علي بن محمد الهادي عاشر أئمة الشيعة الإثنا عشرية.
فهرس
|
هو علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب.
كان علي الهادي قدوة في الاخلاق والزهد والعلم. كرس حياته لخدمة الدين، وقد لاقى الكثير من المضايقات من قبل خلفاء بني العباس. تم استدعائه من المدينة إلى سامراء بالعراق عاصمة الخلافة العباسية حيث اغتيل مسموما في 3 رجب 254 هجرية.
• جده: علي بن موسى الرضا.
• أبوه: محمد الجواد.
• أمه: سمانة المغربية.
• ولادته: ولد بصربا، قرية في نواحي المدينة، في منتصف ذي الحجة سنة 212.
• كنيته: أبو الحسن.
• ألقابه: النقي، الهادي، النجيب، المرتضى، العالم، المتقي، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوكل، العسكري الناصح.
• نقش خاتمه: الله ربي وهو عصمتي من خلفه.
• زوجته: سليل.
• أولاده: الحسن العسكري، الحسين، محمد، جعفر، عليّة.
• حفيده: محمد بن الحسن.
• مجيئة إلى سر من رأى: استقدمه المتوكل العباسي إليها، فمكث فيها عشرين سنة وتسعة أشهر.
• شعراؤه: العوفي، الديلمي، محمد بن إسماعيل الصيمري، أبو تمام الطائي، أبو الغوث أسلم بن مهوز المنبجي، أبو هاشم الجعفري، الحماني.
• بوابه: عثمان بن سعيد، وابنه محمد بن عثمان..
• ملوك عصره: المعتصم، الواثق، المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز.
• وفاته: توفي يوم الإثنين الثالث من رجب سنة 254
• قبره: دفن في داره بسر من رأى ـ سامراء ـ
• مدة إمامته: 34 سنة.
• عمره: 42 سنة.
وُلد الإمام الهادي في نواحي المدينة المنورة، في قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر تسمى: صرّيا.
وطبقا لروايات الشيعة فقد بشر رسول الله بولادة الإمام الهادي بقوله: (... وأن الله ركب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية، بارة مباركة، طيبة طاهرة، سقاها عنده علي بن محمد، فألبسها السكينة والوقار، وأودعها العلوم وكل سرٍ مكتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذّره من عدوه...).
وقد اختلف المحدثون في تاريخ ولادته: فقيل: وُلد في شهر رجب، ويؤيد هذا القول، الدعاء المروي عن الإمام الثاني عشر(اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب: محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب..).
وذكر بان عياش إن ولادته كانت في الثاني من شهر رجب، أو الخامس منه، وقيل: (في الليلة الثالثة عشرة منه، سنة 214هـ، وقيل: 212هـ.
وقيل: كانت ولادته في النصف من ذي الحجة، أو السابع والعشرين منه.
بقي الإمام في المدينة بقية خلافة المعتصم وأيام خلافة الواثق، حيث اشتهرت مكارمه في الآفاق، فلما ملك المتوكل، خشي منه القيام ضده فاستقدمه، ليكون قريباً منه يراقبه ويسهل الضغط عليه.
ويبدو أنه لم يستقدمه إلا بعد أن توالت عليه الرسائل من الحجاز تخبره بأن الناس في الحرمين يميلون إليه، وكانت زوجة المتوكل التي يبدو أنه أرسلها لاستخبار الأمر ممن بعثوا الرسائل.
ويبدو من طريقة استقدام الإمام أن المتوكل كان شديد الحذر في الأمر، حيث بعث بسرية كاملة من سامراء إلى المدينة لتحقيق هذا الأمر.
وقد كتب المتوكل إلى الإمام رسالة رقيقة جاء فيها: "فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة الرسول إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك، واستخفافه بقدرك، وعندما قرنك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك وبرّك وقولك وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وأمره بإكرامك وتبجليك والانتهاء إلى أمرك ورأيك، والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك. وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إلى وجهك".
وعندما نزل الإمام مدينة سامراء أراد المتوكل النيل من شخصيته عند الناس فأمر أن يسكن دار الصعاليك لمدة أيام ثلاث، قبل أن يدخل عليه.
والمتوكل العباسي المعروف بشدَّة بطشه وبغضه لأهل البيت، وإرهابه ضد الشيعة، أراد أن يبقى أعظم وأقوى معارضيه قريباً منه حتى يسهل عليه القضاء عليه أنى شاء. إلا أن الإمامأخذ ينفذ إلى عمق سلطته، ويمد نفوذه إلى أقرب أنصاره،
ولعل القصة التالية تعكس جانباً من تأثير الإمام في بلاط العباسيين:
(مرض المتوكل من خراج خرج به، فأشرف منه على التلف، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها). وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك، قال: ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع، فقال: خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد، وضعوه على الخراج فإنه نافع بإذن الله. فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة ما قال فوالله إني لأرجو الصلاح به، فأحضر الكسب، وديف بماء الورد ووضع على الخراج، فانفتح وخرج ما كان فيه، وبشرت أم المتوكل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن () عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقل المتوكل في علته.
روايات منقولة من مصادر شيعية
• روى عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري () جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إلى الزرافي وكان حاجباً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خير أيها الأستاذ، فقال: أقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر، وقلت: أخطأت في المجيء. ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخبر ما فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين، فقال: أسكت! مولاك هو الحق، فلا تحتشمني فإني على مذهبك، فقلت: الحمد لله. قال: أتحب أن تراه؟ قلت: نعم، قال: أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال الغلام له: خذ بيد الصغر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، وخل بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذائه قبر محفور، قال: فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إليّ فقال: يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله.
• قال أبو عبد الله الزيادي: لما سمَّ المتوكل، نذر لله إنّ رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي اختلف الفقهاء في المال الكثير فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك؟ قال: عشرة آلاف درهم وإلاّ ضربتك مائة مقرعة قال: قد رضيت فأتى أبا الحسن () فسأله عن ذلك فقال: قل له: يتصدق بثمانين درهماً فأخبر المتوكل فسأله: ما العلة؟ فأتاه فسأله قال: إن الله قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): (لقدْ نَصركمُ الله في مواطن كثيرةٍ) فعددنا مواطن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبلغت ثمانين مواطناً، فرجع إليه فأخبره ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم. وهكذا كان الإمام () يحل المعضلات فيزداد الناس إيماناً به، ومعرفة بمقامه وبمدى جهالة خصمه المتوكل، فكثيراً ما كان المتوكل يوعز إلى بعض أصحابه بأن يسألوا الإمام أسئلة صعبة لعله يتوقف فيها، فمثلاً قال المتوكل لابن السكيت: سل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى () بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً بالقرآن والسيف؟ فقال أبو الحسن (): بعث الله موسى () بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم، وأثبت الحجة عليهم، وبعث عيسى () بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم، وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجة به عليهم. فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟ قال: (العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب). وقد كان ابن السكيت هذا عالماً كبيراً في النحو والشعر واللغة وقالوا عن كتابه (المنطق) أنه أفضل كتاب في اللغة كتبه علماء بغداد، وكان المتوكل قد عهد إليه بتربية ابنيه المعتز والمؤيد، فسأله يوماً أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فقال ابن السكيت: والله إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل للأتراك: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات (رضوان الله عليه). وفي بعض أيام الربيع حيث كان الجو صحواً وحاراً خرج الناس في مناسبة رسمية صائفين، وخرج الإمام الهادي () في ثياب شتوية فلما توسطوا الصحراء خرجت عليهم سحابة ممطرة وفاضت عليهم الوديان ولم يسلم من أذى المطر والطين إلاّ الإمام فاهتدى إليه وإلى علمه الكثير من الناس. وهكذا تكيف الإمام () مع الواقع المر لعهد المتوكل حتى استفاد منه إيجابياً لمصلحة الدعوة الإلهية، وذلك بحكمته الرشيدة وباستقامته وصبره في الله. ولكن المتوكل عقد العزم على الإيقاع به في أيامه الأخيرة فلم يأذن له الله بذلك بل أطيح به في انقلاب دموي. فقد جاء في الجزامة: لما حبس المتوكل أبا الحسن ()، ودفعه إلى علي بن كركر قال أبو الحسن: أنا أكرم على الله من ناقة صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيامٍ ذلك وعدٌ غير مكذوب) فلما كان من الغد أطلقه واعتقد إليه، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز وتاشى ومعطوف فقتلوه وأعقدوا المنتصر ولده خليفة. ولعل المتوكل اعتقل الإمام أكثر من مرة ولكن الله أنقذه من شره، ولعله كان يخشى كل مرة من ثورة جماهيرية عارمة ضده بالإضافة إلى أنه لم يجد مبرراً للقضاء على الإمام مع أنه كان يعرف أن في أصحابه من يتشيع له. فمثلاً عندما سعى البطحاني إلى المتوكل وكان من أولاد أبي طالب ولكنه يتشيع للبيت العباسي، وقال له أن عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب وأمره أن يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه. فقال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن () بالليل، ومعي سلّم، فصعدت منه إلى السطح، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن () من الدار: (يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة). فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت ووجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي: (دونك بالبيوت). فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها، فقال أبو الحسن (): دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك وصرت إليه. فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمك على الكيس ما حركها. وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة دينار، فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه، فحملت ذلك إليه واستحييت منه، وقلت: يا سيدي عزَّ علي دخول دارك بغير إذنك، ولكني مأمور به، فقال لي: (سيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون). والواقع أن الشيعة كانوا يحملون إلى الإمام الأموال ولكنهم كانوا قد أتقنوا أساليب الكتمان، وكانت لديهم عناصرهم في البلاط العباسي مما يجعلهم عارفين بمواقع الخطر وكيفية اجتنابها، والحديث التالي يكشف لنا جانباً من ذلك.
• فعن المنصوري، عن عم أبيه قال: دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت: يا سيدي ما شربته قط، قال: أنت تشرب مع علي بن محمد، قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا يضره ولم أعد ذلك عليه. قال: فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجيء من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له فقل لي من أي طريق يجيء حتى أجتنبه، فجئت إلى الإمام علي بن محمد فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي: لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى لِمْ لمْ تعد الرسالة الأولى؟ فقلت: أجللتك يا سيدي، فقال لي: المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي.
ما اكتفى العباسيون بما قاموا به تجاه الإمام الهادي، حتى دسوا إليه السم، وقتلوه –مسوماً- في جو من الكتمان والخفاء لأنهم كانوا يعلمون مدى تعلق قلوب الناس به.
ولهذا لم يتجرأوا أن يقتلوا الإمام علناً خوفاً من الهياج العام، فاختاروا هذه الطريقة.
ولهذا ذكر المؤرخون أن الإمام الهادي قضى نحبه مسموماً، وإليك بعض تلك المصادر التاريخية التي تصرّح بذلك:
المسعودي في (مروج الذهب): وقيل: إنه مات مسموماً.
الشبلنجي في (نور الأبصار): يقال: إنه مات مسموماً.
ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة): .. لأنه يُقال: إنه كان مات مسموماً.
الطبري في (دلائل الإمامة): ...وفي آخر ملكه (المعتز) استشهد ولي الله... مسموماً.. الخ.
قال المسعودي:
"حدثنا جماعة، كل واحدٍ منهم يحكي: أنه دخل الدار (دار الإمام الهادي) يوم وفاته، وقد اجتمع فيها جلة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة، ولم يكن ظَهَرَ عندهم أمر أبي محمد () ولا عرف خبره إلا الثقات الذين نصَّ أبو الحسن () عندهم عليه. فحكوا: أنهم كانوا في مصيبة وحيرة، فهُم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم، فصاحَ بخادم آخر: يا رياش خذ هذه الرقعة وامضِ بها إلى دار أمير المؤمنين وادفعها إلى فلان، وقل له:هذه رقعة الحسن بن علي. فاستشرف الناس لذلك، ثم فُتِحَ من صدر الرواق باب، وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمد () حاسراً، مكشوف الرأس، مشقوق الثياب، وعليه مبطنة بيضاء، وكأن وجهه وجه أبيه () لا يخطيء منه شيئاً. وكان في الدار أولاد المتوكل، وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلا قام على رجليه، ووثب إليه أبو محمد () فقصده أبو محمد (العسكري ) فعانقه، ثم قال له: مرحباً بابن العم. وجلس بين بابي الرواق، والناس كلهم بين يديه. وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج (الحسن العسكري) أمسك الناس، فما كنا نسمع إلا العطسة والسعلة. وخرجت جارية تندب أبا الحسن (الهادي ) فقال أبو محمد (): ما ههنا من يكفي مؤنة هذه الجاهلة. فبادر الشيعة إليها، فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذ اء أبي محمد () فنهض () وأخرجت الجنازة، وخرج يمشي حتى أخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا. وكان أبو محمد (الحسن) صلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس، وصلى عليه لما أُخرج المعتمد، ثم دفن في دارٍ من دُوره. واشتد الحرُّ على أبي محمد (ع) وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه. فصار في طريقه إلى دكان لبقال، رآه مرشوشاً، فسلم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس، ووقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شاب حَسَن الوجه، نظيف الكسوة، على بغلة شهباء فنزل عنها، وسأله أن يركبها، فركب حتى أتى الدار ونزل. وخرج في تلك العشية إلى الناس ما كان يخرج عن أبي الحسن (الهادي ) حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص. وتكلّمت الشيعة في شق ثيابه، وقال بعضهم: أرأيتم أحداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال؟. فوقّع إلى مَن قال ذلك: يا أحمق ما يُدريك ما هذا؟ قد شقَّ موسى على هارون ()؟."
اختلف المؤرخون في تاريخ وفاة الإمام الهادي ومدة عمره ولكن المشهور الذي عليه عمل الشيعة هو اليوم الثالث من شهر رجب سنة مائتين وأربع وخمسين من الهجرة، وقيل في أواخر جمادى الثانية الخامس والعشرين أو السادس والعشرين أو السابع والعشرين من تلك السنة.
وعلى كل تقدير، فإن في اليوم الثالث من شهر رجب من كل سنة تقام مجالس العزاء في أكثر البلاد الشيعية، المثقفة بالثقافة الدينية، وتُذكر فيها مآثر الإمام وترجمة حياته المباركة المليئة بالمكرمات، المشفوعة بأنواع الضغط والاضطهاد، وتخرج مواكب العزاء حداداً ينشدون أناشيد الحزن والعزاء، تخليداً لهذه الذكرى المؤلمة، وتعظيماً للشعائر الدينية.
ذكر اليعقوبي: أن اجتماع الناس في دار الإمام الهادي وخارجها كان عظيماً جداً، ولم تتسع الدار لإقامة الصلاة على جثمان الإمام، ولهذا تقرر أن يخرجوا الجثمان المقدس إلى الشارع المعروف بشارع أبي أحمد وهو من أطول شوارع سامراء وأعرضها، حتى يسع المكان لأداء الصلاة.
فلما أخرجوا الجثمان الأطهر ارتفعت أصوات الناس بالبكاء والضجيج.
وكان أبو أحمد بن هارون الرشيد، المبعوث من قبل المعتز العباسي للصلاة على جثمان الإمام لما رأى اجتماع الناي وضجتهم أمرَ بردِّ النعش إلى الدار حتى يدفن هناك.
كل ذلك لمنع الناس من مراسم التشييع والتجليل عن جثمان الإمام وخوفاً من هياج عواطف الناس، وتعبيرهم عن ولائهم للإمام.
فإن المعتز العباسي الذي دسَّ السم عن طريق عملائه إلى الإمام الهادي وقضى على حياة الإمام لما رأى أن هدفه قد تحقق، وأن الإمام فارق الحياة، أرسل المعتز أولاده إلى دار الإمام، وكأنهم يشاركون أولاد الإمام في مصيبة أبيهم.
قبله: محمد الجواد |
أئمة الشيعة الإثناعشرية 835–868 |
بعده: الحسن العسكري |