→ كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2025) | ابن حزم - المحلى كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2025 - 2026) ابن حزم |
كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2027) ← |
كتاب الدماء والقصاص والديات
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كذب آخر على رسول الله ﷺ موجب لصاحبه ولوج النار واللعنة، إذ تحكموا في كلامه عليه الصلاة والسلام بلا دليل، وليس إذا وجد نص قد قام البرهان: بأن فيه تقديما وتأخيرا وجب أن يحكم في نص آخر بالتقديم والتأخير بلا دليل، كما أنه إذ وجد نص منسوخ لم يحل لأحد أن يقول في نص آخر لم يأت دليل بأنه منسوخ: هذا منسوخ هذه صفة الكذابين الفساق المفترين على الله عز وجل، وعلى رسوله ﷺ بالكذب. وقالوا: إن الشعبي هو أحد رواة ذلك الخبر وهو يرى قتل المؤمن بالذمي .
فقلنا: هذا لم يصح قط عن الشعبي ; لأنه لم يروه إلا ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وداود بن يزيد الزغافري وهو ساقط. ثم لو صح ذلك عنه لكان الواجب رفض رأيه واطراحه والأخذ بروايته. لأنه وغيره من الأئمة موثوق بهم في أنهم لا يكذبون لفضلهم غير موثوق بهم بأنهم لا يخطئون، بل كل أحد بعد رسول الله ﷺ غير معصوم من الخطأ، ولا بد، وليس يخطئ أحد في الدين إلا لمخالفة نص قرآن، أو نص سنة بتأويل منه قصد به الحق فأخطأه وقد أفردنا بابا ضخما في كتابنا الموسوم " بالإعراب " فيما أخذ به الحنفيون من السنن التي خالفها من رواها من الصحابة، رضي الله عنهم،، وهذا من أبرد ما موهوا به. فهذا ما اعترضوا به قد أوضحنا سقوط أقوالهم فيه.
وأما احتجاجهم بخبر ابن المنكدر. وربيعة، عن ابن البيلماني فمرسلان، ولا حجة في مرسل. فإن لجوا: قلنا لهم: دونكم مرسلا مثلهما أنا حمام بن أحمد، أخبرنا ابن مفرج، أخبرنا ابن الأعرابي أنا الدبري أنا عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن شعيب: أن رسول الله ﷺ فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم، وأنه ينفى من أرضه إلى غيرها. وذكر أن عمر بن عبد العزيز قضى بذلك.
وأما قصة عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وقتله الهرمزان، وجفينة وبنت أبي لؤلؤة فليس في الخبر نص، ولا دليل على أن أحدا قال بقتل جفينة: فبطل بذلك دعواهم. وصح أنه إنما طولب بدم الهرمزان فقط، وكان مسلما، ولا خلاف في القود للمسلم من المسلم، فلا يجوز أن يقحم في الخبر ما ليس فيه بغير نص، ولا إجماع.
وأما احتجاجهم بأنه كما يجب قطع يد المسلم إذا سرق مال ذمي، فكذلك يجب قتله به، فقياس فاسد، والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ; لأن القود، والقصاص للمسلم من الذمي حق للذمي عندهم، له طلبه، وله تركه والعفو عنه. وهذا هو السبيل الذي منع الله عز وجل منا، ولم يجعلها لكافر على مسلم وليس كذلك القطع في السرقة، ليس هو من حقوق المسروق منه المال، ولا له طلبه دون غيره، ولا له العفو عنه، إنما هو حق لله عز وجل أمر به شاء المسروق منه أو أبى فلا سبيل فيه للذمي على المسلم أصلا.
وأما قولهم: إنا نحد المسلم إذا قذف الذمي. قلنا: نعم، وكذلك نحده إذا قذف الحربي، ولا فرق، لما ذكرنا في القطع في السرقة من أنه ليس كلا الأمرين حقا للذمي، ولا للمقذوف، ولا للمسروق منه، ولا لهما العفو عنه، ولا طلبه دون سائر الناس. إنما الحد في القذف حق الله تعالى أمر به كما هو الحد في الخمر لذمي كانت أو لحربي، ولا فرق. فإن قالوا: إنكم تغرمون المسلم المال إذا وجب للذمي قبله، وتأخذونه من المسلم بالسجن والأدب إذا امتنع من أدائه، وهو قادر عليه
قلنا: نعم، وليس هذا من القود والقصاص في شيء ; لأن المال المأخوذ بغير حق هو محرم على آخذه كائنا من كان وإذ هو كذلك، فإنما هو باطل منعناه منه، وأزلناه عن يده، كما نمنعه من قتل الذمي بلا حق، ولا فرق. ولو قدرنا على تكليفه إحياء الذمي الذي قتل لفعلنا ذلك به، فإذ لا يقدر على ذلك فلا شيء عليه، إلا الأدب ; لتعديه إلى ما حرم الله تعالى عليه فقط كما نؤدبه في غصبه ماله إذا لم يقدر على رده، ولا على إنصافه فقط، وليس كل متعد إلى ما حرم عليه الله عز وجل يلزمه قتل، ولا قطع عضو، ولا قصاص.
وأما احتجاجهم على من قال: إذا قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل: فالقود عليه باق فقد أخطأ هذا القائل، بل قد سقط القود والقصاص عنه ; لأنه قتل مؤمن بكافر، وقد حرم الله تعالى ذلك على لسان رسوله ﷺ . ثم يعكس عليهم هذه القياسات الفاسدة فيقال لهم: كما لا تحدون أنتم المسلم إذا قذف الذمي، وتحدون الذمي إذا قذف المسلم، فكذلك اقتلوا الذمي بالمسلم، ولا تقتلوا المسلم بالذمي وهذا أصح قياس يكون لو كان القياس حقا لأنها حرمة وحرمة. ومن غرائب القول: احتجاج الحنفيين في الفرق بين قاتل المستأمن فلا يقيدونه به، وبين قاتل الذمي فيقيدونه به.
فإن قالوا: الذمي محقون الدم بغير وقت، والمستأمن محقون الدم بوقت ثم يعود دمه حلالا إذا رجع إلى دار الحرب، ولا ندري من أين وجب إسقاط القود بهذا الفرق، وكلاهما محرم الدم إذا قتل: تحريما مساويا لتحريم الآخر. وإنما يراعى الحكم وقت الجناية الموجبة للحكم لا بعد ذلك ولعل المستأمن لا يرجع إلى دار الحرب، ولعل الذمي ينقض الذمة ويلحق بدار الحرب فيعود دمه حلالا، ولا فرق وحسبك بقوم هذا مقدار علمهم الذي به يحلون دماء المسلمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وأما قولنا: لا دية على المسلم في قتله الذمي عمدا، ولا على عاقلته في قتله إياه خطأ، ولا كفارة عليه أيضا فلما قد بينا قبل في أول كلامنا في هذه المسألة من أن الآية التي فيها إيجاب الدية والكفارة في قتل الخطأ إنما هي في المؤمن المقتول خطأ فقط، ولم يأت قط نص في إيجاب دية، ولا كفارة، في قتل الكافر الذمي خطأ. وقد قال رسول الله ﷺ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، ولا يجوز على أصول أصحاب القياس أن يقاس الشيء إلا على نظيره، وليس الكافر نظير المؤمن، ولا مثلا، فقياسه عليه باطل على أصول القائلين بالقياس، والمانعين منه وبالله تعالى التوفيق. وإنما أوجبنا الدية في قتل الكافر المسلم خطأ بعموم قول الله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ} الآية فعم بهذا قاتل المؤمن خطأ، ولم يخص بذلك مؤمنا من كافر، ولم يأت دليل من قرآن، ولا سنة، ولا إجماع يخص ذلك فوجب إمضاؤها على عمومه.
وأما هذه الآية فلا حجة لهم فيها أصلا، لأن نصها أن الله تعالى يقول: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} إلى قوله تعالى: {عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. فصح بنص هاتين الآيتين نصا جليا لا يمكن أن يتأول فيه شيء، أن هذا الحكم إنما هو في المؤمن المقتول خطأ فقط. ثم قال عز وجل: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} فصح بالضرورة التي لا مدخل للشك فيها أن في كان من قوله تعالى: {فإن كان من قوم} ضمير راجع إلى أول مذكور، لا يمكن غير ذلك ألبتة، فإذ لا بد من هذا، والضمير في لغة العرب لا يرجع إلا إلى أقرب مذكور قبله، إلا ببرهان يدل على غير ذلك، فليس في هذه الآيات أقرب مذكور، ولا أبعد مذكور، إلا المؤمن المقتول خطأ فقط. فصح بيقين لا إشكال فيه: أن مراد الله تعالى بقوله: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} أنه مؤمن يقتل خطأ، كما قال الحسن، وجابر بن زيد. وصح أن معنى قول الله تعالى: {من قوم بينكم وبينهم ميثاق} إنما هو في قوم إذا كان سكناه فيهم ; لأن رسول الله ﷺ قد حكم بأن لا يرث الكافر المسلم، وأن الدية موروثة. فبطل بيقين أن يرث الكفار الذميون ابن عمهم المؤمن. والدية في العمد إنما وجبت بقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} وبقول رسول الله ﷺ: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى، وأما يقاد فصح بنص القرآن، والسنة: أنه لا دية في العمد إلا حيث يكون القود يقينا. وقد بينا أنه لا قود من المسلم للذمي فإذ لا قود له منه فلا دية له عليه، إذ لم يوجب الدية دون القود في العمد قط قرآن، ولا سنة وبالله تعالى التوفيق. أنا حمام أنا أبو محمد الباجي أنا عبد الله بن يونس أنا بقي بن مخلد أنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قال: إذا قتل المسلم الذمي فليس عليه كفارة.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا محمد بن المنهال أنا يزيد بن زريع أنا يونس، هو ابن يزيد عن الحسن أنه كان لا يرى العتق إلا في قتل المسلم الذمي
وهو قول أبي عياض، وجابر بن زيد. فإن شغبوا بما ناه الطلمنكي، أخبرنا ابن مفرج أنا الصموت محمد بن أيوب أنا البزار أنا محمد بن معاوية الزنادي أنا أبو داود أنا يعقوب بن عبد الله بن نجيد حدثني أبي عن أبيه عن عمران بن الحصين قال: إن رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل فقال رسول الله ﷺ لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلته فأخرجوا عقله فإن يعقوب وأباه وجده مجهولون.
وأما أدبه وسجنه فالثابت عن رسول الله ﷺ المنع من أن يجلد أحد في غير حد أكثر من عشر جلدات، ولقوله ﷺ: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع وقتل الذمي بغير حق منكر فواجب تغييره باليد وقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فسجن القاتل منع له من الظلم وتعاون على البر والتقوى وإطلاقه عون له على الإثم والعدوان وبالله تعالى التوفيق.
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيفة لا يجوز الأحتجاج بها وهي مملوءة مناكير. ثم لو صحت لما كانت لهم فيها حجة، بل كانت تكون حجة لنا عليهم ; لأن فيها أن لا يقتل مؤمن بكافر، فهذه قضية صحيحة قائمة بنفسها وهي قولنا. ثم فيها حكم من قتل عمدا فلو دخل في هذه القضية المؤمن يقتل الذمي عمدا لكانت مخالفة للحكم الذي قبلها وهذا باطل فلو صحت لكانت بلا شك في المؤمن يقتل المؤمن عمدا، لا فيما قد أبطله قبل من أن يقتل مؤمن بكافر. وقالوا: معناه لا يقتل مؤمن بكافر حربي، أو إذا قتله خطأ، فكان هذا من أسخف ما أتوا به، وكيف يجوز أن يظن هذا ذو مسكة عقل، ونحن مندوبون إلى قتل الحربيين، موعودون على قتلهم بأعظم الأجر، أيمكن أن يظن من به طباخ أن النبي ﷺ مع هذا الحال وأمره عليه الصلاة والسلام بالجهاد يتكلف أن يخبرنا أننا لا نقتل بالحربيين إذا قتلناهم، ما شاء الله كان وكذلك القول في تأويلهم السخيف: أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن لا يقتل مؤمن بكافر إذا قتله خطأ هذا والله يقين الكذب على رسول الله ﷺ الموجب للنار، وكيف يمكن أن يسع هذا في دماغ من به مسكة عقل أن يكون مذ بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة قد أمنا أن يقتل منا أحد بألف كافر قتلهم خطأ ثم يتكلف عليه الصلاة والسلام إخبارنا بأن لا يقتل المؤمن بكافر قتله خطأ ثم لا يبين لنا ذلك إلا بكلام مجمل لا يفهم أحد منه هذا المعنى، إنما يأتي به المتكلفون لنصر الباطل،
وأما رسول الله ﷺ الذي أعطي جوامع الكلم، وأمره ربه تعالى بالبيان لنا: فلا، ولا كرامة، لقد نزهه الله عز وجل عن هذا وباعده عن أن يظن به ذلك مسلم. وقالوا في قوله عليه الصلاة والسلام لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده تقديم وتأخير، إنما أراد أن يقول: لا يقتل مؤمن، ولا ذو عهد في عهده بكافر وقد صح بلا خلاف وجوب قتل المعاهد بالذمي. فصح أنه إنما أراد بالكافر: الحربي.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كذب آخر على رسول الله ﷺ موجب لصاحبه ولوج النار واللعنة، إذ تحكموا في كلامه عليه الصلاة والسلام بلا دليل، وليس إذا وجد نص قد قام البرهان: بأن فيه تقديما وتأخيرا وجب أن يحكم في نص آخر بالتقديم والتأخير بلا دليل، كما أنه إذ وجد نص منسوخ لم يحل لأحد أن يقول في نص آخر لم يأت دليل بأنه منسوخ: هذا منسوخ هذه صفة الكذابين الفساق المفترين على الله عز وجل، وعلى رسوله ﷺ بالكذب. وقالوا: إن الشعبي هو أحد رواة ذلك الخبر وهو يرى قتل المؤمن بالذمي. فقلنا: هذا لم يصح قط عن الشعبي ; لأنه لم يروه إلا ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وداود بن يزيد الزغافري وهو ساقط. ثم لو صح ذلك عنه لكان الواجب رفض رأيه واطراحه والأخذ بروايته. لأنه وغيره من الأئمة موثوق بهم في أنهم لا يكذبون لفضلهم غير موثوق بهم بأنهم لا يخطئون، بل كل أحد بعد رسول الله ﷺ غير معصوم من الخطأ، ولا بد، وليس يخطئ أحد في الدين إلا لمخالفة نص قرآن، أو نص سنة بتأويل منه قصد به الحق فأخطأه وقد أفردنا بابا ضخما في كتابنا الموسوم " بالإعراب " فيما أخذ به الحنفيون من السنن التي خالفها من رواها من الصحابة، رضي الله عنهم،، وهذا من أبرد ما موهوا به. فهذا ما اعترضوا به قد أوضحنا سقوط أقوالهم فيه.
وأما احتجاجهم بخبر ابن المنكدر. وربيعة، عن ابن البيلماني فمرسلان، ولا حجة في مرسل. فإن لجوا: قلنا لهم: دونكم مرسلا مثلهما أنا حمام بن أحمد، أخبرنا ابن مفرج، أخبرنا ابن الأعرابي أنا الدبري أنا عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن شعيب: أن رسول الله ﷺ فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم، وأنه ينفى من أرضه إلى غيرها. وذكر أن عمر بن عبد العزيز قضى بذلك.
وأما قصة عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وقتله الهرمزان، وجفينة وبنت أبي لؤلؤة فليس في الخبر نص، ولا دليل على أن أحدا قال بقتل جفينة: فبطل بذلك دعواهم. وصح أنه إنما طولب بدم الهرمزان فقط، وكان مسلما،
ولا خلاف في القود للمسلم من المسلم، فلا يجوز أن يقحم في الخبر ما ليس فيه بغير نص، ولا إجماع.
وأما احتجاجهم بأنه كما يجب قطع يد المسلم إذا سرق مال ذمي، فكذلك يجب قتله به، فقياس فاسد، والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ; لأن القود، والقصاص للمسلم من الذمي حق للذمي عندهم، له طلبه، وله تركه والعفو عنه. وهذا هو السبيل الذي منع الله عز وجل منا، ولم يجعلها لكافر على مسلم وليس كذلك القطع في السرقة، ليس هو من حقوق المسروق منه المال، ولا له طلبه دون غيره، ولا له العفو عنه، إنما هو حق لله عز وجل أمر به شاء المسروق منه أو أبى فلا سبيل فيه للذمي على المسلم أصلا. وأما قولهم: إنا نحد المسلم إذا قذف الذمي. قلنا: نعم، وكذلك نحده إذا قذف الحربي، ولا فرق،
لما ذكرنا في القطع في السرقة من أنه ليس كلا الأمرين حقا للذمي، ولا للمقذوف، ولا للمسروق منه، ولا لهما العفو عنه، ولا طلبه دون سائر الناس. إنما الحد في القذف حق الله تعالى أمر به كما هو الحد في الخمر لذمي كانت أو لحربي، ولا فرق.
فإن قالوا: إنكم تغرمون المسلم المال إذا وجب للذمي قبله، وتأخذونه من المسلم بالسجن والأدب إذا امتنع من أدائه، وهو قادر عليه. قلنا: نعم، وليس هذا من القود والقصاص في شيء ; لأن المال المأخوذ بغير حق هو محرم على آخذه كائنا من كان وإذ هو كذلك، فإنما هو باطل منعناه منه، وأزلناه عن يده، كما نمنعه من قتل الذمي بلا حق، ولا فرق. ولو قدرنا على تكليفه إحياء الذمي الذي قتل لفعلنا ذلك به، فإذ لا يقدر على ذلك فلا شيء عليه، إلا الأدب ; لتعديه إلى ما حرم الله تعالى عليه فقط كما نؤدبه في غصبه ماله إذا لم يقدر على رده، ولا على إنصافه فقط، وليس كل متعد إلى ما حرم عليه الله عز وجل يلزمه قتل، ولا قطع عضو، ولا قصاص.
وأما احتجاجهم على من قال: إذا قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل: فالقود عليه باق فقد أخطأ هذا القائل، بل قد سقط القود والقصاص عنه ; لأنه قتل مؤمن بكافر، وقد حرم الله تعالى ذلك على لسان رسوله ﷺ . ثم يعكس عليهم هذه القياسات الفاسدة فيقال لهم: كما لا تحدون أنتم المسلم إذا قذف الذمي، وتحدون الذمي إذا قذف المسلم، فكذلك اقتلوا الذمي بالمسلم، ولا تقتلوا المسلم بالذمي وهذا أصح قياس يكون لو كان القياس حقا لأنها حرمة وحرمة. ومن غرائب القول: احتجاج الحنفيين في الفرق بين قاتل المستأمن فلا يقيدونه به، وبين قاتل الذمي فيقيدونه به. فإن قالوا: الذمي محقون الدم بغير وقت، والمستأمن محقون الدم بوقت ثم يعود دمه حلالا إذا رجع إلى دار الحرب، ولا ندري من أين وجب إسقاط القود بهذا الفرق، وكلاهما محرم الدم إذا قتل: تحريما مساويا لتحريم الآخر. وإنما يراعى الحكم وقت الجناية الموجبة للحكم لا بعد ذلك ولعل المستأمن لا يرجع إلى دار الحرب، ولعل الذمي ينقض الذمة ويلحق بدار الحرب فيعود دمه حلالا، ولا فرق وحسبك بقوم هذا مقدار علمهم الذي به يحلون دماء المسلمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وأما قولنا: لا دية على المسلم في قتله الذمي عمدا، ولا على عاقلته في قتله إياه خطأ، ولا كفارة عليه أيضا فلما قد بينا قبل في أول كلامنا في هذه المسألة من أن الآية التي فيها إيجاب الدية والكفارة في قتل الخطأ إنما هي في المؤمن المقتول خطأ فقط، ولم يأت قط نص في إيجاب دية، ولا كفارة، في قتل الكافر الذمي خطأ. وقد قال رسول الله ﷺ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، ولا يجوز على أصول أصحاب القياس أن يقاس الشيء إلا على نظيره، وليس الكافر نظير المؤمن، ولا مثلا، فقياسه عليه باطل على أصول القائلين بالقياس، والمانعين منه وبالله تعالى التوفيق. وإنما أوجبنا الدية في قتل الكافر المسلم خطأ بعموم قول الله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ} الآية فعم بهذا قاتل المؤمن خطأ، ولم يخص بذلك مؤمنا من كافر، ولم يأت دليل من قرآن، ولا سنة، ولا إجماع يخص ذلك فوجب إمضاؤها على عمومه.
وأما هذه الآية فلا حجة لهم فيها أصلا، لأن نصها أن الله تعالى يقول: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} إلى قوله تعالى: {عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. فصح بنص هاتين الآيتين نصا جليا لا يمكن أن يتأول فيه شيء، أن هذا الحكم إنما هو في المؤمن المقتول خطأ فقط. ثم قال عز وجل: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} فصح بالضرورة التي لا مدخل للشك فيها أن في كان من قوله تعالى: {وإن كان من قوم} ضمير راجع إلى أول مذكور، لا يمكن غير ذلك ألبتة، فإذ لا بد من هذا، والضمير في لغة العرب لا يرجع إلا إلى أقرب مذكور قبله، إلا ببرهان يدل على غير ذلك، فليس في هذه الآيات أقرب مذكور، ولا أبعد مذكور، إلا المؤمن المقتول خطأ فقط. فصح بيقين لا إشكال فيه: أن مراد الله تعالى بقوله: {فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} أنه مؤمن يقتل خطأ، كما قال الحسن، وجابر بن زيد. وصح أن معنى قول الله تعالى: {من قوم بينكم وبينهم ميثاق} إنما هو في قوم إذا كان سكناه فيهم ; لأن رسول الله ﷺ قد حكم بأن لا يرث الكافر المسلم، وأن الدية موروثة. فبطل بيقين أن يرث الكفار الذميون ابن عمهم المؤمن. والدية في العمد إنما وجبت بقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} وبقول رسول الله ﷺ: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى، وأما يقاد فصح بنص القرآن، والسنة: أنه لا دية في العمد إلا حيث يكون القود يقينا. وقد بينا أنه لا قود من المسلم للذمي فإذ لا قود له منه فلا دية له عليه، إذ لم يوجب الدية دون القود في العمد قط قرآن، ولا سنة وبالله تعالى التوفيق. أنا حمام أنا أبو محمد الباجي أنا عبد الله بن يونس أنا بقي بن مخلد أنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قال: إذا قتل المسلم الذمي فليس عليه كفارة.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا محمد بن المنهال أنا يزيد بن زريع أنا يونس، هو ابن يزيد عن الحسن أنه كان لا يرى العتق إلا في قتل المسلم الذمي
وهو قول أبي عياض، وجابر بن زيد. فإن شغبوا بما ناه الطلمنكي، أخبرنا ابن مفرج أنا الصموت محمد بن أيوب أنا البزار أنا محمد بن معاوية الزنادي أنا أبو داود أنا يعقوب بن عبد الله بن نجيد حدثني أبي عن أبيه عن عمران بن الحصين قال: إن رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل فقال رسول الله ﷺ لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلته فأخرجوا عقله فإن يعقوب وأباه وجده مجهولون.
وأما أدبه وسجنه فالثابت عن رسول الله ﷺ المنع من أن يجلد أحد في غير حد أكثر من عشر جلدات، ولقوله ﷺ: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع وقتل الذمي بغير حق منكر فواجب تغييره باليد. وقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فسجن القاتل منع له من الظلم وتعاون على البر والتقوى وإطلاقه عون له على الإثم والعدوان وبالله تعالى التوفيق.
2026 - مسألة: وإن قتل المسلم، أو الذمي البالغان العاقلان مسلما خطأ فالدية واجبة على عاقلة القاتل وهي عشيرته، وقبيلته. وعلى القاتل في نفسه إن كان بالغا عاقلا مسلما: عتق رقبة مؤمنة، ولا بد، فإن لم يقدر عليها لفقره: فعليه صيام شهرين متتابعين، لا يحول بينهما شهر رمضان، ولا بيوم فطر، ولا بيوم أضحى، ولا بمرض، ولا بأيام حيض إن كانت امرأة. وذلك واجب على الذمي، لا أنه لا يقدر في حاله تلك على عتق رقبة مؤمنة، ولا على صيام حتى يسلم، فإن أسلم يوما ما لزمه العتق، أو الصيام فإن لم يسلم حتى مات لقي الله عز وجل. وذلك زائد في إثمه وعذابه، ولا يصوم عنه وليه هذا كله نص القرآن الذي لا يجهله من له في العلم أقل حظ.
وأما كون الدية على عشيرته فلما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد أنا الليث، هو ابن سعد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب عن أبي هريرة قضى رسول الله ﷺ في جنين امرأة سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله ﷺ بأن ميراثها لبنيها، وزوجها، أن العقل على عصبتها.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقال الحنفيون، والمالكيون: العقل على أهل الديوان وادعوا أن عمر قضى بذلك، وذلك لا يصح، ولو صح لما كانت فيه حجة ; لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ ويعيذ الله تعالى عمر من أن يكون يحيل حكم رسول الله ﷺ ويحدث حكما آخر بغير وحي من الله تعالى وهذا عظيم جدا.
قال أبو محمد رضي الله عنه: فمن لم يكن له من المسلمين خاصة عصبة فمن سهم الغارمين، أو من كل مال موقوف لجميع مصالح المسلمين ; لقول الله عز وجل: {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، ولا حظ في المال المذكور لكافر ذميا كان أو غيره وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولنا: لا يحول بين الشهرين برمضان، ولا بأضحى، ولا بمرض، ولا أيام حيض فلأن الله عز وجل أمر بهما متتابعين، وأما إذا حال بينهما شيء مما ذكرنا فليسا متتابعين، ولم يخص الله عز وجل حيلولة بغير عذر من حيلولة بعذر. وتؤخر المرأة صيامها حتى ترتفع حيضتها ; لأنها لا تقدر على المتابعة، ففرضها أن تؤخر حتى تقدر كالمريض وغيره. ولو بدأهما في أول شعبان ثم سافر رمضان كله أجزأه إتمام الشهرين فيه ثم يقضي رمضان كما أمره الله تعالى.
وأما الذمي فإن كل كافر من جن أو إنس ففرض عليهم ترك كل دين والرجوع إلى الإسلام، والتزام شرائعه لا يقول غير هذا مسلم ; لأنه بهذا جاء القرآن وعليه حارب رسول الله ﷺ من خالفه ولم يؤمن به، وبذلك وجب الخلود في النار على من لم يسلم، فإذ كل كافر فملزم دين الإسلام، ومأمور به، فحكمه لازم لهم، وشرائعه كذلك، إلا أن منها ما لا يقبل منهم حتى يسلموا، كالصلاة هي فرض على الجنب، وغير المتوضئ، إلا أنها لا تقبل منهما إلا حتى يغتسل الجنب ويتوضأ المحدث.
وأما قولنا: لا يصوم عن الكافر وليه بخلاف المسلم يموت وعليه صيام ; لأنه لا يصوم الولي إلا ما لو صامه الميت لاجزأه، وليس هذا صفة الكافر وبالله تعالى التوفيق.