الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة العشرون


كتاب البيوع

1481 - مسألة : قال أبو محمد : وههنا أشياء ذكرها القائلون - بتعليل حديث الربا - كلهم ، وهي أنهم ذكروا ما روينا من طريق وكيع أنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر { عن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله ﷺ يقول : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والكفة بالكفة ، حتى خلص إلى الملح } . قالوا : فهذا يدل على أنه عليه السلام ذكر غير ذلك . قال أبو محمد : وهذا باطل لوجوه - : أولها : أن هذا اللفظ لم يروه إلا حكيم بن جابر - وهو مجهول . والثاني : أنه قد أسقط من هذا الخبر ذكر البر ، والتمر والشعير - ، فبطل تقديرهم أنه ذكر أصنافا لم يذكرها غيره من الرواة . والثالث : أن هذا الخبر رويناه من طريق بكر بن حماد عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ فقال فيه : { حتى خص الملح } فلاح أنه لم يذكر غير تلك الأصناف . والرابع : أن من الباطل المتيقن أن يذكر عليه السلام شرائع مفترضة فيسقط ذكرها عن جميع الناس - أولهم عن آخرهم - من غير نسخ ، هذا خلاف قول الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } . وقوله تعالى { : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } . ولو جاز هذا لكان الدين لم يكمل ، والشريعة فاسدة ، قد ضاعت منها عنا أشياء ، ولكنا مكلفين ما لا نقدر عليه ، ومأمورين بما لا ندريه أبدا ، وهذه ضلالات ناهيك بها ، وباطل لا خفاء به . وذكروا ما روينا من طريق ابن وهب عن يزيد بن عياض عن إسحاق بن عبد الله عن جبير عن مالك بن أوس بن الحدثان : أن النبي ﷺ قال : { التمر بالتمر ، والزبيب بالزبيب ، والبر بالبر ، والسمن بالسمن ، والزيت بالزيت ، والدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهم } . قال أبو محمد : وهذا حديث موضوع مكذوب لا تحل روايته إلا على بيان فضيحته ؛ لأن مالك بن أوس لا يعرف له سماع من رسول الله ﷺ . وجبير بن أبي صالح - مجهول لا يدرى من هو ، وإسحاق بن عبد الله - هو الفروي - متروك - ويزيد بن عياض - هو ابن جعدبة مذكور بالكذب ووضع الأحاديث . ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة في إيجاب علة أصلا ، وإنما كان يكون فيه زيادة ذكر الزيت ، والسمن ، والزبيب ، فقط . وأيضا : فلو صح لكان المالكيون مخالفين له ، لأنهم يجيزون الدرهم بأوزن منه على سبيل المعروف ولكان الحنفيون مخالفين له ، لأنهم يجيزون ثلاث تمرات بست تمرات ، وعشر حبات بر بثلاثين حبة بر - وكذلك في الشعير ، والملح ، والزبيب ، والملح ، ولا يحل تحريم حلال خوف الوقوع في الحرام ، فيستعجل من فعل ذلك المعصية ، والوقوع في الباطل خوف أن يقع فيه غيره . ومن طريق وكيع أنا إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر أنه كره مدي ذرة بمد حنطة نسيئة - إبراهيم - متروك متهم - وهذا كراهية لا تحريم ، ولا يدرى هل كره الكيل أو الطعام ؟ وقد ذكرنا كل قول روي في هذا الباب عن المتقدمين وبينا خلافهم لها ، وأنهم قالوا في ذلك بأقوال لا تحفظ عن أحد قبلهم . وأعجب شيء مجاهرة من لا دين له بدعوى الإجماع على وقوع الربا فيما عدا الأصناف المنصوص عليها - وهذا كذب مفضوح من قريب ، والله ما صح الإجماع في الأصناف المنصوص عليها فكيف في غيرها . أو ليس ابن مسعود ، وابن عباس يقولان : لا ربا فيما كان يدا بيد ؟ وعليه كان عطاء ، وأصحاب ابن عباس ، وفقهاء أهل مكة . وقد روينا من طريق سعيد بن منصور أنا أبو معاوية أنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال : لا ربا فيما كان يدا بيد والماء من الماء . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا وكيع أنا سفيان - هو الثوري - عن ابن جريج عن عطاء قال : لا بأس بأن يسلم ما يكال فيما يكال ، وما يوزن فيما يوزن ، إنما هو طعام بطعام ، وهذا نفس قولنا ، ومخالف لجميع قول هؤلاء . وقد صح عن طلحة بن عبيد الله إباحة بيع ذهب بفضة ، يقبض أحدهما ويتأخر قبض الآخر إلى أجل غير مسمى ، ولا يقدرون فيما عدا الستة الأصناف في الربا على كلمة ، إلا عن سبعة من الصحابة رضي الله عنهم مختلفين ، كلهم مخالف لأقوال أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، ليس عن أحد منهم رواية توافق أقوال هؤلاء صحيحة ولا سقيمة . وعن نحو اثني عشر من التابعين مختلفين أيضا كذلك مخالفين لأقوالهم إلا إبراهيم وحده ، فإنه وافق قوله أصل أبي حنيفة . وأيضا : فأكثر الروايات التي ذكرنا عن الصحابة والتابعين فواهية لا تصح ، فمن يجعل مثل هذا إجماعا إلا من لا دين له ولا عقل - وبالله تعالى التوفيق . ووجدنا لبشر بن غياث المريسي قولا غريبا ، وهو أن تسليم كل جنس في غير جنسه جائز كالذهب في الفضة والفضة في الذهب ، والقمح في الشعير ، والتمر في الملح ، وكل صنف منها في غيره ، وأن الربا لا يقع إلا فيما بيع بجنسه فقط . ثم لا ندري أعم كل جنس في العالم قياسا على المنصوصات ، وهو الأظهر من قوله ؟ أو خص المنصوصات فقط - وهذا قول مخالف لما صح عن رسول الله ﷺ فلا وجه للاشتغال به .

1482 - مسألة : قال علي : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فالواجب أن نذكر البرهان على صحة قولنا بعون الله تعالى - : روينا من طريق مسلم أنا قتيبة بن سعيد قال : أنا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال : أقبلت أقول : من يصطرف الدراهم ؟ فقال طلحة بن عبيد الله - وهو عند عمر بن الخطاب - : أرنا ذهبك ؟ ثم جئنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك ؟ فقال عمر بن الخطاب : كلا ، والله لتعطينه ورقة أو لتردن إليه ذهبه ، فإن رسول الله ﷺ قال : { الورق بالذهب ربا ، إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا ، إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا ، إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا ، إلا هاء وهاء } . ومن طريق مسلم أنا عبيد الله بن عمر القواريري أنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة أنا أبو الأشعث عن { عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلا سواء بسواء ، عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى } . ومن طريق مسلم أنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني بنحوه . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى أنا عمرو بن عاصم أنا همام - هو ابن يحيى - أنا قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله ﷺ { الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن ، والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن ، والملح بالملح ، والتمر بالتمر ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، كيلا بكيل فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، ولا بأس ببيع الشعير بالبر ، والشعير أكثرهما يدا بيد } . قال أبو محمد : عمرو بن عاصم أنصاري ثقة معروف ، وأبو الخليل - هو صالح بن أبي مريم - ثقة ، ومسلم المكي - هو مسلم بن يسار الخياط مولى عثمان رضي الله عنه - ثقة . وقد روينا هذا أيضا من طريق صحاح فلا ربا إلا فيما نص عليه رسول الله ﷺ المأمور بالبيان ، وما عدا ذلك فحلال { وما كان ربك نسيا } وبالله تعالى التوفيق .

1483 - مسألة : ولا يحل أن يباع قمح بقمح إلا مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ، عينا بعين - ولا يحل أن يباع شعير بشعير إلا كذلك . ولا يحل أن يباع تمر بتمر إلا كذلك . ولا يحل أن يباع ملح بملح إلا كذلك ، وسواء معدنية أو ما ينعقد منه من الماء ، كل ذلك لا يباع بعضه ببعض إلا كما ذكرنا . وكذلك أصناف القمح فهي كلها قمح - الأعلى ، والأدنى ، والوسط : سواء فيما قلنا ، وكذلك أقسام الشعير . وكذلك أقسام التمر فإن تأخر قبض أحد العينين فهو ربا حرام مفسوخ أبدا ، محكوم فيه بحكم الغصب ، سواء تأخر طرفة عين أو أكثر ، والكثير والقليل من كل ما ذكرنا سواء فيما وصفنا . ولا يحل شيء مما ذكرنا من نوعه وزنا بوزن ، ولا وزنا بكيل ، ولا جزافا بجزاف ، ولا جزافا بكيل ، ولا جزافا بوزن ، لأن كل هذا مقتضى كلام رسول الله ﷺ الذي ذكرنا ، ومفهومه وموضوعه في اللغة التي بها خاطبنا - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : جائز أن يباع منها شيء بغير عينه بمعين وبغير معين ، وجائز أن يتأخر التقابض عن وقت العقد ما لم يفترقا بأبدانهما وإن طال ذلك - وهذا خلاف قول رسول الله ﷺ - : روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن إبراهيم أنا محمد بن سيرين قال : نبئت أن عمر بن الخطاب قام يخطب فقال : يا أيها الناس ألا إن الدرهم بالدرهم ، والدينار بالدينار ، عين بعين ، سواء سواء ، مثلا بمثل فهذا عمر بحضرة الصحابة لا يجيز في الدراهم والدنانير إلا عينا بعين ، ويرى أنها تتعين ، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة : فخالفوه .

1484 - مسألة : وجاز بيع كل صنف مما ذكرنا بالأصناف الأخر منها ، متفاضلا ومتماثلا وجزافا ، وزنا وكيلا كيفما شئت إذا كان يدا بيد . ولا يجوز في ذلك التأخير طرفة عين فأكثر ، لا في بيع ولا في سلم ، وهذا مقتضى قول رسول الله ﷺ الذي ذكرنا وهو متفق عليه ، إلا مالكا فإنه لم يجز بيع الشعير بالقمح إلا متماثلا كيلا بكيل - وأجازه أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان ، كما قلنا . برهان صحة قولنا - : ما روينا من طريق مسلم أنا أبو كريب أنا ابن فضيل - هو محمد - عن أبيه عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، فمن زاد واستزاد فقد أربى ، إلا ما اختلفت ألوانه } . ومن طريق مسلم أنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع أنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله ﷺ { الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد } . وقد ذكرنا قبل هذه بمسألة نصه عليه السلام على جواز بيع الشعير بالبر متفاضلا ، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن بزيع أنا يزيد أنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ، وعبد الله بن عبيد - هو ابن هرمز - قالا جميعا : إن عبادة بن الصامت حدثهم قال : { نهى رسول الله ﷺ عن بيع الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، إلا مثلا بمثل يدا بيد ، وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبر بالشعير ، والشعير بالبر ، يدا بيد كيف شئنا زاد أحدهما في حديثه : الملح بالملح ، ولم يقله الآخر } . فهذا أثر متواتر رواه عن رسول الله ﷺ أبو هريرة ، وعبادة بن الصامت - ورواه عن أبي هريرة : أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وأبو حازم . ورواه عن عبادة بن الصامت : أبو الأشعث الصنعاني ، وعبد الله بن عبيد . ورواه عن أبي الأشعث : أبو قلابة ، ومسلم بن يسار . ورواه عن مسلم بن يسار أبو الخليل ، وابن سيرين - . ورواه عن هؤلاء : الناس . واحتج المالكيون بما روينا من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث : أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن { معمر بن عبد الله : أنه أرسل غلامه بصاع قمح وقال : بعه ثم اشتر به شعيرا ، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع ، فلما جاء قال له معمر : لم فعلت ذلك ؟ انطلق فرده ؛ ولا تأخذن إلا مثلا بمثل فإني كنت أسمع النبي ﷺ يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل } قيل : فإنه ليس مثله ، قال : إني أخاف أن يضارع . وبما رويناه من طريق مالك عن نافع عن سليمان بن يسار قال : قال عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث لغلامه : خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع بها شعيرا ، ولا تأخذ إلا مثله . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا أبو داود الطيالسي عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير قال : أرسل عمر بن الخطاب غلاما له بصاع من بر يشتري له به صاعا من شعير ، وزجره إن زادوه أن يزداد . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا شبابة عن ليث عن نافع عن سليمان بن يسار عن سعد بن أبي وقاص مثل هذا . ومن طريق مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد عن معيقيب مثل هذا أيضا - وهو قول أبي عبد الرحمن السلمي صح عنه ذلك ، وروي - ولم يصح - عن القاسم ، وسالم ، وسعيد بن المسيب . وصح عن ربيعة ، وأبي الزناد ، والحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان والليث بن سعد ، قالوا : فهؤلاء ، عمر ، وسعد ، ومعيقيب ، وعبد الرحمن بن الأسود ، ومعمر بن عبد الله : خمسة من الصحابة رضي الله عنهم . قال علي : وجسر بعضهم فقال : لا يعرف لهم مخالف من الصحابة - . وجسر آخر منهم فادعى إجماع السلف في ذلك ؟ قال علي : ما لهم حجة غير هذا أصلا . فأما حديث معمر فهو حجة عليهم ؛ لأنهم يسمون التمر طعاما ويبيحون فيه التفاضل بالبر ، فقد خالفوا الحديث على تأويلهم بإقرارهم ، ولا حجة لهم أصلا فيه ؛ لأنه ليس فيه إلا الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وهذا مما لا نخالفهم فيه وفي جوازه ، وليس فيه : أن الطعام لا يجوز بالطعام إلا مثلا بمثل ، بل هذا مسكوت عنه جملة في خبر معمر ، ومنصوص على جوازه في خبر أبي هريرة ، وعبادة : عن رسول الله ﷺ فبطل تعلقهم به جملة ، وعاد حجة عليهم . وأما قول معمر من رأيه فلا متعلق لهم فيه ؛ لأنه قد صرح بأن الشعير ليس مثل القمح ، لكن تخوف أن يضارعه فتركه احتياطا لا إيجابا . وأما عن عمر فمنقطع ، وكذلك عن معيقيب . وكم قصة خالفوا فيها عمر ، وسعدا ، وأكثر من هذا العدد من الصحابة كالمسح على العمامة ، وعلى الجوربين ، والقود من الضربة ، واللطمة - وغير ذلك في كثير لا يعرف لهم فيه مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، نعم ، ومعهم السنن الثابتة . وقد خالف من ذكرنا طائفة من الصحابة رضي الله عنهم - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة أنا يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني : أن عبادة بن الصامت قال : لا بأس ببيع الحنطة بالشعير - والشعير أكثر منه - يدا بيد ، ولا يصلح نسيئة - فهذا عبادة أسنده وأفتى به . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن عمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر : كان لا يرى بأسا فيما يكال واحدا باثنين ، يدا بيد إذا اختلفت ألوانه . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن فضيل عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : إذا اختلف النوعان فلا بأس بالفضل يدا بيد . فهذه أسانيد أصح من أسانيدهم بخلاف قولهم - وهو قول ابن مسعود ، وابن عباس بلا شك : أنه صح عنهما أنه لا ربا في التفاضل أصلا ، وإنما الربا في النسيئة . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي : أنه لم ير بأسا بجريبين من شعير بجريب من بر . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا جرير عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي قال المغيرة : سألته وإبراهيم عن أربعة أجربة من شعير بجريبين من حنطة ؟ فقالا جميعا : لا بأس به . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري : أنه كان لا يرى بأسا ببيع البر بالشعير يدا بيد ، أحدهما أكثر من الآخر . ومن طريق ابن أبي شيبة أنا الفضل بن دكين عن أنيس بن خالد التميمي قال : سألت عطاء عن الشعير بالحنطة اثنين بواحد يدا بيد ؟ فقال لا بأس به - فهؤلاء خمسة من الصحابة رضي الله عنهم صح عنهم جواز التفاضل في البر بالشعير ، وطائفة من التابعين . وهو قول سفيان ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي سليمان . وإذا اختلف الناس فالمردود إليه هو القرآن ، والسنة - وقد صح عن رسول الله ﷺ جواز التفاضل في البر ، والشعير ، كما ذكرنا ، فلا قول لأحد معه . والعجب من مالك إذ يجعل ههنا وفي الزكاة : البر والشعير والسلت صنفا واحدا ثم لا يجيز لمن يتقوت البر إخراج الشعير أو السلت في زكاة الفطر ، وقول : أن يخرج كل أحد مما يأكل - وهذا تناقض فاحش . وعجب آخر : وهو أنه يجمع بين الذهب ، والفضة في الزكاة ، ويرى إخراج أحدهما عن الآخر في الزكاة المفروضة - ويجيز ههنا أن يباع الذهب بالفضة متفاضلين - وهذا تناقض لا خفاء به . وما علم قط أحد ، لا في شريعة ، ولا في لغة ، ولا في طبيعة : أن الشعير بر ، ولا أن البر شعير ، بل كل ذلك يشهد أنهما صنفان مختلفان كاختلاف التمر ، والزبيب ، والتين . ولا يختلفون في أن من حلف لا يأكل برا فأكل شعيرا - أو لا يأكل شعيرا فأكل برا - أو أن لا يشتري برا فاشترى شعيرا - أو أن لا يشتري شعيرا فاشترى برا : فإنه لا يحنث . فهذه تناقضات فاحشة ، لا وجه لها أصلا ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب البيوع
كتاب البيوع (مسأله 1411 - 1414) | كتاب البيوع (مسأله 1415 - 1416) | كتاب البيوع (مسأله 1417) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) | كتاب البيوع (مسأله 1421) | كتاب البيوع (مسأله 1422) | كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)