→ باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه | السيرة الحلبية باب بيان كتبه التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام علي بن برهان الدين الحلبي |
ذكر كتابه إلى قيصر ← |
أي في الغالب، وإلا فمنها ما ليس كذلك، وهذه غير كتبه التي كتبها بالأمان التي تقدم ذكرها.
أي ولما أراد أن يكتب للملوك قيل له: يا رسول الله إنهم لا يقرؤون كتابا إلا إذا كان مختوما: أي ليكون في ذلك إشعار بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم. وفيه أن هذا واضح إذا كان الختم عليها بعد طيها، ويجعل عليها نحو شمع ويختم فوق ذلك. والظاهر أن ذلك لم يكن، وحينئذ يكون الغرض من ذلك أمن التزوير لبعده مع الختم، فاتخذ خاتما من فضة، أي بعد أن اتخذ خاتما من ذهب، فافتدى به ذوو اليسار من أصحابه، فصنعوا خواتيم من ذهب. ولما لبس رسول الله ﷺ ذلك لبس أصحابه «رضي الله ع» خواتيمهم، فجاءه جبريل "عليه السلام" بعد من الغد بأن لبس الذهب حرام على ذكور أمتك، فطرح رسول الله ﷺ ذلك الخاتم، فطرح أصحابه خواتيمهم، وكان نقش خاتمه الفضة ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
وفي حديث موضوع: كان نقش خاتمه صدق الله: وفي رواية شاذة أنه بسم الله محمد رسول الله، والأسطر الثلاثة تقرأ من أسفل إلى فوق، فمحمد آخر الأسطر، ورسول في الوسط، والله فوق، كذا قال بعض أئمتنا.
قال في النور: والذي يظهر لي أن هذه الكتابة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها يختم على الاستواء كما في خواتم الكبراء اليوم. وختم بذلك الخاتم الكتب وكان في يده الشريفة، ثم في يد أبي بكر، ثم في يد عمر، ثم في يد عثمان «رضي الله ع»، حتى وقع في بئر أريس في السنة التي توفي فيها عثمان «رضي الله ع»، فالتمسوه ثلاثة أيام فلم يجدوه.
وذكر أن هذا الخاتم الذي كان في يده ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان «رضي الله ع»، كان الخاتم الحديد الذي كان ملويا عليه الفضة، وأنه الذي كان في يد خالد بن سعيد، فرآه النبي ﷺ فقال: ما نقش هذا الخاتم، قال: محمد رسول الله، قال: اطرحه إليّ، فأخذه رسول الله ﷺ فلبسه، فكان في يده ثم في يد أبي بكر الحديث.
وعن أنس «رضي الله ع»: «أنه لبس خاتم فضة فصه حبشي أي من جذع» لأنه يؤتى به من بلاد الحبشة. وقيل صنف من الزبرجد، وأنه الذي نقش فيه «محمد رسول الله» وفي لفظ: «فصه منه» وفي لفظ «فصه من عقيق».
أي ولا ينافي ذلك وصفه بأنه حبشي، لأن العقيق يؤتى به من بلاد الحبشة، ولم يرد أنه لبس خاتما كله عقيق. وفي الحديث: «تختموا بالعقيق فإنه مبارك، تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر».
قيل وكان خاتمه في خنصر يده اليسرى، وهو المرويّ عن عامة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
وقيل كان في خنصر يمينه، وهو قول ابن عباس «رضي الله ع» وطائفة، ومنهم عائشة «رضي الله ع» قالت: كان النبي ﷺ يتختم في يمينه وقبض والخاتم في يمينه، قال بعضهم: وهذا رواه عبيدة بن القاسم وهو كذاب: أي وهو يخالف ما جمع به البغوي بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم به في يساره، وكان ذلك آخر الأمرين. وروى أشعب الطامع عن عبد الله بن جعفر: «أن رسول الله ﷺ كان يتختم في اليمنى».
قال الإمام النووي رحمه الله: التختم في اليمين أو اليسار كلاهما صح فعله عن النبي، لكنه في اليمين أفضل، لأنه زينة واليمين بها أولى، هذا كلامه، أي ولأن ابن حاتم نقل عن أبي زرعة أنه كان في يمينه أكثر منه في يساره وكان يجعل فصه مما يلي كفه، وتقدم أن الخاتم الذي لبسه يوما وألقاه كان من الذهب، وقيل كان ذلك الخاتم من حديد.
وقد قال للابس خاتم الحديد: «ما لي أرى عليك حلية أهل النار» فطرحه، ولعله لكون سلاسل أهل النار وأغلالهم وقيودهم من حديد، أي ثم جاء وعليه خاتم من صفر: أي نحاس فقال: «ما لي أجد فيك ريح الأصنام» ولعل الأصنام كانت تتخذ من نحاس غالبا، ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال: «ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة» أي المختص إباحتها بأهل الجنة في الجنة قال: «يا رسول الله: من أي شيء أتخذه؟ قال: من ورق ولا تتمه مثقالا» أي وزن مثقال، لكن في رواية أبي دواد: «ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال» وهي تفيد أن الخاتم إذا كان دون مثقال وزنا لكن بلغ بالصنعة قيمة مثقال كان منهيا عنه.
وفي الحديث: «ما طهر الله كفا فيه خاتم من حديد» وهو يفيد كراهة لبس الخاتم الحديد.
وفي كلام الشمس العلقمي: ولا يكره كونه من نحو حديد ونحاس، لحديث الشيخين: «التمس ولو خاتما من حديد» فليتأمل.
وعند عزمه على إرسال الكتب وتكلم مع أصحابه في ذلك خرج على أصحابه يوما فقال: «أيها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة، فأدوا عني رحمكم الله، ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم "عليه السلام"، فقال أصحابه «رضي الله ع»: وكيف اختلف الحواريون على عيسى "عليه السلام" يا رسول الله؟ قال: دعاهم لمثل ما دعوتكم له، فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلم، وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وأبى، فشكا ذلك عيسى "عليه السلام" إلى ربه عز وجل فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم».