→ باب الهجرة الثانية إلى الحبشة | السيرة الحلبية باب ذكر خبر وفد نجران علي بن برهان الدين الحلبي |
باب ذكر وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله تعالى عنها ← |
ثم قدم عليه وهو بمكة وفد نجران، وهم قوم من النصارى، ونجران: بلدة بين مكة واليمن، على نحو من سبع مراحل من مكة، كانت منزلا للنصارى، وكانوا نحوا من عشرين رجلا حين بلغهم خبره ممن هاجر من المسلمين إلى الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه سألوه وكلموه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ينظرون إليهم، فلما فرغوا من مسألة رسول الله ﷺ كما أرادوا دعاهم رسول الله ﷺ إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا له وآمنوا به، وعرفوا منه ما هو موصوف به في كتابهم، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون أي تنظرون الأخبار لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم فصدقتموه بما قال، لا نعلم ركبا أحمق: أي أقل عقلا منكم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه، ويقال نزل فيهم قوله تعالى{الذين آتيناهم الكتاب} إلى قوله {لا نبتغي الجاهلين} ونزل قوله تعالى {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}.
وذكر في الوفاء وفود ضماد الأزدي عليه، فقال: عن ابن عباس «رضي الله ع» أن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من الريح: أي ولعل المراد به اللمعة من الجن، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي، قال: فأتيته فقلت: يا محمد إني أرقى من الريح، فإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول الله ﷺ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فقال ضماد: أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله ﷺ ثلاث مرات فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، هات يدك أبايعك على الإسلام، فبايعه وقال له رسول الله ﷺ: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي.