→ كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | ابن حزم - المحلى كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الشفعة ← |
كتاب البيوع
1583 - مسألة: وكذلك لو اشترى اثنان فصاعدا سلعة من واحد فوجدا عيبا فأيهما شاء أن يرد رد، وأيهما شاء أن يمسك أمسك؛ لما ذكرنا من أن صفقة كل واحد منهما غير صفقة الآخر. فكذلك لو استحق الثمن الذي دفعه أحدهما، وكان بعينه فإنه ينفسخ، ولا ينفسخ بذلك عقد الآخر في حصته وبالله تعالى التوفيق.
1584 - مسألة: ومن اشترى سلعة فوجد بها عيبا وقد كان حدث عنده فيها عيب من قبل الله تعالى، أو من فعله، أو من فعل غيره فله الرد، كما قلنا، أو الإمساك، ولا يرد من أجل ما حدث عنده شيئا، ولا من أجل ما أحدث هو فيه شيئا؛ لأنه في ملكه وحقه لم يتعد، ولا ظلم فيه أحدا، والغبن قد تقدم، فله ما قد وجب له من رد الغبن الذي ظلم فيه؛ ولأنه لم يوجب عليه في ذلك غرامة قرآن، ولا سنة وبالله تعالى التوفيق.
1585 - مسألة: ومن اشترى جارية، أو دابة، أو ثوبا، أو دارا أو غير ذلك فوطئ الجارية، أو افتضها إن كانت بكرا، أو زوجها فحملت أو لم تحمل، أو لبس الثوب، وأنضى الدابة، وسكن الدار، واستعمل ما اشترى واستغله، وطال استعماله المذكور أو قل، ثم وجد عيبا، فله الرد كما ذكرنا أو الإمساك. ولا يرد مع ذلك شيئا من أجل استعماله لذلك؛ لأنه تصرف في مال نفسه، وفي متاعه بما أباح الله تعالى له، قال الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} فمن لم يلمه الله تعالى وأباح له فعله ذلك: فهو بضرورة العقل محسن. وقال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل}. وإغرام المال سبيل مسبلة على من كلفها، وقد أسقط الله تعالى عنه ذلك ثم هو كسائر واجدي الغبن في أن له الرضا، أو الرد، وبالله تعالى التوفيق.
1586 - مسألة: ومن اطلع فيما اشترى على عيب يجب به الرد فله أن يرد ساعة يجد العيب، وله أن يمسك ثم يرده متى شاء طال ذلك الأمد أم قرب. ولا يسقط ما وجب له من الرد تصرفه بعد علمه بالعيب بالوطء، والأستخدام، والركوب، واللباس، والسكنى، ولا معاناته إزالة العيب، ولا عرضه إياه على أهل العلم بذلك العيب، ولا تعريضه ذلك الشيء للبيع. ولا يسقط ما وجب له من الرد إلا أحد خمسة أوجه لا سادس لها، وهي نطقه بالرضا بإمساكه، أو خروجه كله، أو بعضه عن ملكه، أو إيلاد الأمة، أو موته، أو ذهاب عين الشيء أو بعضها بموت أو غيره
وهو قول أبي ثور، وغيره.
ومن ادعى سقوط ما وجب له من الرد بشيء مما ذكرنا قبل فقد ادعى ما لا برهان له به وهذا باطل.
وبرهان صحة قولنا: هو أن الرد قد وجب له باتفاق منا ومن مخالفينا، وبما أوردنا من براهين القرآن، والسنة في تحريم الغش وإيجاب النصيحة. فهو على ما وجب له، لا يجوز أن يسقط عنه إلا نص، أو إجماع متيقن، ولا سبيل إلى وجودهما ههنا، وليس شيء مما ذكرنا قبل رضا.
وأما سقوط الرد بالرضا أو بخروج الشيء أو بعضه عن الملك أو بذهاب بعض عينه أو كله أو بموته فقد ذكرنا البرهان على ذلك وهو في ذهاب عينه أو بعضها ممتنع منه الرد لما اشترى، والله تعالى يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وأما الإيلاد فقد ذكرنا البرهان على المنع من جواز تمليك المرء أم ولده غيره وبالله تعالى التوفيق.
1587 - مسألة: ومن اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا، كبيض، أو قثاء، أو قرع، أو خشب، أو غير ذلك: فله الرد، أو الإمساك، سواء كان مما يمكن التوصل إلى معرفته أو مما لا يمكن، إلا بكسره أو شقه؛ لأن الغبن لا يجوز، ولا يحل، إلا برضا المغبون ومعرفته بقدر الغبن، وطيب نفسه به، وإلا فهو أكل مال بالباطل، والبائع وإن كان لم يقصد الغش فقد حصل بيده مال أخيه بغير رضا منه، والله تعالى قد حرم ذلك بقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، ولا يمكن وجود الرضا إلا بعد المعرفة بما يرضى به وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان.
1588 - مسألة: ومن اشترى عبدا أو أمة، فبين له بعيب الإباق أو الصرع، فرضيه فقد لزمه، ولا رجوع له بشيء عرف مدة الإباق، وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك؛ لأن جميع أنواع الإباق إباق، وجميع أنواع الصرع صرع، وقد رضي بجملة إطلاق ذلك. فلو قلل له الأمر فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة؛ لأنه غير ما اشترى ولو وجد زيادة على ما بين له فله الخيار في رد أو إمساك؛ لأنه عيب لم يبين له وبالله تعالى التوفيق.
1589 - مسألة: ومن اشترى عدلا على أن فيه عددا مسمى من الثياب، أو كذا وكذا رطلا من سمن أو عسل، أو غير ذلك مما يوزن، أو كذا وكذا تفاحة، أو غير ذلك مما يعد، أو كذا وكذا مدا مما يكال أو اشترى صبرة على أن فيها كذا وكذا قفيزا أو نحو ذلك، أو شيئا على أن فيه كذا وكذا ذراعا، فوجد أقل أو أكثر: فالصفقة كلها مفسوخة أبدا؛ لأنه أخذ غير ما اشترى، فهو أكل مال بالباطل لا بتجارة عن تراض. وبالضرورة يدري كل سليم الحس أن العدل الذي فيه خمسون ثوبا ليس هو العدل الذي فيه تسعة وأربعون ثوبا، ولا هو أيضا العدل الذي فيه واحد وخمسون ثوبا، وهكذا أيضا في سائر الأعداد، والأوزان، والأكيال، والذرع. فلو لم يقع عقد البيع على ذلك لكن المعهود والمعروف أن في تلك الأعدال عددا معروفا، وكذلك تلك الصبرة، وكذلك سائر المكيلات، والموزونات، والمذروعات، والمعدودات، أو وصفه البائع بتلك الصفة، إلا أن البيع لم ينعقد على ذلك. فإن كان ما وجد من النقص يحط من الثمن الذي اشتراه به ما لا يتغابن به الناس بمثله فهو مخير بين رد أو إمساك، ولا شيء له غير ذلك. وإن كان ما وجد من الزيادة يزيد على الثمن الذي باع به البائع زيادة لا يتغابن الناس بها، فالبائع مخير بين رد أو رضا؛ لأن كلا الأمرين غبن لأحد المتبايعين، والغبن لا يحل إلا برضا المغبون ومعرفته بقدره، وإلا فهو أكل مال بالباطل، لا تجارة عن تراض،، وليس أحدهما أولى بالحياطة والنظر له من الآخر، ومن قال غير هذا فهو مبطل متحكم بلا برهان، وبالله تعالى نتأيد.
1590- مسألة: ومن قال لمعامله: هذه دراهمك أو دنانيرك وجدت فيها هذا الرديء، أو قال المشتري: هذه سلعتك وجدت فيها عيبا فقال الآخر، ما أميزها، ولا أدري أنها دراهمي، أو دنانيري، أو سلعتي أم لا فإن كانت للذي يذكر وجود العيب والرديء بينة بأنها تلك قضي له، وإلا فعلى الذي يقول: لا أدري، اليمين: بالله تعالى ما أدري ما تقول، ويبرأ؛ لأن رسول الله ﷺ قضى بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه والمدعي ههنا هو الذي يريد أخذ شيء من الآخر، والمدعى عليه هو الذي ينكر وجوب ذلك عليه فإن كانت السلعة والثمن بيد المشتري، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه مدعى عليه خروج ما بيده عن يده.
1591 - مسألة: ومن رد بعيب وقد اغتل الولد، واللبن، والثمرة، والخراج، وغير ذلك، فله الرد، ولا يرد شيئا من كل ذلك؛ لأنه حدث في ماله وفي ملكه، وليس مما وقع عليه الشراء، فلا حق للمردود عليه فيه. وبالله تعالى التوفيق. وهو قول أبي حنيفة، ومالك في بعض ذلك.
وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وأحمد وفي هذا خلاف قديم.
وروينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا المغيرة عن الحارث العكلي: أن رجلا اشترى أمة لها لبن فاكتراها ظئرا وأصاب من غلتها ثم وجد بها داء كان عند البائع فخاصمه إلى شريح فقال له شريح؛ ردها بدائها ورد معها ما أصبت من غلتها قال: فإني لا أردها إذ كلفتني أن أرد ما أصبت من غلتها، فأقبلها بدائها، فقال له شريح: ليس ذلك إلي قد مضى قضائي ذلك إلى خصمك. وقد روي عن شريح، والحسن، والشعبي مثل قولنا.
قال أبو محمد وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما يسر الله تعالى لنا ذكره. فمن ذلك: فوت المعيب بموت، أو عتق، أو إيلاد، أو تلف، أو فوت بعضه، فإن أصحابنا قالوا: ليس له الإمساك، ولا يرجع بشيء.
وهو قول قتادة، رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لا عهدة بعد الموت إذا ماتت جاز عليه وهو قول شريح، والحسن البصري.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي فيمن ابتاع عبدا فأعتقه، ثم وجد به عيبا قال: يرد على صاحبه فضل ما بينهما ويجعل ما رد عليه في رقاب؛ لأنه قد وجهه.
قال علي: إنما وجه لله تعالى العبد لا ما وجب له من رد بعض ماله إليه مما غبن فيه فهو غير العبد، فلا يلزمه أن يوجهه إلا أن يشاء، إذ لم يوجب عليه ذلك قرآن، ولا سنة. وقد روي عن الشعبي، والزهري أيضا أنه يرجع بقيمة العيب كقولنا.
وقال أبو حنيفة: إذا باعه أو باع بعضه، أو وهب بعضه أو أعتقه، على مال، ثم وجد عيبا فلا رجوع له بشيء، فلو أعتقه على غير مال أو دبره، أو أولد الأمة ثم وجد عيبا رجع بقيمة العيب. قال: فلو باعه ثم رد عليه بعيب، فإن كان هذا الرد بعد القبض، فإن كان بقضاء قاض رده هو أيضا على الذي باعه عنه، وإن كان بغير قضاء قاض لم يكن له أن يرده على الأول، وإن كان هذا الرد قبل القبض فله أن يرده أيضا هو على البائع له منه سواء رد عليه بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض.
وقال مالك: إن مات العبد، أو دبره السيد، أو كاتبه، أو أعتقه أو وهبه لغير ثواب، أو تصدق به أو بالعرض، ثم أطلع على عيب، فله الرجوع بقيمة العيب فقط. فلو باعه أو رهنه أو أجره، ثم اطلع على عيب فلا رجوع له، ولا رد. فإذا خرج عن الرهن، أو تمت الإجارة، أو رجع إليه بعد البيع فله الرد. والهبة للثواب كالبيع فإن باع نصف السلعة قيل للبائع: رد نصف قيمة العيب، أو خذ النصف الباقي في نصف ثمن.
وقال الشافعي: إن أعتقه، أو مات العبد، رجع بقيمة العيب فلو باعه أو باع بعضه لم يرجع بشيء وقال عثمان البتي: إن باعه، أو أعتقه رجع بقيمة العيب وهو قولنا قال عثمان: فلو باعه بما كان اشتراه لم يرجع بشيء.
قال أبو محمد: إنما نراعي الغبن حين عقد البيع لا بعده، ولا قبله، فلو أبق العبد ثم اطلع على عيب قال مالك: له الرد، ويأخذ جميع الثمن.
قال علي: وبهذا نأخذ؛ لأنه في ملكه بعد، وتمليكه غيره جائز، وليس عليه تسليمه إنما عليه إطلاق يد من ملكه إياه عليه فقط وقال سفيان الثوري: لا شيء له حتى يحضر الآبق فيرده، أو يموت فيرجع بقيمة العيب.
قال علي: قول أبي حنيفة، ومالك، لا برهان عليهما، ولا نعلم لهما قائلا قبلهما نعني تقسيمهما المذكور، وأما السلعة التي تتبعض فيوجد ببعضها عيب فقول شريح، والشعبي، والشافعي، وأبي ثور، كقولنا إما أن يرد الجميع، وأما أن يمسك الجميع.
وقال مالك: إن كان المعيب هو وجه الصفقة، أو الذي فيه الربح رد الجميع، أو أمسك الجميع، وإن كان المعيب ليس هو كذلك كان له رده بحصته من الثمن فقط
وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله، ولا برهان على صحته.
وقال أبو حنيفة: إن كانت السلعة خفين، أو مصراعين، فوجد بأحدهما عيبا لم يكن له إلا ردهما معا، أو إمساكهما معا، فإن كانا عبدين أو ثوبين كان له رد المعيب بحصته من الثمن وإمساك الآخر.
قال أبو محمد: وهذا باطل؛ لأنهم مجمعون معنا على جواز بيع أحد الخفين وأحد المصراعين دون الآخر، كجواز بيع أحد الثوبين، وأحد العبدين، ولا فرق، فالتفريق بين ذلك في الرد باطل، وهو أيضا قول لا نعلمه عن أحد قبله. ومما يبطل رد بعض السلعة: أن باقيها الذي يحتبس به يرجع إلى القيمة؛ لأنه إنما يمسكه بحصته من الثمن فصار بيعا بقيمة، والبيع بالقيمة لا يجوز.
وأما من وطئ، أو استغل، أو استعمل ثم وجد العيب فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة عن شريك عن جابر عن الشعبي: أن عمر بن الخطاب قال فيمن اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا: إن كانت ثيبا ردها ونصف عشر قيمتها، وإن كانت بكرا ردها ورد معها عشر قيمتها
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا مطرف، هو ابن طريف المغيرة، هو ابن مقسم قال مطرف: عن الشعبي عن شريح، وقال المغيرة: عن إبراهيم، ثم اتفق شريح،، وإبراهيم، قالا جميعا: إذا وطئها، ثم رأى بها عيبا ردها بالعيب ورد معها عقرها إن كانت بكرا فالعشر، وإن كانت ثيبا نصف العشر. وصح أيضا عن قتادة من طريق عبد الرزاق عن معمر عنه. وقد روينا أيضا من طريق وكيع عن شريك عن أبي هند المرهبي عن الضحاك عن عمر بن الخطاب قال: إذا وطئها فهي من ماله ويرد عليه البائع قيمة العيب.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، هو ابن علية، حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين: أن رجلا اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا، فخاصم إلى شريح؛ فقال شريح: أيسرك أن أقول لك: إنك زنيت قال ابن سيرين: ثم أخبرت أنه قضى بالكوفة أن يردها ويرد معها عقرها مائة، قال ابن سيرين: وأحب إلي أن يتجوزها ويوضع عنه قدر الداء
وهو قول سفيان الثوري، والزهري. وقد روينا عن علي قولين: أحدهما من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن الحسين: أن علي بن أبي طالب قال: لا يردها، لكن يرد عليه قيمة العيب يعني في الذي يطأ الجارية ثم يجد بها عيبا. والآخر من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا جبير عن الضحاك: أن علي بن أبي طالب قال: إذا وطئها وجبت عليه، وإن رأى العيب قبل أن يطأها، فإن شاء أخذ وإن شاء رد وصح هذا القول عن الحسن، وعن عمر بن عبد العزيز: أنه لا يردها، ولا يرجع بشيء. وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: يرد معها عشرة دنانير يعني إذا وطئها ثم اطلع على عيب.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا جرير عن المغيرة عن الحارث العكلي في رجل اشترى جارية فوقع عليها ثم استحقت قال: يأخذ المستحق جاريته، ولا يرد هذا المشتري عليه عقرا، والدور، والأرضون، وأشباه ذلك على مثل هذا يكون رده إذا وجد بها عيبا، كالذي استحق فاستنقذ من يديه.
قال أبو محمد: هذا هو قولنا وأما المتأخرون: فإن أبا حنيفة قال: إذا وطئها ثم اطلع على عيب فليس له إلا قدر قيمة العيب فقط، إلا أن يشاء البائع قبولها فله رد ذلك، ويرد الثمن. وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها ثلاثة أرباع عشر قيمتها وهذا هو عقرها، ووجهه عنده أن يأخذ عشر قيمتها ونصف عشر قيمتها فيجمعها ثم يأخذ نصف ما اجتمع فهو الذي يقضى عليه برده. وقال ابن شبرمة، والحسن بن حي، وعبيد الله بن الحسن: يردها ويرد معها مهر مثلها بالغا ما بلغ. وقال عثمان البتي: إن لم ينقصها الوطء فإنه يردها، ولا يرد معها شيئا، فإن نقصها ردها ورد معها ما نقصها.
وقال مالك، والليث بن سعد، والشافعي في أحد قوليه: إن كانت بكرا ردها ورد معها ما نقصها وطؤه، وإن كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا.
وقال الشافعي في أشهر قوليه: إن كان افتضها فليس له ردها، لكن يرجع بقيمة العيب فقط، وإن كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا.
قال علي: قول مالك لا نعلمه عن أحد قبله، ولا معنى لأيجاب عقر، ولا غرامة على المشتري؛ لأنه وطئ أمته التي لو حملت لحقه ولدها، والتي لا يلام على وطئها. ولو أن البائع وطئها وهي في ملك المشتري لكان زانيا يرجم إن كان محصنا، ويجلد الحد إن كان غير محصن، فأي حق له في بضعها حتى يعطي له عقرا أو قيمة، وقد يوجد في الإماء من لا يحط الأفتضاض من قيمتها شيئا، كخدم الخدمة ويوجد من يحطها الوطء وإن كانت ثيبا كالرقيق العالي يطؤها النذل الذي يعير به سيدها وولدها وهي، أيضا. فهذه كلها أقوال لا
برهان على صحتها، ولقد كان يلزم المالكيين المعظمين لخلاف الصاحب القائلين: إن المرسل كالمسند، القائلين فيما وافقهم: مثل هذا لا يقال بالرأي أن يقولوا ههنا بقول عمر بن الخطاب، كما قالوا في تقويم الغرة بخمسين دينارا، وتقويم الدية، وغير ذلك، ولكن لا يبالون بالتناقض.
وأما من أحدث فيها حدثا فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عن ابن سيرين عن عثمان بن عفان: أنه قضى في الثوب يشتريه الرجل وبه العوار: أنه يرده إذا كان قد لبسه.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أن ابن عمر اشترى عمامة فقبلها ورضيها وكورها على رأسه، فرأى خيطا أحمر فردها.
ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن جبلة بن سحيم قال: رأيت ابن عمر اشترى قميصا فلبسه فأصابته صفرة من لحيته، فأراد أن يرده فلم يرده من أجل الصفرة.
ومن طريق ابن شيبة، حدثنا حفص بن غياث عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن شريح أنه اختصم إليه رجل اشترى من آخر هروية فقطعها، ثم وجد بها عيبا، فقال له شريح: الذي أحدث بها أشد من الذي كان بها. قال غندر: حدثنا شعبة قال: سألت الحكم عمن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عوارا قال: يرده، قال شعبة: وسألت حماد بن أبي سليمان عن هذا فقال: يرده ويرد معه أرش التقطيع. قال شعبة: وأخبرني الهيثم عن حماد: أنه قال: يوضع عنه أرش العوار. ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين قال: اشترى رجل دابة فسافر عليها فلما رجع وجد بها عيبا فخاصمه إلى شريح فقال له: أنت أذنت له في ظهرها.
قال أبو محمد: وقول الحكم هذا هو قول عثمان البتي، وهو أحد أقوال الشافعي، وهو قول قد روي عن شريح أيضا، وهو قولنا.
وأما المتأخرون: فإن أبا حنيفة قال: من قطع ثوبا اشتراه أو حدث بما اشترى عيب عنده ثم اطلع على عيب فلا رد له، لكن يرجع بقيمة العيب وهو أحد قولي حماد. وذهب بعض أصحابه منهم الطحاوي،، ومحمد بن شجاع، إلى أنه لا يرده، ولا يرجع بشيء. وللشافعي قولان: أحدهما: كقول أبي حنيفة وهو قول سفيان الثوري وابن شبرمة.
والثاني: أنه يرده ويرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب وهو قول أبي ثور، وأحد قولي حماد.
وقال أحمد، وإسحاق: هو بالخيار بين أن يرده، ويرد معه قدر ما حدث عنده، وبين أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب.
وقال مالك: إن كان العيب الذي حدث عنده مفسدا فإنه يرده ويرد قيمة ما حدث عنده، وإن كان العيب خفيفا رده ولم يرد معه شيئا وهذا قول لا نعلم أحدا قاله قبله يعني هذا التقسيم وقول أبي حنيفة، ومالك ههنا خلاف ما روي عن عثمان، وابن عمر رضي الله عنهما، ولا نعلم في هذا عن الصحابة قولا غيره. وقد أباح عثمان رضي الله عنه الرد بالعيب بعد اللباس، واللباس يخلق الثوب، وليس امتناع ابن عمر من الرد من أجل الصفرة دليلا على أنه لم يجز الرد، وقد يترك ذلك اختيارا مع أن الصفرة ليست عيبا؛ لأنها تزول سريعا بالمسح، وبالغسل للقميص.
وأما ما عيبه في جوفه فإن مالكا قال: لا رجوع له فيه وهو من المشتري، كالبيض، والخشب وغير ذلك. وأوجب أبو حنيفة، والشافعي: الرجوع بحكم ما في ذلك.
قال أبو محمد: ما نعلم لمالك سلفا، ولا حجة في هذه القولة، وما في العجب والعكس أعجب من قوله فيمن باع بيضا فوجده فاسدا أو خشبا فوجده مسوس الداخل: أن الثمن كله للبائع، ولا شيء للمشتري عليه وهو قد باعه شيئا فاسدا، وأكل مال أخيه بالباطل ثم يقول: من باع عبدا فمات، أو قتل في اليوم الثالث، أو هرب فيه، أو اعورت عينه فيه: فهو من مصيبة البائع وإن جن، أو تجذم، أو برص، إلى قبل تمام سنة من بعد بيعه له، فإنه من مصيبة البائع. ومن ابتاع تمرا في رءوس الشجر فأصابته ريح، أو أكلته جراد فمن مصيبة البائع، فهو يهنيه الثمن الذي أخذه بالباطل، ويغرمه الثمن الذي أخذه بالحق ويجعل من مصيبة المشتري ما حدث عند البائع من العيوب، ويجعل من مصيبة البائع ما حدث عند المشتري من العيوب، حاشا لله من هذا.
حدثنا حمام بن أحمد، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا الحسين بن زكريا، حدثنا أبو ثور، حدثنا معلى، حدثنا هشيم عن المغيرة عن الحارث هو العكلي عن شريح: أن مولى لعمرو بن حريث اشترى لعمرو بن حريث بيضا من بيض النعام أربعا أو خمسا بدرهم، فلما وضعهن بين يدي عمرو بن حريث كسر واحدة، فإذا هي فاسدة، ثم ثانية ثم ثالثة حتى تتابع منهن فاسدات، فطلب الأعرابي فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: أما ما كسر فهو ضامن له بالثمن الذي أخذه به، وأما ما بقي فأنت يا أعرابي بالخيار، إن شئت كسروا فما وجدوا فاسدا ردوه وما وجدوا طيبا فهو لهم بالسعر الذي بعتهم به.
قال علي: أما حكم شريح فالمالكيون، والحنفيون لا يأخذون به، ولا نحن، فلا متعلق للمالكيين به.
وأما عمرو بن حريث فقد رأى الرد في ذلك وهو قولنا وهو صاحب لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة، رضي الله عنهم،، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم.
وأما الأستعمال، والوطء بعد الأطلاع على العيب، فإنه صح عن شريح، أنه قال إذا وطئ بعد ما رأى المعيب أو عرضها على البيع، فقد وجب عليه وهذا قوله في جميع السلع. وهو أيضا قول الحسن البصري، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، إلا أن أبا حنيفة قال: سكنى الدار بعد المعرفة بالعيب، وتقبيل الأمة لشهوة، ووطؤها: رضا بالعيب. قال
وأما استخدام الأمة، أو ركوب الدابة، أو لباس القميص؛ ليختبر كل ذلك بعد اطلاعه على العيب، فليس شيء من ذلك رضا. وقال عبيد الله بن الحسن: ليس الأستخدام رضا.
قال أبو محمد: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الصنعاني، حدثنا محمد بن عبيد بن حساب، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب هو السختياني وهشام بن حسان كلاهما عن محمد بن سيرين، قال: ابتاع عبد الرحمن بن عوف جارية، فقيل له: إن لها زوجا فأرسل إلى زوجها فقال له: طلقها، فأبى، فجعل له مائة فأبى، فجعل له مائتين فأبى، فجعل له خمسمائة فأبى، فأرسل إلى مولاه: أنه قد أبى أن يطلق فاقبلوا جاريتكم. فهذا عبد الرحمن بن عوف قد اطلع على عيب أن لها زوجا فلم يرد حتى أرسل إلى الزوج وراوضه على طلاقها، وجعل له مالا على ذلك، ثم زاده، ثم زاده، فلما يئس رد حينئذ، ولا يعرف له من الصحابة مخالف، وهم يعظمون مثل هذا.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: كنت أبتاع إن رضيت، حتى سمعت عبد الله بن مطيع يقول: إن الرجل ليرضى ثم يدع، قال ابن عمر: فكأنما أيقظني، فكان ابن عمر يبتاع ويقول: إن أخذت. فهذا ابن عمر لا يرى الرضا بالقلب شيئا حتى يظهره بالقول، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم.
وأما رد الغلة فيما رد بالعيب فقد ذكرنا الخلاف في ذلك. وقال زفر بن الهذيل، وعثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن في ذلك ما نذكره:
فأما زفر بن الهذيل فإنه قال: من اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب بها، فإن ردها بقضاء قاض ردها ورد معها مهر مثلها، فإن وطئها غيره بشبهة فأخذ لها مهرا، أو زوجها فأخذ مهرها، أو جني عليها فأخذ للجناية أرشا ثم اطلع على عيب فإنه يردها، ويرد معها المهر في الزوجية الصحيحة، وفي الوطء بالشبهة، ويرد معها الأرش الذي أخذ لها.
وكذلك يرد ثمر النخل، والشجر، إذا رد الأصول بالعيب، فإن أكل الثمرة ردها ورد معها قيمة ما أكل من الثمرة. وقال عثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن: من اشترى عبدا فاستغله ثم اطلع على عيب فله رده، فإن رده لزمه أن يرد الغلة كلها معه قال عبيد الله: وكذلك لو وهب للعبد هبة فإنه يرد الهبة معه أيضا.
وقال مالك: الغلة كلها للمشتري من اللبن، والثمرة، وغير ذلك، حاشا الأولاد فإنه يردهم مع الأمهات في الحيوان كله، والإماء.
وقال أبو حنيفة: أما من ابتاع شاة فحلبها، أو ولدت عنده، أو أصولا فأثمرت عنده فأكل ثمرتها، أو لم يأكل ثم اطلع على عيب، فلا رد له، لكن يرجع بأرش العيب فقط. فلو كانت دارا فسكنها، أو آجرها أو دابة فركبها أو آجرها أو عبدا فاستخدمه أو آجره ثم اطلع على عيب فله رد العبد، والدابة، ولا يلزمه رد شيء من الغلة، ولا رد شيء عما سكن وآجر، واستخدم وركب. وممن قال بأن كل ما حدث في ملك المشتري فإنه له، ولا يرده، ويرد الأمهات، والأصول، والشيء المعيب: شريح، والنخعي، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، والشافعي، وسفيان، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور وأبو عبيد، وأبو سليمان، وغيرهم.
قال علي: أما قول أبي حنيفة، ومالك فظاهر المناقضة، وعديم من الدليل، ولا نعلم لهما أحدا قال به قبلهما.
وأما قول عثمان، وعبيد الله، وزفر، فيشبه أن تكون الحجة لهم أن يقولوا: إن الرد بالعيب إنما هو فسخ للبيع، فإذ هو فسخ للبيع فكأنه لم يزل المبيع المعيب في ملك البائع.
قال أبو محمد: وهذا باطل، ما هو فسخ للعقد في البيع، بل هو إبطال لبقائه في ملك المشتري ورده إلى البائع بالبراهين الموجبة لذلك، ولو كان ما قالوه لكان زانيا بوطئه، وهذا باطل، بل العقد الأول صحيح، ثم حدث ما جعل للمشتري في الخيار في إبقائه به كذلك، أو رده من الآن، لا بإبطال الملك المتقدم للرد أصلا وبالله تعالى التوفيق. وعهدنا بهم يصححون الخبر الفاسد الخراج بالضمان ويحتجون به في الغصوب، وفي غير ذلك، ثم قد خالفوه ههنا كما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
1592 - مسألة: ومن كان لأخر عنده حق من بيع أو سلم أو غير ذلك من جميع الوجوه بكيل أو وزن أو ذرع، فالوزن والكيل والذرع على الذي عليه الحق. ومن كان عليه دنانير أو دراهم أو شيء بصفة من سلم، أو صداق، أو إجارة، أو كتابة أو غير ذلك، فالتقليب على الذي عليه الحق أيضا؛ لأن الله تعالى أوجب على كل من عليه حق أن يوفي ما عليه من ذلك من هو له عليه وحكم رسول الله ﷺ بأن يعطى كل ذي حق حقه، فمن كان حقه كيلا أو وزنا أو ذرعا أو عددا موصوفا بطيب، أو بصفة ما فعليه إحضار ما عليه كما هو عليه، ولا شيء على الذي له الحق، إنما الحق له، ولا حق عليه. وقال تعالى: {أوفوا المكيال والميزان بالقسط}. وقال تعالى: {وزنوا بالقسطاس المستقيم} وقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}
فإن ذكروا قول الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} قلنا: نعم، هذا هو قولنا؛ لأن الله تعالى جعل في هذه الآية الكيل والوزن على الذين عليهم الحق، وتوعدهم على إخسار ذي الحق، وعلى التطفيف، وليس في إخباره تعالى بأنهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون دليل على أنهم يكتالون لأنفسهم، وأن الذي لهم عليه الحق لا يكيل لهم؛ لأنه تعالى إنما ذكر استيفاءهم ما لهم من الكيل فقط، والأستيفاء يكون بكيل كائل ما، فلا متعلق لهم في هذه اللفظة وصح بقوله تعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} أن الذي عليه الحق هو يكيل ويزن، وأنه منهي عن الإخسار.
1593 - مسألة: ومن اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها من بناء قائم، أو شجر نابت. وكذلك كل من اشترى دارا فبناؤها كله له، وكل ما كان مركبا فيها من باب أو درج أو غير ذلك وهذا إجماع متيقن، وما زال الناس يتبايعون الدور والأرضين من عهد رسول الله ﷺ هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو أرض هكذا، ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبني، كأبواب، وسلم، ودرج، وآجر، ورخام، وخشب، وغير ذلك؛، ولا يكون له الزرع الذي يقلع، ولا ينبت، بل هو لبائعه وبالله تعالى التوفيق. ومن ابتاع أنقاضا، أو شجرا، دون الأرض، فكل ذلك يقلع، ولا بد، وبالله تعالى التوفيق.
1594 - مسألة: وفرض على التجار أن يتصدقوا في خلال بيعهم وشرائهم بما طابت به نفوسهم: لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: " قال رسول الله ﷺ: يا معشر التجار إنه يشهد بيعكم الحلف، واللغو: شوبوه بالصدقة. وأمره ﷺ على الفرض، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقوله عليه السلام: شوبوه بالصدقة يقتضي المداومة والتكرار في موضوع اللغة، وبالله تعالى التوفيق.