→ كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 3 مسألة 2030) | ابن حزم - المحلى كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2031 - 2037) ابن حزم |
كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2038 - 2050) ← |
كتاب الدماء والقصاص والديات
2031 - مسألة: جنى على عين ثم فقئت
قال علي : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة أن مسروقا , وشريحا , والشعبي , وإبراهيم النخعي قالوا في رجل فقئت عينه , وقد كان ذهب منها شيء : إنه يلقى عنه بقدر ما ذهب منها.
قال علي : هذا ليس فيه قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , وهذه رواية ساقطة , لأنها عن الحجاج بن أرطاة , ولو صحت فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ وقد
قلنا : إن الأموال محرمة إلا بنص أو إجماع , فإن كان كل ما ذكرنا خطأ فلا شيء فيه , وإن كان عمدا فالقود ما أمكن , وإن أمكن ذهاب شيء من قوة البصر كما ذهب هو أنفذ ذلك بدوءا , أو بما أمكن , وإن لم يكن ذلك , فقد قال الله تعالى : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فالواجب في ذلك الأدب , لقول رسول الله ﷺ : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع , ولقول الله تعالى : {وجزاء سيئة سيئة مثلها}. فإذا عجزنا عن المثل الأخص لزمنا أن نأتي بأقصى ما نقدر عليه من التماثل للآية المذكورة , والأدب والسجن سيئة , فهما جزاء سيئة أخرى عجزنا عن مثلها من نوعها الأدنى وبالله تعالى التوفيق.
2032 - مسألة: شج إنسانا فذهب بصره فقال : كان أعمى
قال علي : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن خالد النيلي عن الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان , أنهما قالا في رجل شج رجلا فذهبت عينه من غير تلك الشجة فقال الحكم : إن شهدوا أنها ذهبت من الضربة فهو جائز , وقال حماد : إن شهدوا أنه ضربه يوم ضربه وهي صحيحة , فهو جائز.
قال علي : وإن كان صحيحا فقد يمكن أن تذهب عينه من غير تلك الشجة فلا بد من الشهادة في ذلك كما قال الحكم إنها ذهبت من تلك الشجة , فإن شهد الشهود بذلك وكان عمدا فالقود في ذلك من كلا الأمرين , ومن العين , فلا بد من إذهاب عينه , ومن شجه كما شج.
قال علي : برهان ذلك : قول الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وهذا اعتداء منه بفعلين : شجه , وإذهاب عينه , فلا بد من القودين كليهما. فإن احتجوا بما رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي ﷺ يستقيد , فقيل له : حتى تبرأ , فأبى وعجل , فاستقاد فعنتت رجله وبرئت رجل المستقاد منه , فأتى النبي ﷺ فقال له : ليس لك شيء , قد أبيت
قلنا : هذا الخبر هو حجتنا وعمدتنا , وذلك أن رسول الله ﷺ قد أمره بالتأخير حتى يبرأ فيقاد له بما تبلغه تلك الحال التي يبرأ عليها , فأبى , فأعطاه رسول الله ﷺ حقه , فلما عنتت رجله والعنت : البرء على عوج لم يمكن أن يستقيد من العوج أصلا فلا شيء له , ولولا وجوب القود من كل ما يمكن لما كان لتأخيره معنى وبالله تعالى التوفيق.
2033 - مسألة: قول المتأخرين في جناية على عضو بطل منه عضو آخر
قال علي : قال أبو حنيفة : إذا شج آخر موضحة فذهبت عيناه , أو قطعت أصبعه فشلت أصبع له أخرى , أو قطعت إحدى يديه فشلت الأخرى أيتهما كانت أو قطعت أصبعه فشلت يده , أو قطع بعض أصبعه فبطلت الأصبع كلها , أو شجه موضحة فصارت منقلة , فلا قصاص في شيء من ذلك , وعليه الأرش. وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن صاحباه : مثل هذا في العضو الواحد كالموضحة تصير منقلة , أو قطع أنملة فشلت أصبعه , قالا :
وأما إذا شج موضحة فبطلت عينه , أو قطع أصبعه فبطلت أصبع أخرى , أو يد أخرى , فعليه القصاص في الأولى , وعليه الأرش في الأخرى. وقد روي عن أبي يوسف , ومحمد , وأبي حنيفة أيضا : أنه إن قطع له أنملة فسقطت من المفصل أصبعه , أو يده كلها من المفصل أو كسر بعض سنه فسقطت السن كلها : كان القصاص في السن كلها , وفي جميع اليد , وفي جميع الأصابع , وأنه إن قطع أصبعه فسقطت الكف من نصف الساعد وبرئ فلا قصاص له , كأنه ابتدأ قطعها من نصف الساعد. وفرقوا بين الشلل والسقوط. وقال عثمان البتي : إذا فقأ عينه عمدا فذهبت العين الأخرى اقتص منه وفقئت عينا الفاقئ جميعا
وقال مالك إذا قطع أصبعه فشلت يده فعليه القصاص من الأصبع , وله الأرش في اليد ويجتمع في قوله العقل والقصاص جميعا في عضو واحد.
وقال الشافعي : إن قطع إحدى أنثييه فذهبت الأخرى اقتص منه في التي قطع , وعليه الدية في الأخرى.
قال أبو محمد : الحكم في هذا كله ما تيقن أنه تولد من جناية العمد فبالضرورة ندري أنه كله جناية عمد وعدوان , فالواجب في ذلك القود أو المفاداة , سواء في ذلك النفس وما دونها. والعجب كله أنهم كلهم أصحاب قياس بزعمهم وهم لا يختلفون في أن من قطع أصبع آخر فمات منها , فإن عليه القود في النفس , ثم يمنع من منع منهم فيمن قطع أصبع آخر فذهبت كفه منها : أن يقاد منه في الكف فهل في التناقض أفحش من هذا
وأما إذا أمكن أن تتولد الجناية الأخرى من غير الأولى فلا شيء فيها , لا قود ، ولا غيره , مثل أن يقطع له يدا فتشل له الأخرى , فهذا إن لم يتيقن أنه تولد من الجناية الأولى فلسنا على يقين من وجوب شيء على الجاني , وإذا لم نكن على يقين من أنه يلزمه شيء فلا يجوز أن يلزم شيئا , لا في بشرته ، ولا في ماله , لقول رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام.
قال علي : وكان في أصحابنا فتى اسمه : يبقى بن عبد الملك ضربه معلمه في صباه بقلم في خده فيبست عينه , فهذا عمد يوجب القود , لأن الضربة كانت في العصبة المتصلة بالناظر وبالله تعالى التوفيق.
2034 - مسألة: من أمسك آخر حتى فقئت عينه , أو قطع عضوه , أو ضرب
قال علي : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أنه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقأ أحدهم عينه , أو يكسر رجليه , أو يديه , أو أسنانه , أو نحو هذا : أنه يقاد من الذي باشر ذلك منه
وأما الآخرون الذين أمسكوه فيعاقبون عقوبة موجعة منكلة , فإن استحب المصاب الدية كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء. قال يونس : وقال ربيعة إن أحب الذي فقئت عيناه الدية فله اثنا عشر ألف درهم في عينيه فإن كان الذي أمسكوه إنما أمسكوه ليفقأ عينيه فعليهم الدية جميعا وإن كانوا أمسكوه ليصكه , أو ليضربه , لا يريدون بذلك فقء عينيه , فالدية على الذي فقأ عينيه دون أصحابه. قال ابن وهب : قال ابن سمعان : قال ربيعة : إن أراد القود أقيد منهم جميعا , ممن باشر ذلك , وممن أمسكه.
قال أبو محمد : أما إيجاب الدية عليهم كلهم , والمنع من القود منهم كلهم : فخطأ لا إشكال فيه , وتناقض ظاهر , لأنهم لا يخلو من أن يكونوا كلهم فقأه أو لم يفقأه كلهم , لكن من باشره خاصة , لا سبيل إلى قسم ثالث فإن كانوا كلهم فقأ عينيه فالقود عليهم كلهم , كما الدية عليهم كلهم ، ولا فرق وإن كانوا ليس كلهم فقأه , لكن المباشر خاصة , فإلزام الدية في ذلك من لم يفقأ ، ولا كسر ، ولا قطع خطأ وهذا لا خفاء به.
وأما قول ربيعة في إيجاب القود على جميعهم , أو الدية على جميعهم , فلم يتناقض ولكنه خطأ , لأن الممسك آخر ليفقأ عينيه , أو ليقطع يده , أو ليخصي , أو ليجني عليه , أو ليضرب , لا يقع عليه ألبتة في اللغة , ولا في الشريعة اسم " فاقئ " ، ولا اسم " قاطع " ، ولا اسم " كاسر " ، ولا اسم " ضارب " وإذا لم يكن شيئا من هذا فلا قود عليه في ذلك , لأن الله تعالى إنما قال : {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فبطل هذا القول بلا شك. وهذا مما خالف فيه مالك شيخيه : ربيعة , والزهري , لأنهما جعلا في جناية العمد في العين الخيار بين القود , أو الدية وهو لا يرى فيها إلا القود فقط وهما كبشا المدينة.
قال علي : والحكم في هذا هو أن يقتص من الفاقئ , والكاسر , والقاطع والضارب بمثل ما فعل , ويعزر الممسك , ويسجن , على ما يراه الحاكم لقول رسول الله ﷺ : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. ولأمره ﷺ بالتعزير في كل ما دون الحد عشرة أسواط فأقل , على ما نذكره في " باب التعزير " إن شاء الله تعالى من " كتاب الحدود ".
فإن قال قائل : إنكم تقولون فيمن أمسك آخر للقتل فقتل : إنه يسجن حتى يموت , فهذا خلاف لما قلتم هاهنا أم لا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : إنه ليس ذلك مخالفا لشيء منه , لأن الحكم في هذا قول الله تعالى : {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فكل من فعل فعلا يوصف به وكان به متعديا فإنه يجب أن يتعدى عليه بمثله بأمر الله تعالى , فالممسك آخر حتى قتل , ممسك له , وحابس حتى مات , وليس قاتلا , فالواجب أن يحبس حتى يموت , فهو مثل ما اعتدى به , ولا نبالي بطول المدة من قصرها إذ لم يأت بمراعاة ذلك نص ، ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق
2035 - مسألة: عين الدابة
قال علي : حدثنا أبو عمر أحمد بن قاسم ، حدثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم أخبرني جدي قاسم بن أصبغ ، حدثنا زكريا بن يحيى الناقد ، حدثنا سعيد بن سليمان عن أبي أمية بن يعلى ، حدثنا أبو الزناد عن عمرو بن وهب عن أبيه عن زيد بن ثابت أن النبي ﷺ لم يقض في الرأس إلا في ثلاث : المنقلة , والموضحة , والآمة وفي عين الفرس بربع ثمنه :
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا أبو جناب هو يحيى بن أبي حية الكلبي عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه في فرس فقئت عينه : أن يقوم الفرس , ثم يكون في عينه ربع قيمته. نا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا عبد الملك بن عمير قال : إن دهقانا فقأ عين فرس لعروة بن الجعد , فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك , فكتب عمر إليه : أن خير الدهقان , فإن شاء أخذ الفرس , وأعطى الشروى , وإن شاء أعطى ربع ثمنه , فقوم الفرس عشرين ألفا , فغرم خمسة آلاف.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عبد الكريم أن علي بن أبي طالب قال : في عين الدابة الربع يعني من ثمنها. وعن محمد بن سيرين أن شريحا قال في الدابة إذا فقئت عينها لصاحبها الشروى , فإن رضي جبرها بربع ثمنها. وعن ابن جريج قلت لعطاء : عين الدابة , قال : الربع , زعموا.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي : أن عمر بن الخطاب قضى في عين جمل أصيبت بنصف ثمنه ثم نظر إليه بعد فقال : ما أراه نقص من قوته , ولا من هدايته , فقضى فيه بربع ثمنه. وعن الحسن بن حي في عين الدابة ربع ثمنها , فإن قطع ذنبها أغرم ما نقصها.
وقال أبو حنيفة , وزفر : في الفرس , والبعير , والبقرة تفقأ عين كل واحد منهم : ربع ثمنه , فإن فقأ عين شاة فليس في ذلك إلا ما نقصها
وقال مالك , والشافعي , وزفر في أحد قوليه ليس في كل ذلك إلا ما نقص من الثمن فقط
وهو قول أبي سليمان , وأصحابنا. وقال الليث : إن فقأ عين دابة , أو كسر رجلها , أو قطع ذنبها , فعليه ثمنها كلها , أو مثلها.
قال أبو محمد : أما الحديث المذكور فلا يصح , لأنه من رواية أبي أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي وليس بشيء.
وأما الرواية في ذلك عن عمر بن الخطاب , وسعد بن أبي وقاص , وشريح , وعطاء : فثابتة.
وأما الرواية عن علي بن أبي طالب : أنه قضى في ذلك بنصف القيمة وعن عمر بمثل ذلك , فواهيتان : أما التي عن علي فهي عمن لا يدرى عن محمد بن جابر اليمامي وهو هالك عن جابر الجعفي وهو مفروغ منه.
وأما التي عن عمر بن الخطاب فمثل ذلك , لأنها عن مجالد وهو ضعيف عن الشعبي عن عمر , ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر بنحو عشرة أعوام.
قال أبو محمد : إلا أن المالكيين قد يحتجون بأسقط من هذا الحديث إذا وافق تقليدهم كاحتجاجهم ب لا يؤمن أحد بعدي جالسا. وبحديث حرام في الأستظهار , وبكثير جدا قد ذكرناه مفرقا وسنجمعه إن شاء الله تعالى.
قال علي : وأما نحن , فإنه لا حجة عندنا إلا في نص قرآن , أو سنة ثابتة , عن رسول الله ﷺ أو إجماع متيقن , لا خلاف فيه من أحد , وليس في هذه المسألة شيء من هذه البراهين. فإذ ذلك كذلك , فإن رسول الله ﷺ قد قال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام فلا يجوز إلزام فاقئ عين الدابة إلا ما أوجبه نص أو إجماع. وقد قال الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فواجب بهذه الآية إلزامه قيمة ما نقص فقط وبالله تعالى التوفيق.
2036 - مسألة: الحاجب
قال أبو محمد : قد اختلف الناس في الحاجبين : حدثنا حمام بن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى أبو بكر الصديق في الحاجب إذا أصيب حتى يذهب شعره , فقضى فيه موضحتين عشرا من الإبل. وقال آخرون : غير هذا :
كما روينا بالإسناد المذكور إلى عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرنا عبد الكريم أنه بلغه عن أصحاب النبي ﷺ في الحاجب يتحصص شعره أن فيه الربع , وفيما ذهب منه بالحساب , فإن أصيب الحاجب بما يوضح ويذهب شعره : كان قدر الحاجب فقط , ولم يكن للموضحة قدر , فإن أصيب بمنقولة : كان قدر الحاجب والمنقولة جميعا
وروي عن زيد بن ثابت أن في الحاجب الواحد ثلث الدية وقال الشعبي : في الحاجبين الدية. وعن سعيد بن المسيب قال : في الحاجبين إذا استوعبا الدية وفي أحدهما نصف الدية. وعن إبراهيم النخعي قال : كان يقال في كل اثنين من الإنسان الدية , وفي كل واحد النصف قلت : الثنتين قال : لعل ذلك , قال : وفي كل واحد من الإنسان الدية. وعن الشعبي قال : في كل اثنين من الإنسان الدية ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة أن شريحا قال : في الحاجبين , والشفتين , واليدين , والرجلين : نصف الدية يعني في كل واحد منهما وفي كل فرد في الإنسان الدية
وهو قول الحسن البصري , وقتادة , وأبي حنيفة , وأحمد بن حنبل , وأصحابهم وقال آخرون : فيها حكومة فقط.
وهو قول مالك , والشافعي , وأصحابهما. وقال آخرون : لا شيء فيها ,
كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء بن أبي رباح : الحاجب يشتر قال : لم أسمع فيه بشيء.
قال أبو محمد : أما الحنفيون , والمالكيون , والشافعيون , فقد نقضوا هاهنا أصولهم في تهويلهم بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم هاهنا قد خالفوا ما روي عن أبي بكر الصديق , وزيد بن ثابت , وسائر أصحاب رسول الله ﷺ إلى أقوال لم تحفظ قط عن صاحب وهذا قبيح جدا.
فأما الحنفيون , فإنهم طردوا القياس هاهنا , إذ جعلوا في كل اثنين في الإنسان الدية , قياسا على اليدين , والحاجبان اثنان.
وأما قول مالك , والشافعي , فإن أصحابهما لا مؤنة عليهم في ادعاء الإجماع من الأمة , فيما لا يعرفون فيه خلافا , نعم , حتى إنهم ليدعونه فيما فيه الخلاف مشهور , كفعلهم في الموضحة على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى. ولا نعلم أحدا قال قبل مالك بقوله : في الحاجبين حكومة هذا ولم يتبع فيه نص قرآن , ولا سنة صحيحة , ولا سقيمة , ولا قياس , فينبغي لهم أن لا ينكروا على من قال بقول اتبع فيه القرآن , وسنة رسول الله ﷺ وما أباح الله تعالى قط لمالك , ولا لأبي حنيفة , ولا للشافعي شيئا حرمه الله تعالى على غيرهم.
قال علي : فإذ لا نص في الحاجبين يصح , ولا إجماع فيما يتيقن ; فالواجب أن لا يجب فيهما في العمد إلا القود أو المفاداة.
وأما في الخطأ فلا شيء , لأن الأموال محرمة إلا بنص أو إجماع , والحكومة غرامة فلا يجوز إلزامها أحدا بغير نص ، ولا إجماع
وهو قول عطاء , كما أوردنا.
2037 - مسألة: الأنف
قال علي : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب ، أنه قال : في الأنف الدية.
وبه إلى وكيع ، حدثنا إسرائيل عن جابر عن الشعبي قال في العرنين الدية
وبه إلى وكيع ، حدثنا سلام عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : في المارن الدية. وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، أنه قال : في الإنسان خمس ديات : الأنف , واللسان , والذكر , والصلب , والفؤاد.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عكرمة قال في الروثة النصف قال عبد الرزاق : أحسبه ذكره عن عمر. وعن معمر ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد , ومكحول قال في روثة الأنف ثلث الدية.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : في الروثة الثلث , فإذا بلغ من المارن العظم فالدية وافية , فإن أصيب من الروثة الأرنبة , أو غيرها لم يبلغ العظم فبحساب الروثة. وعن ابن جريج عن سليمان بن موسى أن عمر بن عبد العزيز قال : في الأنف إذا أوعى جدعه الدية كاملة , فما أصيب من الأنف دون ذلك فبحساب ذلك.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبيه عن الشعبي قال : ما ذهب من الأنف فبحسابه. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن مكحول ، أنه قال : في روثة الأنف ثلث دية الأنف , وفي الجنابتين إذا خرمتا ثم لم تلتئما في كل واحد منهما ثلث دية الأنف , وفي الروثة ثلث دية الأنف , وفي قصبة الأنف إذا انكسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة. حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج عن عثمان بن سليمان أن عبدا كسر إحدى قصبتي أنف رجل , فرفع ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فقال عمر : وجدنا في كتاب لعمر بن الخطاب أيما عظم كسر ثم جبر كما كان ففيه حقتان , فراجعه ابن سراقة فقال : أيما كسر أخذ من القصبتين فأبى عمر إلا أن يجعل فيه الحقتين.
وبه إلى ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : إن كسر الأنف كسرا يكون شينا , فسدس ديته , وإن كان المنخران منهما الشين , فثلث دية المنخرين , وإن كان مارن الأنف مهبورا هبرة , فله ثلث الدية , وإن كان مهشوما ملتطيا يبح صوته كالعين , فنصف الدية لعينيه , وبحه خمسمائة دينار , فإن كان ليس فيه عيب , ولا غش , ولا ريح توجد منه , فله ربع الدية , فإن أصيب قصبة الأنف فجافت , وفيه شين ، ولا ريح ، ولا يوجد ريح شيء فالدية مائة وخمسة وعشرون دينارا وإن ضرب أنفه فبرأ غير أنه لا يجد ريحا طيبة ، ولا ريح شيء فله عشر الدية. سمعت مولى لسليمان بن حبيب يحدث قال : قضى سليمان بن حبيب في الأنف إذا وثن بعشرة دنانير , وإذا كسر بمائة دينار.
وبه إلى ابن جريج قال : قلت لعطاء في الأنف جائفة قال : نعم , قال ابن جريج : وأخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : في جائفة الأنف ثلث الدية فإن نفذت فالثلثان
وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عطاء الخراساني : في الأنف إذا خرم مائة دينار.
قال أبو محمد : فحصل من هذا عن علي أن في الأنف الدية
وكذلك عن الشعبي وعن عمر بن عبد العزيز وعن ابن قسيط وعن إبراهيم , ومجاهد في المارن الدية وهو كل ما دون العظم وعن عمر بن عبد العزيز في المارن ثلث دية الأنف وعن الشعبي في العرنين الدية وهو ما دون المارن. وعن مجاهد في الروثة الثلث وهي دون العرنين
وهو قول ابن حنبل وإسحاق , وقتادة وفي الأرنبة بحساب ذلك وهو طرف الأنف وعن مجاهد ومكحول في الروثة ثلث الدية , وفي خرم جنبتي الأنف إذا لم يلتئما في كل واحد من الخرمين ثلث دية الأنف وعن مكحول , وإسحاق في الوترة ثلث دية الأنف وهي الحاجزة بين ثقبتي الأنف وفي قصبة الأنف إذا كسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة. وعن عمر بن الخطاب , وعمر بن عبد العزيز في ذلك بعيران حقتان وفي كسر الثنيتين عن عمر بن عبد العزيز سدس دية الأنف , فإن كان في كلا المنخرين , فثلث دية الأنف وفي هشم الأنف حتى يكون لاطيا يبح صوته نصف دية النفس , وإن لم يكن فيه ريح منتنة ، ولا رشح , فربع دية النفس وفي جائفته عشر دية وربع عشر دية وفي جائفة الأنف عن مجاهد ثلث دية النفس , فإن نفذت فالثلثان وعن عطاء الخراساني في خرم الأنف عشر الدية.
وقال مالك فيما دون المارن من كل ما ذكرنا حكم وبه قال الشافعي , وأبو حنيفة.
قال أبو محمد : وكل هذا لا يصح منه شيء , والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق : إنه لا سبيل إلى أن يوجد في هذا خبر صحيح عن رسول الله ﷺ أصلا , فقد بحث عنه البحاث من أقصى خراسان إلى أدناها , وأهل فارس , وأصبهان , وكرمان , وسجستان والسند , والجبال , والري , والعراق , وبغداد , والبصرة , والكوفة , وسائر مدنها , وأذربيجان وأرمينية , والأهواز , ومكة , والمدينة , واليمن , والجزيرة , ومصر , والشام , والأندلس : فما وجدوا شيئا مذ أربعمائة عام وأربعين سنة غير ما ذكرنا مما لا يصح عند أحد من أهل العلم بالحديث , فبطل أن يكون هنا خبر ثابت تقوم به الحجة , ولا قرآن في ذلك أصلا , ونحن نوقن أن الله تعالى قد أقام الحجة من القرآن والسنن وأوضح الإجماع إيضاحا لا يخفى على أحد من مبتداه إلى منتهاه , وهذه الصفة معدومة هاهنا
قال علي : فقولنا هاهنا الذي ندين الله تعالى به ونلقاه عليه أنه لو صح عندنا في ذلك أثر لقلنا به , ولما خالفناه , ولو صح عندنا في ذلك إجماع لقلنا به , ولما ترددنا في الطاعة له. فإذ لا سنة في ذلك , ولا إجماع , فليس فيه إلا القود في العمد , أو المفاداة , ولا شيء في الخطأ , لقول الله تعالى {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} وبالله تعالى التوفيق.