→ كتاب الطهارة (مسألة 179 - 187) | ابن حزم - المحلى صفة الغسل الواجب في كل ما ذكرنا (مسألة 188 - 193) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 194 - 199) ← |
كتاب الطهارة
صفة الغسل الواجب في كل ما ذكرنا
188 - مسألة : أما غسل الجنابة فيختار - دون أن يجب ذلك فرضا - أن يبدأ بغسل فرجه إن كان من جماع ، وأن يمسح بيده الجدار أو في الأرض بعد غسله ثم يمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاثا ثلاثا ثم يغمس يده في الإناء بعد أن يغسلها ثلاثا فرضا ولا بد ، إن قام من نوم وإلا فلا ، فيخلل أصول شعره حتى يوقن أنه قد بل الجلد ، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثا بيده وأن يبدأ بميامنه ، وأما الفرض الذي لا بد منه فأن يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها في الماء إن كان قام من نوم وإلا فلا ، ويغسل فرجه إن كان من جماع ، ثم يفيض الماء على رأسه ثم جسده بعد رأسه ولا بد إفاضة يوقن أنه قد وصل الماء إلى بشرة رأسه وجميع شعره وجميع جسده . برهان ذلك قوله - عز وجل - : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فكيفما أتى بالطهور فقد أدى ما افترض الله تعالى عليه . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ، ثنا يحيى بن سعيد هو القطان ، ثنا عوف هو ابن أبي جميلة ، حدثنا أبو رجاء عن عمران هو ابن حصين قال { كنا مع رسول الله ﷺ في سفر ، فذكر الحديث وفيه : أن رسول الله ﷺ أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال : اذهب فأفرغه عليك } . وإنما استحببنا ما ذكرنا قبل لما رويناه بالسند المذكور إلى البخاري ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة { أن النبي ﷺ اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط ثم غسلها ثم توضأ وضوءه للصلاة ، فلما فرغ من غسله غسل رجليه } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا علي بن حجر السعدي ثنا عيسى بن يونس ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس حدثتني خالتي ميمونة قالت : { أدنيت لرسول الله ﷺ غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ، ثم أدخل يده في الإناء ، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله ، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا ، ثم توضأ وضوءه للصلاة ، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ، ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه ، ثم أتيته بالمنديل فرده } وقد ذكرنا قوله عليه السلام لأم سلمة : { إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثم تفيضي الماء عليك فإذا بك قد طهرت } . فله أن يقدم غسل فرجه وأعضاء وضوئه قبل رأسه فقط إن شاء ، فإن انغمس في ماء جار فعليه أن ينوي تقديم رأسه على جسده ، ولا يلزمه ذلك في سائر الأغسال الواجبة إذ لم يأت بذلك نص ، إلا أن يصح أن هكذا علمه رسول الله ﷺ في الحيض فنقف عنده وإلا فلا ، ولم يأت ذلك في الحيض إلا من طريق إبراهيم بن المهاجر وهو ضعيف ، ورويناه من طريق عبد بن حميد عن عبد الرزاق ، وليس ذكر الحيض محفوظا عن عبد الرزاق أصلا فإن صح ذلك في الحيض قلنا به ، ولم نستجز مخالفته . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة أخبرني أشعث بن سليم قال : سمعت أبي عن مسروق عن عائشة قالت : { كان رسول الله ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله } .
189 - مسألة : - وليس عليه أن يتدلك : وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وداود وأبي حنيفة والشافعي ، وقال مالك بوجوب التدلك . قال أبو محمد : برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعمرو الناقد وابن أبي عمر ، كلهم عن سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت : { قلت يا رسول الله : إني امرأة أشد ضفر رأسي ، أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ فقال : لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك فتطهرين } . وبهذا جاءت الآثار كلها في صفة غسله عليه السلام ، لا ذكر للتدلك في شيء من ذلك . وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال في الغسل من الجنابة : فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اغسل رأسك ثلاثا ثم أفض الماء على جلدك . وعن الشعبي والنخعي والحسن في الجنب ينغمس في الماء إنه يجزيه من الغسل . واحتج من رأى التدلك فرضا بأن قال : قد صح الإجماع على أن الغسل إذا تدلك فيه فإنه قد تم ، واختلف فيه إذا لم يتدلك ، فالواجب أن لا يجزئ زوال الجنابة إلا بالإجماع . وذكروا حديثا فيه أن رسول الله { ﷺ علم عائشة الغسل من الجنابة فقال لها عليه السلام : يا عائشة اغسلي يديك ثم قال لها تمضمضي ثم استنشقي وانتثري ثم اغسلي وجهك ثم قال : اغسلي يديك إلى المرفقين ثم قال : أفرغي على رأسك ثم قال : أفرغي على جلدك ثم أمرها تدلك وتتبع بيدها كل شيء لم يمسه الماء من جسدها ثم قال : يا عائشة أفرغي على رأسك الذي بقي ثم ادلكي جلدك وتتبعي } . وبحديث آخر فيه أنه عليه السلام قال { إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر } . وبحديث آخر فيه : { خلل أصول الشعر وأنق البشر } وبحديث آخر فيه : { أن امرأة سألته عليه السلام عن غسل الجنابة . فقال عليه السلام : تأخذ إحداكن ماءها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ في الطهور ثم تصب الماء على رأسها فتدلك حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض الماء على رأسها } وقال بعضهم : قسنا ذلك على غسل النجاسة لا يجزئ إلا بعرك وقال بعضهم : قوله تعالى : { فاطهروا } دليل على المبالغة . قال أبو محمد : هذا كل ما شغبوا به ، وكله إيهام وباطل . أما قولهم : إن الغسل إذا كان بتدلك فقد أجمع على تمامه ولم يجمع على تمامه دون تدلك فقول فاسد ، أول ذلك أنه ليس ذلك مما يجب أن يراعى في الدين لأن الله تعالى إنما أمرنا باتباع الإجماع فيما صح وجوبه من طريق الإجماع أو صح تحريمه من طريق الإجماع أو صح تحليله من طريق الإجماع ، فهذا هو الحق : وأما العمل الذي ذكروا فإنما هو إيجاب اتباع الاختلاف لا وجوب اتباع الإجماع . وهذا باطل لأن التدلك لم يتفق على وجوبه ولا جاء به نص . وفي العمل الذي ذكروا إيجاب القول بما لا نص فيه ولا إجماع ، وهذا باطل ، ثم هم أول من نقض هذا الأصل ، وإن اتبعوه بطل عليهم أكثر من تسعة أعشار مذاهبهم ، أول ذلك أنه يقال لهم إن اغتسل ولم يمضمض ولا استنشق فأبو حنيفة يقول لا غسل له ولا تحل له الصلاة بهذا الاغتسال ، فيقال لهم : فيلزمكم إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل فرضا لأنهما إن أتى بهما المغتسل فقد صح الإجماع على أنه قد اغتسل ، وإن لم يأت بهما فلم يصح الإجماع على أنه قد اغتسل ، فالواجب أن لا يزول حكم الجنابة إلا بالإجماع . وهكذا فيمن اغتسل بماء من بئر قد بالت فيه شاة فلم يظهر فيها للبول أثر ، وهكذا فيمن نكس وضوءه ، وهذا أكثر من أن يحصر ، بل هو داخل في أكثر مسائلهم ، وما يكاد يخلص لهم ولغيرهم مسألة من هذا الإلزام ، ويكفي من هذا أنه حكم فاسد لم يوجبه قرآن ولا سنة لأن الله تعالى لم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى القرآن والسنة فقط ، وحكم التدلك مكان تنازع فلا يراعى فيه الإجماع أصلا . وأما خبر عائشة رضي الله عنها فساقط لأنه من طريق عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن عائشة ، وعكرمة ساقط ، وقد وجدنا عنه حديثا موضوعا في نكاح رسول الله ﷺ أم حبيبة بعد فتح مكة ، ثم هو مرسل ؛ لأن عبد الله بن عبيد بن عمير لم يدرك عائشة ، وأبعد ذكره رواية ابن عمر أيام ابن الزبير ، فسقط هذا الخبر . ثم لو صح لكان حجة عليهم ، لأنه جاء فيه الأمر بالتدلك ، كما جاء فيه بالمضمضة والاستنثار والاستنشاق ولا فرق ، وهم لا يرون شيئا من ذلك فرضا ، وأبو حنيفة يرى كل ذلك فرضا ، ولا يرى التدلك فرضا ، فكلهم إن احتج بهذا الخبر فقد خالفوا حجتهم وأسقطوها ، وعصوا ما أقروا أنه لا يحل عصيانه ، وليس لإحدى الطائفتين من أن تحمل ما وافقها على الفرض وما خالفها على الندب ، إلا مثل ما للأخرى من ذلك ، وأما نحن فإنه لو صح لقلنا بكل ما فيه ، فإذ لم يصح فكله متروك . وأما الخبر { إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر } فإنه من رواية الحارس بن وجيه ، وهو ضعيف ، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه إلا غسل الشعر وإنقاء البشر ، وهذا صحيح ولا دليل على أن ذلك لا يكون إلا بالتدلك ، بل هو تام دون تدلك . وأما الخبر الذي فيه { خلل أصول الشعر وأنق البشر } فهو من رواية يحيى بن عنبسة عن حميد عن أنس ، ويحيى بن عنبسة مشهور برواية الكذب ، فسقط ، ثم لو صح لما كان فيه إلا إيجاب التخليل فقط لا التدلك وهذا خلاف قولهم ، لأنهم لا يختلفون فيمن صب الماء على رأسه ومعك بيديه دون أن يخلله أن يجزيه ، فسقط تعلقهم بهذا الخبر ولله الحمد . وأما حديث { تأخذ إحداكن ماءها } فإنه من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية عن عائشة ، وإبراهيم هذا ضعيف ، ثم لو صح لما كان إلا عليهم لا لهم ، لأنه ليس فيه إلا دلك شئون رأسها فقط ، وهذا خلاف قولهم ، فسقط كل ما تعلقوا به من الأخبار . وأما قولهم قسنا ذلك على غسل النجاسة ، فالقياس كله باطل ، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن حكم النجاسة يختلف ، فمنها ما يزال بثلاثة أحجار دون ماء . ومنها ما يزال بصب الماء فقط دون عرك . ومنها ما لا بد من غسله وإزالة عينه فما الذي جعل غسل الجنابة أن يقاس على بعض ذلك دون بعض ؟ فكيف وهو فاسد على أصول أصحاب القياس ، لأن النجاسة عين تجب إزالتها ، وليس في جلد الجنب عين تجب إزالتها ، فظهر فساد قولهم جملة ، وبالله تعالى التوفيق . وأيضا فإن عين النجاسة إذا زال بصب الماء فإنه لا يحتاج فيها إلى عرك ولا دلك ، بل يجزئ الصب ، فهلا قاسوا غسل الجنابة على هذا النوع من إزالة النجاسة فهو أشبه به ؟ إذ كلاهما لا عين هناك تزال . وبالله تعالى التوفيق . وأما قولهم : إن قوله تعالى : ( فاطهروا ) دليل على المبالغة ، فتخليط لا يعقل ، ولا ندري في أي شريعة وجدوا هذا ، أو في أي لغة ؟ وقد قال تعالى في التيمم { ولكن يريد ليطهركم } وهو مسح خفيف بإجماع منا ومنهم ، فسقط كل ما موهوا به ، ووضح أن التدلك لا معنى له في الغسل ، وبالله تعالى التوفيق . وما نعلم لهم سلفا من الصحابة رضي الله عنهم في القول بذلك .
190 - مسألة : ولا معنى لتخليل اللحية في الغسل ولا في الوضوء ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وداود . والحجة في ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال { ألا أخبركم بوضوء رسول الله ﷺ ؟ فتوضأ مرة مرة } . قال علي : وغسل الوجه مرة لا يمكن معه بلوغ الماء إلى أصول الشعر ، ولا يتم ذلك إلا بترداد الغسل والعرك ، وقال - عز وجل - : { فاغسلوا وجوهكم } والوجه هو ما واجه ما قابله بظاهره ، وليس الباطن وجها وذهب إلى إيجاب التخليل قوم ، كما روينا عن مصعب بن سعد أن عمر بن الخطاب رأى قوما يتوضئون ، فقال خللوا وعن ابنه عبد الله أيضا مثل ذلك ، وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال : اغسل أصول شعر اللحية ، قال ابن جريج : قلت لعطاء أيحق علي أن أبل أصل كل شعرة في الوجه ؟ قال نعم ، قال ابن جريج : وأن أزيد مع اللحية الشاربين والحاجبين ؟ قال : نعم ، وعن ابن سابط وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير إيجاب تخليل اللحية في الوضوء والغسل ، وروينا عن غير هؤلاء فعل التخليل دون أن يأمروا بذلك ، فروينا عن عثمان بن عفان أنه توضأ فخلل لحيته وعن عمار بن ياسر مثل ذلك ، وعن عبد الله بن أبي أوفى وعن أبي الدرداء وعلي بن أبي طالب مثل ذلك ، وإلى هذا كان يذهب أحمد بن حنبل ، وهو قول أبي البختري وأبي ميسرة وابن سيرين والحسن وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعبد الرزاق وغيره . قال أبو محمد : واحتج من رأى إيجاب ذلك بحديث رويناه عن أنس { أن رسول الله ﷺ كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال : بهذا أمرني ربي } . وبحديث آخر عن أنس عن رسول الله ﷺ قال : { أتاني جبريل فقال : إن ربك يأمرك بغسل الفنيك والفنيك الذقن خلل لحيتك عند الطهور } وعن ابن عباس { كان رسول الله ﷺ يتطهر ويخلل لحيته ، ويقول : هكذا أمرني ربي ومن طريق وهب هكذا أمرني ربي } . قال أبو محمد : وكل هذا لا يصح ، ولو صح لقلنا به : أما حديث أنس فإنه من طريق الوليد بن زوران وهو مجهول والطريق الآخر فيها عمر بن ذؤيب وهو مجهول والطريق الثالثة من طريق مقاتل بن سليمان وهو مغموز بالكذب ، والطريق الرابعة فيها الهيثم بن جماز وهو ضعيف ، عن يزيد الرقاشي وهو لا شيء ، فسقطت كلها . ثم نظرنا في حديث ابن عباس فوجدناه من طريق نافع مولى يوسف وهو ضعيف منكر الحديث ، والأخرى فيها مجهولون لا يعرفون ، والذي من طريق ابن وهب لم يسم فيه ممن بين ابن وهب ورسول الله ﷺ أحد ، فسقط كل ذلك . وأما من استحب التخليل فاحتجوا بحديث من طريق عثمان بن عفان { أن رسول الله ﷺ كان يخلل لحيته } وعن عمار بن ياسر مثل ذلك . وعن عائشة مثل ذلك . وعن عبد الله بن أوفى مثل ذلك . وعن الحسن مثل ذلك . وعن أبي أيوب مثل ذلك . وعن أنس مثل ذلك . وعن أم سلمة مثل ذلك ، وعن جابر مثل ذلك وعن عمرو بن الحارث مثل ذلك . قال أبو محمد : وهذا كله لا يصح منه شيء : أما حديث عثمان فمن طريق إسرائيل وليس بالقوي ، عن عامر بن شقيق ، وليس مشهورا بقوة النقل . وأما حديث عمار فمن طريق حسان بن بلال المزني وهو مجهول ، وأيضا فلا يعرف له لقاء لعمار وأما حديث عائشة فإنه من طريق رجل مجهول لا يعرف من هو ؟ شعبة يسميه عمرو بن أبي وهب . وأمية بن خالد يسميه عمران بن أبي وهب . وأما حديث ابن أبي أوفى فهو من طريق أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن العطار وهو ضعيف أسقطه أحمد ويحيى والبخاري وغيرهم . وأما حديث أبي أيوب فمن طريق واصل بن السائب وهو ضعيف ، وأبو أيوب المذكور فيه ليس هو أبا أيوب الأنصاري صاحب النبي ﷺ قاله ابن معين . وأما حديث أنس فهو من طريق أيوب بن عبد الله وهو مجهول . وأما حديث أم سلمة فهو من طريق خالد بن إلياس المديني ، من ولد أبي الجهم بن حذيفة العدوي وهو ساقط منكر الحديث ، وليس هو خالد بن إلياس الذي يروي عنه شعبة ، ذا بصري ثقة . وأما حديث جابر فهو من طريق أصرم بن غياث ، وهو ساقط ألبتة لا يحتج به . وأما حديث الحسن وعمرو بن الحارث فمرسلان ، فسقط كل ما في هذا الباب ولقد كان يلزم من يحتج بحديث معاذ " أجتهد رأيي " ويجعله أصلا في الدين وبأحاديث الوضوء بالنبيذ وبالوضوء من القهقهة في الصلاة ، وبحديث بيع اللحم بالحيوان ، ويدعي فيها الظهور والتواتر - أن يحتج بهذه الأخبار فهي أشد ظهورا وأكثر تواترا - من تلك ، ولكن القوم إنما همهم نصر ما هم فيه في الوقت فقط . واحتج أيضا من رأى التخليل بأن قالوا : وجدنا الوجه يلزم غسله بلا خلاف قبل نبات اللحية ، فلما نبتت ادعى قوم سقوط ذلك وثبت عليه آخرون ، فواجب أن لا يسقط ما اتفقنا عليه إلا بنص آخر أو إجماع قال أبو محمد : وهذا حق ، وقد سقط ذلك بالنص ؛ لأنه إنما يلزم غسله ما دام يسمى وجها ، فلما خفي بنبات الشعر سقط عنه اسم الوجه ، وانتقل هذا الاسم إلى ما ظهر على الوجه من الشعر ، وإذ سقط اسمه سقط حكمه ، وبالله تعالى التوفيق .
191 - مسألة : وليس على المرأة أن تخلل شعر ناصيتها أو ضفائرها في غسل الجنابة فقط ، لما ذكرناه قبل هذا ببابين في باب التدلك وهو قول الحاضرين من المخالفين لنا .
192 - مسألة : ويلزم المرأة حل ضفائرها وناصيتها في غسل الحيض وغسل الجمعة والغسل من غسل الميت ومن النفاس . لما حدثناه يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ﷺ قال لها في الحيض { انقضي رأسك واغتسلي } . قال علي : والأصل في الغسل الاستيعاب لجميع الشعر ، وإيصال الماء إلى البشرة بيقين ، بخلاف المسح ، فلا يسقط ذلك إلا حيث أسقطه النص ، وليس ذلك إلا في الجنابة فقط ، وقد صح الإجماع بأن غسل النفاس كغسل الحيض . فإن قيل : فإن عبد الله بن يوسف حدثكم قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثنا عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أم المؤمنين قالت { يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة والجنابة ؟ قال : لا } . قال علي : قوله ههنا راجع إلى الجنابة لا غير ، وأما النقض في الحيض فالنص قد ورد به ، ولو كان كذلك لكان الأخذ به واجب إلا أن حديث عائشة رضي الله عنها نسخ ذلك بقول النبي ﷺ لها في غسل الحيض { انقضي رأسك واغتسلي } فوجب الأخذ بهذا الحديث . قال علي : قلنا نعم ، إلا أن حديث هشام بن عروة عن عائشة الوارد بنقض ضفرها في غسل الحيضة - هو زائد حكما ومثبت شرعا على حديث أم سلمة ، والزيادة لا يجوز تركها . قال أبو محمد : وقد روينا حديثا ساقطا عن عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ في المرأة تغتسل من حيضة أو جنابة { لا تنقض شعرها } وهذا حديث لو لم يكن فيه إلا ابن لهيعة لكفى سقوطا ، فكيف وفيه عبد الملك بن حبيب وحسبك به ، ثم لم يقل فيه أبو الزبير " حدثنا " وهو مدلس في جابر ما لم يقله . فإن قيل : قسنا غسل الحيض على غسل الجنابة ، قلنا القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن الأصل يقين إيصال الماء إلى جميع الشعر ، وهم يقولون : إن ما خرج عن أصله لم يقس عليه ، وأكثرهم يقول : لا يؤخذ به كما فعلوا في حديث المصراة ، وخبر جعل الآبق ، وغير ذلك . فإن قيل : فإن عائشة قد أنكرت نقض الضفائر ، كما حدثكم عبد الله بن يوسف قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال { بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن فقالت : يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن . أولا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن ؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد ، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات } . قال أبو محمد : هذا لا حجة علينا فيه لوجوه : أحدها أن عائشة رضي الله عنها لم تعن بهذا إلا غسل الجنابة فقط وهكذا نقول ، وبيان ذلك إحالتها في آخر الحديث على غسلها مع رسول الله ﷺ من إناء واحد ، وهذا إنما هو بلا شك للجنابة لا للحيض ، والثاني أنه لو صح فيه أنها أرادت الحيض لما كان علينا فيه حجة لأننا لم نؤمر بقبول رأيها ، إنما أمرنا بقبول روايتها ، فهذا هو الفرض اللازم ، والثالث أنه قد خالفها عبد الله بن عمرو ، وهو صاحب ، وإذا وقع التنازع ، وجب الرد إلى القرآن والسنة ، لا إلى قول أحد المتنازعين دون الآخر ، وفي السنة ما ذكرنا ، والحمد لله رب العالمين .
193 - مسألة : فلو انغمس من عليه غسل واجب - أي غسل كان - في ماء جار أجزأه إذا نوى به ذلك الغسل ، وكذلك لو وقف تحت ميزاب ونوى به ذلك الغسل أجزأه ، إذا عم جميع جسده ، لما قد ذكرنا من أن التدلك لا معنى له ، وهو قد تطهر واغتسل كما أمر ، وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وداود وغيرهم .