الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الخامسة عشر

كتاب الدماء والقصاص والديات

2051 - مسألة: في اللسان

قد ذكرنا الأثر في ذلك وأنه لا يصح : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى أبو بكر الصديق رضي الله عنه في اللسان إذا قطع بالدية -إذا نزع من أصله- فإن قطع من أسلته فتكلم صاحبه : ففيه نصف الدية.

وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قال : قضى أبو بكر في اللسان إذا قطع الدية , فإن قطعت أسلته فبين بعض الكلام ولم يبين بعضه فنصف الدية.

وبه إلى عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : في اللسان إذا استؤصل دية كاملة , وما أصيب من اللسان فبلغ أن يمنع الكلام ففيه الدية كاملة.

ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : في اللسان الدية وعن إبراهيم النخعي مثل ذلك وعن سليمان بن موسى ، أنه قال في كتاب عمر بن عبد العزيز في الأجناد ما قطع من اللسان فبلغ أن يمنع الكلام كله ففيه الدية كاملة , وما نقص دون ذلك فبحسابه. وعن مجاهد قال : في اللسان الدية كاملة فإن قطعت أسلته فتبين بعض الكلام , فإنه بحسبه بالحروف إن بين نصف الحروف : فنصف الدية وإن بين الثلث : فثلث الدية. وعن ابن جريج قال : قلت لعطاء : اللسان يقطع كله , قال : الدية , قلت : فقطع منه ما يذهب الكلام , ويبقى من اللسان , قال : ما أرى إلا أن فيه الدية إذا ذهب الكلام. وعن ابن جريج أخبرني ابن أبي نجيح أن اللسان إذا قطع منه ما يذهب الكلام : أن فيه الدية , قلت : عمن قال : هو قول القياس , قال : فإن ذهب بعض الكلام وبقي بعض : فبحساب الكلام والكلام من ثمانية وعشرين حرفا , قلت : عمن قال : لا أدري.

قال أبو محمد : وبإيجاب الدية في اللسان وفي الكلام يقول أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد , وأصحابهم.

وأما الأثر في ذلك فلا يصح.

وأما الرواية عن أبي بكر , وعمر رضي الله عنهما فإن صححوها : فرواية أبي بكر قد خالفوها , لأنه رضي الله عنه جعل في ذهاب أسلة اللسان نصف الدية. ومثل هذا لا يجوز أن يقطع فيه على أنه إجماع , إذ ليس فيه إلا أثران عن أبي بكر , وعمر منقطعان وثالث عن علي , وهم قد خالفوا أضعاف هذا في غير ما موضع. من ذلك قول عمر , وابن عباس , في العين العوراء , واليد الشلاء. وقول علي في السمحاق , وقول أبي بكر , وعمر , وغيرهما , في القود من اللطمة , وغير ذلك كثير جدا , فالواجب أن لا يجب في اللسان إذا كان عمدا إلا القود أو المفاداة , لأنه جرح , ولا مزيد

وأما الخطأ فمرفوع بنص القرآن وبالله تعالى التوفيق.


2052 - مسألة: في لسان الأعجم والأخرس

قال أبو محمد : حدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا ابن الجهم ، حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج عن قتادة قال : في لسان الأخرس الثلث مما في لسان الصحيح. حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن رجل عن مكحول قال : قضى عمر بن الخطاب في لسان الأخرس يستأصل بثلث الدية.

وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في لسان الأعجمي ثلث الدية

وهو قول ابن شبرمة وقد روي عن إبراهيم النخعي أن فيه الدية كلها.

وقال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأصحابهم : ليس فيه إلا حكومة.

قال أبو محمد : وهذا مما خالفوا فيه الرواية عن عمر التي يحتجون بأضعف منها إذا وافق آراءهم ، ولا يروى في ذلك عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خلاف لما جاء فيه عن عمر , وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم.

قال علي : لسان الأخرس كغيره , والألم واحد , والقود واجب , لقول الله تعالى {والحرمات قصاص} أو المفاداة , وكذلك لسان الصغير وبالله تعالى التوفيق.


2053 - مسألة: فيمن قطع يدا فيها أكلة , أو قلع ضرسا وجعة , أو متأكلة بغير إذن صاحبها

قال أبو محمد : قال الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وقال تعالى : {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. فالواجب استعمال هذين النصين من كلام الله تعالى , فينظر , فإن قامت بينة , أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها برء , ولا توقف , وأنها مهلكة ، ولا بد , ولا دواء لها إلا القطع , فلا شيء على القاطع , وقد أحسن , لأنه دواء , وقد أمر رسول الله ﷺ بالمداواة. وهكذا القول في الضرس إذا كان شديد الألم قاطعا به عن صلاته , ومصالح أموره , فهذا تعاون على البر والتقوى. حدثنا محمد بن عمر العذري ، حدثنا أبو ذر الهروي ، حدثنا عبد الله بن محمد الصيدلاني ببلخ ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا وكيع عن مسعر بن كدام وسفيان الثوري عن زياد بن علاقة عن يحيى بن أسامة بن شريك قال : قال رسول الله ﷺ : تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء , غير داء واحد قالوا : وما هو يا رسول الله قال : الهرم.

قال علي : فمن داوى أخاه المسلم كما أمره الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام فقد أحسن , قال الله تعالى {ما على المحسنين من سبيل}.

وأما إذا كان يرجى للأكلة برء أو توقف , وكان الضرس تتوقف أحيانا , ولا يقطع شغله عن صلاته , ومصالح أموره , فعلى القاطع والقالع : القود , لأنه حينئذ متعد , وقد أمر الله تعالى بالقصاص في القود.

2054 - مسألة: البحح والغنم والصعر والحدب

قال أبو محمد : البحح هو خشونة تعرض من فضل نازل في أنابيب الرئة , فلا يتبين الكلام كل البيان وقد يزيد حتى لا يتبين أصلا والغنن هو خروج الكلام من المنخرين. والصعر هو ميل الوجه كله إلى ناحية واحدة بانفتال ظاهر. والحدب تقوس , وإنحاء في فقرات الصلب , أو فقرات الصدر , وقد يجتمعان معا , وقد يعرض للكبير كما يعرض للصغير نسأل الله العافية.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا الحجاج عن مكحول أن زيد بن ثابت قال : في الحدب الدية كاملة , وفي البحح الدية كاملة وفي الصعر نصف الدية , وفي الغنن بقدر ما غنن. حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن غير واحد عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال : في الصعر إذا لم يلتفت الدية كاملة.

وبه إلى عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : قال عمر بن عبد العزيز في الصعر إذا لم يلتفت الرجل إلا منحرفا نصف الدية خمسمائة دينار .

وبه يقول معمر.

وقال أحمد بن حنبل : في الصعر الدية.

قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي : ليس في ذلك إلا حكومة وهذا مما خالفوا فيه الرواية عن زيد بن ثابت , ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلافه. أما نحن فنقول وبالله تعالى التوفيق إنه إن حدث كل ذلك من ضرب عمد اقتص بمثل ذلك بالغا ما بلغ , فإن حدث مثل ذلك , وإلا فلا شيء على الجاني أكثر من أن يعتدى عليه بمثل ما اعتدى ، ولا يجوز أن يعتدى عليه بما لم يعتد هو به ولو قدرنا على أن نبلغه حيث بلغه هو بظلمه لفعلنا , ولكن إذ عجزنا عن ذلك فقد سقط عنا ما لا يقدر عليه. لقول الله تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. ولقول رسول الله ﷺ : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بالقصاص جملة.

2055 - مسألة: في الظفر

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال : في الظفر إذا أعور بعير , وإذا ثبت : فخمسا بعير , وفي كل مفصل من مفاصل الأصبع إذا انكسر ثم انجبر : ثلثا بعير , وفي قصبة الأنف إذا انكسرت ثم انجبرت : ثلاثة أبعرة. وعن ابن عباس ، أنه قال : في الظفر إذا أعور : خمس دية الأصبع..

وبه يقول أحمد بن حنبل , وإسحاق.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر , وابن جريج , قال معمر : عن رجل عن عكرمة , وقال ابن جريج : عن عمرو بن شعيب , ثم اتفق عكرمة , وعمرو : أن عمر بن الخطاب قال : في الظفر إذا اعرنجم وفسد : قلوص.

وبه إلى ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز : أن عمر بن عبد العزيز اجتمع له في الظفر إذا نزع فعر أو سقط أو اسود : العشر من الدية عشرة دنانير.

قال أبو محمد : هذا القلوص على أصلهم , لأنه عشر دية الأصبع من الإبل.

وبه إلى عبد الرزاق قال : قال الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت في الظفر يقلع إن خرج أسود أو لم يخرج : ففيه عشرة دنانير , وإن خرج أبيض خمسة دنانير. وعن مجاهد ، أنه قال : إن اسود الظفر أو اعور : فناقة. وعن مجاهد أنه كان يقول : إن لم ينبت الظفر : فناقة.

ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج ، حدثنا محمد بن الحارث بن سفيان عن أذينة أنه كان يقول : في الظفر إذا طرحت , فلم تنبت : بنت مخاض , فإن لم يكن : فابن لبون. وعن عطاء قال : سمعت في الظفر شيئا لا أدري ما هو

وقال مالك , والشافعي : فيه حكومة.

قال علي : وما نعلم أحدا قبل مالك روي عنه القول بالحكومة هاهنا.

وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ فإذ لا نص في هذا , ولا إجماع : فلا شيء فيه إلا القود في العمد فقط , أو المفاداة , فإنه جرح

وأما في الخطأ فلا شيء فيه وبالله تعالى التوفيق.

2056 - مسألة: في الشفتين

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة أنا الحجاج بن مكحول عن زيد بن ثابت قال : في الحاجب ثلث الدية , وفي الشفة العليا ثلث الدية , وفي الشفة السفلى ثلثا الدية , لأنها ترد الطعام والشراب. وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى أبو بكر في الشفتين الدية مائة من الإبل.

ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : في إحدى الشفتين النصف يعني : نصف الدية.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : الشفتان قال : خمسون من الإبل.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : في إحدى الشفتين نصف الدية.

وروينا أيضا عن الشعبي , وعن مجاهد قال : الشفتان سواء , وإنما تفضل السفلى في الإبل.

قال علي : هذا مكان اختلف فيه علي , وزيد , كما أوردنا , ولا يصح في الشفتين نص , ولا إجماع أصلا , ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ والأموال محرمة. وأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , قد خالفوا هاهنا زيد بن ثابت وخالفوا في كثير من الأبواب المتقدمة : صحابة لا يعرف لهم مخالف منهم بلا حجة , من قرآن ، ولا من سنة , ولا من إجماع , فالواجب في الشفتين : القود في العمد , أو المفاداة , لأنه جرح.

وأما في الخطأ فلا شيء , لرفع الجناح عن المخطئ , وتحريم الأموال إلا بنص , أو إجماع وبالله تعالى التوفيق.


2057- مسألة: في السمع

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن عوف قال : سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته , فقالوا : ذاك أبو المهلب عم أبي قلابة قال : رمى رجل رجلا بحجر في رأسه , فذهب سمعه , ولسانه , وعقله , ويبس ذكره فقضى فيه عمر بن الخطاب بأربع ديات.

قال علي : ليس عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، شيء في السمع غير هذا , وهو لا يصح , لأن أبا المهلب لم يدرك عمر أصلا , ولا في السمع أثر عن النبي ﷺ لا صحيح ، ولا سقيم , ولا يعرف فيه إيجاب الدية عن أحد من التابعين , إلا قتادة وحده وقد خالفه غيره. كما حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، عن ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : في ذهاب السمع خمسون.

وبه إلى ابن جريج عن عطاء قال : لم يبلغني في السمع شيء وإنما جاء عن عمر بن عبد العزيز , وإبراهيم النخعي , وابن علاثة : اختيار دعواه في أنه ذهب سمعه فقط , لا إيجاب دية أصلا , ونذكره لئلا يموه به مموه :

كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : ما اجتمع عليه لعمر بن عبد العزيز أن قال : لا أسمع في شيء يصاب به , عمم به فاه , ومنخريه , فإن سمع صرير في الأذن فلا بأس. وجاء إلى عمر بن عبد العزيز رجل فقال : ضربني فلان حتى صمت إحدى أذني , فقال له : كيف تعلم ذلك قال : ادع الأطبة فدعاهم , فشموها , فقالوا للصماء : هذه الصماء.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال : بلغني عن إبراهيم , وغيره قال : يختبر , فينظر هل يسمع أم لا وعن عبد الرزاق عن معمر سألت ابن علاثة القاضي قلت : الرجل يدعي على الرجل أنه أصمه من ضربه , كيف له أن يعلم ذلك قال : يلتمس غفلاته فإن قدر على شيء وإلا استحلف ثم أعطي , فإن ادعى صمما في إحدى أذنيه دون الأخرى , فإنه بلغني أنه تحشى التي لم تصم , وتلتمس غفلاته.

وقال أبو حنيفة ومالك , والشافعي , وأصحابهم : في ذهاب السمع الدية وهذا لا نص فيه , ولا إجماع , لصحة وجود الخلاف كما ذكرنا ,

وقال أبو حنيفة : في ذهاب الشم الدية.

قال أبو محمد : وهذا إيجاب شريعة والشرائع لا يوجبها إلا الله تعالى في القرآن , أو على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فلا شيء في ذهاب السمع بالخطأ , لأن الأموال محرمة , إلا بنص أو إجماع.

وأما في العمد , فإن أمكن القصاص منه بمثل ما ضرب فواجب , ويصب في أذنه ما يبطل سمعه , مما يؤمن معه موته , فهذا هو القصاص.


2058 - مسألة: الأذن

قد ذكرنا في صحيفة ابن حزم وحديث مكحول : في الأذنين الدية , وجاء في ذلك عن السلف : وقد

روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاووس عن أبيه أن أبا بكر الصديق قضى في الأذن بخمس عشرة فريضة ولم يقض فيها أحد قبله , وقال : يواريها الشعر والعمامة والقلنسوة.

وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة أن أبا بكر الصديق قضى في الأذن خمسة عشر من الإبل , وقال : إنما هو شيء لا يضر سمعا , ولا ينقص قوة يغيبها الشعر والعمامة. وبه إلى معمر عن قتادة قال : إذا قطعت الأذن قضى فيها أبو بكر بخمسة عشر من الإبل فهذا قول. وعن عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاووس عن أبيه أن عمر بن الخطاب قضى في الأذن إذا استؤصلت بنصف الدية قال عبد الرزاق : والناس عليه.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى عمر بن الخطاب في الأذن بنصف الدية , أو عدل ذلك من الذهب والورق.

ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في الأنف الدية , وفي اللسان الدية , وفي الذكر الدية , وفي العين النصف , وفي الأذن النصف , وفي اليد النصف , وفي الرجل النصف , وفي إحدى الشفتين النصف. وعن الشعبي عن شريح قال : في الأذن نصف الدية.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قال عطاء في الأذن إذا استؤصلت خمسون من الإبل. وعن مجاهد إذا استؤصلت : نصف الدية.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن علقمة بن قيس قال : قال ابن مسعود : كل زوجين ففيهما الدية , وكل واحد ففيه الدية.

وبه يقول إبراهيم النخعي , وأبو حنيفة , ومالك , الشافعي , وأحمد وأصحابهم :

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحيم ، هو ابن سليمان وعبيد الله بن نمير كلاهما عن حجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال : في شحمة الأذن ثلث دية الأذن

قال أبو محمد : وعهدنا بالمالكيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم , وهم هاهنا قد خالفوا أبا بكر , وعمر , وعلي بن أبي طالب , وابن مسعود وزيد بن ثابت فلم يقولوا بشيء مما روي عنهم , ونقضوا أصولهم. وإنما أوردنا هذا لئلا يقولوا لنا : إنما عنى هؤلاء الذين جاءت عنهم هذه الروايات بالأذن السمع , فإنهم كثيرا ما يقتحمون مثل هذا فأريناهم ما لا عمل لهم به. ويقال لهم : الذي روي عن علي في الأنف الدية , لعله أيضا إنما عنى الشم فقط , لا الأنف الظاهر والرواية عن زيد في شحمة الأذن تبطل تأويلكم هذا.

قال علي : وأما نحن فلا حجة عندنا إلا في كلام الله تعالى , أو كلام رسول الله ﷺ أو إجماع متيقن لا مدخل للشك فيه , وليس هاهنا شيء من ذلك , فلا شيء في الأذنين إلا القود , أو المفاداة في العمد , لأنه جرح ، ولا شيء في الخطأ في ذلك لما ذكرنا.

2059 - مسألة: الذكر والأنثيين

قد ذكرنا ما جاء في ذلك في صحيفة عمرو بن حزم وصحيفة عمرو بن شعيب , وخبر مكحول , ورجل من آل عمر , وأن كل ذلك لا يصح منه شيء ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى ما جاء في ذلك عن السلف الطيب ، رضي الله عنهم ، : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في الذكر الدية , ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع عن سفيان عن عوف عن شيخ عن عمر مثله

وبه إلى وكيع ، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي في إحدى البيضتين النصف , وبه وإلى وكيع ، حدثنا سفيان عن عوف قال : سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته , فقالوا : ذاك أبو المهلب عم أبي قلابة قال : رمى رجل رجلا بحجر في رأسه فذهب سمعه لسانه وعقله ويبس ذكره فقضى عمر في ذلك بأربع ديات ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى أبو بكر في ذكر رجل مائة من الإبل.

وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه قضى في الحشفة بالدية كاملة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب أنه حكم في البيضة يصاب صافنها الأعلى بسدس الدية. وعن مكحول يقول : قضى عمر في اليد الشلاء , ولسان الأخرس , وذكر الخصي يستأصل بثلث الدية. وعن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن امرأة أخذت بأنثيي زوجها فجبذته فخرقت الجلد ولم تخرق الصفاق فقضى عليها بسدس الدية

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن فضيل عن ليث عن عمرو بن شعيب قال : كتب إلى عمر بن الخطاب في امرأة أخذت بأنثيي زوجها فخرقت الجلد ولم تخرق الصفاق , فقال عمر لأصحابه : ما ترون في هذا قالوا : اجعلها في منزلة الجائفة. قال عمر : لكني أرى غير ذلك , أرى أن فيها نصف ما في الجائفة. وعن ابن مسعود قال : كل زوجين ففيهما الدية , وكل واحد ففيه الدية. وعن الشعبي ، عن ابن مسعود قال : الأنثيان سواء. وعن زيد بن ثابت : البيضتان سواء

وأما التابعون : فروينا من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب , قال : في البيضة اليمنى ثلث الدية , وفي اليسرى ثلثا الدية , لأن الولد يكون منها وعن الشعبي عن مسروق قال : البيضتان سواء , ففيهما الدية. وعن إبراهيم النخعي : في الحشفة الدية. وعن طاووس : في الذكر الدية. وعن عطاء ، أنه قال : في الحشفة الدية إذا أصيبت قلت : فاستؤصل الذكر قال : فالدية , قلت : أرأيت إن استؤصلت الحشفة ثم أصيب شيء مما بقي بعد قال : جرح يرافيه , قلت : فذكر الذي لا يأتي النساء قال : مثل ما في ذكر الذي يأتي النساء. قلت : الكبير الذي قد ذهب ذلك منه أليس يوفى قدره يعني ديته قال : بلى , قلت : والبيضتان في كل بيضة خمسون خمسون قال مجاهد : لا يفصل بينهما. وعن قتادة في ذكر الذي لا يأتي النساء ثلث دية ذكر الذي يأتي النساء ,

وكذلك يقيسه على لسان الأخرس , والسن السوداء. والعين القائمة. وعن إبراهيم : في ذكر الخصي حكم فحصل في هذا الباب روايات عن أبي بكر , وعمر , وعلي , وابن مسعود وزيد أن في الذكر الدية إلا أن عمر جاء عنه : وذكر الخصي ثلث دية , وفي صفاق البيض سدس دية , وعمن بحضرته من الصحابة : ثلث الدية. وجاء عن علي وابن مسعود وزيد : التسوية بين البيضتين. وجاء عن التابعين ما ذكرناه

وقال مالك : والثوري , وأبو حنيفة : في ذكر الصبي حكومة.

وقال أبو حنيفة , وأصحابه : في ذكر الذي لا يأتي النساء حكومة. قال الشافعي : في ذكر الخصي , والصبي , والهرم , والعنين الدية كاملة.

قال أبو محمد : ليس في هذا الباب شيء إلا عن خمسة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك إلا عن علي وحده ومدعي الإجماع هاهنا مقدم على الكذب على جميع الأمة.

فإن ذكروا في ذلك ما حدثناه : حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني ابن طاووس عن أبيه أن عنده كتابا عن النبي ﷺ : إذا قطع الذكر ففيه مائة ناقة قد انقطعت شهوته وذهب نسله فهذا منقطع , وإن صححوه فإنه يلزم به أن الدية لا تجب في ذكر العقيم , ولا في ذكر الشيخ الكبير وهم لا يقولون بهذا. وقد خالفوا عمر في ذكر الخصي , والعين العوراء , واليد الشلاء : ثلث الدية. وخالفوا سعيد بن المسيب في قوله " إن في البيضة اليسرى ثلثي الدية , وفي اليمنى ثلث الدية " ولو كان هذا إجماعا لما استجاز ابن المسيب خلافه

قال علي : وأما قوله " إن الولد من اليسرى " فقد أخبرني أحمد بن سعيد بن حسان بن هداج العامري وكان ثقة مأمونا فاضلا أنه أصابه خراج في البيضة اليسرى أشرف منه على الهلاك , وسالت كلها , ولم يبق لها أثر أصلا , ثم برئ , وولد له بعد ذلك ذكر وأنثى , ثم أصابه خراج أيضا في اليمنى فذهب أكثرها , ثم برئ , ولم يولد له بعدها شيء فإذ لا يصح في الدية في الذكر والأنثيين شيء , لا نص ، ولا إجماع , فالواجب أن لا يجب في ذلك شيء في الخطأ , وأن يجب في ذلك القود في العمد أو المفاداة , لأنه جرح وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الدماء والقصاص والديات
كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2022 - 2024) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2025) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2025 - 2026) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2029 - 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 3 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2031 - 2037) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2038 - 2050) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2051 - 2059) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2060 - 2074) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2075 - 2078) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2079 - 2085) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2086 - 2089) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2090 - 2093) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2094 - 2096) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2097 - 2100) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2101 - 2103) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2104 - 2112) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2113 - 2115) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2116 - 2118) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2119 - 2125) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2126 - 2131) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2132 - 2134) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2135 - 2143)