→ كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | ابن حزم - المحلى كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) المؤلف: ابن حزم |
كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) ← |
كتاب البيوع
1557 - مسألة: ولا يجوز البيع بالبراءة من كل عيب، ولا على أن لا يقوم علي بعيب والبيع هكذا فاسد مفسوخ أبدا، وذهب أبو حنيفة إلى جواز البيع بالبراءة، ولم ير للمشتري القيام بعيب أصلا علمه البائع أو لم يعلمه. وذهب سفيان، والحسن بن حي، وأبو سليمان: إلى أنه لا يبرأ بشيء من ذلك من العيوب علمه البائع أو لم يعلمه. وذهب الشافعي إلى أنه لا يبرأ بذلك من شيء من العيوب إلا في الحيوان خاصة فإنه يبرأ به مما لم يعلم من عيوب الحيوان المبيع، ولا يبرأ مما علمه من عيوبه فكتمه. ولمالك ثلاثة أقوال: أحدها وهو الذي ذكرنا أنه المجتمع عليه عندهم، وهو مثل قول الشافعي حرفا حرفا؛ وهو قوله في الموطأ.
والثاني أنه لا يبرأ بذلك إلا في الرقيق خاصة، فيبرأ مما لم يعلم، ولا يبرأ مما علم فكتم، وإنما في سائر الحيوان وغير الحيوان، فلا يبرأ به من عيب أصلا. والثالث وهو الذي رجع إليه، وهو أنه لا ينتفع بالبراءة إلا في ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلطان للمغنم، أو على مفلس.
والثاني: العيب الخفيف خاصة في الرقيق خاصة لكل أحد. والثالث: فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة. وذهب بعض المتقدمين، منهم: عطاء، وشريح، إلى أنه لا يبرأ أحد وإن باع بالبراءة، إلا من عيب بينه ووضع يده عليه. فأما القول بوضع اليد فرويناه عن شريح، وصح عن عطاء.
وروينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي عثمان النهدي قال: ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما بينت ووضعت يدك عليه.
قال أبو محمد: ولو وجد الحنفيون، والمالكيون مثل هذا لطاروا به كل مطار؛ لأن أبا عثمان أدرك جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وأدرك رسول الله ﷺ إلا أنه لم يلقه. فلو وجدوا مثل هذا فيما يعتقدونه لقالوا: إنما ذكر ذلك عن الصحابة وهذا إجماع.
قال علي: وأما نحن فلا نقطع بالظنون، ولا ندري لوضع اليد معنى، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن رسول الله ﷺ لا عن غيره وبالله تعالى التوفيق.
وأما قول الشافعي: فما نعلم له حجة إلا أنه قلد ما روينا عن عثمان من طريق مالك، عن ابن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله قال: إن أباه باع غلاما له بالبراءة فخاصمه المشتري إلى عثمان وقال: باعني عبدا وبه داء لم يسمه لي فقال ابن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان على ابن عمر بأن يحلف لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى ابن عمر من أن يحلف وارتجع العبد. قال أبو محمد: وهذا عجب جدا إذ قلد عثمان ولم يقلد ابن عمر جواز البيع بالبراءة في الرقيق، والشافعي أشد الناس إنكارا للتقليد. ثم عجب آخر كيف قلد عثمان فيما لم يقله عثمان قط، ولا صح عنه، ولم يقلده في هذا الخبر نفسه في قضائه على ابن عمر بالنكول وهو صحيح عنه إن هذا هو عين العجب.
واحتج لترجيحه رأي عثمان بأن الحيوان لا يكاد يخلو من عيب باطن، وأنه يتغذى بالصحة والسقم .
فقلنا: فكان ماذا ومن أين وجب بهذا أن ينتفع بالبراءة فيه مما لم يعلمه من العيوب، ولا ينفعه مما علم فكتم إن هذا لعجب فوجب رفض هذا القول لتعريه من الدلائل.
وأيضا: فإن عثمان رضي الله عنه لم يقل: إن الحكم بما حكم به إنما هو في الحيوان دون ما سواه، فمن أين خرج له تخصيص الحيوان بذلك. فإن قالوا: إنما حكم بذلك في عبد
قلنا: فلا تتعدوا بذلك العبيد، أو الرقيق. فإن قالوا: قسنا الحيوان على العبد
قلنا: ولم لم تقيسوا جميع المبيعات على العبد فحصلوا على خبال القياس، وعلى مخالفة عثمان، وابن عمر، فكيف وقد روينا هذا الخبر من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم، أخبرنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أنه باع سلعة كانت له بالبراءة، ثم ذكر الخبر بتمامه، وقضى عثمان عليه باليمين: أنه ما باعه وبه داء يعلمه فكره ابن عمر اليمين وارتجع السلعة. فهذا عموم لكل مبيع وإسناده متصل سالم عن أبيه، وما نعلم لهم سلفا في تفريقهم هذا من الصحابة أصلا.
وأما أقوال مالك: فشديدة الأضطراب: أول ذلك أنه حكى عن أحدها وهو الموافق لقول الشافعي أنه الأمر المجتمع عليه عندهم، وهذا اللفظ عند مقلديه من الحجج التي لا يجوز خلافها، وفي هذا عجبان عجيبان:. أحدهما أنه روي عن عثمان، وابن عمر خلاف هذا الأمر المجتمع عليه، وما علمنا إجماعا يخرج منه عثمان، وابن عمر.
والثاني أنه رجع مالك نفسه عن هذا القول الذي ذكره أنه المجتمع عليه عندهم، فلئن كان الأمر المجتمع عليه عندهم بالمدينة حجة لا يجوز خلافها، فكيف استجاز مالك أن يخالف المجتمع عليه بالمدينة، وهو الحق فلقد خالف الحق وتركه بعد أن علمه، وإن كان الأمر المجتمع عليه عندهم بالمدينة ليس حجة، ولا يلزم اتباعه، فما بالهم يغرون الضعفاء به، ويحتجون به في رد السنن، أما هذا عجب. فإن قالوا: لم يرجع مالك عنه إلا لخلاف وجده هنالك .
فقلنا: فقد جاز الوهم عليه في دعوى الإجماع، ووجد الخلاف بعد ذلك، فلا تنكروا مثل هذا في سائر ما ذكر فيه أنه الأمر المجتمع عليه، ولا تنكروا وجود الخلاف فيه، وهذا ما لا مخلص لهم منه، إلا أن هذا القول قد بينا في إبطالنا قول الشافعي بطلانه وبالله تعالى نتأيد.
وأما قوله الثاني: في تخصيصه الرقيق خاصة، فما ندري له متعلقا أصلا لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي. ولعل قائلا يقول: إنه قلد عثمان. فقلنا: وما بال تقليد عثمان دون تقليد ابن عمر وكلاهما صاحب.
وأيضا: فما قلد عثمان؛ لأن عثمان لم يقل إن هذا الحكم إنما هو في الرقيق خاصة، وقد خالفه في قضائه بالنكول، فما حصل إلا على خلاف عثمان، وابن عمر فبطل هذا القول أيضا لتعريه عن الأدلة جملة.
وأما قوله الثالث: الذي رجع إليه فأشدها فسادا لأنه لا متعلق له بقول أحد نعلمه: لا صاحب، ولا تابع، ولا قياس، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا رأي له وجه. ثم تخصيصه البيع على المفلس عجب، وعهدة الثلاث كذلك، ثم تخصيصه بالعيب الخفيف وهو لم يبين ما الخفيف من الثقيل فحصل مقلدوه في أضاليل لا يحكمون بها في دين الله تعالى إلا بالظن. فسقطت هذه الأقوال كلها وبالله تعالى التوفيق.
وأما قول أبي حنيفة فإنهم قالوا: قد صح الإجماع المتيقن على أنه إذا باع وبرئ من عيب سماه فإنه يبرأ منه، ولا فرق بين تفصيله عيبا عيبا وبين إجماله العيوب، وقالوا: قد روي قولنا عن بعض الصحابة كما ذكرنا، عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، ولعلهم يحتجون بالمسلمين عند شروطهم.
قال أبو محمد: ما نعلم لهم شغبا غير هذا، فأما المسلمون عند شروطهم فقد قدمنا: أنه باطل لا يصح وأنه لو صح لم يكن لهم فيه حجة؛ لأن شروط المسلمين ليست إلا الشروط التي نص الله تعالى على إباحتها ورسوله ﷺ لا شروطا لم يبحها الله تعالى، ولا رسوله عليه السلام وقد قال رسول الله ﷺ: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.
وأما الرواية عن بعض الصحابة فقد اختلفوا، ولا حجة في قول بعضهم دون بعض
وأما قولهم: لا فرق بين تفصيل العيوب وبين إجمالها، فكذبوا، بل بينهما أعظم الفرق؛ لأنه إذا سمى العيب ووقف عليه فقد صدق وبرئ منه، وإذا أجمل العيوب فقد كذب بيقين؛ لأن العيوب تتضاد، فصارت صفقة انعقدت على الكذب فهي مفسوخة، وكيف لا يكون فرق بين صفقة صدق وصفقة كذب وأما الصحابة: فقد اختلفوا، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ؛ فبطل هذا القول أيضا لتعريه من الأدلة.
قال أبو محمد: فلنذكر الآن البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته: وهو أن من باع بشرط أن لا يقام عليه بعيب إن وجد، فهو بيع فاسد باطل؛ لأنه انعقد على شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل، ولأنه غش، والغش محرم. قال عليه السلام: من غشنا فليس منا "
وقال عليه السلام: الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. ومن باع بالبراءة من العيوب: فلا يخلو من أن يكون أراد بذلك أن لا يقام عليه بعيب إن وجد، وأنه بريء منه، فقد ذكرنا أن البيع هكذا باطل أو يكون أراد فيه كل عيب فهذا باطل بيقين؛ لأن الحمى عيب، وهي من حر، والفالج عيب وهو من برد، وهما متضادان. وكل بيع انعقد على الكذب والباطل فهو باطل؛ لأنه انعقد على أنه لا صحة له إلا بصحة ما لا صحة له، فلا صحة له، ولا فرق في هذا الوجه بين أن يسمي العيوب كلها، أو بعضها، أو لا يسميها؛ لأنه إنما سمى عيبا واحدا فأكثر وكذب فيه، فالصفقة باطلة؛ لأنعقادها على الباطل، وعلى أن به ما ليس فيه، وأنه على ذلك يشتريه، فإذ ليس به ذلك العيب، فلا شراء له فيه وهذا في غاية الوضوح وبالله تعالى التوفيق. فإن باع وسكت ولم يبرأ من عيب أصلا، ولا شرط سلامة، فهو بيع صحيح إن وجد العيب فالخيار لواجده في رد أو إمساك، وإلا فالبيع لازم وبالله تعالى التوفيق.
1558 - مسألة: وبيع المصاحف جائز، وكذلك جميع كتب العلوم عربيها وعجميها لأن الذي يباع إنما هو الرق أو الكاغد أو القرطاس والمداد، والأديم إن كانت مجلدة وحلية إن كانت عليها فقط.
وأما العلم فلا يباع؛ لأنه ليس جسما وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبي سليمان.
وروينا من طريق سعيد بن منصور أنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون بيع المصاحف، وتعليم الصبيان بالأرش يعظمون ذلك.
ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن سالم بن عجلان هو الأفطس عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عمر: وددت أني قد رأيت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف.
ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا همام بن يحيى أنا قتادة عن زرارة بن أوفى الحرشي عن مطرف بن مالك قال: شهدت فتح تستر مع أبي موسى الأشعري فأصبنا دانيال بالسوس ومعه ربعة فيها كتاب، ومعنا أجير نصراني فقال: تبيعوني هذه الربعة وما فيها قالوا: إن كان فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله لم نبعك قال: فإن الذي فيها كتاب الله تعالى، فكرهوا بيعه، قال: فبعناه الربعة بدرهمين، ووهبنا له الكتاب، قال قتادة: فمن ثم كره بيع المصاحف؛ لأن الأشعري، والصحابة كرهوا بيع ذلك الكتاب.
قال أبو محمد: إنما كرهوا البيع نفسه ليس من أجل أن المشتري كان نصرانيا؛ ألا ترى أنهم قد وهبوه له بلا ثمن.
ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى سألت عبد الله بن يزيد، ومسروقا، وشريحا، عن بيع المصاحف فقالوا: لا نأخذ لكتاب الله ثمنا.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان أن ابن جريج ذكر عن عطاء، عن ابن عباس قال في المصاحف: اشترها، ولا تبعها.
ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الله بن إدريس الأودي، عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال في المصاحف: اشترها، ولا تبعها.
ومن طريق ابن أبي شيبة أنا إسماعيل بن إبراهيم، هو ابن علية عن ليث عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة، عن ابن مسعود أنه كره شراء المصاحف وبيعها.
ومن طريق ابن أبي شيبة، أخبرنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة: أبيع مصحفا قال: لا.
ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال: لحس الدبر أحب إلي من بيع المصاحف.
ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لا يورث المصحف: هو لأهل البيت القراء منهم.
ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن زريع أنا خالد هو الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني، قال: كان يكره بيع المصاحف وابتياعها.
ومن طريق ابن أبي شيبة، أخبرنا ابن علية عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني أنه كره بيع المصاحف وابتياعها.
ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا مهد بن ميمون سألت محمد بن سيرين عن كتاب المصاحف بالأجر فقال: كره كتابها واستكتابها وبيعها وشراءها.
ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن سالم هو بن عبد الله بن عمر قال: بئس التجارة بيع المصاحف.
ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، قال سعيد: عن قتادة عن سعيد بن المسيب، وقال شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، ثم اتفق ابن المسيب، وابن جبير قالا جميعا: اشتر المصاحف، ولا تبعها.
ومن طريق ابن أبي شيبة أنا المعتمر بن سليمان عن معمر عن قتادة قال: اشتر، ولا تبع يعني المصاحف.
ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عفان أنا همام عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن بيع المصاحف قال: اشترها، ولا تبعها
وهو قول الحكم بن عتيبة، ومحمد بن علي بن الحسين.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن بيع المصاحف فكرهه.
ومن طريق وكيع أنا إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي قال: اشتر المصاحف، ولا تبعها.
ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنه كره بيع المصاحف فلم يزل به مطر الوراق حتى أرخص له، فهؤلاء أبو موسى الأشعري، وكل من معه من صاحب أو تابع أيام عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن زيد، وجابر بن عبد الله، وابن عمر: ستة من الصحابة بأسمائهم، ثم جميع الصحابة بإطلاق لا مخالف لهم منهم. ومن التابعين المسمين: مسروق، وشريح، ومطرف بن مالك، وعلقمة،، وإبراهيم، وعبيدة السلماني، وابن سيرين، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، والزهري، والشعبي، والحسن، كلهم ينهى عن بيع المصاحف، ولا يراه سوى من ذكر ذلك عنه من الجمهور ممن لم يسم وما نعلمه روى إباحة بيعها إلا عن الحسن، والشعبي باختلاف عنهما، وعن أبي العالية، وأثرين موضوعين: أحدهما: من طريق عبد الملك بن حبيب عن طلق بن السمح عن عبد الجبار بن عمرو الأيلي قال: كان ابن مصبح يكتب المصاحف في زمان عثمان ويبيعها، ولا ينكر ذلك عليه. والآخر أيضا: من طريق ابن حبيب عن الحارث بن أبي الزبير المدني عن أنس بن عياض عن بكير بن مسمار، عن ابن عباس أنه كان يكره للرجل أن يبيعها يتخذها متجرا، ولا يرى بأسا بما عملت يداه منها أن يبيعه. ابن حبيب ساقط، وابن مصبح، والحارث بن أبي الزبير، وطلق بن السمح: لا يدري أحد من هم من خلق الله تعالى، وعبد الجبار بن عمرو ساقط ولم يدرك عثمان، وبكير بن مسمار ضعيف ثم هما مخالفان لقولهم؛ لأنه ليس في حديث ابن مصبح: أن عثمان عرف بذلك، ولا أن أحدا من الصحابة عرف بذلك، وفي حديث ابن عباس: أنه كره أن يتخذ بيعها متجرا. فأين المالكيون، والحنفيون، والشافعيون المشنعون بخلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف، والمشنعون بخلاف جمهور العلماء وقد وافقوا ههنا كلا الأمرين. ثم العجب كل العجب، قولهم في قول عائشة الذي لم يصح عنها: أبلغني زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إن لم يتب في ابتياعه عبدا إلى العطاء بثمانمائة درهم وبيعه إياه من التي باعته منه بستمائة درهم نقدا، وقد خالفها زيد بن أرقم. فقالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، فلم يبق إلا أنه توقيف، ولم يقولوا ههنا فيما صح، عن ابن عمر مما لم يصح عن أحد من الصحابة خلافه من إباحة قطع الأيدي في بيع المصاحف، وعن الصحابة جملة. فهلا قالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، ولكن ههنا يلوح تناقضهم في كل ما تحكموا به في دين الله تعالى ونحمد الله على السلامة.
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ كثر القائلون به أم قلوا كائنا من كان القائل، لا نتكهن فنقول: مثل هذا لا يقال بالرأي، فننسب إلى رسول الله ﷺ ما لم يقله، وهذا هو الكذب عليه جهارا. والحجة كلها: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} وقوله عز وجل: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. فبيع المصاحف كلها حلال، إذ لم يفصل لنا تحريمه: وما كان ربك نسيا ولو فصل تحريمه لحفظه الله تعالى حتى تقوم به الحجة على عباده وبالله تعالى التوفيق.
1559 - مسألة: ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة، أو إلى أجل مسمى قريبا أو بعيدا فله أن يبتاع تلك السلعة من الذي باعها منه بثمن مثل الذي باعها به منه، وبأكثر منه، وبأقل حالا، وإلى أجل مسمى أقرب من الذي باعها منه إليه، أو أبعد ومثله، كل ذلك حلال لا كراهية في شيء منه، ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور في نفس العقد، فإن كان عن شرط فهو حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهما.
برهان ذلك: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع}. وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. فهذان بيعان فهما حلالان بنص القرآن ولم يأت تفصيل تحريمهما في كتاب، ولا سنة، عن رسول الله ﷺ: وما كان ربك نسيا فليسا بحرام.
وأما اشتراط ذلك فلقول رسول الله ﷺ: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. وذهب أبو حنيفة إلى أن من اشترى سلعة بثمن ما وقبض السلعة ثم باعها من البائع لها منه بأقل من الثمن الذي اشتراها به قبل أن ينقد هو الثمن الذي كان اشتراها هو به: فالبيع الثاني باطل. فإن باعها من الذي كان ابتاعها منه بدنانير، وكان هو قد اشتراها بدراهم أو ابتاعها بدنانير ثم باعها من بائعها بدراهم فإن كان قيمة الثمن الثاني أقل من قيمة الثمن الأول فإنه لا يجوز. فإن كان اشتراها بدنانير أو بدراهم ثم باعها من الذي ابتاعها هو منه بسلعة: جاز ذلك كان ثمنها أقل من الثمن الذي اشتراها به أو أكثر. فإن ابتاعها في كل ما ذكرنا بثمن ثم باعها من بائعها منه بثمن أكثر من الثمن الذي ابتاعها به منه فهو جائز. قال: وكل ما يحرم في هذه المسألة على البائع الأول فهو يحرم على شريكه في التجارة التي تلك السلعة منها، وعلى وكيله، وعلى مدبره، وعلى مكاتبه، وعلى عبده المأذون له في التجارة.
وقال مالك: من اشترى سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى، ثم ابتاعها هو من الذي ابتاعها منه بأكثر من ذلك الثمن إلى مثل ذلك الأجل لم يجز. فإن ابتاع سلعة ليست طعاما، ولا شرابا بثمن مسمى ثم اشتراها منه الذي كان باعها منه قبل أن يقبضها منه بأقل من ذلك الثمن أو بأكثر فلا بأس به، إلا أن يكون من أهل العينة وقد نقده الثمن فلا خير فيه. فإن ابتاع سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى فإنه لا يجوز له أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن، أو بسلعة تساوي أقل من ذلك الثمن نقدا، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله: لم يجز شيء من ذلك وله أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقدا، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل، أو مثله، وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل، ولا بسلعة تساوي أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل.
قال أبو محمد: احتج أهل هذين القولين بما رويناه: من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته،
ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شرحبيل، ثم اتفقا عنها قالت: دخلنا على عائشة أم المؤمنين، وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء واشتريته بستمائة فقالت عائشة: أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله ﷺ إلا أن يتوب، بئسما اشتريت وبئسما شريت قالت: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي قالت فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف فقالوا: مثل هذا الوعيد لا يقال بالرأي، ولا فيما سبيله الأجتهاد فصح أنه توقيف. وبما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن حيان بن عمير القيسي، عن ابن عباس في الرجل يبيع الجريرة إلى رجل فكره أن يشتريها يعني بدون ما باعها. وقالوا: هي دراهم بأكثر منها، وقالوا: هذان أرادا الربا فتحيلا له بهذا البيع ما لهم شيء شغبوا به غير ما ذكرناه. فأما خبر امرأة أبي إسحاق: ففاسد جدا؛ لوجوه:
أولها أن امرأة أبي إسحاق مجهولة الحال، لم يرو عنها أحد غير زوجها، وولدها يونس، على أن يونس قد ضعفه شعبة بأقبح التضعيف، وضعفه يحيى القطان، وأحمد بن حنبل جدا، وقال فيه شعبة: أما قال لكم: حدثنا ابن مسعود.
والثاني أنه قد صح أنه مدلس، وأن امرأة أبي إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين، وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها، ولا ولدها: أنها سمعت سؤال المرأة لأم المؤمنين، ولا جواب أم المؤمنين لها، إنما في حديثها: دخلت على أم المؤمنين، أنا، وأم ولد لزيد بن أرقم، فسألتها أم ولد زيد بن أرقم وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس، ويمكن أن يكون في غيره، فوجدنا: ما حدثناه علي بن محمد بن عباد الأنصاري أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن يزيد اللخمي، أخبرنا ابن مفرج القاضي أنا الحسن بن مروان القيسراني أنا إبراهيم بن معاوية أنا محمد بن يوسف الفريابي أنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر: أنها باعت من زيد بن أرقم خادما لها بثمانمائة درهم إلى العطاء، فاحتاج فابتاعتها منه بستمائة درهم فسألت عائشة أم المؤمنين فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت مرارا، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد بطل جهاده إن لم يتب قالت: فإن لم آخذ إلا رأس مالي قالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. وما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته قالت: سمعت امرأة أبي السفر تقول: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: بعت زيد بن أرقم خادما إلى العطاء بثمانمائة درهم وابتعتها منه بستمائة درهم فقالت لها عائشة بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إلا أن يتوب قالت: أفرأيت إن أخذت رأس مالي قالت: لا بأس فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. فبين سفيان الدفينة التي في هذا الحديث وأنها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم المؤمنين، وإنما روته عن امرأة أبي السفر، وهي التي باعت من زيد، وهي أم ولد لزيد، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق، فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة فبطل جملة ولله تعالى الحمد. وليس بين يونس، وبين سفيان نسبة في الثقة والحفظ، فالرواية ما روى سفيان. والثالث أن من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه، وأنه لا يمكن أن يكون حقا أصلا: ما فيه مما نسب إلى أم المؤمنين من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إن لم يتب وزيد لم يفته مع رسول الله ﷺ إلا غزوتان فقط: بدر، وأحد، فقط، وشهد معه عليه السلام سائر غزواته، وأنفق قبل الفتح وقاتل، وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية، ونزل فيه القرآن، وشهد الله تعالى له بالصدق وبالجنة على لسان رسوله عليه السلام: أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة. ونص القرآن بأن الله تعالى قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة، فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط، وقد أعاذه الله تعالى منها برضاه عنه، وأعاذ أم المؤمنين من أن تقول هذا الباطل. والرابع أنه يوضح كذب هذا الخبر أيضا: أنه لو صح أن زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا المصرح وهو لا يدري أنه حرام لكان مأجورا في ذلك أجرا واحدا غير آثم، ولكان له من ذلك ما لأبن عباس رضي الله عنه في إباحة الدرهم بالدرهمين جهارا يدا بيد، وما لطلحة رضي الله عنه إذ أخذ دنانير مالك بن أوس ثم أخره بالدراهم في صرفها إلى مجيء خازنه من الغابة بحضرة عمر رضي الله عنه: فما زاد عمر على منعه من تعليمه، ولا زاد أبو سعيد على لقاء ابن عباس وتعليمه. وما أبطل عمر؛، ولا أبو سعيد بذلك تكبيرة واحدة من عمل طلحة، وابن عباس، وكلا الوجهين بالنص الثابت ربا صراح، ولا شيء في الربا فوقه. فكيف يظن بأم المؤمنين إبطال جهاد زيد بن أرقم في شيء عمله مجتهدا، لا نص في العالم يوجد خلافه، لا صحيح، ولا من طريق واهية، هذا والله الكذب المحض المقطوع به، فليتب إلى الله تعالى من ينسبه إلى أم المؤمنين، ومن يحرم به في دين الله تعالى ما لم يحرمه الله تعالى، ولا رسوله ﷺ فهذه براهين أربعة في بطلان هذا الخبر، وأنه خرافة مكذوبة.
ثم نقول: إنه لو صح صحة الشمس لما كان لهم فيه حجة لوجوه:
أولها أنه قول من أم المؤمنين، وما قولها بأولى من قول زيد وإن كانت أفضل منه إذا تنازعا؛ لأن الله تعالى يقول: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} ولم يأمرنا بالرد إلى أحد دون القرآن والسنة.
والثاني أن نقول لهم: كم قولة رددتموها لأم المؤمنين بالدعاوى الفاسدة كبيعها المدبرة وإباحتها الأشتراط في الحج، فاطرحتم حكمها وتعلقتم بمخالفة عمر لها في المدبرة. وصح عن عمر: من قدم ثقله من منى قبل أن ينفر فلا حج له، والأشتراط في الحج، فأطرحتم قول عمر، ولم تقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، فلم يبق إلا أنه توقيف. وخالفتموه لقول ابنه: لا أعرف الأشتراط في الحج، فمرة يكون قول أم المؤمنين حجة، ومرة لا يشتغل به، ومرة تكون عائشة حجة على زيد بن أرقم، وعمر حجة على عائشة، وابن عمر حجة على عمر، وغير ابن عمر حجة على ابن عمر وهذا هو التلاعب بالدين وبالحقائق. والثالث أن ابن عمر قد صح عنه ما أوردناه في الباب الذي قبل هذا من قوله وددت أني رأيت الأيدي تقطع في بيع المصاحف فهلا قلتم: مثل هذا لا يقال بالرأي كما قلتم ههنا والرابع أن من الضلال العظيم أن يظن أن عندها، رضي الله عنها، في هذا عن رسول الله ﷺ أثرا ثم تكتمه فلا ترويه لأحد من خلق الله تعالى حاشا لها من ذلك من أن تكتم ما عندها من البينات والهدى فما حصلوا إلا على الكذب على رسول الله ﷺ في تقويله ما لم يقله قط، إذ لو قاله لكان محفوظا بحفظ الله تعالى حتى بلغ إلى أمته، والكذب على أم المؤمنين. والخامس أنها أنكرت البيع إلى العطاء بقولها بئس ما شريت والمالكيون يبيحونه بمثل هذا، وهذا عجب جدا نصف كلامها حجة ونصفه ليس بحجة. والسادس أننا
روينا من طريق سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي عن أم محبة ختنة أبي السفر أنها نذرت مشيا إلى مكة فعجزت فقال لها ابن عباس: هل لك ابنة تمشي عنك قالت: نعم، ولكنها أعظم في نفسها من ذلك. فإن كانت هذه الطريق لا حجة فيها فهي تلك نفسها أو مثلها، بل قد جاء في حديث زيد بن أرقم عن أم محبة أيضا، وإن كان ذلك الخبر حجة، فهذا حجة، وإلا فقد حصل التناقض فظهر فساد هذا الأحتجاج جملة ولله تعالى الحمد.
وأما خبر ابن عباس: فهو رأي منه، وقد خالفه ابن عمر: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال: ذكر لأبن عمر رجل باع سرجا بنقد، ثم أراد أن يبتاعه بدون ما باعه قبل أن ينتقد، فقال ابن عمر: لعله لو باعه من غيره باعه بدون ذلك، ولم ير به بأسا. وكم قصة لأبن عباس خالفوه فيها كما ذكرنا قبل هذا آنفا فسقط تعلقهم بابن عباس.
وروينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: لا بأس بأن يشتري الشيء إلى أجل ثم يبيعه من الذي اشتراه منه بأقل من الثمن إذا قاصصه.
قال أبو محمد: وأما قولهم: إنها دراهم بأكثر منها فعجب لا نظير له جدا، وقد قلت لبعضهم: ما تقولون فيمن باع سلعة إلى أجل بدينار ثم اشتراها بنقد بدينارين فقال: حلال: فقلت له: ومن أين وجب أن يكون إذا باعه بدينارين واشتراه بدينار ربا ودينارا بدينارين، ولم يجب إذا باعه بدينار إلى أجل واشتراه بدينارين: أن يكون ربا ودينارا بدينارين، وهل في الهوس أعظم من أن يبيع زيد من عمرو دينارا بدينارين فيكون ربا، ويبيع منه دينارين بدينار فلا يكون ربا، ليت شعري في أي دين وجدتم هذا أم في أي عقل فما أتى بفرق، ولا يأتون به أبدا.
وأما قولهم: إنهما أرادا الربا كما ذكرنا فتحيلا بهذا العمل فجوابهم أنهما إن كانا أرادا الربا كما ذكرتم فتحيلا بهذا العمل، فبارك الله فيهما، فقد أحسنا ما شاءا إذ هربا من الربا الحرام إلى البيع الحلال، وفرا من معصية الله تعالى إلى ما أحل، ولقد أساء ما شاء من أنكر هذا عليهما، وأثم مرتين لأنكاره إحسانهما، ثم لظنه بهما ما لعلهما لم يخطر ببالهما، وقد قال رسول الله ﷺ: الظن أكذب الحديث.
وأما أقوال أبي حنيفة، ومالك، في هذه المسألة فقد ذكرنا طرفا يسيرا من تقسيمهما، وكل من تأمله يرى أنها تقاسيم في غاية الفساد، والتناقض، كتفريق أبي حنيفة بين ابتياعه بسلعة وبين ابتياعه بدنانير، وفي كلا الوجهين إنما باع بدراهم وكتحريمه ذلك على وكيله وشريكه. وكتفريق مالك بين ابتياعه بأكثر مما كان باعها به فيراه حلالا، وبين ابتياعه بأقل فيراه حراما، وهذه عجائب بلا دليل كما ترى ثم إن أبا حنيفة أوهم أنه أخذ بخبر عائشة، رضي الله عنها، ولم يأخذ به؛ لأنه يرى ذلك فيمن باع بثمن حال ما لم ينتقد جميع الثمن، وليس هذا في خبر عائشة أصلا وبالله تعالى التوفيق.