→ كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | ابن حزم - المحلى كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) المؤلف: ابن حزم |
كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) ← |
كتاب البيوع
1461 - مسألة : ولا يحل بيع المرء جملة مجموعة إلا كيلا مسمى منها ، أو إلا وزنا مسمى منها ، أو إلا عددا مسمى منها ، أي شيء كان . وكذلك لا يحل أن يبيع هذا الثوب أو هذه الخشبة إلا ذرعا مسمى منها . وكذلك لا يحل بيع الثمرة بعد طيبها واستثناء مكيلة مسماة منها ، أو وزن مسمى منها ، أو عدد مسمى منها أصلا ، قل ذلك أو كثر . ولا يحل بيع نخل من أصولها ، أو ثمرتها ، على أن يستثني منها نخلة بغير عينها ، لكن يختارها المشتري - هذا كله حرام مفسوخ أبدا ، محكوم فيما قبض منه كله بحكم الغصب وإنما الحلال في ذلك أن يستثني من الجملة إن شاء أي جملة كانت : حيوانا ، أو غيره ، أو من الثمرة : نصف كل ذلك مشاعا ، أو ثلثي كل ذلك ، أو أكثر ، أو أقل ؛ جزءا مسمى منسوبا مشاعا في الجميع . أو يبيع جزءا كذلك من الجملة مشاعا ، أو يستثني منها عينا معينة محوزة - كثرت أو قلت - فهذا هو الحق الذي لا خلاف من أحد في جوازه ، إلا في مكان واحد نذكره - إن شاء الله تعالى . وأجاز مالك بيع مائة نخلة يستثنى منها عشر نخلات بغير عينها ، وكذلك من الغنم ، ومنع من ذلك في الكثير - وأجاز بيع الثمرة واستثناء مكيلة منها تكون الثلث فأقل ، فإن استثنى أكثر من الثلث لم يجز . وقال مالك : إن ابتاع ثمر أربع نخلات من حائط بغير عينها لكن يختارها المبتاع لم يجز ، فلو ابتاعها كذلك بأصولها جاز ، إذا لم يكن فيها ثمر كالعروض . وأجاز للبائع أن يبيع ثمر حائطه ويستثني منه ثمر أربع نخلات بغير عينها ، لكن يختارها البائع - : أجاز هذا بعد أن توقف فيه أربعين ليلة ، وأجاز ذلك في الغنم - وكرهه ابن القاسم في النخل قال : فإن وقع أجزته لقول مالك ؟ قال أبو محمد : في هذه الأقوال عبرة لمن اعتبر من التفريق بين البائع ، والمشتري في اختيار الثمر ، ومن الفرق بين اختيار المشتري لثمر أربع نخلات فمنع منه ، وبين اختيار البائع له فأجازه . وليت شعري ما قوله في ست نخلات أو سبع ، ونزيده هكذا واحدة واحدة ، فإما يتمادى على الإباحة ، وإما يمنع ، فيكلفوا البرهان على ما حرموا وما حللوا ، أو يتحيروا فلا يدروا ما يحللون وما يحرمون ، ولا بد من أحد هذه الوجوه ضرورة . ثم نسألهم عما أجازوا في الأربع نخلات ، فنقول : أتجيزون ذلك إن لم يكن في الحائط إلا خمس نخلات ؟ فإن أجازوا ، سألناهم من أين خصوا الأربع نخلات بالإجازة دون ما هو أكثر أو أقل ؟ فإن منعوا زدناهم في عدد نخل الحائط نخلة نخلة - وهذه تخاليط لا نظير لها ؟ وهذا يبطل دعواهم في عمل أهل المدينة ، إذ لو كان ذلك عملا ظاهرا ما احتاج إلى أن يتوقف فيه أربعين ليلة ، وإن في إجازة ابن القاسم العمل الذي منع منه - إن وقع - من أجل إجازة مالك له لعجبا . ونحمد الله على عظيم نعمته علينا في تيسيرنا لطاعة كلامه ، وكلام رسوله ﷺ وتنفيرنا عن تقليد ما دون ذلك حمدا كثيرا كما هو أهله . وأما الحنفيون ، والشافعيون ، فإنهم منعوا من هذا كله . قال أبو محمد : وتناقضوا ههنا أقبح تناقض ؛ لأنه لا فرق بين ما حرموا ههنا من بيع جملة واستثناء مقدار منها بغير عينه ، وبين ما أجازوا في المسألة التي قبل هذه من بيع بعض جملة بكيل أو بوزن ، أو بعدد بغير عينه فهو ذلك نفسه ونحمد الله تعالى على السلامة ، وكلا الأمرين بيع بعض جملة وإمساك بعضها ، { وأحل الله البيع } ، { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } . وأما المكان الذي اختلف فيه مما ذكرنا ، فإن المالكيين منعوا من بيع جملة إلا ثلثيها ، وقالوا : لا يجوز الاستثناء إلا في الأقل . قال علي : وهذا باطل ؛ لأنه لم يوجب ما قالوه : لا قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه ، ولا لغة أصلا . وأيضا : فإن استثناء الأكثر أو الأقل ، إنما هو منع بعض الجملة فقط دون سائرها ، ولا خلاف في جواز هذا ، وهو الذي منعوا منه نفسه بعينه . وروينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة سألت أبا بكر بن أبي موسى عن الرجل يبيع بيعا ويستثني نصفه ؟ فكرهه - الحجاج هالك - . ومن طريق حماد بن سلمة عن عثمان البتي قال : إذا استثنى البائع نصفا ونقد المشتري نصفا ، فهو بينهما نصفان . ومن طريق محمد بن المثنى أنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور ، والأعمش ، كلاهما عن إبراهيم النخعي : أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع السلعة ويستثني نصفها . قال أبو محمد : برهان صحة قولنا ههنا هي البراهين التي أوردنا في المسألة التي قبلها سواء سواء ، وههنا برهان زائد - : وهو ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا زياد بن أيوب أنا عباد بن العوام أنا سفيان بن حسين أنا يونس بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله ﷺ نهى عن الثنيا حتى تعلم } . فصح أن الاستثناء لا يحل إلا معلوما من معلوم . فإن قيل : فقد رويتم من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن أبي الزبير ، وسعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله قال : { نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة ، والمحاقلة ، والمعاومة ، والمخابرة } . قال أحدهما : بيع السنين ، وهي المعاومة ، وهي الثنيا ؟ قلنا : هذا تفسير لا تقوم به حجة لأنه من كلام أبي الزبير ورأيه ، أو كلام سعيد بن ميناء ورأيه ، ولا حجة في كلام أحد دون رسول الله ﷺ . والثنيا : لفظة معروفة عربية ، قال تعالى : { كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون } وإنما الثنيا استثناء شيء من شيء فقط . ومن المحال الباطل المتيقن : أن يكون للثنيا معنى غير هذا فينهانا عنها رسول الله ﷺ ثم لا يبينها علينا ؛ حاش لله من هذا ، وهو الذي افترض الله تعالى عليه أن يبين لنا ديننا . قال أبو محمد : وقد جاءت في الثنيا آثار - : روينا من طريق ابن أبي شيبة أنا إسماعيل ابن علية ، وابن أبي زائدة ، كلاهما عن عبد الله بن عون عن القاسم بن محمد ، قال : ما كنا نرى بالثنيا بأسا لولا أن ابن عمر كرهها ، وكان عندنا مرضيا - قال ابن علية : لولا ابن عون : فتحدثنا أن ابن عمر كان يقول : لا أبيع هذه النخلة ، ولا هذه النخلة . قال علي : سمع ابن عون هذا الخبر من القاسم بن محمد . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يعقوب بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال : يكره أن يبيع النخل ويستثني منه كيلا معلوما - قال سفيان : ولكن يستثني هذه النخلة ، وهذه النخلة . ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا حماد بن زيد أنا أيوب - هو السختياني - عن عمرو بن شعيب أنه سأل سعيد بن المسيب عن الثنيا فكرهها إلا أن يستثني نخلات معلومات ، قال عمرو : ونهاني سعيد أن أبرأ من الصدقة إذا بايعت . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن علية عن أيوب السختياني عن عمرو بن شعيب قال : قلت لسعيد بن المسيب : أبيع ثمرة أرضي واستثني ؟ قال : لا تستثن إلا شجرا معلوما ، ولا تبرأن من الصدقة - قال أيوب فذكرته لمحمد بن سيرين فكأنه أعجبه . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا أبو الأحوص عن أبي حمزة ، قلت لإبراهيم : أبيع الشاة واستثني بعضها ؟ قال : لا ، ولكن قل : أبيعك نصفها . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : لا بأس ببيع السلعة ويستثني نصفها . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن فيمن باع ثمرة أرضه فاستثنى كرا ؟ قال : كان يعجبه أن يعلم نخلا . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن أبي زائدة عن يزيد - هو ابن إبراهيم - عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع ثمرته ويستثني نصفها ، ثلثها ، ربعها . قال أبو محمد : واحتج المالكيون بما روينا من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر سمعت الزبير بن عدي سمعت ابن عمر وهو يبيع ثمرة له فقال : أبيعكموها بأربعة آلاف وطعام الفتيان الذين يعملونها . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن إبراهيم عن إسماعيل بن مجمع عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع ثمرته ويستثني منها مكيلة معلومة . ومن طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن جده محمد بن عمرو باع ثمر حائط له يقال له : الأفراق بأربعة آلاف درهم واستثنى منه بثمانمائة درهم تمرا - وما نعلم لهم غير هذا . فالرواية عن ابن عمر : هم أول مخالف لها ؛ لأن طعام الفتيان إن كان مستثنى من الثمرة فهو مجهول ، لا يدرى ما يكون نوعه ، ولا مقدار ما يكون ، فإن كان مضافا على المشتري إلى الثمن فكذلك أيضا - . والمالكيون لا يجيزون شيئا من هذين الوجهين - فقد خالفوه ، والصحيح عن ابن عمر مثل قولنا كما أوردنا آنفا . وأما حديث سالم فلم يخص ثلثا من أقل ، ولا أكثر - . والمالكيون لا يجيزون أكثر من الثلث - فقد خالفوه . وأما حديث محمد بن عمرو بن حزم فإنما استثنى من ثمر باعه بأربعة آلاف تمرا بثمانمائة درهم ، وهم الخمس ، فإنما استثنى خمس ما باع ، وهذا جائز حسن - فلاح أنه لا سلف لهم أصلا فيما قالوه ذلك . وقد روينا المنع من الاستثناء جملة كما روينا من طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الصمد بن أبي الجارود قال : سألت جابر بن زيد عمن باع شيئا واستثنى بعضا ؟ قال : لا يصلح ذلك . قال أبو محمد : إن كان عنى مجهولا فصحيح وإن كان عنى جملة الاستثناء فخطأ ؛ لأن { رسول الله ﷺ أباح الثنيا إذا علمت } ، ولا حجة في أحد معه عليه السلام .
1462 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يبيع مال غيره بغير إذن صاحب المال له في بيعه ، فإن وقع فسخ أبدا - سواء كان صاحب المال حاضرا يرى ذلك أو غائبا - ولا يكون سكوته رضا بالبيع - طالت المدة أم قصرت - ولو بعد مائة عام أو أكثر ، بل يأخذ ماله أبدا هو وورثته بعده . ولا يجوز لصاحب المال أن يمضي ذلك البيع أصلا إلا أن يتراضى هو والمشتري على ابتداء عقد بيع فيه - وهو مضمون على من قبضه ضمان الغصب . وكذلك لا يلزم أحدا شراء غيره له لا أن يأمره بذلك ، فإن اشترى له دون أمره فالشراء للمشتري ولا يكون للذي اشتراه له - أراد كونه له أو لم يرد - إلا بابتداء عقد شراء مع الذي اشتراه ، إلا الغائب الذي يوقن بفساد شيء من ماله فسادا يتلف به قبل أن يشاور ، فإنه يبيعه له الحاكم أو غيره ، ونحو ذلك ، ويشتري لأهله ما لا بد لهم منه - ويجوز ذلك أو ما بيع عليه بحق واجب لينتصف غريم منه ، أو في نفقة من تلزمه نفقته ، فهذا لازم له - حاضرا كان أو غائبا ، رضي أم سخط . برهان ذلك قول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } . فليس لأحد أن يحل ما حرم الله تعالى من ماله ، ولا من بشرته ، ولا من دمه إلا بالوجه الذي أباحه به نص القرآن ، أو السنة ، ومن فعل ذلك فهو مردود لقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } والسكوت ليس رضا إلا من اثنين فقط - . أحدهما : رسول الله ﷺ المأمور بالبيان الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الذي لا يقر على باطل ، والذي ورد النص بأن ما سكت عنه فهو عفو جائز ، والذي لا حرام إلا ما فصل لنا تحريمه ، ولا واجب إلا ما أمرنا به ولا نهانا عنه فقد خرج عن أن يكون فرضا أو حراما ، فبقي أن يكون مباحا ولا بد ، فدخل سكوته الذي ليس أمرا ولا نهيا في هذا القسم ضرورة . والثاني : البكر في نكاحها للنص الوارد في ذلك فقط - وأما كل من عدا ما ذكرنا فلا يكون سكوته رضا حتى يقر بلسانه بأنه راض به منفذ . ويسأل من قال : إن سكوت من عدا هذين رضا : ما الدليل على صحة قولكم : إن الرضا يكون بالسكوت ، وإن الإنكار لا يكون إلا بالكلام ؟ ومن أين قلتم ذلك ؟ فإن ادعوا نصا ، كذبوا ، وإن ادعوا علم ضرورة ، كابروا ؛ لأن جمهور الناس مخالفون لهم في ذلك ، وهم لا يعرفون الضرورة التي يدعون ، ولا فرق بين دعواهم على غيرهم علم الضرورة ههنا وبين دعوى غيرهم عليهم علم الضرورة في بطلان ذلك ، وفي أن الإنكار يكون بالسكوت ، وأن الرضا لا يكون إلا بالكلام ؟ فبطلت الدعوتان لتعارضهما ، ولم يبق إلا أن الساكت ممكن أن يكون راضيا ، وممكن أن يكون غير راض ، وهذا هو الذي لا شك فيه ، والرضا يكون بالسكوت وبالكلام ، والإنكار يكون بالسكوت وبالكلام . فإذ ذلك كذلك فإنما هو الظن فقط ، ولا تحل الأموال المحرمة بالظن . قال تعالى : { وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } وقال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . فإن قالوا : قسنا ذلك على رسول الله ﷺ وعلى نكاح البكر ؟ قلنا : القياس باطل ، ثم لو كان حقا لكان ههنا في غاية الباطل ؛ لأن من عدا رسول الله ﷺ يسكت تقية أو تدبيرا في أمره وتروية ، أو لأنه يرى أن سكوته لا يلزمه به شيء ؛ وهذا هو الحق ، رسول الله ﷺ لا يتقي في الله تعالى أحدا ، ولا يحكم في شيء من الدين بغير الوحي من ربه تعالى ، ولا يجوز له السكوت على الباطل فلا ينكره ؛ لأنه كان يكون غير مبين وقد أمره الله تعالى بالبيان والتبليغ والأمر بالواجبات ، وتفصيل الحرام ، فسكوته خارج عن هذين الوجهين ، وليس غيره كذلك ، وطول المدد لا يعيد الباطل حقا أبدا ، ولا الحق باطلا - ويلزم المخالف لهذا أن من قيل له : يا كافر فسكت أنه قد لزمه حكم الكفر ، ومن قيل له : إنك طلقت امرأتك فسكت أن يلزمه الطلاق ، وأن من قتل ولده - وهو يرى - فسكت أنه قد بطل طلبه ولزمه الرضا - وهم لا يقولون بشيء من هذا . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : من باع مال آخر بغير أمره فلصاحب المال إجازة ذلك أو رده - واحتجوا بالخبر الثابت عن ابن عمر عن النبي ﷺ { في الذي استأجر أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته فأبى ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ، ثم جاء فقال : يا عبد الله أعطني حقي ؟ فقلت : انطلق إلى تلك البقر وراعيها ؟ فقال : أتستهزئ بي ؟ قلت : ما أستهزئ بك ، ولكنها لك - فذكر الخبر ، وأن الله فرج عنهم الصخرة المطبقة على فم الغار } . فإن هذا خبر لا حجة لهم فيه لوجوه ، بل هو حجة عليهم ، ومبطل لقولهم - : فأولها : أن ذلك كان فيمن قبلنا ، ولا تلزمنا شرائعهم . والثاني : أنه ليس فيه أن الإجارة كانت بفرق ذرة بعينه ، بل ظاهره أنه كان بفرق ذرة في الذمة ، فإذ ذلك كذلك فلم يبع له شيئا ، بل باع ماله ثم تطوع بما أعطاه - وهذا حسن ، وهو قولنا . والثالث : أنه حتى لو كان فيه أنه كان فرقا بعينه ، وأنه كان في الإسلام لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه أعطاه أكثر من حقه فرضي وأبرأه من عين حقه ، وكلاهما متبرع بذلك من غير شرط - وهذا جائز عندنا حسن جدا . وأما كونه حجة عليهم فإن فيه : أنه عرض عليه حقه فأبى من أخذه وتركه ومضى فعلى أصلهم قد بطل حقه ، إذ سكت عن أخذه ، فلا طلب له فيه بعد ذلك . واحتجوا : بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة أنا سفيان بن عيينة عن شعيب بن غرقدة عن عروة البارقي { أن رسول الله ﷺ أعطاه دينارا يشتري له به شاة قال : فاشتريت له شاتين فباع إحداهما بدينار ، فأتى النبي ﷺ بدينار وشاة فدعا له بالبركة } . ورويناه أيضا : من طريق أبي داود أنا الحسن بن الصباح أنا أبو المنذر أنا سعيد بن زيد أنا الزبير بن الحارث عن أبي لبيد عن عروة البارقي - فذكره . ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي حصين عن رجل من أهل المدينة عن حكيم بن حزام { أن النبي ﷺ بعثه ليشتري له أضحية بدينار فاشتراها ثم باعها بدينارين فاشترى شاة بدينار وجاء بدينار فدعا له رسول الله ﷺ بالبركة وأمره أن يتصدق بالدينار } . هذا كل ما موهوا به ، وكله لا شيء . أما حديث حكيم : فعن رجل لم يسم ، ولا يدرى من هو من الناس ، والحجة في دين الله تعالى لا تقوم بمثل هذا . وأما حديث عروة فأحد طريقيه عن سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد وهو ضعيف ، وفيه أيضا أبو لبيد وهو لمازة بن زبار وليس بمعروف العدالة ، والطريق الأخرى معتلة وإن كان ظاهرها الصحة ، وهي أن شبيب بن غرقدة لم يسمعه من عروة . كما روينا من طريق أبي داود السجستاني أنا مسدد أنا سفيان - هو ابن عيينة - عن شبيب بن غرقدة حدثني الحي عن عروة يعني ابن الجعد البارقي قال { أعطاه النبي ﷺ دينارا ليشتري له أضحية أو شاة فاشترى اثنتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة } فحصل منقطعا فبطل الاحتجاج به . ثم لو صح حديث حكيم ، وعروة : لم يكن لهم فيهما حجة ؛ لأنه إذ أمره عليه السلام أن يشتري له شاة فاشترى له شاتين ، صار الشراء لعروة بلا شك ؛ لأنه إنما اشترى كما أراد لا كما أمره النبي ﷺ ثم وزن دينار النبي ﷺ إما مستقرضا له ليرده ، وإما متعديا فصار الدينار في ذمته بلا شك ، ثم باع شاة نفسه بدينار فصرفه إلى النبي ﷺ كما لزمه وأهدى إليه الشاة ، فهذا كله هو ظاهر الخبر ، وليس فيه أصلا لا بنص ولا بدليل على أن الشراء جوزه النبي ﷺ والتزمه ، فلا يجوز القول بما ليس في الخبر . وأما خبر حكيم فإنه تعدى في بيع الشاة فلزمه ضمانها ، فابتاعها بدينار كما أمر وفضل دينار ، فأمره عليه السلام بالصدقة إذ لم يعرف صاحبه . قال أبو محمد : ثم نسألهم عمن باع مال غيره فنقول - : أخبرونا هل ملك المشتري ما اشترى وملك صاحب الشيء المبيع الثمن بذلك العقد أم لا ؟ ولا بد من أحدهما ؟ فإن قالوا : لا ، وهو الحق ، وهو قولنا ، فمن الباطل أن لا يصح عقد حين عقده ثم يصح في غير حين عقده ، إلا أن يأمر بذلك الذي لا يسأل عما يفعل ، فنسمع ونطيع الله تعالى وأما من يسأل عما يفعل فلا يقبل منه مثل هذا أصلا إذ لم يوجب الله تعالى قبوله منه . وإن قالوا : قد ملك المشتري ما اشترى ، وملك الذي له الشيء المبيع الثمن ؟ قلنا : فمن أين جعلتم له إبطال عقد قد صح بغير أن يأتي بذلك قرآن ، ولا سنة ؟ وهذا لا يحل ؛ لأنه تحكم في دين الله تعالى . وقولنا في هذا هو قول أحمد بن حنبل ، روينا عنه : أن من بيعت داره وهو ساكت فإن ذلك لا يجوز حتى يرضى أو يأمر أو يأذن في بيع داره - وهو قول أبي سليمان ، وجميع أصحابنا ، وهو قول الشافعي ، إلا أنه اختلف عنه فيمن بيع ماله فعلم بذلك ؟ فروي عنه أنه باطل ولا بد وروي عنه أن له أن يجيز ذلك إن شاء ، ولم يختلف عنه في أن السكوت ليس رضا أصلا . وأما أبو حنيفة : فإن السكوت عنده لا يكون إقرارا إلا في خمسة مواضع - : أحدها : من رأى عبده يبيع ويشتري كما يفعل المأذون له في التجارة فيسكت ، فإن العبد يصير بذلك مأذونا له . والشفعة : يعلمها الشفيع فيسكت ولا يشهد على أنه طالب لها ، فسكوته إسقاط لحقه في الطلب . والإنسان يباع وهو حاضر عالم بذلك ، ثم يقال له : قم مع مولاك فيقوم ، فهذا إقرار منه بالرق وإن لم يتكلم به . والبائع للشيء بثمن حال فيقبضه المشتري والبائع ساكت ، فهذا إذن منه في القبض - والبكر في النكاح . قال أبو محمد : هذه الأربعة وجوه : باطل ، وتخليط ، ودعوى بلا دليل ، ولا من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول متقدم ، ولا قياس ، ولا رأي سديد يفرق بينها وبين غيرها ، وما كان هكذا فإن القول لا يحل به . وأما مالك : فإنه قال : " من رأى ماله يباع فسكت فقد لزمه البيع - أمة كانت المبيعة أو عبدا أو غير ذلك - ومن غصب ماله فمات الغاصب فرأى ماله يقسم فسكت ، فإن حقه قد بطل . ومن ادعي عليه بدين فسكت ، فقد لزمه ما ادعي به عليه . ولم ير السكوت عن طلب الدين - وإن رآه يقسم - مسقطا لحقه في الطلب - ولا رأى السكوت عن طلب الشفعة رضا بإسقاطها إلا حتى تمضي له سنة ، فسكوته بعد السنة رضا بإسقاطها عنده . ولم ير سكوت من تتزوج امرأته بحضرته طلاقا ولا أنها بانت عنه بذلك - وهذه مناقضات لا دليل على صحة شيء منها ، لا من نص ، ولا من قول أحد تقدمه ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه . وأعجب ذلك : أنه لم ير سكوت البكر العانس رضا بالنكاح إلا حين تنطق بالرضا - وهذا خلاف النص جهارا . ورأى على من رأى داره تبنى وتهدم ويتصرف فيها أجنبي فسكت عشر سنين فأكثر أنها قد خرجت عن ملكه بذلك - وإن سكت عن ذلك أقل من سبع سنين أنها لم تخرج عن ملكه بذلك - واختلف عنه في سكوته سبع سنين ، أو ثماني سنين ، أو تسع سنين ، فروي عنه أن كل ذلك قطع لحقه - . وروي عنه أنه ليس ذلك قطعا لحقه " ولم ير سكوت ، المرء عن ذلك لبعض أقاربه قطعا لحقه إلا بعد سبعين سنة - وهذه أقوال كما ترى نعوذ بالله منها ، ففيها إباحة الأموال المحرمة جزافا - وبالله تعالى التوفيق .
1463 - مسألة : ولا يجوز بيع شيء لا يدري بائعه ما هو وإن دراه المشتري ، ولا ما لا يدري المشتري ما هو وإن دراه البائع ، ولا ما جهلاه جميعا . ولا يجوز البيع إلا حتى يعلم البائع والمشتري ما هو ، ويرياه جميعا ، أو يوصف لهما عن صفة من رآه وعلمه كمن اشترى زبرة يظنها قزديرا فوجدها فضة ، أو فصا لا يدري أزجاج هو أم ياقوت ؟ فوجده ياقوتا أم زمردا أو زجاجا - وهكذا في كل شيء - وسواء وجده أعلى مما ظن أو أدنى ، أو الذي ظن - : كل ذلك باطل مفسوخ أبدا ، لا يجوز لهما تصحيحه بعد علمهما به إلا بابتداء عقد رضاهما معا ، وإلا فلا - وهو مضمون على من قبضه ضمان الغصب . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ولا يمكن ببديهة العقل ، وضرورة الحس رضا بما لا يعرف ولا يكون الرضا إلا بمعلوم الماهية ولا شك في أنه إن قال : رضيت : أنه قد لا يرضى إذا علم ما هو - وإن كان دينا جدا - وقد سمى الله تعالى ما لم يكن عن تراض أكل مال بالباطل . وأيضا : فهو بيع غرر ؛ لأنه لا يدري ما ابتاع ولا ما باع ، وقد { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغرر } ، وهذا أعظم الغرر - وهذا قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وقد ذكرنا عن مالك إجازة هذا البيع - وهو قول لا دليل على صحته أصلا . ومن عجائب الدنيا إجازته هذا البيع الفاسد ، ومنعه من بيع صبرة مرئية محاط بها علم البائع مكيلتها ولم يعلم المشتري مكيلتها وهذا عجب لا نظير له - وبالله تعالى التوفيق .
1464 - مسألة : ولا يحل بيع شيء بأكثر مما يساوي ولا بأقل مما يساوي إذا اشترط البائع أو المشتري السلامة إلا بمعرفة البائع والمشتري معا بمقدار الغبن في ذلك ورضاهما به ، فإن اشترط أحدهما السلامة ووقع البيع كما ذكرنا ، ولم يعلما قدر الغبن ، أو علمه ، غير المغبون منهما ولم يعلمه المغبون : فهو بيع باطل ، مردود ، مفسوخ ، أبدا ، مضمون على من قبضه ضمان الغصب وليس لهما إجازته إلا بابتداء عقد . فإن لم يشترطا السلامة ولا أحدهما ، ثم وجد غبن على أحدهما ولم يكن علم به ، فللمغبون إنفاذ البيع أو رده ، فإن فات الشيء المبيع رجع المغبون منهما بقدر الغبن - وهو قول أبي ثور ، وقول أصحابنا إلا أنهم قالوا : لا يجوز رضاهما بالغبن أصلا . وقال أبو حنيفة ، ومالك . والشافعي : لا رجوع للبائع ولا للمشتري بالغبن في البيع - كثر أو قل . وذكر ابن القصار عن مالك : أن البيع إذا كان فيه الغبن مقدار الثلث فإنه يرد . برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } . ولا يكون التراضي ألبتة إلا على معلوم القدر ، ولا شك في أن من لم يعلم بالغبن ولا بقدره فلم يرض به - فصح أن البيع بذلك أكل مال بالباطل . وقوله تعالى { يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم } فحرم عز وجل الخديعة . ولا يمتري أحد في أن بيع المرء بأكثر ما يساوي ما باع ممن لا يدري ذلك : خديعة للمشتري ، وأن بيع المرء بأقل مما يساوي ما باع ، وهو لا يدري ذلك : خديعة للبائع ، والخديعة حرام لا تصح . وما روينا عن أبي داود أنا أحمد بن حنبل أنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ مر برجل يبيع طعاما فسأله كيف تبيع ؟ فأخبره ، فأوحى الله تعالى إليه أن أدخل يدك فيه ، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال رسول الله ﷺ ليس منا من غش } . وقال عليه السلام : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري قال : قال رسول الله ﷺ : { الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ؟ قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله ، ولكتابه ، وللأئمة ، ولجماعة المسلمين } . { ونهي النبي ﷺ عن النجش في البيع } : برهان صحيح على قولنا ههنا ؛ لأنه نهى بذلك عن الغرور - والخديعة في البيع جملة ، بلا شك يدري الناس كلهم : أن من أخذ من آخر فيما يبيع منه أكثر مما يساوي بغير علم المشتري ولا رضاه ، ومن أعطاه آخر فيما يشتري منه أقل مما يساوي بغير علم البائع ولا رضاه فقد غشه ولم ينصحه ، ومن غش ولم ينصح فقد أتى حراما . وقال رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فصح أنه باطل مردود بنص أمره عليه السلام ، وهو قول السلف - : كما روينا من طريق حماد بن زيد أنا أيوب ، وهشام - هو ابن حسان - كلهم عن محمد بن سيرين : أن رجلا قدم المدينة بجوار فنزل على ابن عمر فذكر الحديث - وفيه أنه باع جارية من ابن جعفر ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن غبنت بسبعمائة درهم ، فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال : إنه غبن بسبعمائة درهم فإما أن تعطيها إياه وإما أن ترد عليه بيعه ؟ فقال ابن جعفر : بل نعطيها إياه - فهذا ابن جعفر ، وابن عمر : قد رأيا رد البيع من الغبن في القيمة . ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن يونس بن عبيد عن رجل عن جرير بن عبد الله البجلي : أنه ساوم رجلا بفرس فسامه ، فسامه الرجل خمسمائة درهم إن رأيت ذلك ؟ فقال له جرير : فرسك خير من ذلك ، ولك ستمائة حتى بلغ ثمانمائة ، وهو يقول : إن رأيت ذلك ؟ فقال جرير : فرسك خير من ذلك ، ولك ستمائة حتى بلغ ستمائة حتى بلغ ثمانمائة ، وهو يقول : إن رأيت ذلك ؟ فقال جرير : فرسك خير من ذلك ، ولا أزيدك ؟ فقال له الرجل : خذها ؟ فقيل له : ما منعك أن تأخذها بخمسمائة ؟ فقال جرير : لأنا بايعنا رسول الله ﷺ على أن لا نغش أحدا ؛ أو قال : مسلما - وعن ابن عمر ليس لي غش . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زبيد اليامي عن ميسرة عن ابن عمر وقد ذكرناه قبل في " باب ما لا يتم البيع إلا به من التفرق " . ومن طريق سفيان بن عيينة أنا بشر بن عاصم الثقفي سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي بن كعب أن عمر بن الخطاب ، والعباس بن عبد المطلب تحاكما إليه في دار كانت للعباس إلى جانب المسجد أراد عمر أخذها ليزيدها في المسجد ، وأبى العباس ، فقال أبي بن كعب لهما : لما أمر سليمان ببناء بيت المقدس كانت أرضه لرجل فاشتراها سليمان منه ، فلما اشتراها قال له الرجل : الذي أخذت مني خير أم الذي أعطيتني ؟ قال سليمان : بل الذي أخذت منك ؟ قال : فإني لا أجيز البيع فرده ، فزاده ، ثم سأله ؟ فأخبره ، فأبى أن يجيزه - وذكر الحديث . فهذا أبي يورد هذا على سبيل الحكم به بحضرة عمر بن الخطاب ، والعباس رضي الله عنهم فيصوبان قوله - فهؤلاء عمر ، وابنه ، والعباس ، وعبد الله بن جعفر ، وأبي ، وجرير ، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم : يرون رد البيع من الخديعة في نقصان الثمن عن قيمة المبيع . ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن أنه رد البيع من الغلط ، ولم يرده الشعبي وقال : البيع خدعة . قال أبو محمد : والعجب كله من أقوال الحاضرين من خصومنا فإنهم يردون البيع من العيب يحط من الثمن يوجد فيه ؛ لأنه عندهم غش ، ثم يجيزون البيع وقد غش فيه بأعظم الغش ، وأخذ فيه منه ، أكثر من ثمنه ، هذا عجب جدا وتناقض سمج . وعجب آخر : وهو أنهم يردون البيع من العيب يوجد فيه ، وإن كان قد أخذه المشتري بقيمته معينا ، ولا يردون البيع إذا غبن البائع فيه الغبن العظيم ، فلا ندري من أين وقع لهم هذه العناية بالمشتري ؟ وهذا الحنق على البائع ، إن هذا لعجب لا نظير له ؟ وعجب ثالث : وهو أنهم - نعني المالكيين ، والشافعيين - يحجرون على الذي يخدع في البيوع حتى يمنعوه من العتق ، والصدقة ، ومن البيع الصحيح الذي لا غبن فيه ويردون كل ذلك ، وهم ينفذون مع ذلك تلك البيوع التي غبن فيها ولا يردونها ، فلئن كانت تلك البيوع التي خدع فيها حقا وجائزة فلأي معنى حجروا عليه من أجلها وهي حق وصحيحة ؟ ولئن كانت تلك البيوع التي خدع فيها باطلا وغير جائزة فلأي معنى يجيزونها ، إن هذه لطوام فاحشة ، وتخليط سمج ، وخلاف مجرد لكل ما حكم به رسول الله ﷺ فإنه ذكر له منقذ ، وأنه يخدع في البيوع فلم يحجر عليه ، لكن أمره أن يقول : " لا خلابة " عند البيع ، وجعل له الخيار ثلاثا في إنفاذ البيع أو رده ، فأبطل عليه السلام : " الخلابة " وأنفذ بيوعه الصحاح والتي يختار إنفاذها بعد المعرفة بها ، ولم يحجر عليه - وهذا عكس كل ما يحكمون به - وحسبنا الله ونعم الوكيل .