التقية من الفعل العربي يتقي أي يخشى كما يقول المثل العربي على سبيل المثال (اتق شر من أحسنت إليه) والتقية كمصطلح ديني هي اخفاء معتقد ما خشية الضرر المادي أو المعنوي. وأهل السنة والجماعة و الطائفة الإثنا عشرية متفقين على مسألة التقية ولكن الخلاف في معناها واسنخدامها.
التقية في الإسلام وأيضا في اليهودية بصفة عامة مجازة على العكس من المسيحية التي لا تبيح تصرفات مثل التقية مطلقا.
وارتبطت التقية في تاريخ الأديان بصفة عامة بمراحل الإضطهاد أو التمييز القائم على العقيدة بل إن المسيحيين الأوائل في عصر دقلديانوس اضطروا لاستخدامها في مصر وبلاد الشام. واستخدمها اليهود في أوروبا في العصور الوسطى.
وفي الإسلام أباحها الإسلام بصفة عامة لحماية المسلم من أي ضرر في عقيدته أو دنياه ولكن توسع الشيعة خصوصا بكل طوائفهم في استخدامها واعتبروها من أساسيات الدين ويعزو البعض هذا إلى اضطهاد الشيعة العام عبر التاريخ خصوصا في العصر الأموي والعباسي مما جعل التقية أمرا ضروريا لحياة الشيعي.
ولا تختلف الطوائف الشيعية عامة حول أهمية التقية وإن كان الشيعة الإسماعيلية أكثر تشددا في استخدامها من الإثنا عشرية على سبيل المثال.
مصطلح التقية عند الإثنا عشرية
« كتمان الحق وستر الأعتقاد فيه ومكاتمه المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا [1] » ، وترى الطائفة الإثنا عشرية أنها مارست التقية وأنه دعى الأئمة إلى ممارستها حتى تحولت إلى ظاهرة مذهبية ، حتى أن الأئمة أنفسهم قاموا بممارسة التقية [2] ، والسبب في ذلك هو القمع والإضهاد الذي تعرضت له الطائفة الإثنا عشرية.
عمل الأئمة بالتقية
وتؤمن الطائفة الإثنا عشرية أن الأئمة كانوا يستخدمون التقية ، وهذا أدى إلى وجود أحاديث كثيرة متناقضة ، وأن الأئمة كانوا مضطرين لذلك بسبب الإضهاد والقمع من قبل السلطات السياسية التي كانت في ذلك الوقت ، ومن الأمثلة على عمل الأئمة بالتقية:
- علي بن أبي طالب ومبايعته تقية للخلفاء : حيث تذكر المصار الشيعية أن علي بن أبي طالب بايع أبوبكر على الخلافة تقية [3].
- تقية جعفر الصادق في مسألة المسح على الرأس : «والخبر الذي رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن شعيب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن مسح الرأس قلت أمسح بما في يدي من الندا رأسي؟ قال: لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح ... فهذه الاخبار وردت للتقية وعلى ما يوافق مذهب المخالفين ، والذي يدل على ذلك ما قدمنا ذكره من الاخبار وتضمنها نفي تناول الماء للمسح ولا يجوز التناقض في أقوالهم وأفعالهم[4]».
- تقية الباقر في أن قتل البازي والصقر هو حلال : «عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان أبي عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال ، وكان يتقيهم ، وأنا لا أتقيهم ، وهو حرام ما قتل[5]».
أخبار التقية
وتعتقد الطائفة الإثنا عشرية أنه قد بين الأئمة لأتباعهم كيفية معرفة أن الرواية قالها الإمام تقية أم حقيقة ، ويعتبرون أن الفيصل في أي رواية هو عرضها على القرآن أولا ثم الأحاديث المتواترة ثانيا. يعني على سبيل المثال أن الروايات تواترت بمسح الرجل والرأس في الوضوء فإذا وردت رواية مخالفة يؤخذ بالمتواتر. وقد قام الأئمة بإرشاد أتباعهم لطرق للمعرفة ذلك :
- الإمام جعفر الصادق : «قال جعفر الصادق : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فإن لم تجدوها في كتاب الله فاعرضوها على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه [6]» ، والمقصود بالعامة هم أهل السنة[7].
- الامام الرضا : «قلت للرضا كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف فيها العامة فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه [8]» ،والمقصود بالعامة هم أهل السنة[9] ، ويجيب الإمام الرضا على سؤال مماثل لأحد أتباعه : « عن علي بن أسباط قال : قلت للإمام الرضا عليه السلام : يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك ؟ قال: فقال : أحْضِرْ فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه [10]».
مكانة التقية عند الطائفة الإثنا عشرية
إن التقية هي من أبرز ما تميزت به الطائفة الإثنا عشرية ، وللتقية مكانة خاصة عند الطائفة الإثنا عشرية :
- قد تصل رتبتها أنه قد يكون تارك التقية كتارك الصلاة وذلك طبقا لرواية عن الامام جعفر الصادق أنه قال « لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً [11] [12] [13] [14] [15] [16]» واعتبر بعض علماء الإثنا عشرية هذه الرواية من الروايات المتواترة [17].
- « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يا أبا عمر ، إن تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له [18]».
- « وأن من لا تقية له لا إيمان له [19]»
- «قال أبو جعفر عليه السلام : التقية من ديني ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقية له [20]»
مصطلح التقية عند أهل السنة والجماعة
- التقية هي الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير [21] ، كما يمكن القول بأن التقية عند أهل السنة هي إظهار المسلم لبعض الأقوال والفعال الموافقة لأهل الكفر أو الجارية على سبلهم إذا اضطر المسلم إلى ذلك من أجل اجتناب شرهم مع ثبات القلب على إنكار موافقتهم وبغضها والسعي لدفع الحاجة إليها [22]، كما يمكن القول بأن التقية هي إظهار الكفر وإبطان الإيمان وذلك عند خوف المسلم على نفسه من الكفار والمشركين.
- التّقية عند أهل السنة استثناء مؤقت من أصل كلي عام ، لظرف خاص يمر به الفرد المسلم أو الفئة المسلمة ، وهي مع ذلك رخصة جائزة ، فالتقية هي رخصة عند أهل السنة لا يلزم العمل بها وليست من أصول دينهم.
ضوابط التقية عند أهل السنة والجماعة
- أولا : ألا تكون التقية طريقاً للانفلات من ربقة التكاليف الشرعية، فلا يجوز الخروج عن حدود الشرع بحجة التقية.
- ثانياً : التقية رخصة لا يلجأ إليها إلا في حال الاضطرار، والأخذ بالعزيمة أفضل ، «أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة ، وأما غير الكفر فان أكره على أكل الخنزير وشرب الخمر مثلا فالفعل أولى [23]» .
- ثالثاً : التقية لحال الضرورة تقدر بقدره ا، فإذا اضطر المسلم إلى التقية وجب عليه أن يتقي الكفار بأدنى مايمكن بأدنى ما يمكن مما هو خروج عن حدود الشرع ، وهذا لا يتعدى اللسان في كثير من الأحوال.
- رابعاً : وجوب السعي للخروج من حكم الاضطرار أو الإكراه الذي أباح للمسلم التقية.
- خامساً :التقية عند أهل السنة غالباً ما تكون مع الكفار وفي حال الإكراه والاضطرار.
نظرة أهل السنة إلى أن الطائفة الإثنا عشرية توسعت في استخدام مصطلح التقية
يرى أهل السنة والجماعة أن الطائفة الإثنا عشرية تغلو في استخدام مصطلح التقية وتتوسع فيه ، ويرى أهل السنة والجماعة أنه من صور الغلو عند الطائفة الإثنا عشرية أنهم يروون عن الامام جعفر الصادق أنه قال:« لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً [24] [25] » واعتبر بعض علماء الإثنا عشرية هذه الرواية من الروايات المتواترة [26] ، وكذلك أن جعل التقية « تسعة أعشار الدين [27]» وكذلك القول بأنه « وأن من لا تقية له لا إيمان له [28]» ، فهذا في نظر أهل السنة من الغلو الشديد في مفهوم التقية ، كما يرى أهل السنة والجماعة أن الطائفة الإثنا عشرية قد توسعت في استخدام التقية وخرجت بها من حال الضرورة إلى حال الاختيار فهي عندهم سلوك جماعي دائم وحالة مستمرة حتى يخرج القائم وهو محمد بن الحسن العسكري[29] ، وكذلك القول الذي ينسبوه لأحد أئمتهم : « عليكم بالتّقية ، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه ، لتكون سجية مع من يحذره[30]» .
ويرى أهل السنة والجماعة «أن سبب غلو الطائفة الإثنا عشرية في أمر التقية يرجع للأسباب التالية [31]»:
- بيعة علي بن أبي طالب لأبوكر وعمر وعثمان : أن الشيعة تعد بيعة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان باطلة ، كما ترى أنهم ومن بايعهم في عداد الكفار ، وعلي كان ممن بايعهم ، فهذ يبطل مذهب الشيعة من أساسه فخرجوا من هذا التناقض بالقول بأن علي ابن أبي طالب بايع بالتقية [32] .
- تبرير الروايات عند الأئمة المعصومين لديهم : تبرير التناقض في مرويات الأئمة الذين زعموا لهم العصمة، فقالوا بالتقية لتبرير هذا التناقض [33] ، وهذا الأمر قال به علماء الحديث عند الشيعة في عدة مواضع كثيرة كالتهذيب [34]والإستبصار وغيرها.
- تسهيل وضع الروايات المكذوبة على الأئمة : حيث يقوم علماء الطائفة الإثنا عشرية بأن يوهمون الأتباع بأن ما اشتهر عن الأئمة وذاع عنهم وفعلوه أمام المسلمين فلا يمثل مذهبهم وإنما يفعلونه تقية ، فيسهل ذلك وضع الأكاذيب على الأئمة ثم تكذيب علماء الطائفة الإثنا عشرية بنفي أي فعل أو قول موافق لأقوال أهل السنة والجماعة تحت حجة أن الإمام قاله تقية.
- عزل أتباع الطائفة الإثنا عشرية عن أهل السنة والجماعة : حيث تنسب الطائفة الإثنا عشرية القول لأحد أئمتهم: « ما سمعتَ مني يشبه قول الناس - يعني أهل السنة - فيه التقية ، وما سمعت مني لايشبه قول الناس - يعني أهل السنة - فلا تقية فيه[35] » ، وكذلك رواية أخرى : « عن علي بن أسباط قال : قلت للإمام الرضا عليه السلام : يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك ؟ قال: فقال : أحْضِرْ فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه [36]» ، وهذا مبدأ خطير يؤدي بالشيعة إلى جعل مخالفة أهل السنة هي القاعدة.
المصادر والمراجع
- ^ المفيد : شرح عقائد الصدوق ص 66.
- ^ «عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان أبي عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال ، وكان يتقيهم ، وأنا لا أتقيهم ، وهو حرام ما قتل» فروع الكافي 6 : 208 / 8 كتاب الصيد باب صيد البزاة والصقور . ومن لا يحضره الفقيه 3 : 204 / 932. وتهذيب الأحكام 9 : 32 / 129 . والاستبصار 4 : 72 / 265 .
- ^ وقد وردت بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر تقية في مصادر الشيعة :«ان سلمان عرض في قلبه عارض الشك والا عتراض أن أمير المؤمنين عنده الاسم الاعظم فليته يدعو الله عزوجل به عليهم ، فاذا القوم قد هجموا عليه فلببوه ووجاؤا عنقه يجرونه إلى أبي بكر للبيعة وهو ممتنع منها حتى تركوا عنقه الموجوء ... فمر به أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد اطلعه الله عزوجل على ما قد خالجه في سره وعرض له في قلبه، فقال له : يا أبا عبدالله هذا من ذاك بايعهم على التقية ، وكن بقضاء الله وقدره من الراضين، ولا تكونن عن سر القدر من الغافلين ، ولا على ما جف به القلم في القضاء الاول من المعترضين ، فرضي سلمان وسارع وسمع وأطاع وبايع».اختيار معرفة الرجال ج1
- ^ تهذيب الأحكام ج1 ص59
- ^ فروع الكافي 6 : 208 / 8 كتاب الصيد باب صيد البزاة والصقور . ومن لا يحضره الفقيه 3 : 204 / 932. وتهذيب الأحكام 9 : 32 / 129 . والاستبصار 4 : 72 / 265 .
- ^ وسائل الشيعة (18/84) للعلامة الشيعي العاملي
- ^ «الخاصة وهذا يطلقه أصحابنا على انفسنا مقابل العامة الذين يسمونه بأهل السنة» . أعيان الشيعة 1/21
- ^ وسائل الشيعة (18/85-86) للحر العاملي
- ^ «الخاصة وهذا يطلقه أصحابنا على انفسنا مقابل العامة الذين يسمونه بأهل السنة» . أعيان الشيعة 1/21
- ^ عيون أخبار الرضا 1/275
- ^ بحار الأنوار72/421
- ^ مستدرك الوسائل12/254 181
- ^ فقيه من لا يحضره الفقيه2/80
- ^ السرائر للحلي3/582
- ^ وسائل الشيعة16/211
- ^ مجمع الفائدة5/127 للأردبيلي المكاسب المحرمة2/144 كتاب الطهارة4/255 للخوئي بحار الأنوار50
- ^ كتاب الحج5/153 للخوئي
- ^ كتاب أصول الكافي للكليني 2/217 ، والوسائل للعاملي 11/460 .
- ^ كتاب أصول الكافي للكليني 2/217 ، والوسائل للعاملي 11/460.
- ^ أصول الكافي 2 : 219 / 12 ، باب التقية .
- ^ فتح الباري12/314
- ^ فقه الإيمان والعمل الصالح ص 520
- ^ فتح الباري ج12/ص317.
- ^ بحار الأنوار72/421
- ^ مستدرك الوسائل12/254 181
- ^ كتاب الحج5/153 للخوئي
- ^ كتاب أصول الكافي للكليني 2/217 ، والوسائل للعاملي 11/460 .
- ^ كتاب أصول الكافي للكليني 2/217 ، والوسائل للعاملي 11/460 .
- ^ «والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم ، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة»
- ^ وسائل الشيعة للعاملي 11/460
- ^ أصول الشيعة الاثني عشرية ج2 من 978
- ^ وقد وردت بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر تقية في مصادر الشيعة :«ان سلمان عرض في قلبه عارض الشك والا عتراض أن أمير المؤمنين عنده الاسم الاعظم فليته يدعو الله عزوجل به عليهم ، فاذا القوم قد هجموا عليه فلببوه ووجاؤا عنقه يجرونه إلى أبي بكر للبيعة وهو ممتنع منها حتى تركوا عنقه الموجوء ... فمر به أمير المؤمنين عليه السلام، وقد اطلعه الله عزوجل على ما قد خالجه في سره وعرض له في قلبه، فقال له : يا أبا عبدالله هذا من ذاك بايعهم على التقية ، وكن بقضاء الله وقدره من الراضين، ولا تكونن عن سر القدر من الغافلين ، ولا على ما جف به القلم في القضاء الاول من المعترضين ، فرضي سلمان وسارع وسمع وأطاع وبايع».اختيار معرفة الرجال ج1
- ^ «بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبازائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه» تهذيب الأحكام 1/2 للعلامة الشيعي الطوسي
- ^ «والخبر الذي رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن شعيب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن مسح الرأس قلت أمسح بما في يدي من الندا رأسي؟ قال: لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح ... فهذه الاخبار وردت للتقية وعلى ما يوافق مذهب المخالفين، والذي يدل على ذلك ما قدمنا ذكره من الاخبار وتضمنها نفي تناول الماء للمسح ولا يجوز التناقض في أقوالهم وأفعالهم» تهذيب الأحكام ج1 ص59
- ^ بحار الأنوار (2/2:52)
- ^ عيون أخبار الرضا 1/275