→ كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | ابن حزم - المحلى كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) المؤلف: ابن حزم |
كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) ← |
كتاب البيوع
1566 - مسألة : وبيع الشطرنج ، والمزامير ، والعيدان ، والمعازف ، والطنابير : حلال كله ، ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه ، إلا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها ؛ لما ذكرنا قبل ؛ لأنها مال من مال مالكها - وكذلك بيع المغنيات وابتياعهن . قال - تعالى - : { خلق لكم ما في الأرض جميعا } ، وقال - تعالى - : { وأحل الله البيع } ، وقال - تعالى - : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } ، ولم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك ، ورأى أبو حنيفة الضمان على من كسر شيئا من ذلك . واحتج المانعون بآثار لا تصح ، أو يصح بعضها ، ولا حجة لهم فيها ، وهي - : ما روينا من طريق أبي داود الطيالسي أنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن عبد الله بن زيد بن الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني قال " قال رسول الله ﷺ : { كل شيء يلهو به الرجل فباطل ، إلا رمي الرجل بقوسه ، أو تأديبه فرسه ، أو ملاعبته امرأته ، فإنهن من الحق } . عبد الله بن زيد بن الأزرق مجهول . ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر أنا أبو سلام الدمشقي عن خالد بن زيد الجهني قال لي عقبة بن عامر قال رسول الله ﷺ : { ليس لهو المؤمن إلا ثلاث } ثم ذكره - خالد بن زيد مجهول . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سعيد أنا ابن حفص أنا موسى بن أعين عن خالد بن أبي يزيد حدثني عبد الرحيم عن الزهري عن عطاء بن أبي رباح رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عبيد الأنصاريين يرميان فقال أحدهما للآخر " أما سمعت رسول الله ﷺ يقول : { كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب ، لا يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعليم الرجل السباحة } . هذا حديث مغشوش مدلس دلسة سوء ؛ لأن الزهري المذكور فيه ليس هو ابن شهاب ، لكنه رجل زهري مجهول اسمه عبد الرحيم - : رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن وهب الحراني عن محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم - هو خالد بن أبي يزيد - وهو خال محمد بن سلمة - عن عبد الرحيم الزهري عن عطاء : رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عبيد الأنصاريين يرميان ، فقال أحدهما للآخر : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { كل شيء ليس فيه ذكر الله - تعالى - فهو لهو ولعب ، إلا أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشيه بين الغرضين ، وتعليم الرجل السباحة } فسقط هذا الخبر . ورويناه أيضا : من طريق أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم أنا محمد بن سلمة أنا أبو عبد الرحيم عن عبد الوهاب بن بخت عن عطاء بن أبي رباح رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عبيد ، فذكره ، وفيه { كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو } عبد الوهاب بن بخت غير مشهور بالعدالة ، ثم ليس فيه إلا أنه سهو ولغو وليس فيه تحريم . وروي من طريق العباس بن محمد الدوري عن محمد بن كثير العبدي أنا جعفر بن سليمان الضبعي عن سعيد بن أبي رزين عن أخيه عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال : { إن الله حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها } . فيه : ليث ، وهو ضعيف ، وسعيد بن أبي رزين وهو مجهول لا يدرى من هو عن أخيه ، وما أدراك ما عن أخيه هو ما يعرف وقد سمي ، فكيف أخوه الذي لم يسم . وحدثنا أحمد بن عمر بن أنس أنا أبو أحمد سهل بن محمد بن أحمد بن سهل المروزي أنا لاحق بن الحسين المقدسي - قدم مرو - أنا أبو المرجى ضرار بن علي بن عمير القاضي الجيلاني أنا أحمد بن سعيد بن عبد الله بن كثير الحمصي أنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي ابن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب قال رسول الله ﷺ : { إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء - فذكر منهن واتخذوا القينات ، والمعزف فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ، ومسخا وخسفا } . لاحق بن الحسين ، وضرار بن علي ، والحمصي - مجهولون - . وفرج بن فضالة حمصي متروك ، تركه يحيى ، وعبد الرحمن . ومن طريق قاسم بن أصبغ أنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري أنا أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض أنا أبو سعيد مولى بني هاشم - هو عبد الرحمن بن عبد الله - أنا عبد الرحمن بن العلاء عن محمد بن المهاجر عن كيسان مولى معاوية أنا معاوية قال { نهى رسول الله ﷺ عن تسع وأنا أنهاكم عنهن الآن - فذكر فيهن - : الغناء ، والنوح } . محمد بن المهاجر ضعيف ، وكيسان مجهول . ومن طريق أبي داود أنا مسلم بن إبراهيم أنا سلام بن مسكين عن شيخ أنه سمع أبا وائل يقول : سمعت ابن مسعود يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إن الغناء ينبت النفاق في القلب } عن شيخ عجب جدا . ومن طريق محمد بن أحمد بن الجهم أنا محمد بن عبدوس أنا ابن أبي شيبة أنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح أنا حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي ﷺ يقول : { يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رءوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض } . معاوية بن صالح ضعيف ، وليس فيه : أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف ، كما أنه ليس على اتخاذ القينات - والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها ، والديانة لا تؤخذ بالظن . حدثنا أحمد بن إسماعيل الحضرمي القاضي أنا محمد بن أحمد بن الخلاص أنا محمد بن القاسم بن شعبان المصري حدثني إبراهيم بن عثمان بن سعيد أنا أحمد بن الغمر بن أبي حماد بحمص ، ويزيد بن عبد الصمد أنا عبيد بن هشام الحلبي - هو ابن نعيم - أنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : { من جلس إلى قينة فسمع منها صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة } . هذا حديث موضوع مركب ، فضيحة ما عرف قط من طريق أنس ، ولا من رواية ابن المنكدر ، ولا من حديث مالك ، ولا من جهة ابن المبارك وكل من دون ابن المبارك إلى ابن شعبان مجهولون . وابن شعبان في المالكيين نظير عبد الباقي بن قانع في الحنفيين ، قد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين ، والكذب البحت ، والوضع اللائح ، وعظيم الفضائح ، فإما تغير ذكرهما ، أو اختلطت كتبهما ، وإما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب ، ومغفل يقبل التلقين . وأما الثالثة - وهو ثالثة الأثافي : أن يكون البلاء من قبلهما - ونسأل الله العافية ، والصدق ، وصواب الاختيار . ومن طريق ابن شعبان قال : روى هاشم بن ناصح عن عمر بن موسى عن مكحول عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ : { من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه } . هاشم ، وعمر : مجهولان ، ومكحول لم يلق عائشة ، وحديث لا ندري له طريقا ، إنما ذكروه هكذا مطلقا ، { أن الله - تعالى - نهى عن صوتين ملعونين : صوت نائحة ، وصوت مغنية } وهذا لا شيء . ومن طريق سعيد بن منصور أنا إسماعيل بن عياش عن مطرح بن يزيد أنا عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وثمنهن حرام وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم } الآية ، والذي نفسي بيده ما رفع رجل قط عقيرة صوته بغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربانه على صدره وظهره حتى يسكت } . إسماعيل ضعيف ، ومطرح مجهول ، وعبيد الله بن زحر ضعيف ، والقاسم ضعيف ، وعلي بن يزيد دمشقي مطرح متروك الحديث . ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن عبد العزيز الأويسي عن إسماعيل بن عياش عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا يحل تعليم المغنيات ، ولا شراؤهن ، ولا بيعهن ، ولا اتخاذهن ، وثمنهن حرام وقد أنزل الله ذلك في كتابه : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم } والذي نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت } . ومن طريق ابن حبيب أيضا : أنا ابن معبد عن موسى بن أعين عن القاسم عن عبد الرحمن عن أبي أمامة أن النبي ﷺ قال : { إن الله حرم تعليم المغنيات وشراءهن ، وبيعهن ، وأكل أثمانهن } . أما الأول : فعبد الملك هالك ، وإسماعيل بن عياش ضعيف ، وعلي بن يزيد ضعيف متروك الحديث ، والقاسم بن عبد الرحمن ضعيف . والثاني : عن عبد الملك ، والقاسم أيضا ، وموسى بن أعين ضعيف . ومن طريق عبد الملك بن حبيب عن عبد العزيز الأويسي عن عبد الله بن عمر قال : { قال رجل يا رسول الله لي إبل ، أفأحدو فيها ؟ قال : نعم ، قال : أفأغني فيها ؟ قال : اعلم أن المغني أذناه بيد شيطان يرغمه حتى يسكت } . هذا عبد الملك ، والعمري الصغير - وهو ضعيف . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو داود - هو سليم بن سالم بصري - أنا حسان بن أبي سنان عن رجل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا : يا رسول الله يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؟ قال : نعم ، ويصلون ، ويصومون ، ويحجون قالوا : فما بالهم يا رسول الله ؟ قال : اتخذوا المعازف والقينات ، والدفوف ، ويشربون هذه الأشربة ، فباتوا على لهوهم ، وشرابهم ، فأصبحوا قردة وخنازير } . هذا عن رجل لم يسم ، ولم يدر من هو ؟ ومن طريق سعيد بن منصور أيضا : أنا الحارث بن نبهان أنا فرقد السبخي عن عاصم بن عمرو عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ : { تبيت طائفة من أمتي على لهو ولعب ، وأكل وشرب ، فيصبحوا قردة وخنازير ، يكون فيها خسف ، وقذف ، ويبعث على حي من أحيائهم ريح فتنسفهم ، كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الحرام ، ولبسهم الحرير ، وضربهم الدفوف ، واتخاذهم القيان } . والحارث بن نبهان لا يكتب حديثه ، وفرقد السبخي ضعيف ، نعم : وسليم بن سالم ، وحسان بن أبي سنان ، وعاصم بن عمرو : لا أعرفهم - فسقط هذان الخبران بيقين . ومن طريق سعيد بن منصور أنا فرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ { إن الله بعثني رحمة للعالمين ، وأمرني بمحو المعازف ، والمزامير ، والأوثان ، والصلب : لا يحل بيعهن ، ولا شراؤهن ، ولا تعليمهن ، ولا التجارة بهن ، وثمنهن حرام } نعني الضوارب - القاسم ضعيف . ومن طريق البخاري قال هشام بن عمار : أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري [ قال ] حدثني أبو عامر - أو أبو مالك الأشعري - ووالله ما كذبني : أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : { ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير ، والخمر ، والمعازف } . وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد - ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا ، وكل ما فيه فموضوع ، ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله ﷺ لما ترددنا في الأخذ به . ولو كان ما في هذه الأخبار حقا من أنه لا يحل بيعهن لوجب أن يحد من وطئهن بالشراء ، وأن لا يلحق به ولده منها . ثم ليس فيها تحريم ملكهن ، وقد تكون أشياء يحرم بيعها ويحل ملكها وتمليكها كالماء ، والهر ، والكلب - . هذا كل ما حضرنا ذكره مما أضيف إلى رسول الله ﷺ . وأما عمن دونه عليه السلام : فروينا من طريق ابن أبي شيبة أنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء عن ابن مسعود في قول الله - تعالى - : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } الآية ، فقال : الغناء ، والذي لا إله غيره . ومن طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : الغناء ، وشراء المغنية . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : الغناء ، ونحوه . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو عوانة عن عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عن ابن عباس قال : الدف حرام ، والمعازف حرام : والمزمار حرام ، والكوبة حرام . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو عوانة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : الغناء ينبت النفاق في القلب . ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو وكيع عن منصور عن إبراهيم قال : كان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد في قول الله - تعالى - : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : الغناء - وهو أيضا قول حبيب بن أبي ثابت ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب عن عكرمة في هذه الآية ، قال : هو الغناء . قال أبو محمد : لا حجة في هذا كله لوجوه - : أحدها : أنه لا حجة لأحد دون رسول الله ﷺ . والثاني : أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين . والثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ؛ لأن فيها { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين } وهذه صفة من فعلها كان كافرا ، بلا خلاف ، إذا اتخذ سبيل الله - تعالى - هزوا . ولو أن امرأ اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا ، فهذا هو الذي ذم الله - تعالى - ، وما ذم قط - عز وجل - من اشترى لهو الحديث ليلتهي به ويروح نفسه ، لا ليضل عن سبيل الله - تعالى - ، فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا . وكذلك من اشتغل عامدا عن الصلاة بقراءة القرآن ، أو بقراءة السنن ، أو بحديث يتحدث به ، أو ينظر في ماله ، أو بغناء ، أو بغير ذلك ، فهو فاسق ، عاص لله - تعالى - ، ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن . واحتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ فقالوا : وقد قال الله - عز وجل - : { فماذا بعد الحق إلا الضلال } فجوابنا - وبالله - تعالى - التوفيق - : أن رسول الله ﷺ قال : { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله - تعالى - فهو فاسق ، وكذلك كل شيء غير الغناء ، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله - عز وجل - وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، وفعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طاعة ولا معصية ، فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها ، وقعوده على باب داره متفرجا وصباغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك ، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله - فبطل كل ما شغبوا به بطلانا متيقنا - ولله - تعالى - الحمد ؛ وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا . وأما الشطرنج : فروينا من طريق عبد الملك بن حبيب حدثني عبد الملك بن الماجشون عن المغيرة عن محمد بن كعب القرظي " أن رسول الله ﷺ قال : { من لعب بالميسر - يعني النرد والشطرنج - ثم قام يصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يصلي ، أفنقول : يقبل الله صلاته } ؟ . هذا مرسل ، وعبد الملك ساقط ، وعبد الملك بن الماجشون ضعيف . وهذا الخبر حجة على المالكيين ، والحنفيين ، القائلين بالمرسل ؛ لأنهم يلزمهم الأخذ به فينقضون الوضوء بلعب الشطرنج ، فإن تركوه تناقضوا وتلاعبوا . ومن طريق عبد الملك بن حبيب أنا أسد بن موسى ، وعلي بن معبد عن ابن جريج عن حبة بن سلم : أن رسول الله ﷺ قال : { الشطرنج ملعونة ملعون من لعب بها ، والناظر إليها كآكل لحم الخنزير } . ابن حبيب لا شيء ، وأسد ضعيف ، وحبة بن سلم مجهول ، وهو منقطع . ومن طريق ابن حبيب حدثنا الجذامي عن ابن أبي رواد عن أبيه " أن رسول الله ﷺ قال : { إن أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه الذي يقول : قتلته ، والله أهلكته ، والله استأصلته ، والله إفكا وزورا وكذبا على الله } . عبد الملك لا شيء ، وهو منقطع . ورووا في ذلك عمن دون رسول الله ﷺ ما روينا من طريق ابن حبيب عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن أبي قبيل عن عقبة بن عامر الجهني ، أنه قال : لأن أعبد وثنا من دون الله - تعالى - أحب إلي من أن ألعب بالشطرنج - هذا كذب بحت ومعاذ الله أن يقول صاحب إن عبادة الأوثان من دون الله - تعالى - يعدلها شيء من الذنوب ، فكيف أن يكون الكفر أخف منها ؟ ويحيى بن أيوب لا شيء - وأبو قبيل غير مذكور بالعدالة . ومن طريق ابن حبيب عن علي بن معبد ، وأسد بن موسى عن رجالهما : أن علي بن أبي طالب مر برجال يلعبون بشطرنج فقال { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } لأن يمسك أحدكم جمرة حتى تطفى خير له من أن يمسها ، لولا أن تكون سنة لضربت بها وجوهكم - ثم أمر بهم فحبسوا . هذا منقطع ، وفيه ابن حبيب - ما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا . والجواب عن قولهم أهو من الحق أم من الباطل ؟ كجوابنا في الغناء ولا فرق - وبالله - تعالى - التوفيق . قال أبو محمد : فلما لم يأت عن الله - تعالى - ، ولا عن رسوله ﷺ تفصيل بتحريم شيء مما ذكرنا صح أنه كله حلال مطلق ، فكيف وقد روينا من طريق مسلم حدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثني ابن وهب أنا عمرو - هو ابن الحارث - أنا ابن شهاب حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين { أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان - ورسول الله ﷺ مسجى بثوبه - فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله ﷺ وجهه وقال : دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد } . وبه أيضا إلى عمرو بن الحارث أن محمد بن عبد الرحمن - هو أبو الأسود - حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين " قالت : { دخل علي رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال لي : أمزمار الشيطان عند رسول الله ﷺ ؟ فقال له رسول الله ﷺ : دعهما } . فإن قيل : قد رويتم هذا الخبر من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقال فيه : وليستا بمغنيتين ؟ قلنا : نعم ، ولكنها قد قالت : إنهما كانتا تغنيان ، فالغناء منهما قد صح ، وقولها " ليستا بمغنيتين " أي ليستا بمحسنتين . وهذا كله لا حجة فيه ، إنما الحجة في إنكاره ﷺ على أبي بكر قوله : أمزمار الشيطان عند رسول الله ﷺ ؟ فصح أنه مباح مطلق ، لا كراهية فيه ، وأن من أنكره فقد أخطأ بلا شك . ومن طريق أبي داود أنا أحمد بن عبيد الغداني أنا الوليد بن مسلم أنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع مولى ابن عمر قال : { سمع ابن عمر مزمارا فوضع أصبعيه في أذنيه ، ونأى عن الطريق وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئا ؟ قلت : لا ، فرفع أصبعيه من أذنيه وقال : كنت مع النبي ﷺ وسمع مثل هذا وصنع مثل هذا } . قال أبو محمد : هذه هي الحجة القاطعة بصحة هذه الأسانيد ، ولو كان المزمار حراما سماعه لما أباح عليه السلام لابن عمر سماعه ، ولو كان عند ابن عمر حراما سماعه لما أباح لنافع سماعه ، ولأمر عليه السلام بكسره وبالسكوت عنه ، فما فعل عليه السلام شيئا من ذلك . وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا ، كتجنبه الأكل متكئا ، وأن يبيت عنده دينار أو درهم ، وأن يعلق الستر على سهوة في البيت والستر الموشى في بيت فاطمة فقط - وبالله - تعالى - التوفيق . ومن طريق مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت : { جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي ﷺ حتى وضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر } وروينا من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عامر بن سعد البجلي أنه رأى أبا مسعود البدري ، وقرظة بن كعب ، وثابت بن يزيد - وهم في عرس وعندهم غناء - فقلت لهم : هذا وأنتم أصحاب محمد ﷺ فقالوا : { إنه رخص لنا في الغناء في العرس ، والبكاء على الميت من غير نوح } - ليس فيه النهي عن الغناء في غير العرس . ومن طريق حماد بن زيد أنا أيوب السختياني ، وهشام بن حسان ، وسلمة - هو ابن كهيل - دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، كلهم عن محمد بن سيرين أن رجلا قدم المدينة بجوار فأتى إلى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهن فأحدت ، قال أيوب : بالدف ، وقال هشام : بالعود ، حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك ، فقال ابن عمر : حسبك - سائر اليوم - من مزمور الشيطان ، فساومه ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إني غبنت بسبعمائة درهم ، فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم ، فأما أن تعطيها إياه ، وإما أن ترد عليه بيعه ، فقال : بل نعطيها إياه . فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية ، وهذه أسانيد صحيحة لا تلك الملفقات الموضوعة . ومن طريق وكيع أنا فضيل بن مرزوق عن ميسرة النهدي قال : مر علي بن أبي طالب بقوم يلعبون بالشطرنج فقال : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } فلم ينكر إلا التماثيل فقط - وهذا هو الصحيح عنه لا تلك الزيادة المكذوبة التي رواها من لا خير فيه . فإن قيل : قد روى : { أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال } ؟ قلنا : هذا ساقط ؛ لأنه من طريق عبد الملك بن حبيب عن أصبغ عن السبيعي عن ربيعة أن رسول الله ﷺ قاله - وعبد الملك ساقط ، والسبيعي مجهول ، ثم هو منقطع . فإن قيل : الدف مجمع عليه ؟ قلنا : هذا الباطل - : وروينا من أصح طريق عن يحيى بن سعيد القطان أنا سفيان الثوري حدثني منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي : أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجواري في المدينة معهن الدفوف فيشققونها . وقد جاء عن سعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين : أنهما كانا يحسنان اللعب بالشطرنج - وعن سعيد بن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يغني بالعود - ، وبالله - تعالى - التوفيق .
1567 - مسألة : والبيع في المسجد مكروه ، وهو جائز لا يرد ، والبيع قبل طلوع الشمس جائز . وابتياع المرء ما ليس عنده ثمنه جائز ؛ لقول الله - تعالى - : { وأحل الله البيع } وقد رويت في ذلك آثار لا تصح - : روى الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد الله عن أبيه - وكلهم مجهولون - عن علي { نهى رسول الله ﷺ عن السوم قبل طلوع الشمس } . ومن طريق ابن وهب أخبرني أسامة - هو ابن زيد - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { نهى رسول الله ﷺ عن البيع والشراء في المسجد } . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { نهى رسول الله ﷺ عن التحلق في المسجد قبل الصلاة ، وعن البيع ، والشراء في المسجد } - هذه صحيفة . ومن طريق أبي داود عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس { أن النبي ﷺ ابتاع من غيره بيعا وليس عنده ثمنه فأربح فيه ، فباعه وتصدق بالثمن على أرامل بني عبد المطلب ، ثم قال : لا أشتري بعدها شيئا إلا وعندي ثمنه } - سماك ، وشريك ضعيفان . وروي من طريق الدراوردي عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ " { إذا رأيتم الرجل ينشد في المسجد فقولوا له لا رد الله عليك ، وإذا رأيتموه يبيع فقولوا له : لا أربح الله تجارتك } ليس فيه منع من البيع ، ولكنها كراهية .