→ كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | ابن حزم - المحلى كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) المؤلف: ابن حزم |
كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) ← |
كتاب البيوع
1552 - مسألة: وبيع المدبر، والمدبرة، حلال لغير ضرورة، ولغير دين لا كراهة في شيء من ذلك. ويبطل التدبير بالبيع، كما تبطل الوصية ببيع الموصى بعتقه، ولا فرق وهو قول الشافعي، وأبي سليمان.
وقال أحمد: يباع المدبر كما قلنا، ولا تباع المدبرة. وهذا تفريق لا برهان على صحته، وقال مالك: لا يباع المدبر، ولا المدبرة إلا في الدين فقط، فإن كان الدين قبل التدبير بيعا فيه في حياة سيدهما، وإن كان الدين بعد التدبير لم يباعا فيه في حياة المدبر، وبيعا فيه بعد موته، فإن لم يحمل الثلث المدبر، ولا دين هنالك: أعتق منه ما يحمل الثلث ورق سائره. قال: فإن بيع في الحياة بغير دين فأعتقه الذي اشتراه نفذ البيع وجاز. وهذه أقوال في غاية التناقض، ولئن كان بيعه حراما فما يحل بيعه لا في دين، ولا في غيره أعتق أو لم يعتق كما لا تباع أم الولد، ولا ينفذ بيعها وإن أعتقت ولئن كان بيعه حلالا فما يحرم متى شاء سيده بيعه. وما نعلم لهم في هذا التقسيم حجة لا من نص، ولا من رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي له وجه.
وقال أبو حنيفة: لا يباع المدبر لا في دين، ولا في غير دين لا في الحياة، ولا بعد الموت: وهو من الثلث، فإن لم يحمله الثلث استسعى في ثلثي قيمته وقال زفر: هو من رأس المال كأم الولد، وما نعلم لهم حجة أصلا، ولا متعلق لهم في قول الله تعالى: {أوفوا بالعقود}. أما المالكيون فأجازوا بيعه في مواضع قد ذكرناها فلم يفوا بالعقود. وأما الحنفيون فاستسعوه في ثلثي قيمته فلم يفوا بالعقود.
قال أبو محمد: واحتجوا بأشياء نذكرها إن شاء الله تعالى: منها: خبر رواه عبد الباقي بن قانع عن موسى بن زكريا عن علي بن حرب عن عمرو بن عبد الجبار ثقة عن عمه عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر عن النبي ﷺ: المدبر لا يباع، ولا يشترى وهو حر من الثلث. وهذا خبر موضوع؛ لأن عبد الباقي راوي كل بلية، وقد ترك حديثه، إذ ظهر فيه البلاء. ثم سائر من رواه إلى أيوب ظلمات بعضها فوق بعض، كلهم مجهولون، وعمرو بن عبد الجبار إن كان هو السنجاري فهو ضعيف وإن كان غيره فهو مجهول ثم لو صح لكان المالكيون قد خالفوه. وقد أجاز الحنفيون بيع المدبر في بعض الأحوال، وهو أنهم قالوا في عبد بين اثنين دبره أحدهما ثم أعتق الآخر نصيبه: فإن على الذي دبر نصيبه أن يضمن قيمة نصيب صاحبه الذي أعتق حصته وهذا بيع للمدبر فقد خالفوا هذا الخبر الموضوع مع احتجاجهم به. وإن العجب ليكثر ممن يرد حديث بيع المكاتب، وحديث المصراة، وحديث النهي عن بيع الكلب، مع صحة أسانيدها وانتشارها ثم يحتج بهذه الكذبة. وذكروا
ما روينا من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن رسول الله ﷺ باع خدمة المدبر وهذا مرسل، ولا حجة في مرسل ثم لو صح لكان حجة على الحنفيين والمالكيين، أنهم لا يرون بيع خدمة المدبر: ما لهم أثر غير ما ذكرنا. واحتجوا برواية عن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في أولاد المدبرة: إذا مات سيدها ما نراهم إلا أحرارا، وولدها كذلك منها فكأنه عضو منها.
ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر، عن ابن شهاب، وربيعة، قالا جميعا: إن عائشة أم المؤمنين باعت مدبرة لها في الأعراب، فأخبر بذلك عمر فبعث في طلب الجارية فلم يجدها، فأرسل إلى عائشة فأخذ الثمن فاشترى به جارية فجعلها مكانها على تدبيرها.
ومن طريق وكيع أنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر أنه كره بيع المدبر هذا كل ما موهوا به عن الصحابة، رضي الله عنهم،، وكله لا حجة لهم فيه. أما خبر عمر: فساقط؛ لأن الزهري، وربيعة، لم يولدا إلا بعد موت عمر بخمس وثلاثين سنة وزيادة، فهو منقطع.
وأيضا: ففيه عبد الجبار بن عمر وهو ضعيف. ثم لو صح لكان هذا عليهم لا لهم لوجوه:
أولها أن أم المؤمنين قد خالفته في ذلك، فليس قوله حجة عليها، ولا أولى من قولها، وهذا تنازع، فالواجب عند التنازع الرد إلى القرآن، والسنة، وهما يبيحان بيع المدبر.
والثاني أنهم قد خالفوه؛ لأن فيه أنه قد أخذ الثمن فابتاع به جارية فجعلها مدبرة مكانها، ويعيذ الله أمير المؤمنين من هذا الحكم الفاسد، الظاهر العوار، إذ يحرم بيع مملوكة من أجل مملوكة أخرى بيعت لا يحل بيعها. ويلزم على هذا من باع حرا أن يبتاع بالثمن عبدا فيعتقه مكانه، وهذا خلاف قول الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}. وكيف إن ذهب الثمن أو لم توجد به رقبة أو وجدت به رقاب أو وجدت المبيعة بعد أن جعلت هذه الأخرى مدبرة مكانها، ولعل هذه تموت مملوكة، فكيف العمل أو لعلها تعيش وتموت المبيعة مملوكة فكيف العمل في هذا التخليط حاشا لله من هذا فبطل تعلقهم بقول عمر.
وأما خبر جابر: فلا متعلق لهم فيه أصلا، وإنما هو تمويه منهم مجرد؛ لأنه ليس فيه المنع من بيع المدبرة أصلا، وإنما فيه حكم ولدها إن عتقت هي فقط. ولو كان لهم حياء ما موهوا في الدين بمثل هذا، فكيف وقد جاء عن جابر خلاف قولهم
كما روينا من طريق ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: ولد المدبرة بمنزلتها يرقون برقها، ويعتقون بعتقها. وذكر ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وغيرهم، مثل قول ابن عمر فهذا جابر يرى إرقاق المدبرة، فإن قيل: هذا مرسل. قلنا: بالمرسل احتججتم علينا فخذوه أو فلا تحتجوا به.
وأما حديث ابن عمر فإنما فيه الكراهة فقط وقد صح، عن ابن عمر بيان جواز بيع المدبرة،
كما روينا بأصح سند من طريق مالك عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة: إن شاء باعها، وإن شاء وهبها، وإن شاء صنع بها ما شاء.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر: أنه دبر جاريتين له، فكان يطؤهما حتى ولدت إحداهما فهذا نص جلي من ابن عمر على جواز بيع المدبرة. فإن ادعوا إجماعا على جواز وطئها كذبوا؛ لما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: أنه كان يكره أن يطأ الرجل مدبرته، قال معمر: فقلت له: لم تكرهه فقال: لقول عمر: لا تقربها وفيها شرط لأحد. فظهر فساد ما تعلقوا به عن الصحابة، رضي الله عنهم،، وأنه ليس لهم حجة في شيء جاء عنهم، وموهوا من طريق النظر بأن قالوا: لما فرق بين اسم المدبر، واسم الموصى بعتقه، وجب أن يفرق بين حكميهما.
قال أبو محمد: وهذا باطل؛ لأنه دعوى بلا برهان، وليس كل اسمين اختلفا وجب أن يختلف معناهما وحكمهما إذا وجدا في اللغة متفقي المعنى: فإن " المحرر، والمعتق " اسمان مختلفان ومعناهما واحد، " والزكاة، والصدقة " كذلك، " والزواج، والنكاح " كذلك، وهذا كثير جدا. وحتى لو صح لهم هذا الحكم الفاسد لكان الواجب إذا جاء فيهما نص أن يوقف عنده
وأيضا فليس في اختلاف الأسمين ما يوجب أن يباع أحدهما، ولا يباع الآخر، وقد اختلف اسم: الفرس، والعبد، وكلاهما يباع.
قال علي: فلم يبق لهم متعلق أصلا ومن البرهان على جواز بيع المدبر والمدبرة: قول الله تعالى: {وأحل الله البيع}. وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}.
فصح أن بيع كل متملك جائز إلا ما فصل لنا تحريم بيعه، ولم يفصل لنا تحريم بيع المدبر، والمدبرة، فبيعهما حلال. ومن السنة:
ما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري، وإسماعيل بن أبي خالد، كلاهما عن سلمة بن كهيل عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ باع المدبر.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فقال رسول الله ﷺ: من يبتاعه مني فاشتراه رجل من بني عدي بن كعب، قال جابر: غلام قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير. ورويناه أيضا من طريق الليث، وأيوب عن أبي الزبير أنه سمعه من جابر: فهذا أثر مشهور مقطوع بصحته بنقل التواتر، وأمر كان بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم، كلهم مسلم راض، فلو ادعى المسلم ههنا الإجماع لما أبعد، لا كدعاويهم الكاذبة فقال بعض أهل الكذب: بيع في دين، وإلا فلأي وجه بيع .
فقلنا: كذبتم وأفكتم، وإنما بيع؛ لأنه لم يكن لمدبره مال غيره، فلهذا باعه النبي ﷺ .
وأما لو كان له مال غيره فبيعه مباح لا واجب كسائر من تملك.
ومن طريق النظر أنه صح الإجماع على جواز بيع المدبر قبل أن يدبر، فمن منع منه بعد أن يدبر فقد أبطل وادعى ما لا برهان له به.
ومن طريق القياس الذي لو صح القياس لم يكن شيء أصح من هذا، وهو أن المعتق بصفة لا يدري أيدركها المعتق بها أم لا والموصى بعتقه: لا يختلفون في جواز بيعه قبل مجيء تلك الصفة، والمدبر موصى بعتقه، كلاهما من الثلث فواجب إن صح القياس أن يباع المدبر كما يباع الآخران، ولكن لا النصوص يتبعون، ولا القياس يحسنون. وممن صح عنه بيع المدبر
ما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن جدته عمرة بنت عبد الرحمن: أن عائشة أم المؤمنين، باعت مدبرة لها.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن سيرين، قالا جميعا: المدبر وصية.
وبه إلى معمر عن عبد الله بن طاووس، قال: سألني محمد بن المنكدر عن المدبر كيف كان قول أبي فيه، أيبيعه صاحبه فقلت: كان أبي يقول: يبيعه إن احتاج فقال ابن المنكدر: وإن لم يحتج.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: كان طاووس لا يرى بأسا أن يعود الرجل في عتاقته قال عمرو: يعني التدبير.
ومن طريق سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: المدبر وصية يرجع فيه إذا شاء.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج سمعت عطاء يقول: يعاد في المدبر، وفي كل وصية وقد
روينا، عن ابن سيرين، وعطاء: كراهية بيع المدبر، وعن الشعبي يبيعه الجريء، ويرع عنه الورع.
قال أبو محمد: بل يبيعه الورع اقتداء برسول الله ﷺ ويقف عنه الجاهل، وتالله ما تخاف تبعة من الله تعالى في أمر لم يفصل لنا تحريمه في كتابه، ولا في سنة رسوله ﷺ بل نخاف التبعة منه، عز وجل، في تحريمنا ما لم يفصل لنا تحريمه، أو في توقفنا فيه خوف أن يكون حراما ونعوذ بالله تعالى من هذا. قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. وبيع المدبر مما قضى به رسول الله ﷺ فمن كان مؤمنا فلا يجد في نفسه حرجا مما قضى فيه وبالله تعالى التوفيق.
1553- مسألة: وبيع ولد المدبرة من غير سيدها حملت به قبل التدبير أو بعده حلال وبيع ما ولدت المكاتبة قبل أن تكاتب وبعد أن كوتبت ما لم تؤد شيئا من كتابتها: حلال. وبيع ولد أم الولد من غير سيده قبل أن تكون أم ولد: حلال. هذا كله لا خلاف في شيء منه، إلا ما حملت به المدبرة بعد التدبير.
وأما ما ولدت أم الولد من غير سيدها بعد أن صارت أم ولد: فحرام بيعه، وحكمه كحكم أمه. وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم ما حملت به المكاتبة بعد أن تؤدي شيئا من كتابتها في " كتاب المكاتب " من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، عز وجل.
برهان صحة قولنا في ولد المدبرة التي تحمل به بعد التدبير: هو أنه ولد أمة جائز بيعها، فهو عبد؛ لأن ولد الأمة عبد.
وروينا مثل قولنا هذا عن عبد الرزاق عن معمر: أخبرني من سمع عكرمة يقول: أولاد المدبرة لا عتق لهم.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: وابن عيينة، قال ابن جريج: عن عمرو بن دينار، وعطاء، كلاهما عن أبي الشعثاء، وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء، قال: أولاد المدبرة عبيد،
وأما ما حملت به ثم أدركها العتق قبل أن تضعه فهو حر معها ما لم يستثنه السيد لما ذكرنا قبل: من أنه وإن كان غيرها فهو تبع لها.
واحتج المخالفون على القول بأن ولد المدبرة بمنزلة أمهم بأنه قد صح عن عثمان، وجابر، وابن عمر وروي عن علي، وابن عباس، وزيد، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف.
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ
وقد ذكرنا خلافهم لطوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، كالذي صح عن عثمان، وصهيب، وتميم الداري من أن البيع لدار واشتراط سكناها مدة عمر البائع، وذلك بحضرة الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، وغير ذلك كثير جدا. وأما ولد أم الولد قبل أن تكون أم ولد فلا خلاف فيه.
وأما ما حملت به بعد أن تكون أم ولد فلا يحل بيعهم، لأنها حرام بيعها وهو إذا حملت به بعضها: فحرام بيعه، وما حرم بيعه بيقين فلا يحل بعد ذلك إلا بنص، ولا نص في جواز بيعه بعد مفارقته لها.
فإن ذكروا " كل ذات رحم فولدها بمنزلتها " فهو ليس عن رسول الله ﷺ فلا حجة فيه ثم هم أول مخالف لهذا في ولد المعتقة بصفة، وولد المعتقة إلى أجل وبالله تعالى التوفيق.
1554 - مسألة: وبيع المعتق إلى أجل، أو بصفة: حلال ما لم يجب له العتق بحلول تلك الصفة، كمن قال لعبده: أنت حر غدا، فله بيعه ما لم يصبح الغد، أو كمن قال له: أنت حر إذا أفاق مريضي: فله بيعه ما لم يفق مريضه؛ لأنه عبد ما لم يستحق العتق وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، وأبي سليمان وأصحابهم.
وقال مالك: كذلك في المعتق بصفة يمكن أن تكون، ويمكن أن لا تكون، ولم يقله في المعتق إلى أجل، واحتج بأنه لا بد أن يكون. فقلنا: نعم، فكان ماذا إلا أنه حتى الآن لم يكن بعد، ولا دليل لهم على هذا الفرق أصلا، وإنما هو دعوى واحتجاج لقولهم بقولهم
1555 - مسألة: وجائز لمن أتى السوق من أهله، أو من غير أهله، أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق، وبأكثر، ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك، ولا للسلطان.
وقال المالكيون: ليس له أن يبيع بأقل من سعرها، ويمنع من ذلك وله أن يبيع بأكثر.
قال علي: وهذا عجب جدا أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين، ويبيحون له التغلية إن هذا لعجب وما نعلم قولهم هذا عن أحد قبل مالك. ثم زادوا في العجب واحتجوا بالذي
روينا من طريق مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب: أن عمر مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر، وأما أن ترفع عن سوقنا.
قال علي: هذا لا حجة لهم فيه لوجوه: أحدها: أنه لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ .
والثاني: أنهم كم قصة خالفوا فيها عمر كإجباره بني عم على النفقة على ابن عمهم، وكعتقه كل ذي رحم محرمة إذا ملك، وغير ذلك. والثالث: أنه لا يصح عن عمر؛ لأن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن فقط. والرابع: أنه لو صح لكانوا قد أخطئوا فيه على عمر، فتأولوه بما لا يجوز، وإنما أراد عمر بذلك لو صح عنه بقوله إما أن تزيد في السعر، يريد أن تبيع من المكاييل أكثر مما تبيع بهذا الثمن، وهذا خلاف قولهم هذا الذي لا يجوز أن يظن بعمر غيره، فكيف وقد جاء عن عمر مبينا.
كما روينا هذا الخبر عنه من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: وجد عمر حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة فقال: كيف تبيع يا حاطب فقال: مدين، فقال عمر: تبتاعون بأبوابنا، وأفنيتنا، وأسواقنا، تقطعون في رقابنا. ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعا، وإلا فلا تبع في أسواقنا، وإلا فسيبوا في الأرض ثم اجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم. فهذا خبر عمر مع حاطب في الزبيب كما يجب أن يظن بعمر. فإن قالوا: في هذا ضرر على أهل السوق
قلنا: هذا باطل، بل في قولكم أنتم الضرر على أهل البلد كلهم، وعلى المساكين، وعلى هذا المحسن إلى الناس، ولا ضرر في ذلك على أهل السوق؛ لأنهم إن شاءوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا، وإلا فهم أملك بأموالهم كما هذا أملك بماله. والحجة القاطعة في هذا قول الله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وقوله تعالى: {وأحل الله البيع}.
1556 - مسألة: ومن ابتاع سلعة في السوق فلا يحل أن يحكم عليه بأن يشركه فيها أهل تلك السوق، وهي لمشتريها خاصة وهو قول الناس.
وقال المالكيون: يجبر على أن يشركوه فيها، وما نعلم أحدا قاله غيرهم وهو ظلم ظاهر، ويبطله قول الله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فلم يتراض البائع إلا مع هذا المبتاع لا مع غيره، فالحكم به لغيره أكل مال بالباطل بلا دليل أصلا وبالله تعالى التوفيق. بل قد جاء عن عمر الحكم على أهل السوق بهذا في غيرهم لا لهم:
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن مسلم بن جندب قال: قدم المدينة طعام فخرج أهل السوق إليه فابتاعوه، فقال لهم عمر: أفي سوقنا هذا تتجرون أشركوا الناس، أو اخرجوا فاشتروا ثم ائتوا فبيعوا.
قال علي: وهذا الذي حكم به المالكيون أعظم الضرر على المسلمين؛ لأن أهل الصناعة من السوق يتواطئون على إماتة السلعة التي يبيعها الجالب أو المضطر، ويتفقون على أن لا يزيدوا فيها، ويتركوا واحدا منهم يسومه حتى يترك المضطر على حكمه، ثم يقتسمونها بينهم، وهذا واجب منعهم منه؛ لأنه غش، وقد قال رسول الله ﷺ: ليس منا من غشنا.