→ كتاب الطهارة (مسألة 200 - 206) | ابن حزم - المحلى صفة الغسل الواجب في كل ما ذكرنا (مسألة 207 - 211) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 212 - 215) ← |
كتاب الطهارة
صفة الغسل الواجب في كل ما ذكرنا
207 - مسألة : ومن فرق وضوءه أو غسله أجزأه ذلك ، وإن طالت المدة في خلال ذلك أو قصرت ، ما لم يحدث في خلال وضوئه ما ينقض الوضوء ، وما لم يحدث في خلال غسله ما ينقض الغسل . برهان ذلك أن الله عز وجل أمر بالتطهر من الجنابة والحيض ، وبالوضوء من الأحداث ، ولم يشترط عز وجل في ذلك متابعة ، فكيفما أتى به المرء أجزأه ؛ لأنه قد وقع عليه اسم الأخبار بأنه تطهر ، وبأنه غسل وجهه وذراعيه ومسح رأسه وغسل رجليه . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف - عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثلاثا ، ثم يأخذ بيمينه فيصب على يساره فيغسل فرجه حتى ينقيه ، ثم يغسل يديه غسلا حسنا ، ثم يمضمض ثلاثا ، ثم يستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ، ويغسل ذراعيه ثلاثا ، ثم يصب على رأسه ثلاثا ثم يغسل جسده غسلا ، فإذا خرج من مغتسله غسل رجليه } . قال علي : إذا جاز أن يجعل رسول الله ﷺ بين وضوئه وغسله وبين تمامهما بغسل رجليه مهلة خروجه من مغتسله ، فالتفريق بين المدد لا نص فيه ولا برهان ، وهذا قول السلف كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر : أنه بال بالسوق ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي لجنازة حين دخل المسجد ليصلي عليها فمسح على خفيه ثم صلى عليها . - وروينا عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم قال : كان أحدهم يغسل رأسه من الجنابة بالسدر ثم يمكث ساعة ثم يغسل سائر جسده ، وإبراهيم تابع أدرك أكابر التابعين وصغار الصحابة رضي الله عنهم ، قال إبراهيم في الرجل تكون له المرأة والجارية فيرافث امرأته بالغسل أنه لا بأس بأن يغسل رأسه ثم يمكث ثم يغسل سائر جسده بعد ولا يغسل رأسه وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : إن غسل الجنب رأسه بالسدر أو بالخطمي ثم يجلس حتى يجف رأسه فحسبه ذلك . وهو قول أبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي ، وقد روي نحو هذا عن سعيد بن المسيب وطاوس . وقال مالك : إن طال الأمد ابتدأ الوضوء ، وإن لم يطل بنى على وضوئه ، وقد روينا عن قتادة وابن أبي ليلى وغيرهم نحو هذا . وحد بعضهم ذلك بالجفوف ، وحد بعضهم ذلك بأن يكون في طلب الماء فيبني أو يترك وضوءه ويبتدئ . قال أبو محمد : أما تحديد مالك بالطول فإنه يكلف المنتصر له بيان ما ذلك الطول الذي تجب به شريعة ابتداء الوضوء ، والقصر الذي لا تجب به هذه الشريعة ، فلا سبيل لهم إلى ذلك إلا بالدعوى التي لا يعجز عنها أحد ، وما كان من الأقوال لا برهان على صحته فهو باطل ، إذ الشرائع غير واجبة على أحد حتى يوجبها الله تعالى على لسان رسوله ﷺ . وأما من حد ذلك بجفوف الماء فخطأ ظاهر ، لأنه دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل لما ذكرناه ، وأيضا فإن في الصيف في البلاد الحارة لا يتم أحد وضوءه حتى يجف وجهه ، ولا يصح وضوء على هذا . وأما من حد في ذلك بما دام في طلب الماء ، فقول أيضا لا دليل على صحته ، والدعوى لا يعجز عنها أحد ، والعجب أن مالكا يجيز أن يجعل المرء إذا رعف بين أجزاء صلاته مدة وعملا ليس من الصلاة ، ثم يمنع من ذلك في الوضوء . قال علي : فإن تعلق بعضهم بخبر رويناه عن رسول الله ﷺ من طريق بقية عن بحير عن خالد عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ { أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يصلي وفي قدمه لمعة لم يصبها الماء ، فأمره عليه السلام أن يعيد الوضوء والصلاة } فإن هذا خبر لا يصح لأن راويه بقية ، وليس بالقوي ، وفي السند من لا يدري من هو ، وروينا أيضا عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمر بن الخطاب وعن أبي سفيان عن جابر عن عمر بن الخطاب : أنه رأى رجلا يصلي وقد ترك من رجله موضع ظفر فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة . قال علي : أما الرواية عن عمر أيضا فلا تصح ؛ لأن أبا قلابة لم يدرك عمر ، وأبو سفيان ضعيف . وقد جاء أثر عن رسول الله ﷺ هو أحسن من هذا ، رويناه من طريق قاسم بن أصبغ ثنا بكر بن مضر عن حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس { أن رسول الله ﷺ أتاه وقد توضأ وترك موضع الظفر لم يصبه الماء ، فقال له رسول الله ﷺ ارجع فأحسن وضوءك } وعن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن عمر مثل هذا أيضا . قال علي : لا يصح عن أحد من الصحابة خلاف فعل عمر هذا ، فقد خالفوا ههنا صاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وبيقين يدري كل ذي علم أن مرور الأوقات ليس من الأحداث الناقضة للوضوء ، وقد تناقض مالك في هذا المكان فرأى أن من نسي عضوا من أعضاء وضوئه فإن غسله أجزأه ، ورأى فيمن توضأ ومسح على خفيه وبقي كذلك نهاره ثم خلع خفيه فإن وضوء رجليه عنده قد انتقض وأنه ليس عليه إلا غسل رجليه فقط ، وهذا تبعيض الوضوء الذي منع منه ، وبالله تعالى التوفيق .
208 - مسألة : ويكره الإكثار من الماء في الغسل والوضوء ، والزيادة على الثلاث في غسل أعضاء الوضوء ومسح الرأس ؛ لأنه لم يأت عن رسول الله ﷺ أكثر من ذلك . وروينا من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي حية بن قيس { أن عليا توضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال هكذا رأيت رسول الله ﷺ } وعن ابن المبارك عن الأوزاعي حدثني المطلب بن عبد الله بن حنطب { أن عبد الله بن عمر توضأ ثلاثا ، يسند ذلك إلى رسول الله ﷺ } وعن عثمان أيضا مثل ذلك فلم يخص في هذه الآثار رأسا من غيره . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن منصور ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد الذي أري النداء قال { رأيت رسول الله ﷺ توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ومسح برأسه مرتين } . وقد روينا عن أنس مسح رأسه في الوضوء ثلاثا واثنتين ، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء : أكثر ما أمسح برأسي ثلاث مرات لا أزيد بكف واحدة لا أزيد ولا أنقص . وعن حماد بن سلمة ثنا جرير بن حازم : رأيت محمد بن سيرين توضأ فمسح برأسه مسحتين إحداهما ببلل يديه والأخرى بماء جديد ، وعن أبي عبيد ثنا هشيم ثنا العوام : أن إبراهيم التيمي كان يمسح رأسه ثلاثا ، وهو قول الشافعي وداود وغيرهم ، وأما الإكثار من الماء فمذموم من الجميع . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن نافع ثنا شبابة ثنا ليث هو ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر - وكانت تحت المنذر بن الزبير - قالت { إن عائشة أم المؤمنين أخبرتها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله ﷺ في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب الأنصاري قال : سمعت عباد بن تميم عن جدتي - وهي أم عمارة { أن النبي ﷺ توضأ فأتي بإناء فيه قدر ثلثي المد } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري عن مخرمة بن سليمان القرشي عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس أخبره { أنه رأى رسول الله ﷺ قام من النوم فعمد إلى شجب من ماء فتسوك وتوضأ فأسبغ الوضوء ولم يهرق من الماء إلا قليلا } وذكر الحديث . قال علي : وقد جاءت آثار أنه { عليه السلام توضأ بالمد واغتسل بالصاع } ، وأنه { عليه السلام توضأ بمكوك واغتسل بخمس مكاكي } ، وأنه { عليه السلام كان يتوضأ من إناء فيه مد وربع } ، وكل هذا صحيح لا يختلف ، وإنما هو ما أجزأ فقط وبالله تعالى التوفيق .
209 - مسألة : ومن كان على ذراعيه أو أصابعه أو رجليه جبائر أو دواء ملصق لضرورة فليس عليه أن يمسح على شيء من ذلك ، وقد سقط حكم ذلك المكان ، فإن سقط شيء من ذلك بعد تمام الوضوء فليس عليه إمساس ذلك المكان بالماء ، وهو على طهارته ما لم يحدث . برهان ذلك قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقول رسول الله ﷺ { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فسقط بالقرآن والسنة كل ما عجز عنه المرء ، وكان التعويض منه شرعا ، والشرع لا يلزم إلا بقرآن أو سنة ، ولم يأت قرآن ولا سنة بتعويض المسح على الجبائر والدواء من غسل ما لا يقدر على غسله ، فسقط القول بذلك فإن قيل فإنه قد روي من طريق زيد عن أبيه عن جده عن علي { قلت يا رسول الله أمسح على الجبائر ؟ قال نعم امسح عليها } قلنا : هذا خبر لا تحل روايته إلا على بيان سقوطه ؛ لأنه انفرد به أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي وهو مذكور بالكذب . فإن قيل : فقد جاء أنه { عليه السلام أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين } قلنا : هذا لا يصح من طريق الإسناد ، ولو كان لما كانت فيه حجة ، لأن العصائب هي العمائم ، قال الفرزدق : وركب كأن الريح تطلب عندهم لها ترة من جذبها بالعصائب والتساخين هي الخفاف . وإنما أوجب من أوجب المسح على الجبائر قياسا على المسح على الخفين ، والقياس باطل ، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن المسح على الخفين فيه توقيت ، ولا توقيت في المسح على الجبائر ، مع أن قول القائل : لما جاز المسح على الخفين وجب المسح على الجبائر ، دعوى بلا دليل ، وقضية من عنده ، ثم هي أيضا موضوعة وضعا فاسدا لأنه إيجاب فرض قيس على إباحة وتخيير ، وهذا ليس من القياس في شيء . وقد روينا مثل قولنا عن بعض السلف ، كما روينا من طريق ابن المبارك عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبجر عن الشعبي أنه قال في الجراحة : اغسل ما حولها ، فإن قيل : قد رويتم عن ابن عمر أنه ألقم أصبع رجله مرارة فكان يمسح عليها . قلنا : هذا فعل منه ، وليس إيجابا للمسح عليها ، وقد صح عنه { رضي الله عنه أنه كان يدخل الماء في باطن عينيه في الوضوء والغسل } ، وأنتم لا ترون ذلك ، فضلا عن أن توجبوه فرضا ، وصح أن كان يجيز بيع الحامل واستثناء ما في بطنها ، وهذا عندكم حرام ، ومن المقت عند الله تعالى أن تحتجوا به فيما اشتهيتم وتسقطوا الحجة به حيث لم تشتهوا ، وهذا عظيم في الدين جدا . وإذ قد صح ما ذكرنا فالوضوء إذا تم وجازت به الصلاة فلا ينقضه إلا حدث أو نص جلي وارد بانتقاضه ، وليس سقوط اللصقة أو الجبيرة أو الرباط حدثا ، ولا جاء نص بإيجاب الوضوء من ذلك ، والشرائع لا تؤخذ إلا عن الله تعالى على لسان رسول الله ﷺ وممن رأى المسح على الجبائر أبو حنيفة ومالك والشافعي ولم ير ذلك داود وأصحابنا ، وبالله تعالى التوفيق .
210 - مسألة : ولا يجوز لأحد مس ذكره بيمينه جملة إلا عند ضرورة لا يمكنه غير ذلك ، ولا بأس بأن يمس بيمينه ثوبا على ذكره ، ومس الذكر بالشمال مباح ، ومسح سائر أعضائه بيمينه وبشماله مباح ، ومس الرجل ذكر صغير لمداواة أو نحو ذلك من أبواب الخير كالختان ونحوه ، جائز باليمين والشمال ، ومس المرأة فرجها بيمينها وشمالها جائز ، وكذلك مسها ذكر زوجها أو سيدها بيمينها أو بشمالها جائز . برهان ذلك أن كل ما ذكرنا فلا نص في النهي عنه ، وكل ما لا نص في تحريمه فهو مباح بقول الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقول رسول الله ﷺ { من أعظم الناس جرما في الإسلام من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته } . وقوله عليه السلام : { دعوني ما تركتكم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه } أو كما قال عليه السلام ، فنص تعالى على أن كل محرم قد فصل لنا باسمه ، فصح أن ما لم يفصل تحريمه فلم يحرم ، وكذلك بالخبرين المذكورين . وقد جاء النهي عن مس الرجل ذكره بيمينه ، كما حدثنا حمام وعبد الله بن يوسف ، قال عبد الله ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابن أبي عمر ثنا الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد - عن أيوب السختياني ، وقال حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي قاضي بغداد ثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - ثنا سفيان هو الثوري عن معمر ، ثم اتفق أيوب السختياني ومعمر كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : { نهى رسول الله ﷺ أن يمس الرجل ذكره بيمينه } هذا لفظ معمر . ولفظ أيوب { نهى رسول الله ﷺ أن يتنفس في الإناء وأن يمس ذكره بيمينه وأن يستطيب بيمينه } . وبهذا الخبر حرم أن يزيل أحد أثر البول بيمينه بغسل أو مسح ، لأنه استطابة . قال علي : رواية معمر وأيوب زائدة على كل ما رواه غيرهما عن يحيى بن أبي كثير من الاقتصار بالنهي عن مس الذكر باليمين في حال البول ، وعند دخول الخلاء ، والزيادة مقبولة لا يجوز ردها ، لا سيما وأيوب ومعمر أحفظ ممن روى بعض ما روياه ، وكل ذلك حق ، وأخذ كل ذلك فرض لا يحل رد شيء مما رواه الثقات ، فمن أخذ برواية أيوب ومعمر فقد أخذ برواية همام وهشام الدستوائي والأوزاعي وأبي إسماعيل ، ومن أخذ برواية هؤلاء وخالف رواية أيوب ومعمر فقد عصى . وقد روينا مثل قولنا هذا عن بعض السلف ، كما روينا من طريق وكيع عن الصلت بن دينار عن عقبة بن صهبان : سمعت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يقول : ما مسست ذكري بيميني مذ بايعت بها رسول الله ﷺ . وبه إلى وكيع عن خالد بن دينار سمعت أبا العالية يقول : ما مسست ذكري بيميني مذ ستين سنة أو سبعين سنة . وروينا عن مسلم بن يسار - وكان من خيار التابعين - أنه قال : لا أمس ذكري بيميني وأنا أرجو أن آخذ بها كتابي . وبالله تعالى التوفيق .
211 - مسألة : ومن أيقن بالوضوء والغسل ثم شك هل أحدث أو كان منه ما يوجب الغسل أم لا فهو على طهارته ، وليس عليه أن يجدد غسلا ولا وضوءا ، فلو اغتسل وتوضأ ثم أيقن أنه كان محدثا أو مجنبا ، أو أنه قد أتى بما يوجب الغسل لم يجزه الغسل ولا الوضوء اللذان أحدثا بالشك ، وعليه أن يأتي بغسل آخر ووضوء آخر ، ومن أيقن بالحدث وشك في الوضوء أو الغسل فعليه أن يأتي بما شك فيه من ذلك ، فإن لم يفعل وصلى بشكه ثم أيقن أنه لم يكن حدثا ولا كان عليه غسل لم تجزه صلاته تلك أصلا . برهان ذلك قول الله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } ، وقال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا } وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وداود ، وقال مالك : يتوضأ في كلا الوجهين ، واحتج بعض مقلديه بأن رسول الله ﷺ { أمر من شك فلم يدر كم صلى بأن يلغي الشك ويبني على اليقين } قال أبو محمد : وهذا خطأ من وجهين ، أحدهما تركهم للخبر الوارد في المسألة بعينها ومخالفتهم له ، وأن يجعلوا هذا الأمر حدثا يوجب الوضوء في غير الصلاة ولا يوجبه في الصلاة ، وهذا تناقض قد أنكروا مثله على أبي حنيفة في الوضوء من القهقهة في الصلاة دون غيرها وأخذهم بخبر جاء في حكم آخر . والثاني أنهم احتجوا بخبر هو حجة عليهم ؛ لأنه عليه السلام لم يجعل للشك حكما ، وأبقاه على اليقين عنده بلا شك ، وإن جاز أن يكون الأمر كما ظن - هذا - إلى تناقضهم ، فإنهم يقولون : من شك أطلق أم لم يطلق ، وأيقن بصحة النكاح فلا يلزمه طلاق ، ومن أيقن بصحة الملك فشك أنه أعتق أم لم يعتق فلا يلزمه عتق ، ومن تيقنت حياته وشك في موته فهو على الحياة ، وهكذا في كل شيء . قال علي : فإذا هو كما ذكرنا فإن توضأ كما ذكرنا وهو شاك في الحدث ثم أيقن بأنه كان أحدث لم يجزه ذلك الوضوء ، لأنه لم يتوضأ الوضوء الواجب عليه ، وإنما توضأ وضوءا لم يؤمر به ، ولا ينوب وضوء لم يأمر الله عز وجل به عن وضوء أمر الله تعالى به . وبالله تعالى التوفيق