→ سرية زيد بن حارثة رضي الله عنهما إلى القردة | السيرة الحلبية سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد علي بن برهان الدين الحلبي |
سرية الرجيع ← |
وهو ابن عمته برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة كما تقدم ـ إلى قطن ـ أي وهو جبل، وقيل ماء من مياه بني أسد.
وسببها أنه بلغ رسول الله ﷺ أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما إلى حرب رسول الله ﷺ: أي أخبره بذلك رجل من طيىء قدم المدينة لزيارة بنت أخيه بها، فدعا رسول الله ﷺ أبا سلمة المذكور، وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار، وخرج الرجل المخبر له دليلا لهم، وقال له: سر حتى تنزل أرض بني أسد فأغر عليهم قبل أن يتلاقى عليك جموعهم، فأغذّ السير، أي بفتح الهمزة والغين المشددة والذال المعجمتين: أي أسرع، ونكب، أي بفتح الكاف المخففة: عدل عن سيف الطريق، وسار بهم ليلا ونهارا ليستبق الأخبار، فانتهى إلى ماء من مياههم، فأغار على سرح لهم، وأسروا ثلاثة من الرعاة وأفلت سائرهم، ففرق أبو سلمة أصحابه ثلاث فرق: فرقة بقيت معه، وفرقتان أغارتا في طلب النعم والشاء والرجال، فأصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا، فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة.
قال: وقيل إنه خرج صفي رسول الله ﷺ من ذلك عبدا، أي لأنه كان يباح له أخذ الصفي، وهو ما يختاره له أمير السرية قبل القسمة من الفيء أو الغنيمة من جارية أو غيرها كما تقدم. وأخرج الخمس، ثم قسم ما بقي بين أصحابه، فأصاب كل إنسان سبعة أبعرة، أي وطليحة هذا كان يعد بألف فارس، قدم عليه في بعض الوفود وأسلم، ثم ارتد وادعى النبوة، وتوفي رسول الله ﷺ فقويت شوكته، ثم أسلم بعد وفاة أبي بكر «رضي الله ع»، وحسن إسلامه، وحج في زمن عمر «رضي الله ع»، ولم يعرف لأخيه سلمة إسلام. بعث عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني بكسر اللام وفتحها.
وسبب ذلك أنه "عليه الصلاة والسلام بلغه أن سفيان المذكور قد جمع الجموع لحرب رسول الله، فبعث عبد الله بن أنيس «رضي الله ع» ليقتله، فقال: صفه لي يا رسول الله، فقال إذا رأيته هبته وفرقت: أي خفت منه وذكرت الشيطان، فقال عبد الله: يا رسول الله ما فِرقت من شيء قط، فقال رسول الله ﷺ: بلى إنك تجد له قشعريرة إذا رأيته، فقال عبد الله: فاستأذنت رسول الله ﷺ أن أقول: أي ما أتوصل به إليه من الحيلة فأذن لي: أي قال لي: قل ما بدا لك: أي وقال انتسب إلى خزاعة. قال عبد الله بن أنيس فسرت حتى إذا كنت ببطن عرنة: وهو واد بقرب عرفة لقيته يمشي: أي متوكئا على عصا يهدّ الأرض ووراءه الأحابيش: أي أخلاط الناس ممن انضم إليه، فعرفته بنعت رسول الله، لأني هبته وكنت لا أهاب الرجال، فقلت: صدق الله ورسوله، أي وكان وقت العصر، فخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة يشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشي نحوه أومىء برأسي. فلما انتهيت إليه، قال لي: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئت لأكون معك، قال: أجل، إني لأجمع له، فمشيت معه ساعة وحدثته فاستحلى حديثي. أي وكان فيما حدثته به أن قلت له: عجبت لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث. فارق الآباء، وسفه أحلامهم. فقال لي: إنه لم يلق أحدا يشبهني ولا يحسن قتاله.
فلما انتهى إلى خبائه وتفرق عنه صحابه قال لي: يا أخا خزاعة هلم، فدنوت منه. فقال اجلس فجلست معه، حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم دخلت غارا في الجبل وصيرت العنكبوت: أي نسجت عليّ، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا. فانصرفوا راجعين، ثم خرجت. فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى قدمت المدينة. فوجدت رسول الله ﷺ في المسجد، فلما رآني قال: قد أفلح الوجه. قلت: أفلح وجهك يا رسول الله. فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري، فدفع لي عصا وقال: تحضر بهذه في الجنة: أي توكأ عليها فإن المتخصرين في الجنة قليل، فكانت تلك العصا عنده. فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدخلوها في كفنه ويجعلوها بين جلده وكفنه ففعلوا. أي وفي القاموس ذو المخصرة: أي كمكنسة بكسر الميم عبد الله بن أنيس.
وهذه القصة وقصة كعب بن الأشرف تردّ على الزهري قوله لم يحمل إلى رسول الله ﷺ رأس إلى المدينة قط. وحمل إلى أبي بكر «رضي الله ع» رأس فكره ذلك. وأول من حملت إليه الرؤوس عبد الله بن الزبير «رضي الله ع».
وفيه أنه لما قتل الحسين وجماعة من أهل بيته بعث ابن زياد قبحه الله برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية. وابن الزبير «رضي الله ع» لم يبايع بالخلافة إلا بعد موت يزيد. ومضى مدة خلافة ابنه معاوية «رضي الله ع» الذي خلع نفسه وهي أربعون يوما. ولعل إرسال رأس الحسين ومن معه كان قبل رأس عبد الله بن أبي الحمق، فلا ينافي قول ابن الجوزي أول رأس حمل في الإسلام ـ أي من المسلمين ـ رأس عبد الله بن أبي الحمق. وذلك أنه لدغ فمات، فخشيت الرسل أن تتهم فقطعوا رأسه فحملوه.
ثم رأيت ابن الجوزي قال: قال ابن حبيب: نصب معاوية «رضي الله ع» رأس عمرو بن أبي الحمق. ونصب يزيد بن معاوية رأس الحسين «رضي الله ع». وقول الزهري إلى المدينة لا يخالف ما في النور ما تقدم في غزوة بدر: كم من رأس حمل بين يدي رسول الله، لأن تلك الرؤوس لم تحمل إلى رسول الله ﷺ بالمدينة، على أن فيه أنه لم يحمل إليه ذلك اليوم إلا رأس أبي جهل على ما تقدم.