→ كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2022 - 2024) | ابن حزم - المحلى كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2025) ابن حزم |
كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2025 - 2026) ← |
كتاب الدماء والقصاص والديات
2025 - مسألة: وإن قتل مسلم عاقل بالغ: ذميا، أو مستأمنا عمدا، أو خطأ فلا قود عليه، ولا دية، ولا كفارة ولكن يؤدب في العمد خاصة، ويسجن حتى يتوب كفا لضرره.
برهان ذلك: قول الله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} إلى قوله تعالى: {وكان الله عليما حكيما}. فهذا كله في المؤمن بيقين والضمير الذي في كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله راجع ضرورة لا يمكن غير هذا إلى المؤمن المذكور أولا، ولا ذكر في هذه الآية لذمي أصلا، ولا لمستأمن فصح يقينا أن إيجاب الدية على المسلم في ذلك لا يجوز ألبتة، وكذلك إيجاب القود عليه، ولا فرق. وقد اختلف الناس في هذا: فقالت طائفة منهم: أبو حنيفة: يقاد المسلم بالذمي في العمد، وعليه في قتله خطأ الدية والكفارة، ولا يقتل بالمعاهد وإن تعمد قتله، ولا نعلم له في قوله هذا سلفا أصلا.
وقالت طائفة منها مالك: لا يقاد المسلم بالذمي إلا أن يقتله غيلة، أو حرابة، فيقاد به، ولا بد وعليه في قتله خطأ أو عمدا غير غيلة الدية فقط، والكفارة في الخطأ.
وقالت طائفة منها الشافعي: لا يقاد المسلم بالذمي أصلا، لكن عليه في قتله إياه عمدا أو خطأ الدية، والكفارة. وجاء في ذلك عن السلف.
ما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي: أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة فأقاده عمر بن الخطاب قال وكيع: وحدثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة بمثله سواء سواء وهذا مرسل. أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا قاسم بن أصبغ أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن المثنى أنا عبد الله بن إدريس الأودي عن ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة: أن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، قالا جميعا: من قتل يهوديا، أو نصرانيا قتل به وهذا مرسل أيضا. وصح هذا عن عمر بن عبد العزيز: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن ميمون، قال: شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميا: فأمره أن يدفعه إلى وليه، فإن شاء قتله، وإن شاء عفا عنه قال ميمون: فدفع إليه فضرب عنقه وأنا أنظره وصح أيضا عن إبراهيم النخعي: كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي، قال: المسلم الحر يقتل باليهودي والنصراني
وروي عن الشعبي مثله وهو قول ابن أبي ليلى، وعثمان البتي، وأحد قولي أبي يوسف. وقد اختلف عن عمر بن عبد العزيز في ذلك: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قاضي اليمن قال: كتب عمر بن عبد العزيز في زياد بن مسلم وكان قد قتل هنديا باليمن: أن أغرمه خمسمائة، ولا تقده به. وقول آخر رويناه أيضا عن عمر بن الخطاب في المسلم يقتل الذمي: إن كان ذلك منه خلقا وعادة، وكان لصا عاديا فأقده به وروي: فاضرب عنقه وإن كان ذلك في غضبه، أو طيرة، فأغرمه الدية وروي فأغرمه أربعة آلاف، ولا يصح عن عمر ; لأنه من طريق عبد الله بن محرر وهو هالك عن أبي مليح بن أسامة: أن عمر وهذا مرسل، ومن طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز في كتاب لأبيه: أن عمر.
ومن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن القاسم بن أبي بزة أن عمر، وهذا مرسل. أو من طريق سوء فيها: عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أسد بن موسى عن سعيد بن أبي عروبة عن عمرو بن دينار: أن عمر وهذا مرسل. وقول آخر وهو أنه لا يقتل المسلم بالذمي إلا أن يقتله غيلة: رويناه عن عثمان بن عفان من طريق هالكة مرسلة فيها: عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن مطرف، عن ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب الهذلي قال: كتب عبد الله بن عامر إلى عثمان: أن رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله فكتب إليه عثمان: أن أقتله به فإن هذا قتل غيلة على الحرابة: ورويناه أيضا عن أبان بن عثمان، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ورجال كثير من أبناء الصحابة أصحاب رسول الله ﷺ إلا أن كل ذلك من رواية عبد الملك بن حبيب الأندلسي وفي بعضها ابن أبي الزناد وهو ضعيف وبعضها مرسل، ولا يصح منها شيء. وقول آخر لا يقتل به، كما روينا بالرواية الثابتة من طريق شعبة أنا عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب عمر بن الخطاب: أن يقاد به ثم كتب عمر كتابا بعده: أن لا تقتلوه، ولكن اعقلوه.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا سليمان بن حرب أنا حماد بن زيد عن كثير بن زياد عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب: لا يقتل مؤمن بكافر.
ومن طريق إسماعيل، أخبرنا يحيى بن خلف أنا أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب في قتل المسلم النصراني أن عثمان بن عفان قضى: أن لا يقتل به، وأن يعاقب.
ومن طريق عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا فدفع إلى عثمان بن عفان فلم يقتله به، وغلظ عليه الدية كدية المسلم قال الزهري: وقتل خالد بن المهاجر، هو ابن خالد بن الوليد رجلا ذميا في زمن معاوية فلم يقتله به، وغلظ عليه الدية ألف دينار.
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا في غاية الصحة عن عثمان، ولا يصح في هذا شيء غير هذا عن أحد من الصحابة إلا ما ذكرنا عن عمر أيضا من طريق النزال بن سبرة.
ومن طريق عبد الرزاق أنا رباح بن عبد الله بن عمر أخبرني حميد الطويل: أنه سمع أنس بن مالك يحدث أن يهوديا قتل غيلة فقضى فيه عمر بن الخطاب باثني عشر ألف درهم.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا سليمان بن حرب أنا أبو هلال أنا الحسن البصري: أن علي بن أبي طالب قال: لا يقتل مؤمن بكافر. ورويت بذلك مرسلات من طريق الصحابة جملة، وعن أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مولى ابن عباس قال في المسلم يقتل الذمي: لا يقتل به، وفيه الدية.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز وهو قول سفيان الثوري، وابن شبرمة، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل وأبي ثور، وإسحاق، وأبي سليمان، وابن المنذر، وجميع أصحابهم وإليه رجع زفر بن الهذيل.
روينا ذلك: من طريق أبي عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي عنه.
قال أبو محمد رضي الله عنه: أما قول أبي حنيفة في تفريقه بين الذمي، والمعاهد، فما نعلم له حجة لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من رواية سقيمة، ولا من رواية عن أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من قياس، ولا من رأي له وجه فسقط بيقين.
وكذلك وجدنا من فرق بين المرة، وبين الإكثار من ذلك، لا حجة لهم من قرآن، ولا من سنة، ولا من رواية سقيمة، ولا من رواية ثابتة عن أحد من الصحابة، رضي الله عنهم، ولا من قياس، ولا من رأي له وجه.
وأما قول مالك في الفرق بين الغيلة وغيرها وكذلك أيضا سواء سواء، إلا أنهم قالوا: إنما قتلناه للحرابة. فقلنا: أنتم لا تقولون بالترتيب في حد الحرابة، ولو قلتموه لكنتم متناقضين أيضا; لأنه لا خلاف بين أحد ممن قال بالترتيب في أنه لا يقتل المحارب إن قتل في حرابة، من لا يقتل به إن قتله في غير الحرابة، وأنتم لا تقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة فظهر فساد هذا التقسيم بيقين.
وأما المشهور من قول المالكيين أنهم يقولون بتخيير الإمام في قتل المحارب، أو صلبه، أو قطعه، أو نفيه فمن أين أوجبوا قتل المسلم بالذمي، ولا بد في الحرابة وتركوا قولهم في تخيير الإمام فيه فوضح فساد قولهم بيقين لا إشكال فيه، وأنه لا حجة لهم أصلا وبالله تعالى التوفيق. ثم نظرنا في قول من قال: يقتل المسلم بالذمي، وبالمعاهد، فوجدناهم يحتجون بقول الله عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} قالوا: هذا عموم. وبقوله تعالى: {والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. وقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}. وقوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وبقوله عز وجل: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}. وبقوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}. وقوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}. قالوا: وذو العهد وإن كان كافرا فإنه إن قتل بغير حق فهو مظلوم بلا شك. وبالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما يودى
وأما يقاد. وبالخبر الثابت عنه ﷺ أيضا لا يحل دم رجل مسلم إلا ثلاثة نفر، فذكر فيهم النفس بالنفس.
قال علي: وسنذكرهما بأسانيدهما إن شاء الله تعالى بعد هذا.
قال أبو محمد رضي الله عنه: واحتجوا بما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني يرفعه إلى النبي ﷺ: أنه أقاد مسلما قتل يهوديا، وقال: أنا أحق من وفى بذمته. ورواه بعض الناس عن يحيى بن سلام عن محمد بن أبي حميد المدني عن محمد بن المنكدر قال: إن رسول الله ﷺ وذكروا أشياء ادعوا فيها الإجماع وهو أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما مات أبوه رضي الله عنه قتل الهرمزان وكان مسلما، وقتل جفينة وكان نصرانيا، وقتل بنية صغيرة لأبي لؤلؤة وكانت تدعي الإسلام فأشار المهاجرون على عثمان بقتله قالوا: فظاهر الأمر أنهم أشاروا بقتله بهم ثلاثتهم. وقالوا: كما لا خلاف في أن المسلم يقطع إن سرق من مال الذمي، والمستأمن، فقتله بهما أولى ; لأن الدم أعظم حرمة من المال، وقالوا لنا خاصة: أنتم تحدون المسلم إن قذف الذمي، والمستأمن، وتمنعون من قتله بقتله لهما وهذا عجب جدا واحتجوا على الشافعيين بقولهم: إن قتل ذمي ذميا ثم أسلم فإنه يقتل به عندكم، ولا فرق بين قتلكم مسلما بكافر، وبين قتلكم مسلما بكافر في المسألة الأخرى.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه: أما قول الله عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} فإن هذا مما كتب الله عز وجل في التوراة، ولا تلزمنا شرائع من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام ثم لو صح أننا ملزمون ذلك لكان القول في هذه الآية كالقول في الآيات الأخر التي ذكرناها بعدها، وفي الأخبار الثابتة التي أوردنا، وفيها أو نفس بنفس.
وأيضا ففي آخر هذه الآية بيان أنها في المؤمنين بالمؤمنين خاصة ; لأنه
قال عز وجل في آخرها: {فمن تصدق به فهو كفارة له}، ولا خلاف بيننا وبينهم في أن صدقة الكافر على ولي الكافر الذمي المقتول عمدا لا تكون كفارة له فبطل تعلقهم بهذه الآية.
وأما قوله عز وجل: {والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فإن الخطاب في هذه الآيات للمؤمنين لا للكافرين، فالمؤمنون هم المخاطبون في أول الآية، وآخرها بأن يعتدوا على من اعتدى عليهم، بمثل ما اعتدى به عليهم وليس فيها: أن يعتدي غير المؤمنين على المؤمنين باعتداء يكون من المؤمنين عليهم أصلا. وإنما وجب القصاص من الذمي للذمي بقول الله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} لا بالآية المذكورة.
وأما قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} فهو أيضا في المؤمن يساء إليه خاصة ; لأن نصها وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله، ولا خلاف في أن هذا ليس للكفار، ولا أجر لهم ألبتة.
وأما قوله عز وجل: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} فكذلك أيضا إنما هو خطاب للمؤمنين خاصة، يبين ذلك ضرورة قوله تعالى فيها: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}، ولا خير لكافر أصلا صبر أو لم يصبر.
قال الله عز وجل: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}.
وأما قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق} وقوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}. وقوله تعالى: {ثم بغي عليه لينصرنه الله}. وقوله عز وجل: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} الآية. والأخبار الثابتة التي فيها النفس بالنفس و من قتل له قتيل فإما يودى وإما يقاد. فإن كل ذلك يخص بقول الله عز وجل: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون}. وبقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وبقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}. فوجب يقينا أن المسلم ليس كالكافر في شيء أصلا، ولا يساويه في شيء، فإذ هو كذلك فباطل أن يكافئ دمه بدمه، أو عضوه بعضوه أو بشرته ببشرته فبطل أن يستقاد للكافر من المؤمن، أو يقتص له منه فيما دون النفس إذ لا مساواة بينهما أصلا. ولما منع الله عز وجل أن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا وجب ضرورة أن لا يكون له عليه سبيل في قوده، ولا في قصاص، أصلا ووجب ضرورة استعمال النصوص كلها، إذ لا يحل ترك شيء منها. ومن فضائح الحنفيين المخزية لقائلها في الدنيا والآخرة قطعهم يد المسلم بيد الذمي الكافر، ومنعهم من قطع يد الرجل المسلم بيد المرأة الحرة المسلمة، نعم، ولا يقطعون يد الذمي الكافر إن تعمد قطع يد امرأة حرة مسلمة، فاعجبوا لهذه المصائب مع قول الله عز وجل: {إنما المؤمنون إخوة}. فإن اعترضوا في الآية المذكورة بما روينا من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن زر عن يسيع الكندي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال له: كيف تقرأ هذه الآية {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وهم يقتلون يعني المسلمين
فقال علي: فالله يحكم بينهم يوم القيامة، ولن يجعل الله للكافرين يوم القيامة على المؤمنين سبيلا.
قال أبو محمد رضي الله عنه: يسيع الكندي مجهول لا يدري أحد من هو وجواب هذا السائل: أن هذه الآية حق واجب في الدنيا والآخرة، إنما منع الله تعالى من أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل بحق يجعله الله تعالى له، ويأمر بإنفاذه للكافر على المسلم في الدنيا ويوم القيامة.
وأما بالظلم والتعدي فلم يؤمنا الله تعالى قط من ذلك، كما أطلق أيدي الكفار فيما خلا على بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقتلوهم، وعلى رسوله محمد ﷺ فجرحوا وجهه المقدس، وكسروا ثنيته بنفسي هو، وبأبي وأمي. وكما أطلق ألسنة الحنفيين، وأيدي من وافقهم بإيجاب الباطل في القصاص للكافر من المسلم وكل ذلك ظلم لم يأمر الله تعالى به، ولا رضيه، ولا جعله حقا، بل أنكره عز وجل أشد الإنكار نعم، وفي الآية التي فيها {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} وهذا نص جلي بأنها في المؤمنين خاصة، بعضهم في بعض فقط ; لأنهم إخوة كلهم، فاسقهم وصالحهم، عبدهم وحرهم، وليس أهل الذمة إخوة لنا، ولا كرامة لهم.
وكذلك قوله تعالى: {فقد جعلنا لوليه سلطانا} فمعاذ الله أن يكون هذا لكافر، والله ما جعل تعالى لهم قط بحكم دينه سلطانا، بل جعل لهم الصغار، قال عز وجل: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
فإن قالوا: فإذ لا يساووننا فلم قتلتم الكافر بالمؤمن. قلنا: ولا كرامة أن نقتله به قودا، بل قتلناه ; لأنه نقض الذمة، وخالف العهد بخروجه عن الصغار، وكذلك نقتله إن لطم مسلما أو سبه، ونستفيء جميع ماله بذلك، ونسبي أهله وصغار ولده.
فإن قالوا: فلم تحكمون على المسلم برد ما غصبه من الذمي أو منعه إياه من المال
قلنا: ليس في هذا سبيل له على المسلم، إنما هي مظلمة يبرأ منها المسلم تنزيها له عن حبسها فقط.
قال أبو محمد رضي الله عنه: ويوضح هذا غاية الوضوح: ما رويناه من طريق أبي داود السجستاني قال: أنا أحمد بن حنبل، أخبرنا يحيى بن سعيد القطان أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا وآخر ذكره إلى علي بن أبي طالب.
فقلنا: هل عهد إليك رسول الله ﷺ عهدا لم يعهده إلى الناس عامة قال: لا، إلا ما في كتابي هذا، فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. أنا حمام بن أحمد بن حمام القاضي أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل،، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، قال عبد الله: أنا أبي، وقال الترمذي: أنا الحميدي، ثم اتفق أحمد بن حنبل، والحميدي، واللفظ له قالا جميعا: أنا سفيان بن عيينة أنا مطرف بن طريف قال: سمعت الشعبي يقول: أنا أبو جحيفة هو السوائي قال: قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم من رسول الله ﷺ سوى القرآن.
قال علي " لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه، أو ما في الصحيفة قلت: وما في الصحيفة قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر ".
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا لا يحل لمسلم خلافه. فاعترض فيه أهل الجهالة المضلة بأن قالوا: قد روي هذا الخبر من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار أنا الحجاج بن المنهال أنا همام عن قتادة عن أبي حسان، قال: قال علي بن أبي طالب ما عهد إلي رسول الله ﷺ شيئا دون الناس إلا صحيفة في قراب سيفي فلم يزالوا به حتى أخرجها فإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده. قالوا: فمرة رواه قتادة عن الحسن، ومرة رواه عن أبي حسان مرسلا وهذه علة في الخبر .
فقلنا: فكان ماذا ما جعل مثل هذا علة، إلا ذو علة في دينه، وما ندري في رواية قتادة للخبر مرة عن أبي حسان، ومرة عن الحسن: وجها يعترض به، إلا من عدم الحياء، وكابر عين الشمس. وقالوا أيضا: قد رويتم من طريق وكيع أنا أبو بكر الهذلي عن سعيد بن جبير قال: إنما قال رسول الله ﷺ لا يقتل مسلم بكافر إن أهل الجاهلية كانوا يتطالبون بالدماء، فلما جاء الإسلام قال رسول الله ﷺ: لا يقتل رجل من المسلمين بدم أصابه في الجاهلية.
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا عجب جدا، أبو بكر الهذلي: كذاب مشهور ثم لو رواه أيوب عن سعيد بن جبير لما كانت فيه شبهة يتعلق بها مخالف للحق ; لأنه إما رأى ما رآه سعيد بن جبير فهو كسائر الآراء، لا يعترض بها على السنن، ولا كرامة.
وأما سمعه ممن لا يدرى من هو فهذا أبعد له من أن يتعلق به. ثم لو صح أن رسول الله ﷺ قاله لكان هذا خبرا قائما بنفسه، كوضعه عليه الصلاة والسلام دماء الجاهلية في " حجة الوداع " وكان ما في صحيفة علي بن أبي طالب خبرا آخر قائما بنفسه لا يحل تخصيصه بذلك الخبر ; لأنه عمل فاسد بلا برهان، ودعوى بلا بدليل، وضرب للسنن بعضها ببعض، كمن أباح أكل الخنزير، وشرب الخمر بقول الله عز وجل: {وكلوا واشربوا}، ولا فرق. وقالوا أيضا: قد رويتم هذا الخبر من طريق أبي داود السجستاني، قال: أنا مسلم بن إبراهيم أنا محمد بن راشد أنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: لا يقتل مؤمن بكافر فمن قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا أخذوا الدية.
قال أبو محمد رضي الله عنه: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيفة لا يجوز الأحتجاج بها وهي مملوءة مناكير. ثم لو صحت لما كانت لهم فيها حجة، بل كانت تكون حجة لنا عليهم ; لأن فيها أن لا يقتل مؤمن بكافر، فهذه قضية صحيحة قائمة بنفسها وهي قولنا. ثم فيها حكم من قتل عمدا فلو دخل في هذه القضية المؤمن يقتل الذمي عمدا لكانت مخالفة للحكم الذي قبلها وهذا باطل فلو صحت لكانت بلا شك في المؤمن يقتل المؤمن عمدا، لا فيما قد أبطله قبل من أن يقتل مؤمن بكافر. وقالوا: معناه لا يقتل مؤمن بكافر حربي، أو إذا قتله خطأ، فكان هذا من أسخف ما أتوا به، وكيف يجوز أن يظن هذا ذو مسكة عقل، ونحن مندوبون إلى قتل الحربيين، موعودون على قتلهم بأعظم الأجر، أيمكن أن يظن من به طباخ أن النبي ﷺ مع هذا الحال وأمره عليه الصلاة والسلام بالجهاد يتكلف أن يخبرنا أننا لا نقتل بالحربيين إذا قتلناهم، ما شاء الله كان وكذلك القول في تأويلهم السخيف: أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن لا يقتل مؤمن بكافر إذا قتله خطأ هذا والله يقين الكذب على رسول الله ﷺ الموجب للنار، وكيف يمكن أن يسع هذا في دماغ من به مسكة عقل أن يكون مذ بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة قد أمنا أن يقتل منا أحد بألف كافر قتلهم خطأ ثم يتكلف عليه الصلاة والسلام إخبارنا بأن لا يقتل المؤمن بكافر قتله خطأ ثم لا يبين لنا ذلك إلا بكلام مجمل لا يفهم أحد منه هذا المعنى، إنما يأتي به المتكلفون لنصر الباطل، وأما رسول الله ﷺ الذي أعطي جوامع الكلم، وأمره ربه تعالى بالبيان لنا: فلا، ولا كرامة، لقد نزهه الله عز وجل عن هذا وباعده عن أن يظن به ذلك مسلم. وقالوا في قوله عليه الصلاة والسلام لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده تقديم وتأخير، إنما أراد أن يقول: لا يقتل مؤمن، ولا ذو عهد في عهده بكافر وقد صح بلا خلاف وجوب قتل المعاهد بالذمي. فصح أنه إنما أراد بالكافر: الحربي.