الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الرابعة


كتاب البيوع

وقال بعضهم : التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد - فمن المحال أن يكون ما يبطل العقد هو الذي يثبته . قال علي : وهذا كلام في غاية الفساد ، ولا ننكر هذا إذا جاء به النص فقد وجدنا النقد وترك ، الأجل يفسد السلم عندهم ، ويصحح البيوع التي يقع فيها الربا حتى لا تصح إلا به . فكيف والمعنى فيما راموا الفرق بينه واحد ؟ وهو أن المتصارفين لم يملكا شيئا ولا تبايعا أصلا قبل التقابض ، وكل متبايعين فلم يتم بينهما بيع أصلا قبل التفرق أو التخيير - متصارفين كانا أو غير متصارفين - فإن تفرق كل من ذكرنا بأبدانهم قبل ما يتم به البيع ، فمن كان قد عقد عقدا أبيح له تم له بالتفرق ، ومن كان لم يعقد عقدا أبيح له فليس ههنا شيء يتم له بالتفرق . وقالوا أيضا : متعقبين لكلام رسول الله ﷺ رادين عليه : المتبايعان إنما يكونان متبايعين ما داما في حال العقد لا بعد ذلك ، كالمتضاربين والمتقاتلين فمن المحال أن يكونا متبايعين متفاسخين معا ؟ قال أبو محمد : وهذا كلام من لا عقل له ، ولا علم ، ولا دين ، ولا حياء ؛ لأنه سفسطة باردة ، ونعم ، فإن المتبايعين لا يكونان متبايعين إلا في حين تعاقدهما لكن عقدهما بذلك ليس بشيء ولا يتم إلا بالتفرق أو التخيير بعد العقد ، كما أمر من لا يحرم دم أحد إلا باتباعه ، أو بجزية يغرمها - إن كان كتابيا - وهو صاغر . ومن طريف نوادرهم احتجاجهم في معارضة هذا الخبر بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي ﷺ قال : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله } . قالوا : فالاستقالة لا تكون إلا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك . قال علي : قبل كل شيء فهذا حديث لا يصح ولسنا ممن يحتج لنفسه بما لا يصح ، وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك ، ولو صح لكان موافقا لقولنا ، إلا في المنع من المفارقة خوف الاستقالة فقط فلسنا نقول به ؛ لأن الخبر المذكور لا يصح ، ولو صح لقلنا بما فيه من تحريم المفارقة على هذه النية ، وليست الاستقالة المذكورة في هذا الخبر ما ظن هؤلاء الجهال ، وإنما هي فسخ النادم منهما للبيع - رضي الآخر أم كره - لأن العرب تقول استقلت من علتي ، واستقلت ما فات عني : إذا استدركه . والبرهان على صحة قولنا هذا وعلى فساد تأويلهم وكذبه هو أن المفارقة بالأبدان لا تمنع من الاستقالة التي حملوا الخبر عليها ، بل هي ممكنة أبدا ، ولو بعد عشرات أعوام ، فكان الخبر على هذا لا معنى له ولا حقيقة ، ولا فائدة . فصح أنها الاستقالة التي تمنع منها المفارقة بلا شك ، وهي التفرق بالأبدان الموجب للبيع ، المانع من فسخه ولا بد ، ولا يمكن غير هذا ، ولا يحتمل لفظ الخبر معنى سواه ألبتة . فصار هذا الخبر ثقلا عليهم على ثقل ، لأنهم صححوه وخالفوا ما فيه ، وأباحوا له مفارقته - خشي أن يستقيله أو لم يخش . قال علي : هذا كل ما موهوا به وكله عائد عليهم ومبدي تخاذل علمهم وقلة فهمهم ونحن - إن شاء الله تعالى - نذكر ما هو أقوى شبهة لهم ، ونبين حسم التعلق به لمن عسى أن يفعل ذلك - وبالله تعالى التوفيق . روينا من طريق البخاري قال : وقال الحميدي عن سفيان بن عيينة نا عمرو { عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي ﷺ في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده فقال النبي ﷺ لعمر : بعنيه ؟ قال : هو لك يا رسول الله ، قال : بعنيه ؟ فباعه من رسول الله ﷺ فقال النبي ﷺ هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت } قالوا فهذا بيع صحيح لا تفرق فيه وهبة لما ابتاع عليه السلام قبل التفرق بلا شك . قال أبو محمد : هذا خبر لا حجة لهم فيه لوجوه - : أولها - أنه وإن لم يكن فيه تفرق فيه التخيير بعد العقد ، وليس السكوت عنه بمانع من كونه ؛ لأن صحة البيع تقتضيه ولا بد - ولم يذكر في هذا الخبر ثمن أيضا ، فينبغي لهم أن يجيزوا البيع بغير ذكر ثمن أصلا ؛ لأنه لم يذكر فيه ثمن . فإن قالوا : لا بد من الثمن بلا شك ؛ لأن البيع لا يصح إلا به ؟ قلنا : ولا بد من التفرق أو التخيير ؛ لأن البيع لا يكون بيعا ، ولا يصح أصلا إلا بأحدهما ، ولا فرق بينهم في احتجاجهم بهذا الخبر في إسقاط حكم ما لم يذكر فيه من التخيير بعد العقد ، وبين من احتج به في البيع بالمحرمات ؛ لأنه لم يذكر فيه ثمن أصلا ، وهذه هبة لما ابتيع قبل القبض بخلاف رأي الحنفيين فهو حجة عليهم ، وكذلك القول في الإشهاد سواء سواء . والوجه الثاني - أنه حتى لو صح لهم أنه لم يكن في هذا البيع تخيير ولا إشهاد أصلا وهو لا يصح أبدا - فمن لهم أن هذه القصة كانت بعد قول رسول الله ﷺ : { كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر } ؟ وبعد أمر الله تعالى بالإشهاد ، ومن ادعى علم ذلك فهو كذاب أفك يتبوأ - إن شاء الله تعالى - مقعده من النار لكذبه على رسول الله ﷺ . فإن كان هذا الخبر قبل ذلك كله ؟ فنحن نقول : إن البيع حينئذ كان يتم بالعقد وإن لم يتفرقا ولا خير أحدهما الآخر ، وإن الإشهاد لم يكن لازما وإنما وجب كل ما ذكرنا حين الأمر به لا قبل ذلك ، وأما نحن فنقطع بأن رسول الله ﷺ لا يخالف أمر ربه تعالى ، ولا يفعل ما نهى عنه أمته ، هذا ما لا شك فيه عندنا ، ومن شك في هذا أو أجاز كونه فهو كافر ، نتقرب إلى الله تعالى بالبراءة منه . وكذلك نقطع بأنه عليه السلام لو نسخ ما أمرنا به لبينه حتى لا يشك عالم بسنته في أنه قد نسخ ما نسخ وأثبت ما أثبت . ولو جاز غير هذا - وأعوذ بالله - لكان دين الإسلام فاسدا لا يدري أحد ما يحرم عليه مما يحل له مما أوجب ربه تعالى عليه حاش لله من هذا ، إن هذا لهو الضلال المبين الذي يكذبه الله تعالى إذ يقول : { تبيانا لكل شيء } و { لتبين للناس ما نزل إليهم } . وقد تبين الرشد من الغي ، والدين كله رشد وخلاف كل شيء منه غي ، فلو لم يتبين كل ذلك لكان الله تعالى كذبا ، والرسول عليه السلام لم يبين ، ولم يبلغ والدين ذاهبا فاسدا - وهذا هو الكفر المحض ممن أجاز كونه . والوجه الثالث - أنهم يقولون : إن الراوي من الصحابة أعلم بما روى وابن عمر هو راوي هذا الخبر ، وهو الذي كان لا يرى البيع يتم إلا بالتفرق بالأبدان ، فهو على أصلهم أعلم بما روي . وسقط على أصلهم هذا تعلقهم بهذا الخبر جملة - والحمد لله رب العالمين . وقال بعضهم : { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } ، ومن الغرر أن يكون لهما خيار لا يدريان متى ينقطع . قال أبو محمد : وهذا كلام فاسد من وجوه - : أحدها - أن العقد قبل التفرق بالأبدان ، أو التخيير : ليس بيعا أصلا لا بيع غرر ولا بيع سلامة ، كما قال عليه السلام : { إنه لا بيع بينهما ما كانا معا } فهو غير داخل في بيع الغرر المنهي عنه . والوجه الثاني - أنه ليس كما قالوا : من أن لهما خيارا لا يدريان متى ينقطع ، بل أيهما شاء قطعه قطعه في الوقت ، بأن يخير صاحبه فإما يمضيه فيتم البيع وينقطع الخيار ، وإما يفسخه فيبطل حكم العقد وتماديه ، أو بأن يقوم فيفارق صاحبه كما كان يفعل ابن عمر فظهر برد هذا الاعتراض على رسول الله ﷺ بالرأي السخيف ، والعقل الهجين . والوجه الثالث - أنه لا يكون غررا شيء أمر به رسول الله ﷺ لأنه لا يأمر بما نهى عنه معا حاش له من ذلك ، وإنما الغرر ما أجازه هؤلاء بآرائهم الفاسدة من بيعهم اللبن الذي لم يخلق في ضروع الغنم شهرا أو شهرين . وبيع الجزر المغيب في الأرض الذي لم يره إنسي ولا عرف صفته ، ولا أهو جزر أم هو معفون مسوس لا خير فيه ؟ وبيع أحد ثوبين لا يدري أيهما هو المشترى . والمقاثي التي لم تخلق ، والغائب الذي لم يوصف ولا عرف - فهذا هو الغرر المحرم المفسوخ الباطل حقا . فإن ذكروا ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم عن أيوب بن عتبة اليمامي عن أبي كثير السحيمي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا من بيعهما أو يكون بيعهما بخيار } . قال أبو محمد : وهذا عجب جدا ؛ لأنه عليهم لو صح ، والتفرق من البيع لا يكون إلا بأحد أمرين لا ثالث لهما : إما بتفرق الأبدان فيتم البيع حينئذ ويتفرقان منه حينئذ ، لا قبل ذلك ، وإما أن يتفرقا منه بفسخه وإبطاله - : لا يمكن غير هذا ؟ فكيف وأيوب بن عتبة ضعيف لا نرضى الاحتجاج بروايته أصلا وإن كانت لنا . وأتى بعضهم بطامة تدل على رقة دينه وضعف عقله ، فقال : معنى ما لم يفترقا : إنما أراد ما لم يتفقا ، كما يقال للقوم : على ماذا افترقتم ؟ أي على ماذا اتفقتم - فأراد على ماذا افترقتما عن كلامكما . قال أبو محمد : وهذا باطل من وجوه - : أولها : أن هذه دعوى كاذبة بلا دليل ، ومن لكم بصرف هذا اللفظ إلى هذا التأويل ؟ وما كان هكذا فهو باطل . والثاني : أن يقول : هذا هو السفسطة بعينه ، ورد الكلام إلى ضده أبدا ، ولا يصح مع هذا حقيقة ، ولا يعجز أحد عن أن يقول كذلك في كل ما جاء عن القرآن ، والسنن . وهذه سبيل الروافض ، إذ يقولون : إن الجبت والطاغوت إنما هما إنسانان بعينهما ، وأن تذبحوا بقرة إنما هي فلانة بعينها . والثالث : أن نقول لهم : فكيف ، ولو جاز هذا التأويل لكان ما رواه الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا ، أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع ، فقد وجب البيع } مكذبا لهذا التأويل الكاذب المدعى بلا دليل ، ومبينا أن التفرق الذي به يصح البيع لا يكون ألبتة على رغم أنوفهم ، إلا بعد التبايع ، كما قال رسول الله ﷺ لا كما ظن أهل الجهل من أنه في حال التبايع ومع آخر كلامهما . قال أبو محمد : وهذا مما خالفوا فيه طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ، وهم يعظمون هذا - وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء إلا رواية عن إبراهيم ، ثم جاء بعضهم بعجب وهو أنهم زادوا في الكذب ، فأتوا برواية رويناها من طريق عطاء : أن عمر قال : البيع صفقة أو خيار - وروي أيضا من طريق الشعبي أن عمر - وعن الحجاج بن أرطاة أن عمر قال : إنما البيع عن صفقة أو خيار ، والمسلم عند شرطه . ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن محمد بن خالد بن الزبير عن شيخ من بني كنانة أن عمر قال : البيع عن صفقة أو خيار ، ولكل مسلم شرطه . قال أبو محمد : من عجائب الدنيا ، ومن البرهان على البراءة من الحياء : الاحتجاج بهذه الروايات في معارضة السنن ، وكلها عليهم لوجوه - : أولها - أنه ليس شيء منها يصح ؛ لأنها مرسلات ، أو من طريق الحجاج بن أرطاة - وهو مالك - عن شيخ من بني كنانة وما أدراك ما شيخ من بني كنانة ؟ ليت شعري أبهذا يحتجون إذا وقفوا في عرصة القضاء يوم القيامة ؟ عياذك اللهم من التلاعب بالدين . ثم لو صحت لما كان لهم فيها متعلق ، لأنه ليس في شيء منها إبطال ما حكم به الله تعالى على لسان رسوله ﷺ من أنه { لا بيع إلا بعد التفرق أو التخيير } . وكلام عمر هذا لو سمعناه من عمر لما كان خلافا لقولنا ؛ لأن الصفقة ما صح من البيع بالتفرق ، والخيار ما صح من البيع بالتخيير ، كما قال عليه السلام ، وحكم أن { لا بيع بين البيعين إلا بأن يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر } فكيف ، وقد صح عن عمر مثل قولنا نصا ؟ كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة نا ليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : أقبلت أقول : من يصطرف الدراهم ؟ فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك ؟ ثم جئنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك ؟ فقال له عمر : كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه درهمه . فهذا عمر يبيح له رد الذهب بعد تمام العقد وترك الصفقة . فإن قيل : لم يكن تم البيع بينهما ؟ قلنا : هذا خطأ ؛ لأن هذا خبر رويناه من طريق مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه أخبره أنه التمس ، صرفا بمائة دينار ؟ قال : فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ ذهبه فقلبها في يده ثم قال : حتى يأتيني خازني من الغابة وعمر يسمع ؟ فقال عمر : والله لا تفارقه حتى تأخذه . فهذا بيان أن الصرف قد كان قد انعقد بينهما - فصح أن عمر وبحضرته طلحة وسائر الصحابة يرون فسخ البيع قبل التفرق بالأبدان . ثم لو صح عن عمر ما ادعوه ما كان في قوله حجة مع رسول الله ﷺ ولا عليه ، وكم قصة خالفوا فيها عمر ومعه السنة أو ليس معه ؟ أول ذلك هذا الخبر نفسه ، فإنهم رووا عن عمر كما ترى " والمسلم عند شرطه " وهم يبطلون شروطا كثيرة جدا . ونسوا خلافهم لعمر في قوله : الماء لا ينجسه شيء . وأخذه الصدقة من الرقيق من كل رأس عشرة دراهم أو دينارا . وإيجابه الزكاة في ناض اليتيم . وتركه في الخرص في النخل ما يأكل أهله - والمسح على العمامة ، وأزيد من مائة قضية - فصار ههنا الظن الكاذب في الرواية الكاذبة عن عمر : حجة في رد السنن . فكيف وقد روينا هذه الرواية نفسها من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن خالد بن محمد بن خالد بن الزبير أن عمر بن الخطاب قال : إنه ليس بيع إلا عن صفقة وتخاير - هكذا بواو العطف - وهذا مخالف لقولهم ، وموافق لقولنا ، وموجب أن عمر لم ير البيع إلا ما جمع العقد ، والتخيير سوى العقد ، وقد ذكرناه عن عمر أيضا قبل من طريق صحيحة ، فظهر فساد تعلقهم من كل جهة . وذكر بعضهم قول ابن عمر الثابت عنه : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع - : رويناه من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه . قال أبو محمد : وهذا من عجائبهم ؛ لأنهم أول مخالف لهذا الخبر - : فالحنفيون يقولون : بل هو من البائع ما لم يره المبتاع أو يسلمه إليه البائع - والمالكيون يقولون : بل إن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع . فمن أعجب ممن يحتج بخبر هو عليه لا له ، ويجاهر هذه المجاهرة ؟ وما في كلام ابن عمر هذا شيء يخالف ما صح عنه من أن البيع لا يصح إلا بالتفرق بالأبدان . فقوله : ما أدركت الصفقة ، إنما أراد البيع التام بلا شك . ومن قوله المشهور عنه : إنه لا بيع يتم ألبتة إلا بالتفرق بالأبدان ، أو بالتخيير بعد العقد . قال علي : فظهر عظيم فحشهم في هذه المسألة ، وعظيم تناقضهم فيها ، وهم يقولون : إن المرسل كالمسند ، وبعضهم يقول : بل أقوى منه ، ويحتجون به إذا وافقهم . وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه { أن رسول الله ﷺ جعل الخيار بعد البيع } . قال أبو محمد : وقد ذكرنا عن طاوس أن التخيير ليس إلا بعد البيع ، وهم يقولون : الراوي أعلم بما روى . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا قاسم الجعفي عن أبيه عن ميمون بن مهران قال رسول الله ﷺ : { البيع عن تراض والتخيير بعد الصفقة ، ولا يحل لمسلم أن يغبن مسلما } . فهذان مرسلان من أحسن المراسيل ، مبطلان لقولهم الخبيث المعارض للسنن ، فأين هم عنه ؟ لكنهم يقولون ما لا يفعلون كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون - نعوذ بالله من مقته قال علي : وقد ذكرنا أن بعض أهل الجهل والسخف قال : هذا خبر جاء بألفاظ شتى فهو مضطرب . قال علي : وقد كذب بل ألفاظه كلها ثابتة منقولة نقل التواتر إلى رسول الله ﷺ ليس شيء منها مختلفا أصلا ، لكنها ألفاظ يبين بعضها بعضا ، كما أمر عليه السلام ببيان وحي ربه تعالى .

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب البيوع
كتاب البيوع (مسأله 1411 - 1414) | كتاب البيوع (مسأله 1415 - 1416) | كتاب البيوع (مسأله 1417) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) | كتاب البيوع (مسأله 1421) | كتاب البيوع (مسأله 1422) | كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)