الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثلاثون


كتاب البيوع

1560 - مسألة: وبيع دور مكة أعزها الله تعالى وابتياعها حلال، وقد ذكرناه في " كتاب الحج " فأغنى عن إعادته.


1561 - مسألة: وبيع الأعمى، أو ابتياعه بالصفة جائز كالصحيح، ولا فرق؛ لأنه لم يأت قرآن، ولا سنة بالفرق بين شيء في شيء من ذلك وأحل الله البيع فدخل في ذلك الأعمى، والبصير وبالله تعالى التوفيق.


1562- مسألة: وبيع العبد، وابتياعه بغير إذن سيده جائز، ما لم ينتزع سيده ماله فإن انتزعه فهو حينئذ مال السيد، لا يحل للعبد التصرف فيه، برهان ذلك: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} فلم يخص حرا من عبد. وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فلو كان بيع العبد ماله بغير إذن سيده حراما لفصله، عز وجل، لنا، ولما ألجأنا فيه إلى الظنون الكاذبة، والآراء المدبرة. فإذ لم يفصل لنا تحريمه.

فصح أنه حلال غير حرام، وقد ذكرنا في " كتاب الزكاة " من ديواننا هذا وغيره صحة ملك العبد لماله؛ وأما انتزاع السيد مال العبد فقد صح عن رسول الله ﷺ أنه أعطى الحجام أجره وسأل عن ضريبته فأمر مواليه أن يخففوا عنه منها.

روينا من طريق مسلم أنا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم عن الشعبي، عن ابن عباس قال حجم النبي ﷺ عبد لبني بياضة فأعطاه النبي ﷺ أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته.

فصح أن العبد يملك لأنه عليه السلام أعطاه أجره فلو لم يكن له ما أعطاه ما ليس له وصح أن للسيد أخذه بأمره عليه السلام بأن يخفف عنه من خراجه.فصح أن مال العبد له ما لم ينتزعه سيده، وصح أن للسيد أخذ كسب عبده لنفسه. واختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا ادان العبد ببيع أو ابتياع بغير إذن سيده فهي جناية في رقبته، ويلزم السيد فكه بها أو إسلامه إلى صاحب دينه.

قال أبو محمد: أول ما يقال لهم: من أين قلتم هذا وليس هذا الحكم موجودا في قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي يعقل له وجه، بل هو ضد ذلك كله، قال الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}. فبطل أن يكسب الحر أو العبد على سيده، أو على غير نفسه إلا حيث أوجبه النص كالعاقلة. ثم وجه آخر

وهو قوله: إن البيع والأبتياع جناية وهذا تخليط آخر،

وقال مالك: إذا تداين العبد بغير إذن سيده فلسيده فسخ الدين عنه وهذا باطل شنيع، لأنه إباحة لأكل أموال الناس بالباطل، وقد حرمه الله تعالى، ورسوله عليه السلام قال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. وقال رسول الله ﷺ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. ومن عجائب الدنيا أنهم يوجبون على من لم يبلغ جزاء ما جنى، وكذلك المجنون، ثم يسقطون البيع الواجب عن العبد العاقل، ثم أتوا من ذلك بقول لم يأت قط في قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول أحد قبل مالك نعلمه، ولا في قياس، ولا رأي له وجه. وعجب آخر وهو أنهم يقولون: إن وجدت السلعة التي اشترى العبد بيده وجب ردها إلى صاحبها، فليت شعري من أين وجب إزالة السلعة عن يد العبد، ولم يجب إغرامه الثمن عنها إن لم توجد. ولئن كانت السلعة مال البائع: فإن الثمن ماله. ولئن كان الثمن ليس هو مال البائع، فإن السلعة ليست ماله، بل قد عكس الأمر ههنا أقبح العكس وأوضحه فسادا؛ لأنه رد إلى البائع سلعة قد بطل ملكه عنها، وصح ملك العبد المشتري عليها، فأعطاه ما ليس له ولم يعطه الثمن الذي هو له بلا شك وهذه طوام لا نظير لها.

وقال الشافعي: بل الثمن دين عليه في ذمته إذا أعتق يوما ما وهذا قول في غاية الفساد؛ لأنه إن كان الثمن لازما للعبد فلأي معنى يؤخر به إلى أن يعتق. ولئن كان الثمن ليس لازما الآن فلا يجوز إغرامه إياه إذا أعتق. ولئن كان ابتياعه صحيحا فإن الثمن عليه الآن واجب. ولئن كان ابتياعه فاسدا فما يلزمه ثمن إنما يلزمه قيمة ما أتلف فقط. فهذه آراء فاسدة متخاذلة متناقضة، لا دليل على صحة شيء منها، واختلافهم فيها دليل على أنها ليست من عند الله عز وجل، فتيقن كل موقن سقوطها كلها. وقولنا هو قول أبي سليمان، وأصحابنا، وقد ذكرناه أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما وعن غيره وبالله تعالى التوفيق.


1563 - مسألة: وبيع المرأة مذ تبلغ البكر ذات الأب، وغير ذات الأب والثيب ذات الزوج والتي لا زوج لها جائز، وابتياعها كذلك، لما ذكرناه قبل في " كتاب الحجر " من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته وبالله - تعالى - التوفيق .


1564 - مسألة: ومن ملك معدنا له جاز بيعه؛ لأنه مال من ماله، فإن كان معدن ذهب لم يحل بيعه بذهب؛ لأنه ذهب بأكثر منه، إذ الذهب مخلوق في معدنه كما هو هو، جائز بالفضة يدا بيد [ وبغير الفضة ] نقدا وإلى أجل وحالا في الذمة، فإن كان معدن فضة جاز بيعه بفضة أو بذهب نقدا، أو في الذمة، وإلى أجل؛ لأنه لا فضة هنالك، وإنما يستحيل ترابه بالطبخ فضة . ومن خالفنا في هذا فقد أجاز بيع النخل لا ثمر فيها بالتمر نقدا وحالا في الذمة ونسيئة، والتمر يخرج منها -

وكذلك أباح بيع الأرض بالبر، وكل هذا سواء - وبالله - تعالى - التوفيق .


1565 - مسألة: وبيع الكلا جائز في أرض وبعد قلعه؛ لأنه مال من مال صاحب الأرض، وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله، كالولد من الحيوان، والثمر، والنبات واللبن، والصوف، وغير ذلك: وأحل الله البيع ولم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك كله: وما كان ربك نسيا، وقد فصل لكم ما حرم عليكم.

وقال أبو حنيفة: لا يحل بيع الكلا إلا بعد قلعه.

قال علي: وما نعلم لهذا القول حجة أصلا وإنما هو تقسيم فاسد، ودعوى ساقطة فإن ذكر ذاكر:

ما روينا من طريق حريز بن عثمان أنا أبو خداش " أنه سمع رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ يقول: إنه غزا مع رسول الله ﷺ ثلاث غزوات فسمعه يقول: المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلا والنار. ورواه أيضا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي وهو أبو خداش نفسه عن رجل من قرن.

ومن طريق الحذافي أخبرني يزيد بن مسلم الجريري قال لي وهب بن منبه: قال النبي ﷺ: اتقوا السحت بيع الشجر وإجارة الأمة المسافحة وثمن الخمر.

ومن طريق أبي داود أنا عبيد الله بن معاذ العنبري أنا أبي كهمس عن سيار بن منظور الفزاري عن أبيه عن بهيسة عن أبيها سأل النبي ﷺ ما الذي لا يحل بيعه فأجابه: الماء، والملح.

قال أبو محمد: هذا كله لا شيء أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي نفسه وهو مجهول.

وأيضا: فإنه مخالف لقول الحنفيين؛ لأنهم لا يختلفون في أن صاحب الماء أولى به لا يشاركه فيه غيره، وكذلك صاحب النار فبطل تعلقهم بهذا الخبر.

وأيضا: فإنهم لا يختلفون في أن من أخذ ماء في إناء أو كلا فجمعه، فإنه يبيعهما، ولا يشاركه فيهما أحد وهذا خلاف عموم الخبر فعاد حجة عليهم. فإن قالوا: إنما عنى به الكلا قبل أن يجمع

قلنا: بل الكلا الثابت في الأرض غير المملوكة وهذا التأويل متفق عليه وتأويلكم دعوى مختلف فيها لا برهان على صحته.

وأما حديث وهب بن منبه فمنقطع، ثم القول فيه وفي خلافهم له كالقول في حديث حريز بن عثمان، ولا فرق وحديث بهيسة مجهول عن مجهول عن مجهولة ثم ليس فيه ذكر الكلا أصلا وكان يلزم المالكيين القائلين بالمرسل الأخذ بهذه المراسيل، لكنهم تناقضوا فتركوها.

وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه أنه لم يجز لصاحب الأرض بيع كلا أرضه وأباح له أن يحميه لدوابه.

ومن طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يقول: لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت وعن الحسن أنه كره بيع الكلا كله

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات أنا إسماعيل بن إسحاق النصري أنا عيسى بن حبيب أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد أنا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: قال لنا سفيان بن عيينة: ثلاث لا يمنعن: الماء والكلا، والنار. فهؤلاء أخذوا بعموم هذه المراسيل فمن ادعى من أصحاب أبي حنيفة الخصوم فقد كذب، ولهذا أوردناها.

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب البيوع
كتاب البيوع (مسأله 1411 - 1414) | كتاب البيوع (مسأله 1415 - 1416) | كتاب البيوع (مسأله 1417) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) | كتاب البيوع (مسأله 1421) | كتاب البيوع (مسأله 1422) | كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)