→ سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم بالجموح | السيرة الحلبية سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى العيص علي بن برهان الدين الحلبي |
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني ثعلبة ← |
وهو محل بينه وبين المدينة أربع ليال.
بلغ رسول الله ﷺ أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام، فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب ليعترضها، أي وكان فيها أبو العاص بن الربيع، وقدم به وبتلك العير المدينة، فاستجار أبو العاص بزوجته زينب «رضي الله ع»، فأجارته ونادت في الناس حين صلى رسول الله ﷺ الفجر: أي دخل في الصلاة هو وأصحابه، فقالت: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فقال رسول الله ﷺ: أي لما سلم وأقبل على الناس وقال: هل سمعتم ما سمعت؟ قالو نعم، قال: أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من هذا، أي ثم انصرف فدخل على ابنته وقال: قد أجرنا من أجرت. قال: وقال: «المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم» أي وفي الصحيحين: «ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما» أي أزال خفارته: أي نقض جواره وعهده «فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ثم دخلت عليه زينب «رضي الله ع» فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه، فأجابها إلى ذلك، وقال لها: «أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له»: أي لتحريم نكاح المؤمنات على المشركين أي كما تقدم في الحديبية.
وبعث للسرية فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي فاء عليكم، فأنتم أحق به، فقالوا: يا رسول الله بل نرد عليه، فرد عليه ما أخذ منه.
وهذا السياق يدل على أن ذلك كان قبل صلح الحديبية ووقوع الهدنة، لأن بعد ذلك لم تتعرض سرايا رسول الله ﷺ لقريش، وهو يخالف قوله لها: «لا يخلص إليك، لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان في الحديبية».
وقد ذكر بعضهم أن ذلك كان قبيل الفتح سنة ثمان، ومن ثم ذكر الزهري وتبعه ابن عقبة رحمهما الله تعالى أن الذين أخذوا هذا العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما «رضي الله ع»، لأنهم كانوا في مدة صلح الحديبية، من شأنهم أن كل عير مرت بهم لقريش أخذوها بغير معرفة رسول الله ﷺ كما تقدم، فلما أخذوا هذه العير خلوا سبيل أبي العاص لكونه صهر رسول الله. وقيل أعجزهم هربا، وجاء تحت الليل فدخل على زوجته زينب «رضي الله ع» فاستجار بها فأجارته، ثم كلمها في أصحابه الذين أسروا، فكلمت رسول الله ﷺ في ذلك، فخطب الناس وقال: إنا صاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه، وإنه قد أقبل من الشام في أصحاب له من قريش، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير وأسروهم، وأخذوا ما كان معهم، وأن زينب بنت رسول الله ﷺ سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه؟ فقال الناس: نعم، فلما بلغ أبا جندل وأبا بصير وأصحابهما قول رسول الله ﷺ ردوا الأسرى، وردوا عليهم كل شيء حتى العقال.
وصوّب في الهدى هذا الذي ذكره الزهري، أي لما علمت أن مما يؤيد ذلك قوله لبنته زينب: ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له، لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان بعد الحديبية.
وذكر أن المسلمين قالوا لأبي العاص: يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله، أي لأنه يلتقي مع النبي ﷺ في جده عبد مناف، فهل لك أن تسلم فتغنم ما معك من أموال أهل مكة، فقال: بئسما أمرتموني أفتتح ديني بغدرة: أي بالغدر وعدم الوفاء، ثم ذهب أبو العاص إلى أهل مكة فأدى كل ذي حقّ حقه، ثم قام فقال: يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه، هل وفيت ذمتي؟ فقالوا اللهم نعم، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا خشية أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم.
ثم خرج حتى قدم المدينة على النبي، فرد له رسول الله ﷺ زينب «رضي الله ع» على النكاح الأول ولم يحدث نكاحا، وذلك بعد ست سنين وقيل بعد سنة واحدة انتهى.
أقول: وفي رواية بعد سنتين. والمتبادر أن السنة أو السنتين من إسلامها دونه، وهو مخالف لما عليه أهل العلم من أنه لا بد أن يجتمع الزوجان في الإسلام والعدة، ومن ثم قالت طائفة منهم الترمذي: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا يعرف وجهه.
وفي كلام بعض الحفاظ: يمكن أن يقال قوله بعد ست سنين ولم يقل من إسلامها دونه صيره مجهول تاريخ الابتداء فلا يصح الاستدلال به.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن رسول الله ﷺ ردّ بنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. قال بعضهم: وهذا في إسناده مقال، وقال غيره: هذا حديث ضعيف، وقال آخر: لا يثبت» والحديث الصحيح إنما هو أن النبي ﷺ أقرهما على النكاح الأول.
وقال ابن عبد البر: حديث أنه أقرهما على النكاح الأول متروك لا يعمل به عند الجميع. وحديث ردها بنكاح جديد عندنا صحيح يعضده الأصول، وإن صح الأول أريد به على الصداق الأول وهو حمل حسن، هذا كلامه.
قال بعضهم: تصحيح ابن عبد البر لحديث إنه ردها بنكاح جديد مخالف لكلام أئمة الحديث كالبخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان والدارقطني والبيهقي وغيرهم، هذا كلامه.
وفي كون زينب «رضي الله ع» كانت مشركة وأسلمت قبل زوجها المشعر به قول بعضهم ولم يقل من إسلامها ـ نظر، لأنها اتبعت ما بعث به أبوها من غير تقدم شرك منها.
لا يقال: فحيث كانت مسلمة فكيف زوّجها من أبي العاص وهو كافر. لأنا نقول على فرض أنه زوّجها له بعد البعث فقد زوجها له قبل نزول قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} لأن تلك الآية نزلت بعد صلح الحديبية كما علمت. على أن ابن سعد ذكر أنه زوّجها له في الجاهلية: أي قبل البعثة، والله أعلم.