الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثامنة والعشرون

كتاب الدماء والقصاص والديات

أحكام الجنين

2126 - مسألة: أحكام الجنين

قال علي : في الجنين أحكام , وهي : ما في الجنين من الغرامة. وما في صفة الجنين. وحكمه قبل نفخ الروح فيه , أو بعد نفخه فيه. والمرأة تولد على نفسها الإسقاط. وإن كان الجنين أكثر من واحد. وإن خرج حيا ثم مات. والمجني عليها تلقي الجنين بعد موتها. وامرأة داوت بطن حامل فألقت جنينا. وهل في الجنين كفارة أم لا وجنين الأمة. وجنين الكتابية. خرج بعض الجنين ولم يخرج كله. وجنين الدابة. ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون كل ذلك بابا بابا وبالله تعالى التوفيق.


2127 – مسألة: الحامل تقتل ؟

قال علي : إن قتلت حامل بينة الحمل , فسواء طرحت جنينها ميتا أو لم تطرحه : فيه غرة ، ولا بد ; لما ذكرنا من أنه جنين أهلك وهذا قد اختلف الناس فيه : كما ، حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا عبد الله يونس ، حدثنا بقي بن مخلد ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنه كان يقول : إذا قتلت المرأة وهي حامل , قال : ليس في جنينها شيء حتى تقذفه وبهذا يقول مالك.

قال علي : لم يشترط رسول الله ﷺ في الجنين إلقاءه , ولكنه قال عليه الصلاة والسلام في الجنين غرة عبد أو أمة كيفما أصيب ألقي أو لم يلق ففيه الغرة المذكورة. وإذا قتلت الحامل فقد تلف جنينها بلا شك , وبالله تعالى التوفيق.


2128 - مسألة: هل في الجنين كفارة أم لا ؟

قال علي : نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي أنا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما على من قتل من لم يستهل ؟ قال : أرى أن يعتق أو يصوم . وبه - إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل ضرب امرأته فأسقطت ؟ قال : يغرم غرة ، وعليه عتق رقبة ، ولا يرث من تلك الغرة شيئا ، هي لوارث الصبي غيره . وبه : إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال في المرأة تشرب الدواء أو تستدخل الشيء فيسقط ولدها ؟ قال : تكفر وعليها غرة . قال أبو محمد : فطلبنا : هل هذا القول حجة أم لا ؟ فوجدناهم يذكرون : ما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عمر بن ذر قال : سمعت مجاهدا يقول : مسحت امرأة بطن امرأة حامل فأسقطت جنينا ؟ فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمرها أن تكفر بعتق رقبة - يعني : التي مسحت . قال علي : هذه رواية عن عمر - رضي الله عنه - ولا يعرف له في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وعهدنا بالحنفيين ، والمالكين ، والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ، وهذا حكم إمام - وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه - بحضرة الصحابة ، لا يعرف أنه أنكره أحد منهم - وهم إذا وجدوا مثل هذا طاروا به ، وشنعوا على خصومهم مخالفته . وهم كما ترى قد استسهلوا خلافه هاهنا ، وقد جعلوا حكما مأثورا عن عمر في تنجيم الدية في ثلاث سنين لا يصح عنه أصلا : حجة ينكرون خلافها ، وجعلوا حكمه بالعاقلة على الدواوين : حجة ينكرون خلافها ، ولم يجعلوا إيجابه هاهنا كفارة على التي مسحت بطن حامل فألقت جنينا ميتا بعتق رقبة : حجة هاهنا يقولون بها ، وهذا تحكم في الدين لا يستحله ذو ورع ، وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : أما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ وإن لم يأت بإيجاب الكفارة في ذلك نص عن رسول الله ﷺ على العموم ، فلا يجوز أن يطلق - على العموم - القول بها ، لكنا نقول - وبالله تعالى التوفيق : إن الله تعالى يقول {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} . وقال رسول الله ﷺ عن ربه تعالى: خلقت عبادي كلهم حنفاء . وقال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} وقال رسول الله ﷺ: كل مولود يولد على هذه الملة وقد ذكرناه قبل بإسناده ، فكل مولود فهو على الفطرة ، وعلى ملة الإسلام . فصح أن من ضرب حاملا فأسقطت جنينا ، فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل تمامها فلا كفارة في ذلك ، لكن الغرة واجبة فقط ؛ لأن رسول الله ﷺ حكم بذلك ، ولم يقتل أحدا ، لكن أسقطها جنينا فقط . وإذ لم يقتل أحدا - لا خطأ ولا عمدا - فلا كفارة في ذلك ، إذ لا كفارة إلا في قتل الخطأ ، ولا يقتل إلا ذو روح ، وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد . وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر ، وتيقنت حركته بلا شك ، وشهد بذلك أربع قوابل عدول ، فإن فيه : غرة عبد أو أمة فقط ؛ لأنه جنين قتل ، فهذه هي ديته ، والكفارة واجبة بعتق رقبة {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} ؛ لأنه قتل مؤمنا خطأ . وقد صح عن النبي ﷺ أن الروح ينفخ فيه بعد مائة ليلة وعشرين ليلة - وقد ذكرناه قبل وهذا نص القرآن ، وقد وافقنا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فإن قال قائل : إن رسول الله ﷺ لم يوجب هاهنا كفارة ؟ قلنا : لم يأت لها ذكر في حديث الجنين ، وليست السنن كلها مأخوذة من آية واحدة ، ولا من سورة واحدة ، ولا من حديث واحد ، وإذ أوجب الله تعالى في قتل المؤمن خطأ كفارة ، وأخبر رسول الله ﷺ أنه تعالى خلق عباده حنفاء كلهم فهو إذ خلق الله فيه الروح فهو مؤمن حنيف بنص القرآن ، ففيه الكفارة . وهذه الآية زائدة شرع على ما في حديث الجنين ، وأوامر الله تعالى مقبولة كلها ، لا يحل رد شيء لشيء منها أصلا - ومن خالف هذا فقد عصى الله تعالى فيما أمر به . فإن قيل : فأوجبوا فيه حينئذ مائة من الإبل ، إذ هي الدية عندكم ؟ . قلنا وبالله تعالى التوفيق - لا يجوز هذا ؛ لأن الله تعالى إنما قال {فدية مسلمة إلى أهله} ولم يبين لنا تعالى في القرآن مقدار تلك الدية ، لكن وكل تعالى ذلك إلى بيان رسوله ﷺ ففعل - عليه الصلاة والسلام - فبين لنا ﷺ أن دية من خرج إلى الدنيا فقتل ، مائة من الإبل في الخبر الثابت إذ ودى بذلك عبد الله بن سهل رضي الله عنه . وبين لنا - عليه الصلاة والسلام - أن دية الجنين بنص لفظه عليه الصلاة والسلام " غرة " من العبيد أو الإماء ، وسماه " دية " . كما أوردنا آنفا من طريق أبي هريرة رضي الله عنه بأصح إسناد يكون فكانت الدية مختلفة لبيان رسول الله ﷺ ذلك لنا وكانت الكفارة واحدة ؛ لأن رسول الله ﷺ لم يفرق بين أحكام الكفارة في ذلك ؟ فلو أراد الله تعالى أن يكون حكم الكفارات في ذلك مختلفا لبين لنا ذلك على لسان رسول الله ﷺ فإذا لم يفعل ذلك فما أراد الله تعالى قط أن يختلف حكم شيء من ذلك ؟ وهذه أمور ضرورية لا يسع أحدا مخالفتها ، وإنما احتجنا إلى شهادة القوابل ليثبت عندنا أنها قد تجاوزت أربعة أشهر مائة وعشرين ليلة تامة - وإلا فلو علمنا أنها قد تجاوزتها - بما قل أو كثر - لما احتجنا إلى شهادة أحد بالحركة ؛ لأن أوثق الشهود ، وأصدق الناس ، وأثبت العدول : شهد عندنا أن الروح ينفخ فيه بعد المائة وعشرين ليلة ، فما يحتاج بعد شهادته عليه الصلاة والسلام إلى شهادة أحد - والحمد لله رب العالمين . فإن قال قائل : فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين : فقتلته ، أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله ؟ فمن قولنا : أن القود واجب في ذلك ولا بد ، ولا غرة في ذلك حينئذ ، إلا أن يعفي عنه فتجب الغرة فقط ، لأنها دية ، ولا كفارة في ذلك ، لأنه عمد ، وإنما وجب القود ؛ لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدا ، فهو نفس بنفس ، وأهله بين خيرتين : إما القود ، وإما الدية ، أو المفاداة ، كما حكم رسول الله ﷺ فيمن قتل مؤمنا - وبالله تعالى التوفيق .


2129 - مسألة: المرأة تتعمد إسقاط ولدها

قال علي : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج عن عبدة الضبي أن امرأة كانت حبلى فذهبت تستدخل فألقت ولدها فقال إبراهيم النخعي : عليها عتق رقبة لزوجها عليها غرة : عبد , أو أمة. حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد العزيز بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي ، أنه قال في امرأة شربت دواء فأسقطت قال : تعتق رقبة , وتعطي أباه غرة.

قال أبو محمد : هذا أثر في غاية الصحة.

قال علي : إن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها , وإن كان قد نفخ فيه الروح : فإن كانت لم تعمد قتله. فالغرة أيضا على عاقلتها , والكفارة عليها. وإن كانت عمدت قتله فالقود عليها , أو المفاداة في مالها. فإن ماتت هي في كل ذلك قبل إلقاء الجنين ثم ألقته : فالغرة واجبة في كل ذلك , في الخطأ على عاقلة الجاني هي كانت أو غيرها

وكذلك في العمد قبل أن ينفخ فيه الروح.

وأما إن كان قد نفخ فيه الروح فالقود على الجاني إن كان غيرها.

وأما إن كانت هي فلا قود , ولا غرة , ولا شيء ; لأنه لا حكم على ميت , وماله قد صار لغيره وبالله تعالى التوفيق.


2130 - مسألة: فيمن ألقت جنينين فصاعدا

قال علي : حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا عبد الله بن يونس ، حدثنا بقي بن مخلد ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا معن بن عيسى ، عن ابن أبي ذئب عن الزهري في امرأة ضربت فأسقطت ثلاثة أسقاط قال : أرى أن في كل واحد منهم غرة , كما أن في كل واحد منهم الدية.

ومن طريق ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد أن ربيعة قال في امرأة ضربت فألقت جنينين : أنه يدي كل واحد منهما بغرة : أو أمة. وقال الزهري : إن أسقطت ثلاثة ففي كل واحد منهم غرة تبين خلقه أو لم يتبين : أنه حمل. وبه : إلى ابن وهب أخبرني الليث بن سعد الأنصاري ، أنه قال في الجنين إذا طرح ميتا غرة : عبد أو وليدة فإن كان اثنين ففيهما غرتان.

قال علي : وبهذا نقول ; لأن رسول الله ﷺ قال : دية جنينها عبد , أو أمة وكل جنين ولو أنهم عشرة فهو جنين لها , ففي كل جنين غرة : عبد أو أمة , فلو قتلوا بعد الحياة ففي كل واحد دية , وكفارة , وبالله تعالى التوفيق.


2131- مسألة: من يرث الغرة

قال علي : اختلف الناس فيمن تجب له الغرة الواجبة في الجنين : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي في امرأة شربت دواء فأسقطت قال : تعتق رقبة وتعطي أباه غرة. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أنه سئل في رجل ضرب امرأته فأسقطت لمن دية السقط قال : بلغنا في السنة أن القاتل لا يرث من الدية شيئا , فدية على فرائض الله تعالى , ليس للذي قتله في ذلك شيء

وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة , وأبي حنيفة , ومالك , والشافعي. وقال آخرون غير ذلك : كما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا محمد بن قيس عن الشعبي ، أنه قال في رجل ضرب امرأته حتى أسقطت , قال الشعبي : عليه غرة يرثها , ويديه وبهذا القول يقول أبو سليمان , وجميع أصحابنا.

قال علي : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتبعه :

فنظرنا في قول من رأى أن الغرة موروثة , كمال تركه الميت فوجدناهم يقولون : إن الغرة دية , فهي كحكم الدية , والدية قد صح أنها موروثة على فرائض المواريث , فالغرة كذلك. وقالوا : إن رسول الله ﷺ أفرد ما يجب في الجنين عما يجب في أمه : فجعل في الأم دية , وجعل في الجنين غرة

فصح أن حكم الغرة كحكم دية النفس , لا كحكم دية الأعضاء. وقالوا : قد صح الأتفاق على أن امرأ لو جني عليه ما يوجب دية فمات فإنه موروثه عنه , فكذلك الجنين فيما وجب في الجناية له. وقالوا : لو كان واجبا أن تكون للأم لوجب إذا جني عليها فماتت , ثم ألقت جنينا : أن لا يجب فيه شيء ; لأن الميت لا يستحق شيئا بعد موته

قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به , لا نعلم لهم حجة غير هذا , وكل هذا ليس لهم فيه حجة , لما نذكره إن شاء الله تعالى : أما قولهم : إن الغرة دية فهي كحكم الدية , وقد صح أن الدية موروثة على فرائض المواريث , فالغرة كذلك فإن هذا قياس , والقياس كله فاسد , ثم لو صح القياس يوما ما لكان هذا منه باطلا ; لأن حكم القياس عند القائلين به إنما يرونه فيما عدم فيه النص , لا فيما فيه النص.

وأما النص فإنما جاء في الدية الموروثة فيمن قتل عمدا أو خطأ , لا فيمن لم يقتل أحدا , والجنين الذي لم ينفخ فيه الروح لم يقتل قط , فقياس دية من لم يقتل , على دية من قتل : باطل لو كان القياس حقا ; لأنه قياس الشيء على ضده فبطل هذا القياس وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : وأما نحن فإن القول عندنا وبالله تعالى نتأيد هو أن الجنين إن تيقنا أنه قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة , فإن الغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه لو خرج حيا فمات , على حكم المواريث , وإن لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين ليلة فالغرة لأمه فقط. برهاننا على ذلك : أن الله تعالى قال : {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}.

وقال رسول الله ﷺ : من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين فذكر عليه الصلاة والسلام القود , أو الدية , أو المفاداة على ما ذكرنا قبل فصح بالقرآن , والسنة : أن دية القتيل في الخطأ والعمد مسلمة لأهل القتيل , والقتيل لا يكون إلا في حي : نقله القتل عن الحياة إلى الموت , بلا خلاف من أهل اللغة التي بها نزل القرآن , وبها خاطبنا رسول الله ﷺ . والجنين بعد مائة ليلة وعشرين ليلة : حي بنص خبر الرسول الصادق المصدوق ﷺ وإذ هو حي , فهو قتيل قد قتل بلا شك , وإذ هو قتيل بلا شك , فالغرة التي هي ديته واجبة أن تسلم إلى أهله بنص القرآن , وقد اتفقت الأمة على أن الورثة الذين يسلم لهم الدية أنهم يقتسمونها على سنة المواريث بلا خلاف.

وأما إذا لم يوقن أنه تجاوز مائة ليلة وعشرين ليلة , فنحن على يقين من أنه لم يحيا قط , فإذا لم يحيا قط , ولا كان له روح بعد , ولا قتل , وإنما هو ماء , أو علقة من دم , أو مضغة من عضل , أو عظام , ولحم : فهو في كل ذلك بعض أمه , فإذ ليس حيا بلا شك , فلم يقتل , لأنه لا يقتل موات , ولا ميت , وإذ لم يقتل , فليس قتيلا , فليس لديته حكم دية القتيل ; لأن هذا قياس والقياس كله باطل , ولو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل , وإنما يقاس عند أهل القياس الشيء على نظيره , لا على ضده ومن ليس قتيلا فهو غير مشبه للقتيل , فلا يجوز القياس هاهنا على أصول أصحاب القياس , وإذ ليس قتيلا , فهو بعض من أبعاضها , ودم من دمها , ولحم من لحمها , وبعض حشوتها بلا شك , فهي المجني عليها , فالغرة لها بلا شك , فإن ماتت ثم طرحت الجنين ولم يوقن أنه أتم عشرين ومائة ليلة فالجنين لورثة الأم ; لأنه بنفس الجناية وجب لها , فهي موروثة عنها.

قال أبو محمد : وإن العجب ليكثر ممن يراعي في المولود الأستهلال , فإن لم يستهل لم يقد به , ولا ورث منه , ثم يورث منه الغرة وهو لم يحيا قط , فكيف أن يستهل ونسألهم عن مولود ولد فرضع وتحرك ولم يستهل , ثم قتل عمدا أو خطأ ماذا ترون فيه أغرة أم دية

فإن قالوا : غرة , أتوا بطريقة له لم يقلها أحد قبلهم

وإن قالوا : بل دية أمه , نقضوا أصولهم , إذ جعلوا في قتل ميت دية كاملة أو قودا.

فإن قالوا : ليس ميتا

قلنا لهم : قوي العجب أن لا تورثوا حيا وكل هذه أقوال ينقض بعضها بعضا وبالله تعالى التوفيق. :

روينا من طريق مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , ، ومحمد بن عبد الله بن نمير قال كل واحد منهما : حدثنا وكيع , وأبو معاوية , قالا جميعا : حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق , قال يجمع أحدكم خلقه في بطن أمه أربعين يوما , ثم يكون علقة مثل ذلك , ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك , ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد وذكر باقي الحديث.

قال علي : وما لم يوقن تمام المائة والعشرين ليلة بجميع أيامها فهو على ما تيقناه من مواتيته , ولا يجوز أن نقطع له بانتقاله إلى الحياة عن المواتية المتيقنة إلا بيقين ,

وأما بالظنون فلا وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الدماء والقصاص والديات
كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2022 - 2024) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2025) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2025 - 2026) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2029 - 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 3 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2031 - 2037) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2038 - 2050) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2051 - 2059) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2060 - 2074) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2075 - 2078) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2079 - 2085) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2086 - 2089) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2090 - 2093) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2094 - 2096) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2097 - 2100) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2101 - 2103) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2104 - 2112) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2113 - 2115) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2116 - 2118) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2119 - 2125) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2126 - 2131) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2132 - 2134) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2135 - 2143)