→ كتاب الطهارة (مسألة 126 - 130) | ابن حزم - المحلى كتاب الطهارة (مسألة 131 - 135) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 136) ← |
كتاب الطهارة
131 - مسألة : والمني طاهر في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب ، ولا تجب إزالته ، والبصاق مثله ، ولا فرق .
حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة كلاهما ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث قال : أرسلت عائشة أم المؤمنين إلى ضيف لها تدعوه فقالوا : هو يغسل جنابة في ثوبه ، قالت ولم يغسله لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله ﷺ فأنكرت ، رضي الله عنها ، غسل المني.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم ، حدثنا أبو الأحوص ، عن شبيب بن غرقدة ، عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال : كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمستهما في الماء ، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها ، فبعثت إلي عائشة : ما حملك على ما صنعت بثوبيك قلت : رأيت ما يرى النائم في منامه : قالت : هل رأيت فيهما شيئا قلت لا ، قالت : فلو رأيت شيئا غسلته لقد رأيتني وإني لاحكه من ثوب رسول الله r يابسا بظفري فهذه الرواية تبين كذب من تخرص بلا علم وقال : كانت تفركه بالماء.
حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا أحمد بن زهير بن حرب ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن الأسود بن يزيد أن عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله r فيصلي فيه وقد رواه أيضا علقمة بن قيس والحارث بن نوفل ، عن عائشة مسندا ، وهذا تواتر ،
وصح عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفرك المني من ثوبه ،
وصح ، عن ابن عباس في المني يصيب الثوب ، هو بمنزلة النخام والبزاق امسحه بإذخرة أو بخرقة ، ولا تغسله إن شئت إلا أن تقذره أو تكره أن يرى في ثوبك ،
وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد بن حنبل وأبي سليمان وجميع أصحابهم.
وقال مالك : هو نجس ، ولا يجزئ إلا غسله بالماء.
وروينا غسله ، عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأنس وسعيد بن المسيب.
وقال أبو حنيفة : هو نجس ، فإن كان في الجسد منه أكثر من قدر الدرهم البغلي لم يجزئ في إزالته غير الماء ، فإن كان قدر الدرهم البغلي فأقل أجزأت إزالته بغير الماء ، فإن كان في الثوب أو النعل أو الخف منه أكثر من قدر الدرهم البغلي ، فإن كان رطبا لم يجز إلا غسله بأي مائع كان ، فإن كان يابسا أو كان قدر الدرهم البغلي فأقل وإن كان رطبا أجزأ مسحه فقط ،
وروينا ، عن ابن عمر ، أنه قال : إن كان رطبا فاغسله وإن كان يابسا فحته.
قال علي : واحتج من رأى نجاسة المني بحديث رويناه من طريق سليمان بن يسار ، عن عائشة أن رسول الله r كان يغسل المني وكنت أغسله من ثوب رسول الله r .
وقالوا : هو خارج من مخرج البول فينجس لذلك وذكروا حديثا رويناه من طريق أبي حذيفة ،
عن سفيان الثوري مرة قال : عن الأعمش ، ومرة قال : عن منصور ، ثم استمر ، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث ، عن عائشة في المني أن رسول الله r كان يأمر بحته.
قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه.
أما الصحابة ، رضي الله عنهم ، فقد روينا ، عن عائشة وسعد وابن عباس مثل قولنا ، وإذا تنازع الصحابة ، رضي الله عنهم ، فليس بعضهم أولى من بعض ، بل الرد حينئذ واجب إلى القرآن والسنة.
وأما حديث سليمان بن يسار فليس فيه أمر من رسول الله r بغسله ، ولا بإزالته ، ولا بأنه نجس. وإنما فيه أنه r كان يغسله.
وأن عائشة تغسله ، وأفعاله r ليست على الوجوب ،
وقد حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا زهير ، هو ابن معاوية ، حدثنا حميد ، عن أنس بن مالك أن رسول الله r رأى نخامة في القبلة فحكها بيده ورئي كراهيته لذلك فلم يكن هذا دليلا عند خصومنا على نجاسة النخامة ، وقد يغسل المرء ثوبه مما ليس نجسا.
وأما حديث سفيان فإنما انفرد به أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي ، بصري ضعيف مصحف كثير الخطإ ، روى ، عن سفيان البواطل ، قال أحمد بن حنبل فيه : هو شبه لا شيء ، كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس سفيان الذي يحدث عنه الناس.
وأما قولهم : إنه يخرج من مخرج البول ، فلا حجة في هذا ، لانه لا حكم للبول ما لم يظهر ، وقد قال الله تعالى ﴿ من بين فرث ودم لبنا خالصا فلم يكن خروج اللبن من بين الفرث والدم منجسا له ، فسقط كل ما تعلقوا به. وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعضهم : يغسله رطبا على حديث سليمان بن يسار ، ويحكه يابسا على سائر الأحاديث.
قال علي : وهذا باطل ; لانه ليس في حديث سليمان أنه كان رطبا ، ولا في سائر الأحاديث أنه كان يابسا ، إلا في حديث الخولاني وحده ، فحصل هذا القائل على الكذب والتحكم ، إذ زاد في الأخبار ما ليس فيها.
قال علي : وقد قال بعضهم : معنى كنت أفركه أي بالماء.
قال علي : وهذا كذب آخر وزيادة في الخبر ، فكيف وفي بعض الأخبار كما أوردنا يابسا بظفري.
قال علي : ولو كان نجسا لما ترك الله تعالى رسوله r يصلي به ، ولاخبره كما أخبره إذ صلى بنعليه وفيهما قذر فخلعهما ، وقد ذكرناه قبل هذا بإسناده ، وبالله تعالى التوفيق.
132 - مسألة : وإذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا ، فكل ذلك طاهر ، ويتيمم بذلك التراب .
برهان ذلك أن الأحكام إنما هي على ما حكم الله تعالى بها فيه مما يقع عليه ذلك الاسم الذي به خاطبنا الله عز وجل ، فإذا سقط ذلك الاسم فقد سقط ذلك الحكم ، وأنه غير الذي حكم الله تعالى فيه.
والعذرة غير التراب وغير الرماد ، وكذلك الخمر غير الخل ، والإنسان غير الدم الذي منه خلق ، والميتة غير التراب.
133 - مسألة : ولعاب المؤمنين من الرجال والنساء الجنب منهم والحائض وغيرهما ولعاب الخيل وكل ما يؤكل لحمه ، وعرق كل ذلك ودمعه ، وسؤر كل ما يؤكل لحمه طاهر مباح الصلاة به.
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى ، هو ابن سعيد القطان ، حدثنا حميد ، حدثنا بكر ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن النبي r لقيه في بعض طرق المدينة وأبو هريرة جنب ، قال : فانخنست منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت ، فقال : أين كنت يا أبا هريرة قال : كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة قال : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس.
قال علي : وكل ما يؤكل لحمه فلا خلاف في أنه طاهر ، قال الله تعالى ﴿ ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فكل حلال هو طيب ، والطيب لا يكون نجسا بل هو طاهر ، وبعض الطاهر طاهر بلا شك ، لإن الكل ليس هو شيئا غير أبعاضه إلى أن يأتي نص بتحريم بعض الطاهر فيوقف عنده ، كالدم والبول والرجيع ، ويكون مستثنى من جملة الطاهر ، ويبقى سائرها على الطهارة وبالله تعالى التوفيق.
134 - مسألة : ولعاب الكفار من الرجال والنساء الكتابيين وغيرهم نجس كله ، وكذلك العرق منهم والدمع ، وكل ما كان منهم ، ولعاب كل ما لا يحل أكل لحمه من طائر أو غيره ، من خنزير أو كلب أو هر أو سبع أو فأر ، حاشا الضبع فقط ، وعرق كل ما ذكرنا ودمعه حرام واجب اجتنابه.
برهان ذلك قول الله تعالى ﴿ إنما المشركون نجس وبيقين يجب أن بعض النجس نجس ; لإن الكل ليس هو شيئا غير أبعاضه ،
فإن قيل : إن معناه نجس الدين ،
قيل : هبكم أن ذلك كذلك.
أيجب من ذلك أن المشركين طاهرون حاشا لله من هذا وما فهم قط من قول الله تعالى ﴿ إنما المشركون نجس مع قول نبيه r : إن المؤمن لا ينجس أن المشركين طاهرون ،
ولا عجب في الدنيا أعجب ممن يقول فيمن نص الله تعالى أنهم نجس إنهم طاهرون ، ثم يقول في المني الذي لم يأت قط بنجاسته نص إنه نجس ، ويكفي من هذا القول سماعه. ونحمد الله على السلامة.
فإن قيل : قد أبيح لنا نكاح الكتابيات ووطؤهن ،
قلنا نعم ، فأي دليل في هذا على أن لعابها وعرقها ودمعها طاهر
فإن قيل : إنه لا يقدر على التحفظ من ذلك.
قلنا : هذا خطأ ، بل يفعل فيما مسه من لعابها وعرقها مثل الذي يفعل إذا مسه بولها أو دمها أو مائية فرجها ، ولا فرق ، ولا حرج في ذلك ، ثم هبك أنه لو صح لهم ذلك في نساء أهل الكتاب ، من أين لهم طهارة رجالهم أو طهارة النساء والرجال من غير أهل الكتاب
فإن قالوا :
قلنا ذلك قياسا على أهل الكتاب.
قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ، لإن أول بطلانه أن علتهم في طهارة الكتابيات جواز نكاحهن ، وهذه العلة معدومة بإقرارهم في غير الكتابيات.
والقياس عندهم لا يجوز إلا بعلة جامعة بين الحكمين ، وهذه علة مفرقة لا جامعة وبالله تعالى التوفيق.
وأما كل ما لا يحل أكله فهو حرام بالنص ، والحرام واجب اجتنابه ، وبعض الحرام حرام.
وبعض الواجب اجتنابه واجب اجتنابه ،
وروينا من طريق شعبة ، عن قتادة ، عن أبي الطفيل قال سمعت حذيفة بن أسيد يقول ، عن الدجال " ، ولا يسخر له من المطايا إلا الحمار فهو رجس على رجس " وقد قال أحمد بن حنبل : عرق الحمار نجس.
وأما استثناء الضبع فلما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس قال : نهى رسول الله r ، عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير.
وبه إلى أبي داود ، حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ، حدثنا جرير بن حازم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن عبد الرحمان بن أبي عمار ، عن جابر بن عبد الله قال : سألت رسول الله r ، عن الضبع ، فقال : هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم.
135 - مسألة : وسؤر كل كافر أو كافرة وسؤر كل ما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه من خنزير أو سبع أو حمار أهلي أو دجاج مخلى أو غير مخلى إذا لم يظهر هنالك للعاب ما لا يؤكل لحمه أثر فهو طاهر حلال ، حاشا ما ولغ فيه الكلب فقط ، ولا يجب غسل الإناء من شيء منه ، حاشا ما ولغ فيه الكلب والهر فقط.
برهان ذلك : أن الله تعالى حكم بطهارة الطاهر وتنجس النجس وتحريم الحرام وتحليل الحلال ، وذم أن تتعدى حدوده ، فكل ما حكم الله تعالى أنه طاهر فهو طاهر ، ولا يجوز أن يتنجس بملاقاة النجس له ; لإن الله تعالى لم يوجب ذلك ، ولا رسول الله r وكل ما حكم الله تعالى أنه نجس فإنه لا يطهر بملاقاة الطاهر له ; لإن الله تعالى لم يوجب ذلك ، ولا رسوله r .
وكل ما أحله الله تعالى فإنه لا يحرم بملاقاة الحرام له ; لإن الله تعالى لم يوجب ذلك ، ولا رسوله r .
وكل ما حرمه الله تعالى فإنه لا يحل بملاقاة الحلال له ; لإن الله تعالى لم يوجب ذلك ، ولا رسوله r .
ولا فرق بين من ادعى أن الطاهر يتنجس بملاقاة النجس. وأن الحلال يحرم بملاقاة الحرام ، وبين من عكس الأمر فقال : بل النجس يطهر بملاقاة الطاهر ، والحرام يحل بملاقاة الحلال ، كلا القولين باطل ، بل كل ذلك باق على حكم الله عز وجل فيه ، إلا أن يأتي نص بخلاف هذا في شيء ما فيوقف عنده ، ولا يتعدى إلى غيره. فإذا شرب كل ما ذكرنا في إناء أو أكل أو أدخل فيه عضوا منه أو وقع فيه فسؤره حلال طاهر ، ولا يتنجس بشيء مما ماسه من الحرام أو النجس ، إلا أن يظهر بعض الحرام في ذلك الشيء ، وبعض الحرام حرام كما قدمنا. حاشا الكلب والهر ، فقد ذكرنا حكم رسول الله r . والحمد لله رب العالمين.
وقال أبو حنيفة : إن شرب في الإناء شيء من الحيوان الذي يؤكل لحمه فهو طاهر ، والوضوء بذلك الماء جائز : الفرس والبقر والضأن وغير ذلك سواء ،
وكذلك أسآر جميع الطير ، وما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه منها ، والدجاج المخلى وغيره ، فإن الوضوء بذلك الماء جائز وأكرهه ، وأكل أسآرها حلال ، قال فإن شرب في الإناء ما لا يؤكل لحمه من بغل أو حمار أو كلب أو هر أو سبع أو خنزير فهو نجس : ولا يجزئ الوضوء به ، ومن توضأ به أعاد أبدا.
وكذلك إن وقع شيء من لعابها في ماء أو غيره ، قال : وهذا وما لا يؤكل لحمه من الطير سواء في القياس ، ولكني أدع القياس وأستحسن.
قال علي : هذا فرق فاسد. ولا نعلم أحدا قبله فرق هذا الفرق : ولئن كان القياس حقا فلقد أخطأ في تركه الحق ، وفي استحسان خلاف الحق ، ولئن كان القياس باطلا ، فلقد أخطأ في استعمال الباطل حيث استعمله ودان به.
وقال بعض القائلين : حكم المائع حكم اللحم المماس له.
قال علي : هذه دعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل ،
وأيضا فإن كان أراد أن الحكم لهما واحد في التحريم فقد كذب ، لإن لحم ابن آدم حرام ، وهم لا يحرمون ما شرب فيه أو أدخل فيه لسانه ، وإن كان أراد في النجاسة والطهارة ، فمن له بنجاسة الحيوان الذي لا يؤكل لحمه ما دام حيا ، ولا دليل له على ذلك ، ولا يكون نجسا إلا ما جاء النص بأنه نجس ، وإلا فلو كان كل حرام نجسا لكان ابن آدم نجسا.
وقال مالك : سؤر الحمار والبغل وكل ما لا يؤكل لحمه طاهر كسؤر غيره ، ولا فرق.
قال : وأما ما أكل الجيف من الطير والسباع فإن شرب من ماء لم يتوضأ به وكذلك الدجاج التي تأكل النتن ، فإن توضأ به لم يعد إلا في الوقت ، فإن شرب شيء من ذلك في لبن ، فإن تبين في منقاره قذر لم يؤكل ،
وأما ما لم ير في منقاره فلا بأس قال ابن القاسم صاحبه : يتوضأ به إن لم يجد غيره ويتيمم ، إذا علم أنها تأكل النتن. وقال مالك : لا بأس بلعاب الكلب.
قال علي : إيجابه الإعادة في الوقت خطأ على أصله ، لانه لا يخلو من أن يكون أدى الطهارة والصلاة كما أمر ، أو لم يؤدهما كما أمر ، فإن كان أدى الصلاة والطهارة كما أمر فلا يحل له أن يصلي ظهرين ليوم واحد في وقت واحد ، وكذلك سائر الصلوات ، وإن كان لم يؤدهما كما أمر فالصلاة عليه أبدا ، وهي تؤدى عنده بعد الوقت. وقد قال بعض المتعصبين له إذ سئل بهذا السؤال فقال : صلى ولم يصل ، فلما أنكر عليه هذا ذكر قول الله تعالى ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
قال أبو محمد علي : وهذا الاحتجاج بالآية في غير موضعها أقبح من القول المموه له بذلك ; لإن الله أخبر أن رسوله r لم يرم إذ رمى ، ولكنه تعالى هو رماها.
فهذا البائس الذي صلى ولم يصل ، من صلاها عنه فلا بد للصلاة إن كانت موجودة منه من أن يكون لها فاعل ، كما كان للرمية رام ، وهو الخلاق عز وجل إذ وجود فعل لا فاعل له محال وضلال ، وليس من أقوال أهل التوحيد ، وإن كانت الصلاة التي أمر بها غير موجودة منه فليصلها على أصلهم أبدا.
وأما قول ابن القاسم : إنه إن لم يجد غيره يتوضأ به ويتيمم إذا علم أنها تأكل النتن فمتناقض ، لانه إما ماء وأما ليس ماء ، فإن كان ماء فإنه لئن كان يجزئ الوضوء به إذا لم يجد غيره ، فإنه يجزئ وإن وجد غيره ، لانه ماء ، وإن كان لا يجزئ إذا وجد غيره ، فإنه لا يجزئ إذا لم يجد غيره إن كان ليس ماء ; لانه لا يعوض من الماء إلا التراب ، وإدخال التيمم في ذلك خطأ ظاهر ; لإن التيمم لا يحل ما دام يوجد ماء يجزئ به الوضوء.
وقال الشافعي : سؤر كل شيء من الحيوان الحلال أكله والحرام أكله طاهر ، وكذلك لعابه حاشا الكلب والخنزير ،
واحتج لقوله هذا بعض أحكامه بأنه قاس ذلك على أسآر بني آدم ولعابهم ، فإن لحومهم حرام ، ولعابهم وأسآرهم كل ذلك طاهر.
قال علي : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ، لإن قياس سائر السباع على الكلب الذي لم يحرم إلا أنه من جملتها ، وبعموم تحريم الله تعالى على لسان رسوله r لحم كل ذي ناب من السباع فقط ، فدخل الكلب في جملتها بهذا النص ، ولولاه لكان حلالا أولى من قياسها على ابن آدم الذي لا علة تجمع بينه وبينها ; لإن بني آدم متعبدون ، والسباع وسائر الحيوان غير متعبدة ، وإناث بني آدم حلال لذكورهم بالتزويج المباح وبملك اليمين المبيح للوطء ، وليس كذلك إناث سائر الحيوان ، وألبان نساء بني آدم حلال ، وليس كذلك ألبان إناث السباع والآتن ، فظهر خطأ هذا القياس بيقين.
فإن قالوا : قسناها على الهر ،
قيل لهم : وما الذي أوجب أن تقيسوها على الهر دون أن تقيسوها على الكلب لا سيما وقد قستم الخنزير على الكلب ولم تقيسوه على الهر ، كما قستم السباع على الهر ، هذا لو سلم لكم أمر الهر ، فكيف والنص الثابت الذي هو أثبت من حديث حميدة ، عن كبشة وقد ورد مبينا لوجوب غسل الإناء من ولوغ الهر ، فهذه مقاييس أصحاب القياس كما ترى. والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه.