→ سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله تعالى عنه إلى الغابة | السيرة الحلبية سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى بطن أضم علي بن برهان الدين الحلبي |
سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى ← |
اسم موضع أو جبل.
لما همّ رسول الله ﷺ بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة «رضي الله ع» في ثمانية نفر من جملتهم محكم بن جثامة الليثي إلى بطن أضم، ليظن ظان أن رسول الله ﷺ توجه إلى تلك الناحية وتنشر بذلك الأخبار، فمرّ عليهم عامر بن الأضبط الأشجعي، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فأمسك عنه القوم، وحمل عليه محكم فقتله، أي لشيء كان بينه وبينه، وسلبه متاعه وبعيره، وعند وصولهم إلى المحل رجعوا، فبلغهم أن رسول الله ﷺ قد توجه إلى مكة، فمالوا إليه حتى لقوه، قال: وقال رسول الله ﷺ لمحكم: أقتلته بعد ما قال آمنت بالله؟ وفي رواية: بعد ما قال إني مسلم؟ أي أتى بما لم يأت به إلا مؤمن آمن بالله وكان مسلما، قال: يا رسول الله إنما قالها: أي تحية الإسلام متعوذا، قال: أفلا شققت عن قلبه؟ قال: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لتعلم أصادق هو أم كاذب. أي وفي رواية فقال: يا رسول الله لو شققت عن قلبه أكنت أعلم ما في قلبه؟ فقال له: فلا أنت قبلت ما تكلم به، ولا أنت تعلم ما في قلبه، فقال: استغفر لي يا رسول الله، فقال: لا غفر الله لك، فقام يتلقى دمعه ببرده اهـ، وأنزل الله تعالى فيه: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة} إلى آخر الآية.
وذكر ابن إسحاق في خبر محكم: أن النبي ﷺ صلى بحنين ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها، فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن يختصمان في عامر بن الأضبط، عيينة بن حصن يطلب دمه، أي ويقول: والله يا رسول الله إني لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي، والأقرع يدافع عن محكم، وارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة، ورسول الله ﷺ يقول لعيينة ومن معه: بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا، وهو يأبى عليه، فلم يزل به حتى اتفقا على الدية، ثم قالوا: إن محكما يستغفر له رسول الله، فقام محكم وهو رجل آدم طويل: أي عليه حلة قد كان تهيأ للقتل فيها حتى جلس بين يدي رسول الله ﷺ وعيناه تدمعان، فقال له: ما اسمك؟ قال: أنا محكم، قد فعلت الذي بلغك، وإني أتوب إلى الله تعالى، واستغفر لي يا رسول الله، فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: اللهم لا تغفر لمحكم، قالها ثلاثا بصوت عال، فقام يتلقى دمعه بفضل ردائه، فما مكث إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض مرات حتى ضموا عليه الحجارة وواروه.
أي ولما أخبروا رسول الله ﷺ بذلك قال لهم: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله يعظكم: أي وفي رواية: إن الله أحب أن يريكم تعظيم حرمة لا إله إلا الله: أي حرمة من يأتي بها.
ولفظ الأرض له يردّ ما قيل إن رسول الله ﷺ استغفر له بعد دعائه عليه، إلا أن يكون المراد استغفر له بعد موته، ويوافقه ما في بعض الروايات: أراد الله أن يجعله موعظة لكم لكيلا يقدم رجل منكم على قتل من يشهد أن لا إله إلا الله، أو يقول إني مسلم، اذهبوا به إلى شعب بني فلان فادفنوه فإن الأرض ستقبله، فدفنوه في ذلك الشعب، فيجوز أن يكون استغفر له حينئذ، وقيل إن الذي لفظته الأرض غير محكم، لأن محكما مات بحمص أيام ابن الزبير «رضي الله ع»، والذي لفظته الأرض اسمه فليت.