقال قتيبة ثنا سفيان بن عيينة وقال يحيى ثنا سفيان الثوري وزهير هو ابن معاوية - ومالك بن مغول وسفيان بن عيينة واللفظ ليحيى ، ثم اتفق شعبة وسفيان وزهير وابن مغول عن عاصم بن أبي النجود عن { زر بن حبيش قال : سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة } . ولفظ شعبة في روايته { أن رسول الله ﷺ كان يأمرنا إذا كنا مسافرين ألا ننزعه ثلاثا إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم } فعم عليه السلام كل نوم ، ولم يخص قليله من كثيره ، ولا حالا من حال ، وسوى بينه وبين الغائط والبول ، وهذا قول أبي هريرة وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعكرمة والزهري والمزني وغيرهم كثير . وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا ينقض الوضوء كيف كان . وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن عمر وعن مكحول وعبيدة السلماني نذكر بعض ذلك بإسناده ؛ لأن الحاضرين من خصومنا لا يعرفونه ، ولقد ادعى بعضهم الإجماع على خلافه جهلا وجرأة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال " كان أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة " . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن حبيب الحارثي ثنا خالد هو ابن الحارث - ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يقول " كان أصحاب رسول الله ﷺ ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون " فقلت لقتادة : سمعته من أنس ؟ قال إي والله . قال أبو محمد : لو جاز القطع بالإجماع فيما لا يتيقن أنه لم يشذ عنه أحد لكان هذا يجب أن يقطع فيه بأنه إجماع ، لا لتلك الأكاذيب التي لا يبالي من لا دين له بإطلاق دعوى الإجماع فيها . وذهب داود بن علي إلى أن النوم لا ينقض الوضوء إلا نوم المضطجع فقط ، وهو قول روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن ابن عباس ، ولم يصح عنهما ، وعن ابن عمر صح عنه ، وصح عن إبراهيم النخعي وعن عطاء والليث وسفيان الثوري والحسن بن حي . وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا ينقض النوم الوضوء إلا أن يضطجع أو يتكئ أو متوكئا على إحدى أليتيه أو إحدى وركيه فقط ، ولا ينقضه ساجدا أو قائما أو قاعدا أو راكعا ، طال ذلك أو قصر . وقال أبو يوسف : إن نام ساجدا غير متعمد فوضوءه باق ، وإن تعمد ذلك بطل وضوءه ، وهو لا يفرق بين العمد والغلبة فيما ينقض الوضوء والصلاة من غير هذا ، وهو قول لا نعلمه عن أحد من المتقدمين إلا أن بعضهم ذكر ذلك عن حماد بن أبي سليمان والحكم ، ولا نعلم كيف قالا . وقال مالك وأحمد بن حنبل : من نام نوما يسيرا وهو قاعد لم ينتقض وضوءه وكذلك النوم القليل للراكب ، وقد روي عنه نحو ذلك في السجود أيضا ، ورأي أيضا فيما عدا هذه الأحوال أن قليل النوم وكثيره ينقض الوضوء ، وهو قول الزهري وربيعة ، وذكر عن ابن عباس ولم يصح . وقال الشافعي : جميع النوم ينقض الوضوء ، قليله وكثيره إلا من نام جالسا غير زائل عن مستوى الجلوس ، فهذا لا ينتقض وضوءه ، طال نومه أو قصر ، وما نعلم هذا التقسيم يصح عن أحد من المتقدمين ، إلا أن بعض الناس ذكر ذلك عن طاوس وابن سيرين ولا نحققه . قال أبو محمد : احتج من لم ير النوم حدثا بالثابت عن رسول الله ﷺ من { أنه كان ينام ولا يعيد وضوءا ثم يصلي } . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم ، لأن { عائشة رضي الله عنها ذكرت أنها قالت لرسول الله ﷺ أتنام قبل أن توتر ؟ قال : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي } فصح أنه عليه السلام بخلاف الناس في ذلك ، وصح أن نوم القلب الموجود من كل من دونه هو النوم الموجب للوضوء ، فسقط هذا القول . ولله الحمد . ووجدنا من حجة من لا يرى الوضوء من النوم إلا من الاضطجاع حديثا روي فيه { إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله } وحديثا آخر فيه { أعلي في هذا وضوء يا رسول الله ؟ قال : لا إلا أن تضع جنبك } وحديثا آخر فيه { من وضع جنبه فليتوضأ } . قال أبو محمد : وهذا كله لا حجة فيه . أما الحديث الأول فإنه من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس ، وعبد السلام ضعيف لا يحتج به ، ضعفه ابن المبارك وغيره ، والدالاني ليس بالقوي ، روينا عن شعبة أنه قال : لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث ، ليس هذا منها ، فسقط جملة ولله الحمد . والثاني لا تحل روايته إلا على بيان سقوطه ؛ لأنه رواية بحر بن كنيز السقاء ، وهو لا خير فيه متفق على إطراحه ، فسقط جملة . والثالث رواه معاوية بن يحيى وهو ضعيف يحدث بالمناكير فسقط هذا الباب كله وبالله تعالى نتأيد . وذكروا أيضا حديثا فيه { إذا نام العبد ساجدا باهى الله به الملائكة } وهذا لا شيء ؛ لأنه مرسل لم يخبر الحسن ممن سمعه ، ثم لو صح لم يكن فيه إسقاط الوضوء عنه . وذكروا أيضا حديثين صحيحين أحدهما عن عطاء عن ابن عباس ، والآخر من طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر فيهما { : أن النبي ﷺ أخر الصلاة حتى نام الناس ثم استيقظوا ثم ناموا ، ثم استيقظوا ، فجاء عمر فقال : الصلاة يا رسول الله فصلوا ، ولم يذكر أنهم توضئوا } . قال أبو محمد : والثاني من طريق شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس { : أقيمت الصلاة والنبي ﷺ يناجي رجلا ، فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ، ثم جاء فصلى بهم } وحديثا ثابتا من طريق عروة عن عائشة قالت : { أعتم النبي ﷺ بالعشاء ، حتى ناداه عمر : نام النساء والصبيان ، فخرج عليه السلام } . قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة فيه ألبتة لمن فرق بين أحوال النائم ولا بين أحوال النوم ، لأنها ليس في شيء منها ذكر حال من نام كيف نام ، من جلوس أو اضطجاع أو اتكاء أو تورك أو استناد ، وإنما يمكن أن يحتج بها من لا يرى الوضوء من النوم أصلا ، ومع ذلك فلا حجة لهم في شيء منه ؛ لأنه ليس في شيء منها أن رسول الله ﷺ علم بنوم من نام ، ولم يأمره بالوضوء ، ولا حجة لهم إلا فيما علمه النبي ﷺ فأقره ، أو فيما أمر به ، أو فيما فعله ، فكيف وفي حديث ابن عمر وعائشة { أنه لم يكن إسلام يومئذ إلا بالمدينة } ، فلو صح أنه عليه السلام علم ذلك منهم لكان حديث صفوان ناسخا له ؛ لأن إسلام صفوان متأخر فسقط التعلق بهذه الأخبار جملة ، وبالله تعالى التوفيق . وأما قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد فلا متعلق لمن ذهب إلى شيء منها لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا بعمل صحابة ولا بقول صح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا بقياس ولا باحتياط ، وهي أقوال مختلفة كما ترى ليس لأحد من مقلديهم أن يدعي عملا إلا كان لخصومه أن يدعي لنفسه مثل ذلك وقد لاح أن كل ما شغبوا به من أفعال الصحابة رضي الله عنهم فإنما هو إيهام مفتضح ، لأنه ليس في شيء من الروايات أنهم ناموا على الحال التي يسقطون الوضوء عمن نام كذلك ، فسقطت الأقوال كلها من طريق السنن إلا قولنا . والحمد لله رب العالمين . قال أبو محمد : وأما من طريق النظر فإنه لا يخلو النوم من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكون النوم حدثا وإما أن لا يكون حدثا ، فإن كان ليس حدثا فقليله وكثيره ، كيف كان لا ينقض الوضوء ، وهذا خلاف قولهم ، وإن كان حدثا فقليله وكثيره - كيف كان - ينقض الوضوء ، وهذا قولنا فصح أن الحكم بالتفريق بين أحوال النوم خطأ وتحكم بلا دليل ، ودعوى لا برهان عليها . فإن قال قائل : إن النوم ليس حدثا ، وإنما يخاف أن يحدث فيه المرء ، قلنا لهم : هذا لا متعلق لكم بشيء منه ، لأن الحدث ممكن كونه من المرء في أخف ما يكون من النوم ، كما هو ممكن أن يكون منه في النوم الثقيل وممكن أن يكون من الجالس كما هو ممكن أن يكون من المضطجع ، وقد يكون الحدث من اليقظان ، وليس الحدث عملا يطول ، بل هو كلمح البصر ، وقد يمكن أن يكون النوم الكثير من المضطجع لا حدث فيه ، ويكون الحدث في أقل ما يكون من نوم الجالس ، فهذا لا فائدة لهم فيه أصلا ، وأيضا فإن خوف الحدث ليس حدثا ولا ينتقض به الوضوء ، وإنما ينقض الوضوء يقين الحدث . وبالله تعالى التوفيق . وإذ الأمر كما ذكرنا فليس إلا أحد أمرين : إما أن يكون خوف كون الحدث حدثا ، فقليل النوم وكثيره يوجب نقض الوضوء ، لأن خوف الحدث جار فيه ، وإما أن يكون خوف الحدث ليس حدثا ، فالنوم قليله وكثيره لا ينقض الوضوء وبطلت أقوال هؤلاء على كل حال بيقين لا شك فيه . وقد ذكر قوم أحاديث منها ما يصح ومنها ما لا يصح ، يجب أن ننبه عليها بعون الله تعالى . منها حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله ﷺ { إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم ؛ لأن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه } ، وفي بعض ألفاظه { لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري } وحديث أنس عن النبي ﷺ { إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يدري ما يقرأ } . قال أبو محمد : هذان صحيحان ، وهما حجة لنا ، لأن فيهما أن الناعس لا يدري ما يقرأ ولا ما يقول ، والنهي عن الصلاة على تلك الحال جملة ، فإذ الناعس لا يدري ما يقول فهو في حال ذهاب العقل بلا شك ، ولا يختلفون أن من ذهب عقله بطلت طهارته ، فيلزمهم أن يكون النوم كذلك . والآخر من طريق معاوية عن النبي ﷺ { العينان وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء } والثاني من طريق علي عن النبي ﷺ { العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ } . قال علي بن أحمد : لو صحا لكانا أعظم حجة لقولنا ، لأن فيهما إيجاب الوضوء من النوم جملة ، دون تخصيص حال من حال ، ولا كثير نوم من قليله ، بل من كل نوم نصا ، ولكنا لسنا ممن يحتج بما لا يحل الاحتجاج به نصرا لقوله ، ومعاذ الله من ذلك . وهذان أثران ساقطان لا يحل الاحتجاج بهما . أما حديث معاوية فمن طريق بقية وهو ضعيف ، عن أبي بكر بن أبي مريم وهو مذكور بالكذب عن عطية بن قيس وهو مجهول . وأما حديث علي فراويه أيضا بقية عن الوضين بن عطاء ، وكلاهما ضعيف ، وبالله تعالى التوفيق .
159 - مسألة : والمذي والبول والغائط من أي موضع خرج من الدبر والإحليل أو من جرح في المثانة أو البطن أو غير ذلك من الجسد أو من الفم . فأما المذي فقد ذكرنا في باب تطهير المذي من كتابنا هذا قول رسول الله ﷺ فيمن وجده { وليتوضأ وضوءه للصلاة } وأما البول والغائط فإجماع متيقن ، وأما قولنا من أي موضع خرج فلعموم أمره عليه السلام بالوضوء منهما ، ولم يخص خروجهما من المخرجين دون غيرهما ، وهذان الاسمان واقعان عليهما في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام من حيث ما خرجا ، وممن قال بقولنا ههنا أبو حنيفة وأصحابه ، ولا حجة لمن أسقط الوضوء منهما إذا خرجا من غير المخرجين لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ، بل القرآن جاء بما قلناه ، قال الله تعالى { أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء } وقد يكون خروج الغائط والبول من غير المخرجين ، فلم يخص تعالى بالأمر بالوضوء والتيمم من ذلك حالا دون حال ، ولا المخرجين من غيرهما ، وبالله التوفيق .
160 - مسألة : والريح الخارجة من الدبر - خاصة لا من غيره - بصوت خرجت أم بغير صوت . وهذا أيضا إجماع متيقن ، ولا خلاف في أن الوضوء من الفسو والضراط ، وهذان الاسمان لا يقعان على الريح ألبتة إلا إن خرجت من الدبر ، وإلا فإنما يسمى جشاء أو عطاسا فقط . وبالله تعالى التوفيق .
161 - مسألة : فمن كان مستنكحا بشيء مما ذكرنا توضأ - ولا بد - لكل صلاة فرضا أو نافلة ، ثم لا شيء عليه فيما خرج منه من ذلك في الصلاة أو فيما بين وضوئه وصلاته ، ولا يجزيه الوضوء إلا في أقرب ما يمكن أن يكون وضوءه من صلاته ، ولا بد للمستنكح أيضا أن يغسل ما خرج منه من البول والغائط والمذي حسب طاقته ، مما لا حرج عليه فيه ، ويسقط عنه من ذلك ما فيه عليه الحرج منه . برهان ذلك قول رسول الله ﷺ فيما قد ذكرناه في مسألة إبطال القياس من صدر كتابنا هذا ، من قول رسول الله ﷺ { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وقول الله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } فصح أنه مأمور بالصلاة والوضوء من الحدث ، وهذا كله حدث ، فالواجب أن يأتي من ذلك ما يستطيع ، وما لا حرج عليه فيه ولا عسر ، وهو مستطيع على الصلاة وعلى الوضوء لها ، ولا حرج عليه في ذلك ، فعليه أن يأتي بهما ، وهو غير مستطيع للامتناع مما يخرج عنه من ذلك في الصلاة ، وفيما بين وضوئه وصلاته ، فسقط عنه ، وكذلك القول في غسل ما خرج منه من ذلك . قال أبو محمد : وهذا قول سفيان الثوري وأصحاب الظاهر . وقال أبو حنيفة : يتوضأ هؤلاء لكل وقت صلاة ، ويبقون على وضوئهم إلى دخول وقت صلاة آخر فيتوضئون . وقال مالك : لا وضوء عليه من ذلك . وقال الشافعي : يتوضأ لكل صلاة فرض فيصلي بذلك الوضوء ما شاء من النوافل خاصة . قال علي : إنما قالوا كل هذا قياسا على المستحاضة ، على حسب قول كل واحد منهم فيها ، والقياس باطل . ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن الثابت في المستحاضة هو غير ما قالوه لكن ما سنذكره إن شاء الله في باب المستحاضة ، وهو وجوب الغسل لكل صلاة فرض ، أو للجمع بين الظهر والعصر ثم بين المغرب والعتمة . ثم للصبح . ودخول وقت صلاة ما ليس حدثا بلا شك ، وإذا لم يكن حدثا فلا ينقض طهارة قد صحت بلا نص وارد في ذلك ، وإسقاط مالك الوضوء مما قد أوجبه الله تعالى منه ورسوله ﷺ منه بالإجماع وبالنصوص الثابتة خطأ لا يحل . وقد شغب بعضهم في هذا بما روينا عن عمر رضي الله عنه وعن سعيد بن المسيب في المذي . قال عمر : إني لأجده ينحدر على فخذي على المنبر فما أباليه وقال سعيد مثل ذلك عن نفسه في الصلاة : فأوهموا أنهما رضي الله عنهما كانا مستنكحين بذلك . قال أبو محمد : وهذا كذب مجرد ، لا ندري كيف استحله من أطلق به لسانه ، لأنه لم يأت في شيء من هذا الأثر ولا من غيره نص ولا دليل بذلك ، ونعوذ بالله من الإقدام على مثل هذا ، وإنما الحق من ذلك أن عمر كان لا يرى الوضوء منه وكذلك ابن المسيب ، لأن السنة في ذلك لم تبلغ عمر ثم بلغته فرجع إلى إيجاب الوضوء منه . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن أبي دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر العبدي ثنا مسعر بن كدام عن مصعب بن شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن منية عن { ابن عباس أنه وعمر بن الخطاب أتيا إلى أبي بن كعب فخرج إليهما أبي وقال : إني وجدت مذيا فغسلت ذكري وتوضأت ، فقال له عمر : أو يجزئ ذلك ؟ قال نعم . قال عمر : أسمعته من رسول الله ؟ قال نعم } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرح ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : إنه ليخرج من أحدنا مثل الجمانة فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل ذكره وليتوضأ ، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه قال في المذي : يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة ، فهذا هو الثابت عن عمر . وكذلك قول الشافعي أيضا خطأ ظاهر ؛ لأن من المحال الظاهر أن يكون إنسان متوضئا طاهرا لنافلة إن أراد أن يصليها غير متوضئ ولا طاهر لفريضة إن أراد أن يصليها ، فهذا قول لم يأت به قط نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا وجدوا له في الأصول نظيرا ، وهم يدعون أنهم أصحاب نظر وقياس ، وهذا مقدار نظرهم وقياسهم ، وبقي قول أبي حنيفة ومالك والشافعي عاريا من أن تكون له حجة من قرآن أو سنة صحيحة أو سقيمة أو من إجماع أو من قول صاحب أو من قياس أصلا
162 - مسألة : فهذه الوجوه تنقض الوضوء عمدا كان أو نسيانا أو بغلبة ، وهذا إجماع إلا ما ذكرنا مما فيه الخلاف ، وقام البرهان من ذلك على ما ذكرنا . وبالله تعالى التوفيق .
163 - مسألة : ومس الرجل ذكر نفسه خاصة عمدا بأي شيء مسه من باطن يده أو من ظاهرها أو بذراعه - حاشا مسه بالفخذ أو الساق أو الرجل من نفسه فلا يوجب وضوءا - ومس المرأة فرجها عمدا كذلك أيضا سواء سواء ، ولا ينقض الوضوء شيء من ذلك بالنسيان ، ومس الرجل ذكر غيره من صغير أو كبير ميت أو حي بأي عضو مسه عمدا من جميع جسده من ذي رحم محرمة أو من غيره ، ومس المرأة فرج غيرها عمدا أيضا كذلك سواء سواء ، لا معنى للذة في شيء من ذلك ، فإن كان كل ذلك على ثوب رقيق أو كثيف ، للذة أو لغير لذة ، باليد أو بغير اليد ، عمدا أو غير عمد ، لم ينقض الوضوء ، وكذلك إن مسه بغلبة أو نسيان فلا ينقض الوضوء . برهان ذلك ما حدثناه حمام بن أحمد قال : ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال { تذاكر هو ومروان الوضوء ، فقال مروان حدثتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله ﷺ يأمر بالوضوء من مس الفرج } . قال أبو محمد : فإن قيل : إن هذا خبر رواه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عروة ، قلنا : مرحبا بهذا ، وعبد الله ثقة ، والزهري لا خلاف في أنه سمع من عروة وجالسه ، فرواه عن عروة ورواه أيضا عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة ، فهذا قوة للخبر والحمد لله رب العالمين . قال علي : مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، ولم يلقه عروة قط إلا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه هذا ما لا شك فيه ، /126 L470 وبسرة /126 مشهورة من صواحب رسول الله ﷺ المبايعات المهاجرات - هي بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بنت أخي ورقة بن نوفل وأبوها ابن عم خديجة أم المؤمنين لحا . ولفظ هذا الحديث عام يقتضي كل ما ذكرناه ، وأما مس الرجل فرج نفسه بساقه ورجله وفخذه فلا خلاف في أن المرء مأمور بالصلاة في قميص كثيف وفي مئزر وقميص ، ولا بد له ضرورة في صلاته كذلك من وقوع فرجه على ساقه ورجله وفخذه ، فخرج هذا بهذا الإجماع المنصوص عليه عن جملة هذا الخبر . وممن قال بالوضوء من مس الفرج سعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهما وعطاء وعروة وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأبان بن عثمان وابن جريج والأوزاعي والليث والشافعي وداود وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، إلا أن الأوزاعي والشافعي لم يريا الوضوء ينقض ذلك إلا بمسه بباطن الكف فقط لا بظاهرها . وقال عطاء بن أبي رباح : لا ينقض الوضوء مس الفرج بالفخذ والساق وينقض مسه بالذراع . وقال مالك : مس الفرج من الرجل فرج نفسه الذكر فقط بباطن الكف لا بظاهرها ولا بالذراع يوجب الوضوء ، فإن صلى ولم يتوضأ لم يعد الصلاة إلا في الوقت . وقال أبو حنيفة : لا ينقض الوضوء مس الذكر كيف كان وقال الشافعي ينقض الوضوء مس الدبر ومس المرأة فرجها ، وقال مالك لا ينقض الوضوء مس الدبر ولا مس المرأة فرجها إلا أن تقبض وتلطف ، أي تدخل أصبعها بين شفريها ، ونحا بعض أصحابه بنقض الوضوء من مس الذكر نحو اللذة . فأما قول الأوزاعي والشافعي ومالك في مراعاة باطن الكف دون ظاهرها فقول لا دليل عليه لا من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من رأي صحيح . وشغب بعضهم بأن قال : في بعض الآثار { من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ } قال أبو محمد : وهذا لا يصح أصلا ، ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون ؛ لأن الإفضاء باليد يكون بظاهر اليد كما يكون بباطنها ، وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء ، إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء ، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد ، قال الله تعالى { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } . وأما قول مالك في إيجاب الوضوء منه ثم لم ير الإعادة إلا في الوقت ، فقول متناقض ؛ لأنه لا يخلو أن يكون انتقض وضوءه أو لم ينتقض ، فإن كان انتقض فعلى أصله يلزمه أن يعيد أبدا ، وإن كان لم ينتقض فلا يجوز له أن يصلي صلاة فرض واحدة في يوم مرتين ، وكذلك فرق مالك بين مس الرجل فرجه وبين مس المرأة فرجها فهو قول لا دليل عليه فهو ساقط . وأما إيجاب الشافعي الوضوء من مس الدبر فهو خطأ لأن الدبر لا يسمى فرجا ، فإن قال : قسته على الذكر قيل له : القياس عند القائلين به لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين ، ولا علة جامعة بين مس الذكر ومس الدبر ، فإن قال : كلاهما مخرج للنجاسة ، قيل له : ليس كون الذكر مخرجا للنجاسة هو علة انتقاض الوضوء من مسه ، ومن قوله إن مس النجاسة لا ينقض الوضوء ، فكيف مس مخرجها . وبالله تعالى التوفيق . وأما أصحاب أبي حنيفة فاحتجوا بحديث طلق بن علي { أن رجلا سأل رسول الله ﷺ عن الرجل يمس ذكره بعد أن يتوضأ ، فقال رسول الله ﷺ : هل هو إلا بضعة منك } . قال علي : وهذا خبر صحيح ، إلا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه : أحدها أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج ، هذا لا شك فيه ، فإذ هو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر رسول الله ﷺ بالوضوء من مس الفرج ، ولا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ والأخذ بما تيقن أنه منسوخ ، وثانيها أن كلامه عليه السلام { هل هو إلا بضعة منك } دليل بين على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه لأنه لو كان بعده لم يقل عليه السلام هذا الكلام بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلا وأنه كسائر الأعضاء . قال أبو محمد : وقال بعضهم : يكون الوضوء من ذلك غسل اليد . قال أبو محمد : وهذا باطل ، لم يقل أحد إن غسل اليد واجب أو مستحب من مس الفرج ، لا المتأولون لهذا التأويل الفاسد ولا غيرهم ، ويقال لهم : إن كان كما تقولون فأنتم من أول من خالف أمر رسول الله ﷺ بما تأولتموه في أمره ، وهذا استخفاف ظاهر ، وأيضا فإنه لا يطلق الوضوء في الشريعة إلا لوضوء الصلاة فقط ، وقد أنكر رسول الله ﷺ إيقاع هذه اللفظة على غير الوضوء للصلاة ، كما رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال { كنا عند رسول الله ﷺ فجاء من الغائط وأتي بطعام فقيل : ألا تتوضأ فقال عليه السلام : لم أصل فأتوضأ } فكيف وقد روينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول : إن مروان قال له : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة } ورواه أيضا غير مالك عن الثقات كذلك . كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبو صالح الحكم بن موسى ثنا شعيب بن إسحاق أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أن مروان بن الحكم حدثه عن بسرة بنت صفوان - وكانت قد صحبت رسول الله ﷺ - أن رسول الله ﷺ قال { إذا مس أحدكم ذكره فلا يصل حتى يتوضأ } فأنكر ذلك عروة ، وسأل بسرة فصدقته بما قال . قال علي : أبو صالح وشعيب ثقتان مشهوران ، فبطل التعلل بمروان ، وصح أن بسرة مشهورة صاحبة ، ولقد كان ينبغي لهم أن ينكروا على أنفسهم شرع الدين وإبطال السنن برواية أبي نصر بن مالك وعمير والعالية زوجة أبي إسحاق وشيخ من بني كنانة ، وكل هؤلاء لا يدري أحد من الناس من هم ؟ وقال بعضهم : هذا مما تعظم به البلوى ، فلو كان لما جهله ابن مسعود ولا غيره من العلماء . قال أبو محمد وهذا حماقة ، وقد غاب عن جمهور الصحابة رضي الله عنهم الغسل من الإيلاج الذي لا إنزال معه ، وهو مما تكثر به البلوى ، ورأى أبو حنيفة الوضوء من الرعاف وهو مما تكثر به البلوى ولم يعرف ذلك جمهور العلماء ورأى الوضوء من ملء الفم من القلس ولم يره من أقل من ذلك ، وهذا تعظم به البلوى ، ولم يعرف ذلك أحد من ولد آدم قبله ، ومثل هذا لهم كثير جدا ، ومثل هذا من التخليط لا يعارض به سنن رسول الله ﷺ إلا مخذول . وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : والماس على الثوب ليس ماسا ، ولا معنى للذة ؛ لأنه لم يأت بها نص ولا إجماع ، وإنما هي دعوى بظن كاذب ، وأما النسيان في هذا فقد قال الله تعالى { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وهذا قول ابن عباس ، وروينا من طريق وكيع عن خصيف عن عكرمة عنه أنه قال : مس الذكر عمدا ينقض الوضوء ولا ينقضه بالنسيان .