→ كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | ابن حزم - المحلى كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) المؤلف: ابن حزم |
كتاب البيوع (مسأله 1421) ← |
كتاب البيوع
1418 - مسألة : فإن قيل : فهلا أوجبتم التخيير في البيع ثلاث مرات ؟ لما رويتموه من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله ﷺ قال : { البيعان بالخيار حتى يتفرقا ويأخذ كل واحد منهما من البيع ما هوي أو يتخايران ثلاث مرار } . ومن طريق البخاري نا إسحاق أنا حيان نا همام نا قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام " أن رسول الله ﷺ قال : { البيعان بالخيار حتى يتفرقا } قال همام : وجدت في كتابي { يختار ثلاث مرار ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما } وهكذا رويناه من طريق عفان عن همام أيضا ؟ قلنا : رواية الحسن عن سمرة مرسلة لم يسمع منه إلا حديث العقيقة وحده . وأما رواية همام فإنه لم يحدث بهذه اللفظة ، وإنما أخبر أنه وجدها في كتابه ، ولم يلتزمها ولا رواها ، ولا أسندها ، وما كان هكذا فلا يجوز الأخذ به ولا تقوم به حجة . وقد روى هذا الخبر همام عن أبي التياح عن عبد الله بن الحارث عن حكيم فلم يذكر فيه : ثلاث مرات . ورواه شعبة ، وسعيد بن أبي عروبة ، وحماد بن سلمة ، كلهم عن قتادة بإسناده ولفظه ، فلم يذكر أحد منهم : ثلاث مرار . وقد حدثنا هشام بن سعيد الخير نا عبد الجبار بن أحمد المقري نا الحسن بن الحسين بن عبد ربه النجيرمي نا جعفر بن محمد الأصبهاني نا يونس بن حبيب الزبيري نا أبو داود الطيالسي نا شعبة ، وهمام ، كلاهما عن قتادة ، قال شعبة في حديثه : إنه سمع صالحا أبا الخليل يحدث عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام ، قال : قال رسول الله ﷺ : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما } . قال أبو داود : وحديث همام مثل هذا فارتفع الإشكال وثبت همام على ترك هذه اللفظة ، ولم يقل إذ وجدها في كتابه : إنها من روايته ، ووالله لو ثبت همام عليها من روايته ، أو غيره - من الثقات - لقلنا بها ؛ لأنها كانت تكون زيادة .
1419 - مسألة : فإن تبايعا في بيت فخرج أحدهما عن البيت ، أو دخل حنية في البيت : فقد تفرقا وتم البيع ، أو تبايعا في حنية أحدهما إلى البيت : فقد تفرقا وتم البيع . فلو تبايعا في صحن دار فدخل أحدهما البيت : فقد تفرقا وتم البيع . فلو تبايعا في دار ، أو خص فخرج أحدهما إلى الطريق ، أو تبايعا في طريق فدخل أحدهما دارا ، أو خصا : فقد تفرقا وتم البيع . فإن تبايعا في سفينة فدخل أحدهما البليج ، أو الخزانة ، أو مضى إلى الفندقوق ، أو صعد الصاري : فقد تفرقا وتم البيع . وكذلك لو تبايعا في أحد هذه المواضع فخرج أحدهما إلى السفينة : فقد تم البيع إذ تفرقا - فإن تبايعا في دكان فزال أحدهما إلى دكان آخر ، أو خرج إلى الطريق فقد تم البيع وتفرقا . ولو تبايعا في الطريق فدخل أحدهما الدكان فقد تم البيع وتفرقا . فلو تبايعا في سفر أو في فضاء فإنهما لا يفترقان إلا بأن يصير بينهما حاجز يسمى تفريقا في اللغة ، أو بأن يغيب عن بصره في الرفقة ، أو خلف ربوة ، أو خلف شجرة ، أو في حفرة - وإنما يراعى ما يسمى في اللغة تفريقا فقط - وبالله تعالى التوفيق .
1420 - مسألة : فلو تنازع المتبايعان فقال أحدهما : تفرقنا وتم البيع ، أو قال : خيرتني ، أو قال : خيرتك فاخترت أو اخترت تمام البيع - وقال الآخر : بل ما تفرقنا حتى فسخت وما خيرتني ولا خيرتك ، أو أقر بالتخيير وقال : فلم أختر أنا ، أو قال : أنت تمام البيع - : فإن كانت السلعة المبيعة معروفة للبائع ببينة ، أو بعلم الحاكم ولا نبالي حينئذ في يد من كانت منهما ولا في يد من كان الثمن منهما - أو كانت غير معروفة إلا أنها في يده والثمن عند المشتري - فإن القول في كل هذا قول مبطل البيع منهما - كائنا من كان - مع يمينه ، لأنه مدعى عليه عقد بيع لا يقر به ، ولا بينة عليه به ، فليس عليه إلا اليمين بحكم رسول الله ﷺ باليمين على المدعى عليه . فإن كانت السلعة في يد المشتري وهي غير معروفة للبائع وكان الثمن عند البائع بعد : فالقول قول مصحح البيع منهما - كائنا من كان - مع يمينه ؛ لأنه مدعى عليه نقل شيء عن يده ، ومن كان في يده شيء فهو في الحكم له : فليس عليه إلا اليمين . فلو كانت السلعة والثمن معا في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه لأنه مدعى عليه كما قلنا - وبالله تعالى التوفيق . وهكذا القول في كل ما اختلف فيه المتبايعان ، مثل أن يقول أحدهما : ابتعته بنقد ، ويقول الآخر : بل بنسيئة ، أو قال أحدهما : بكذا أو كذا ، أو قال الآخر : بل أكثر - أو قال أحدهما : بعرض وقال الآخر : بعرض آخر ، أو بعين . أو قال أحدهما : بدنانير ، وقال الآخر بدراهم - أو قال أحدهما بصفة كذا وذكر ما يبطل به البيع وقال الآخر . بل بيعا صحيحا - : فإن كان في قول أحدهما إقرار للآخر بزيادة إقرارا صحيحا ألزم ما أقر به ولا بد - : فإن كانت السلعة بيد البائع والثمن بيد المشتري ، فهنا هو كل واحد منهما مدعى عليه فيحلف البائع بالله ما بعتها منه كما يذكر ولا بما يذكر ، ويحلف المشتري بالله ما باعها مني بما يذكر ولا كما يذكر ، ويبرأ كل واحد منهما من طلب ، الآخر ، ويبطل ما ذكرا من البيع . وذهب قوم إلى أن البيعين إذا اختلفا ترادا البيع دون أيمان - وهو قول ابن مسعود ، والشعبي ، وأحمد بن حنبل . كما روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن معن بن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود [ عن أبيه ] أن ابن مسعود باع من الأشعث بن قيس بيعا فاختلفا في الثمن ، فقال ابن مسعود : بعشرين ، وقال الأشعث : بعشرة ، فقال له ابن مسعود : اجعل بيني وبينك رجلا ؟ فقال له الأشعث : أنت بيني وبين نفسك ، قال ابن مسعود : فإني أقول بما قضى به رسول الله ﷺ : { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال رب المال ، أو يترادان البيع } . وروي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه قال : يحلف البائع فإن شاء المشتري أخذ وإن شاء ترك - ولم يذكر عليه يمينا . وقال قوم : إن كانت السلعة قائمة تحالفا وفسخ البيع ، وإن كانت قد هلكت فالقول قول المشتري مع يمينه ، هذا إذا لم تكن هنالك بينة - وهو قول حماد بن أبي سليمان ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومالك - وقال إبراهيم ، والثوري ، والأوزاعي في المستهلكة بذلك . وقال قوم : إذا اختلف المتبايعان حلفا جميعا ، فإن حلفا أو نكلا فسخ البيع - وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي بقول الذي حلف سواء كانت قائمة أو مستهلكة - وهو قول شريح ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن ، إلا أنهما قالا : يترادان ثمن المستهلكة ، وقال عطاء يرد البيع إلا أن يتفقا - وقال زفر بن الهذيل في السلعة القائمة : يتحالفان ويترادان ، وأما المستهلكة فإن اتفقا على أن الثمن كان من جنس واحد فالقول قول المشتري ، فإن اختلفا في الجنس تحالفا وترادا قيمة المبيع - . وقال أبو سليمان ، وأبو ثور : القول في ذلك - قائمة كانت السلعة أو مستهلكة - قول المشتري مع يمينه . قال أبو محمد : فأما قول ابن مسعود ، والشعبي ، وأحمد ، فإنهم احتجوا بالحديث الذي ذكرنا فيه - ورويناه بلفظ آخر ، وهو { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع ، والمبتاع بالخيار } فاللفظ الأول رويناه كما ذكرناه . ورويناه أيضا من طريق حفص بن غياث عن أبي عميس أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده قال ابن مسعود - ومن طريق أبي عميس أيضا عن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده قال ابن مسعود - من طريق هشيم نا ابن أبي ليلى - هو محمد بن عبد الرحمن القاضي - عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : أن ابن مسعود - : وأما اللفظ الثاني فرويناه من طريق ابن عجلان عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : أن ابن مسعود . قال أبو محمد : وهذا كله لا حجة فيه ، ولا يصح شيء منه ؛ لأنها كلها مرسلات - وعبد الرحمن بن مسعود كان له - إذ مات أبوه رضي الله عنه - ست سنين فقط ، لم يحفظ منه كلمة ، والراوي عنه أيضا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - وهو سيئ الحفظ - وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث - ظالم من ظلمة الحجاج - لا حجة في روايته - وأيضا فلم يسمع منه أبو عميس شيئا لتأخر سنه عن لقائه - وأيضا فهو خطأ ، وإنما هو عبد الرحمن بن محمد بن قيس بن محمد بن الأشعث - وهو مجهول ابن مجهول - وأيضا محمد بن الأشعث لم يسمع من ابن مسعود - : فبطل التعلق به جملة . وأما قول أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود فإنه يحتج له بما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، أخبرني إبراهيم بن الحسين نا حجاج - هو ابن محمد - قال ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد أنه سمع أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يقول : قال ابن مسعود { أمر رسول الله ﷺ في المتبايعين سلعة يقول أحدهما : أخذتها بكذا وكذا ، وقال الآخر : بعتها بكذا وكذا ، بأن يستحلف البائع ، ثم يختار المبتاع ، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك } . ورويناه أيضا من طريق إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عبيد عن ابن لعبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله ﷺ وهذا لا شيء - لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود سئل أتذكر من أبيك شيئا ؟ قال : لا - ولم يكن لعبد الله رضي الله عنه من الولد إلا أبو عبيدة - وهو أكبرهم - وعبد الرحمن تركه ابن ست سنين ، وعتبة - وكان أصغرهم - وعبد الملك بن عبيد المذكور مجهول - : فسقط هذا القول . قال أبو محمد : وأما سائر الأقوال فلا حجة لهم أصلا ، لا سيما من فرق بين السلعة القائمة والمستهلكة ، ومن حلف المشتري - : فإنه لا يوجد ذلك في شيء من الآثار أصلا ، إلا أنهم أطلقوا إطلاقا سامحوا فيه قلة الورع - يعني الحنفيين والمالكيين - فلا يزالون يقولون في كتبهم : قال رسول الله ﷺ : { إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فإنهما يتحالفان ويترادان } . وهذا لا يوجد أبدا لا في مرسل ولا في مسند ، لا في قوي ولا في ضعيف ، إلا أن يوضع للوقت . قال علي : وهذا مما تناقضوا فيه ، فخالفوا المرسل المذكور ، وخالفوا ابن مسعود ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم . واحتج بعضهم لقولهم في ذلك بأن قال : لما كان كلاهما مدعيا ومدعى عليه وجب عليهما اليمين جميعا ، فإن البائع يدعي على المشتري ثمنا أو عقدا لا يقر به المشتري ، والمشتري يدعي على البائع عقدا لا يقر به البائع . قال أبو محمد : ليس هذا في كل مكان كما ذكروا ؛ لأن من كان بيده شيء لا يعرف لغيره ، وقال له إنسان : هذا لي بعته منك بمثقالين ، وقال الذي هو في يده : بل ابتعته منك بمثقال وقد أنصفتك ، فإن الذي الشيء بيده ليس مدعيا على الآخر بشيء أصلا ؛ لأن الحكم أن كل ما بيد المرء فهو له ، فإن ادعى فيه مدع : حلف الذي هو بيده وبرئ ولم يقر له قط بملكه إقرارا مطلقا ، فليس البائع ههنا مدعى عليه أصلا . وقد عظم تناقضهم ههنا ، لا سيما تفريقهم بين السلعة القائمة والمستهلكة فهو شيء لا يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا معقول ، ولا رأي له وجه . ويعارضون بما احتج له أصحابنا ، وأبو ثور ، في قولهم : إن القول قول المشتري على كل حال مع يمينه ؛ لأنهما جميعا قد اتفقا على البيع ، وعلى انتقال الملك إلى المشتري ، ثم ادعى البائع على المشتري بما لا يقر له به المشتري ، وهذا أشبه بأصول الحنفيين ، والمالكيين : من أقوالهم في الإقرار . قال أبو محمد : وليس هذا أيضا صحيحا ؛ لأن البائع لم يوافق المشتري قط على ما ادعاه في ماله ، وإنما أقر له بانتقال الملك وبالبيع على صفة لم يصدقه المشتري فيها ، فلا يجوز أن يقضي للمشتري بإقرار هو مكذوب له . فصح أن القول ما قلناه : من أن كل ما كان بيد إنسان فهو له ، إلا أن تقوم بملكه بينة لغيره - وهو قول إياس بن معاوية ، وبهذا جاءت السنة . والعجب من إيهام الحنفيين والمالكيين ، والشافعيين : أنهم يقولون بالحديث المذكور وهم قد خالفوه جملة كما أوردنا ، لا سيما الشافعيين ، فإنهم يقولون : لا يجوز الحكم بالمرسل ، ثم أخذوا ههنا بمرسل ، وليتهم صدقوا في أخذهم به ، بل خالفوه ، وتناقضوا كلهم مع ذلك في ، فتاويهم في فروع هذه المسألة تناقضا كثيرا - وبالله تعالى التوفيق . وأعجب شيء في هذا تحليف المالكيين للبائع ، والمشتري : بأن يحلف البائع : بالله لقد بعتكها بكذا وكذا ، وبأن يحلف المشتري : بالله لقد اشتريتها منك بكذا وكذا ، فيجمعون في هذا أعجوبتين : إحداهما - تحليفهما على ما يدعيانه لا على نفي ما يدعي به كل واحد منهما على الآخر ، والأخرى أنهم يحلفونهما كذلك ثم لا يعطونهما ما حلفا عليه ، فأي معنى لتحليفهما بذلك ؟ وإنما يحلف المدعى عليه على نفي ما يدعي به كل واحد منهما على الآخر ، والأخرى أنهم يحلفونهما كذلك ثم لا يعطونهما ما حلفا عليه ، فأي معنى لتحليفهما بذلك ؟ وإنما يحلف المدعى عليه على نفي ما ادعي عليه به ويبرأ . وأما هم ومن يرى رد اليمين : فإنه يحلف المدعي على ما ادعى ويقضون له به ، ونقضوا ههنا أصولهم أقبح نقض وأفسده بلا دليل أصلا . وقالوا أيضا : إن ادعى أحدهما صحة العمل ، والآخر فساده : القول قول مدعي الصحة ولا يدرى من أين وقع لهم هذا ؟ وبالله تعالى التوفيق .