→ كتاب الطهارة (مسألة 110 - 120) | ابن حزم - المحلى كتاب الطهارة (مسألة 121 - 125) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الطهارة (مسألة 126 - 130) ← |
كتاب الطهارة
121 - مسألة : فما كان في الخف أو النعل من دم أو خمر أو عذرة أو بول أو غير ذلك ، فتطهيرهما بأن يمسحا بالتراب حتى يزول الأثر ثم يصلى فيهما ، فإن غسلهما أجزأه إذا مسهما بالتراب قبل ذلك .
برهان ذلك أن كل ما ذكرنا من الدم والخمر والعذرة والبول حرام ، والحرام فرض اجتنابه لا خلاف في ذلك.
حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ حدثحدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي نعامة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان النبي r يصلي بأصحابه فخلع نعليه فوضعهما ، عن يساره ، فخلع القوم نعالهم ، فلما سلم قال : لم خلعتم نعالكم قالوا : رأيناك خلعت فخلعنا ، فقال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا قال عليه السلام : إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر إلى نعليه ، فإن كان فيهما قذر أو أذى فليمسحه وليصل فيهما أبو نعامة هو عبد ربه السعدي ، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك العبدي ، كلاهما ثقة.
حدثنا عبد الله بن الربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي r قال : فمن وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب .
قال علي : وروينا ، عن عروة بن الزبير فيمن أصاب نعليه الروث ، قال يمسحهما وليصل فيهما وعن الحسن البصري أنه كان يمسح نعليه مسحا شديدا ويصلي فيهما وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وأبي سليمان وأصحابنا.
قال علي : الغسل بالماء وغيره يقع عليه اسم مسح ، تقول : مسحت الشيء بالماء وبالدهن ، فكل غسل مسح وليس كل مسح غسلا ، ولكن الخبر الذي رويناه من طريق أبي داود ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو نعله فليمسهما التراب وهذا زائد على حديث أبي سعيد الخدري في المسح بيانا وحكما ، فواجب أن يضاف الزائد إلى الأنقص حكما ، فيكون ذلك استعمالا لجميع الآثار ; لإن من استعمل حديث أبي هريرة لم يخالف خبر أبي سعيد ، ومن استعمل خبر أبي سعيد خالف خبر أبي هريرة.
وقال مالك والشافعي : لا تجزئ إزالة النجاسة حيث كانت إلا بالماء حاشا العذرة في المقعدة خاصة ، والبول في الإحليل خاصة فيزالان بغير الماء. وهذا مكان تركوا في أكثره النصوص ، كما ذكرنا في هذا الباب وغيره ، ولم يقيسوا سائر النجاسات على النجاسة في المقعدة والإحليل وهما أصل النجاسات.
قال علي : وهذا خلاف لهذه النصوص المذكورة وللقياس.
وقال أبو حنيفة : إذا أصاب الخف أو النعل روث فرس أو حمار أو أي روث كان ، فإن كان أكثر من قدر الدرهم البغلي لم يجز أن يصلى به .
وكذلك إن أصابهما عذرة إنسان أو دم أو مني ، فإن كان قدر الدرهم البغلي فأقل أجزأت الصلاة به ، فإن كان كل ما ذكرنا يابسا أجزأه أن يحكه فقط ثم يصلي به ، وإن كان شيء من ذلك رطبا لم تجزه الصلاة به إلا أن يغسله بالماء ، فإن أصاب الخف بول إنسان أو حمار أو ما لا يؤكل لحمه ، فإن كان أكثر من قدر الدرهم البغلي لم تجزه الصلاة به ولم يجزه فيه مسح أصلا ، ولا بد من الغسل بالماء كان يابسا أو رطبا ، فإن كان قدر الدرهم البغلي فأقل جاز أن يصلي به وإن لم يغسله ، ولا مسحه. قال : وأما بول الفرس فالصلاة به جائزة ما لم يكن كثيرا فاحشا.
وكذلك بول ما يؤكل لحمه ، ولم يحد في الكثير الفاحش من ذلك حدا ، فإن كان فيهما خرء ما لا يؤكل لحمه من الطير ، أو ما يؤكل لحمه منها وكان أكثر من قدر الدرهم ، فالصلاة به جائزة ما لم يكن كثيرا فاحشا ، فإن كان كل ذلك في الجسد لم تجز إزالته إلا بالماء ، وأما ما كان من ذلك في الثوب فتجزئ إزالته بالماء وغيره من المائعات كلها وهذه أقوال ينبغي حمد الله تعالى على السلامة عند سماعها. وبالله تعالى التوفيق.
وأعجب من ذلك أنهم لم يتعلقوا بالنصوص الواردة في ذلك ألبتة ، ولا قاسوا على شيء من النصوص في ذلك ، ولا قاسوا النجاسة في الجسد على النجاسة في الجسد وهي العذرة في المخرج والبول في الإحليل ، ولا قاسوا النجاسة في الثياب على الجسد ، ولا تعلقوا في أقوالهم في ذلك بقول أحد من الآمة قبلهم ويسألون قبل كل شيء أين وجدوا تغليظ بعض النجاسات وتخفيف بعضها أفي قرآن أو سنة أو قياس اللهم إلا إن الذي قد جاء في إزالته التغليظ قد خالفوه ، كالإناء يلغ فيه الكلب ، وكالعذرة فيما يستنجى فيه فقط.
122 - مسألة : وتطهير القبل والدبر من البول والغائط والدم من الرجل والمرأة لا يكون إلا بالماء حتى يزول الأثر أو بثلاثة أحجار متغايرة فإن لم ينق فعلى الوتر أبدا يزيد كذلك حتى ينقى ، لا أقل من ذلك ، ولا يكون في شيء منها غائط أو بالتراب أو الرمل بلا عدد ، ولكن ما أزال الأثر فقط على الوتر ، ولا بد ، ولا يجزئ أحدا أن يستنجي بيمينه ، ولا وهو مستقبل القبلة ، فإن بدأ بمخرج البول أجزأت تلك الأحجار بأعيانها لمخرج الغائط ، وإن بدأ بمخرج الغائط لم يجزه من تلك الأحجار لمخرج البول إلا ما كان لا رجيع عليه فقط.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ومنصور بن المعتمر ، كلاهما ، عن إبراهيم النخعي ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن سلمان الفارسي قال : قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى يعلمكم الخراءة ، فقال سلمان : أجل ، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة ، ونهانا ، عن الروث والعظام ، وقال : لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن سلمان الفارسي أن بعض المشركين قال له : إني لارى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة قال : أجل ، أمرنا أن لا نستقبل القبلة ، ولا نستنجي بأيماننا ، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيهن رجيع ، ولا عظم .
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، هو ابن راهويه ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن سلمان الفارسي قال : إن رسول الله r نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، حدثنا أبي ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : وإذا استجمرت فأوتر .
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عطاء بن أبي ميمونة سمع أنس بن مالك قال : كان رسول الله rﷺ يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعنزة يستنجي ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل ، هو ابن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ورويناه أيضا من طريق جابر مسندا.
وقال أبو حنيفة ومالك : بأي شيء استنجى دون عدد فأنقى أجزأه ، وهذا خلاف ما أمر به رسول الله ﷺ لانه نهى أن يكتفي أحد بدون ثلاثة أحجار وأمر بالوتر في الاستجمار وما نعلم لهم متعلقا إلا أنهم ذكروا أثرا فيه : أن عمر كان له عظم أو حجر يستنجي به ثم يتوضأ ويصلي ، وهذا لا حجة فيه ; لانه شك. إما حجر وأما عظم ، وقد خالفوا عمر في المسح على العمامة وغير ذلك ، ولو صح لكان لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ لا سيما وقد خالفه سلمان وغيره من الصحابة ، رضي الله عنهم ، ، فأخبروا أن حكم الاستنجاء هو ما علمهم إياه رسول الله ﷺ من ألا يكتفى بدون ثلاثة أحجار "
فإن قيل : أمره عليه السلام بثلاثة أحجار هو للغائط والبول معا ، فوقع لكل واحد منهما أقل من ثلاثة أحجار.
قلنا : هذا باطل لإن النص قد ورد بأن لا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، ومسح البول لا يسمى استنجاء ، فحصل النص في الاستنجاء والخراءة أن لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار ، وحصل النص مجملا في أن لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار على البول نفسه وعلى النجو فصح ما قلناه.
ومسح البول باليمين جائز ، وكذلك مستقبل القبلة ; لانه لم ينه ، عن ذلك في البول وإنما نهى في الاستنجاء فقط.
وقال الشافعي : ثلاث مسحات بحجر واحد ، وأجاز الاستنجاء بكل شيء حاشا العظم والروث والحممة والقصب والجلود التي لم تدبغ ، وهذا أيضا خلاف لامر رسول الله r بألا يكتفى بأقل من ثلاثة أحجار.
فإن قالوا : قسنا على الأحجار ،
قلنا لهم : فقيسوا على التراب في التيمم ، ولا فرق
فإن ذكروا حديثا رواه ابن أخي الزهري مسندا أن رسول الله ﷺ قال : إذا تغوط أحدكم فليتمسح ثلاث مرات قيل : ابن أخي الزهري ضعيف ، والذي رواه عنه محمد بن يحيى الكناني وهو مجهول ، ولو صح لما كانت فيه حجة ; لانه ليس فيها أن تلك المسحات تكون بحجر واحد ، فزيادة هذا لا تحل.
وأما من قال إن حديث " من استجمر فليوتر معارض لحديث الثلاثة الأحجار
قلنا هذا خطأ ، بل كل حديث منها قائم بنفسه ، فلا يجزئ من الأحجار إلا ثلاثة لا رجيع فيها ، ويجزئ من التراب الوتر ، ولا يجزئ غير ذلك من كل ما لا يسمى أرضا إلا الماء. فإن كان على حجر نجاسة غير الرجيع أجزأ ما لم يأت عنه نهي.
وممن جاء عنه ألا يجزئ إلا ثلاثة أحجار سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما. فإن ذكر ذاكر حديثا رويناه من طريق ابن الحصين الحبراني ، عن أبي سعيد أو أبي سعد ، عن أبي هريرة مسندا " من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج فإن ابن الحصين مجهول وأبو سعيد أو أبو سعد الخير كذلك.
فإن ذكروا حديث ابن مسعود أن النبي ﷺ قال له : ابغني أحجارا ، فأتيته بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : إنها ركس فهذا لا حجة فيه ، لانه ليس في الحديث أنه عليه السلام اكتفى بالحجرين ، وقد صح أمره عليه السلام له بأن يأتيه بأحجار ، فالأمر باق لازم لا بد من إبقائه ، وعلى أن هذا الحديث قد قيل فيه : إن أبا إسحاق دلسه ، وقد رويناه من طريق أبي إسحاق ، عن علقمة وفيه " أبغني ثالثا "
فإن قيل : إنما نهى ، عن العظم والروث لانهما زاد إخواننا من الجن.
قلنا : نعم فكان ماذا بل هذا موجب أن المستنجي بأحدهما عاص مرتين :
إحداهما خلافه نص الخبر .
والثاني تقذيره زاد من نهي ، عن تقذير زاده ، والمعصية لا تجزئ بدل الطاعة ، وممن قال لا يجزئ بالعظم ، ولا باليمين الشافعي وأبو سليمان وغيرهما.
123 - مسألة : وتطهير بول الذكر أي ذكر كان في أي شيء كان فبأن يرش الماء عليه رشا يزيل أثره ، وبول الآنثى يغسل ، فإن كان البول في الأرض أي بول كان فبأن يصب الماء عليه صبا يزيل أثره فقط .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا محمد بن جرير ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي ، حدثنا يحيى بن الوليد ، عن محل بن خليفة الطائي ، حدثنا أبو السمح قال : كنت أخدم رسول الله ﷺ فأتي بحسن أو حسين فبال على صدره فدعا بماء فرشه عليه ثم قال عليه السلام : هكذا يصنع ، يرش من الذكر ويغسل من الآنثى.
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله ﷺ على حجره ، فبال على ثوب رسول الله ﷺ فدعا عليه السلام بماء فنضحه ولم يغسله
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا همام ، هو ابن يحيى ، حدثنا إسحاق ، هو ابن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ رأى أعرابيا يبول في المسجد ، فدعا بماء فصبه عليه
قال علي : ليس تحديد ذلك بأكل الصبي الطعام من كلام رسول الله ﷺ .
وممن فرق بين بول الغلام وبول الجارية أم سلمة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب ، ولا مخالف لهما من الصحابة ، رضي الله عنهم .
وبه يقول قتادة والزهري وقال : مضت السنة بذلك ، وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود بن علي ، وابن وهب وغيرهم ، إلا أنه قد روي ، عن الحسن وسفيان التسوية بين بول الغلام والجارية في الرش عليهما جميعا.
وقال أبو حنيفة ومالك والحسن بن حي : يغسل بول الصبي كبول الصبية ، وما نعلم لهم متعلقا لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من قول صاحب. نعم ، ولا عن أحد من التابعين ، إلا أن بعض المتأخرين ذكر ذلك ، عن النخعي ، والمشهور عنه خلاف ذلك. وقوله ، عن سعيد بن المسيب : الرش من الرش والصب من الصب من الأبوال كلها ، وهذا نص خلاف قولهم. وبالله تعالى التوفيق.
124 - مسألة : وتطهير دم الحيض أو أي دم كان ، سواء دم سمك كان أو غيره إذا كان في الثوب أو الجسد فلا يكون إلا بالماء ، حاشا دم البراغيث ودم الجسد فلا يلزم تطهيرهما إلا ما لا حرج في غسله على الإنسان ، فيطهر المرء ذلك حسب ما لا مشقة عليه فيه.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا جميعا : حدثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا ، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وهذا عموم منه ﷺ لنوع الدم ، ولا نبالي بالسؤال إذا كان جوابه عليه السلام قائما بنفسه غير مردود بضمير إلى السؤال.
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى ، هو ابن سعيد القطان ، عن هشام بن عروة حدثتني فاطمة هي بنت المنذر بن الزبير ، عن أسماء هي ابنة أبي بكر الصديق قالت أتت امرأة النبي ﷺ فقالت : أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع قال : تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه ويستحب أن تستعمل في غسل المحيض شيئا من مسك .
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى ، حدثنا بن عيينة ، عن منصور بن صفية ، عن أمه ، عن عائشة أن امرأة سألت النبي r ، عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل. قال : خذي فرصة من مسك فتطهري بها ، قالت : كيف أتطهر بها قال : سبحان الله ، تطهري فاجتبذتها إلي فقلت : تتبعي بها أثر الدم.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ، حدثنا حبان ، هو ابن هلال ، حدثنا وهيب ، حدثنا منصور ، هو ابن صفية ، عن أمه ، عن عائشة أن امرأة سألت النبي ﷺ كيف أغتسل عند الطهر فقال : خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها ثم ذكر نحو حديث سفيان.
قال علي : أمر رسول الله ﷺ بأن تتطهر بالفرصة المذكورة وهي القطعة وأن تتوضأ بها ، وإنما بعثه الله تعالى مبينا ومعلما ، فلو كان ذلك فرضا لعلمها عليه السلام كيف تتوضأ بها أو كيف تتطهر ، فلما لم يفعل كان ذلك غير واجب مع صحة الإجماع جيلا بعد جيل ، على أن ذلك ليس واجبا ، فلم تزل النساء في كل بيت ودار على عهده r إلى يومنا هذا يتطهرن من الحيض ، فما قال أحد إن هذا فرض ، ويكفي من هذا كله أنه لم تسند هذه اللفظة إلا من طريق إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف .
ومن طريق منصور بن صفية وقد ضعف ، وليس ممن يحتج بروايته ، فسقط هذا الحكم جملة ، والحمد لله رب العالمين. وكل ما أمرنا الله تعالى أو رسوله ﷺ فيه بالتطهير أو الغسل فلا يكون إلا بالماء ، أو بالتراب إن عدم الماء ، إلا أن يأتي نص بأنه بغير الماء فنقف عنده .
لما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال أبو بكر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، وقال أبو كريب ، حدثنا ابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا ، عن أبي مالك هو سعد بن طارق ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله ﷺ : (( فضلنا على الناس بثلاث فذكر فيها وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، ولا شك في أن كل غسل مأمور به في الدين فهو تطهر وليس كل تطهر غسلا .
فصح أنه لا طهر إلا بالماء أو بالتراب عند عدم الماء.
وقال أبو حنيفة : دم السمك كثر أو قل لا ينجس الثوب ، ولا الجسد ، ولا الماء ودم البراغيث والبق كذلك ، وأما سائر الدماء كلها فإن قليلها وكثيرها يفسد الماء ، وأما في الثوب والجسد : فإن كان في أحدهما منه مقدار الدرهم البغلي فأقل فلا ينجس ويصلى به ، وما كان منه أكثر من قدر الدرهم البغلي فإنه ينجس وتبطل به الصلاة ، فإن كان في الجسد فلا يزال إلا بالماء ، وإذا كان في الثوب فإنه يزال بالماء وبأي شيء أزاله من غير الماء ، فإن كان في خف أو نعل ، فإن كان يابسا أجزأ فيه الحك فقط ، وإن كان رطبا لم يجزئ إلا الغسل بأي شيء غسل.
وقال مالك : إزالة ذلك كله ليس فرضا ، ولا يزال إلا بالماء.
وقال الشافعي إزالته فرض ، ولا يزال إلا بالماء.
قال علي : قال الله تعالى ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج
وقال تعالى ﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
وقال تعالى ﴿ يريد الله بكم اليسر ، ولا يريد بكم العسر
وبالضرورة ندري أنه لا يمكن الانفكاك من دم البراغيث ، ولا من دم الجسد ، فإذ ذلك كذلك فلا يلزم من غسله إلا ما لا حرج فيه ، ولا عسر مما هو في الوسع. وفرق بعضهم بين دم ما له نفس سائلة ودم ما ليس له نفس سائلة ، وهذا خطأ لانه قول لم يأت به قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس.
وفرق بعضهم بين الدم المسفوح وغير المسفوح ، وتعلقوا بقوله تعالى ﴿ أو دما مسفوحا وقد قال تعالى ﴿ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير فعم تعالى كل دم وكل ميتة ، فكان هذا شرعا زائدا على الآية الآخرى ، ولم يخص تعالى من تحريم الميتة ما لها نفس سائلة مما لا نفس لها.
وتعلق بعضهم في الدرهم البغلي بحديث ساقط ، ثم لو صح لكان عليهم ; لإن فيه الإعادة من قدر الدرهم ، بخلاف قولهم .
وقال بعضهم : قيس على الدبر ، فقيل لهم فهلا قستموه على حرف الإحليل ومخرج البول ، وحكمهما في الاستنجاء سواء ، وقد تركوا قياسهم هذا إذ لم يروا إزالة ذلك من الجسد بما يزال به من الدبر.
وأما من لم ير غسل ذلك فرضا ، فالسنن التي أوردناها مخالفة لقوله. وبالله تعالى التوفيق.
125 - مسألة : والمذي تطهيره بالماء ، يغسل مخرجه من الذكر وينضح بالماء ما مس منه الثوب .
قال مالك يغسل الذكر كله.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن سليمان بن يسار ، عن المقداد بن الأسود " أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله ﷺ ، عن الرجل إذا دنا من امرأته فخرج منه المذي ، قال فسألت رسول الله ﷺ ، عن ذلك فقال : إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة .
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن السكن ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي ، حدثنا زائدة ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمان السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا يسأل النبي ﷺ لمكان ابنته ، فسأل فقال : توضأ واغسل ذكرك .
حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن حدثنا بكر بن حماد ، ومحمد بن وضاح قال بكر ، حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، وقال ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ، حدثنا إسماعيل ابن علية ويزيد بن هارون ، ثم اتفق حماد وإسماعيل ويزيد كلهم ، عن محمد بن إسحاق ، حدثنا سعيد بن عبيد بن السباق ، عن أبيه ، عن سهل بن حنيف قال حماد في حديثه كنت ألقى من المذي شدة فكنت أكثر الغسل منه ثم اتفقوا كلهم قال سألت رسول الله ﷺ ، عن المذي فقال : يكفيك منه الوضوء ، قلت : أرأيت ما يصيب ثوبي منه قال : تأخذ كفا من ماء فتنضح ثوبك حيث ترى أنه أصابه .
قال علي : غسل مخرج المذي من الذكر يقع عليه اسم غسل الذكر ، كما يقول القائل إذا غسله : غسلت ذكري من البول ، فزيادة إيجاب غسل كله شرع لا دليل عليه .
وقال بعضهم في ذلك تقليص فيقال له : فعانوا ذلك بالقوابض من العقاقير إذن فهو أبلغ.
وهذا الخبر يرد على أبي حنيفة قوله : إن النجاسات لا تزال من الجسد إلا بالماء وتزال من الثياب بغير الماء. فإن تعلقوا بأن عائشة ، رضي الله عنها ، كانت تجيز إزالة دم الحيض من الثوب بالريق ، قيل لهم فإن ابن عمر كان يجيز مسح الدم من المحاجم بالحصاة دون غسل ، ولا حجة إلا فيما جاء به النبي ﷺ .