500,000
وتمثل هذا الشعور القومي في الفنون والآداب، فأصبح الكُتَّاب والفنانون أستراليين معنىً ومغزًى، مثل الكاتب هنري لوسون ومايلز فرانكلين وبانجو باترسون وستيل ريد الذين كانت أعمالهم أسترالية خالصة موضوعًا ولغة. لكن الأستراليين لم يتخلصوا من شعورهم بالانتماء للإمبراطورية البريطانية. واستمر هذا الشعور المزدوج حتى القرن العشرين الميلادي.
في هذا الجو وفي 1880م نادى باركس بإقامة اتحاد فيدرالي بين المستعمرات الأسترالية، خطوة أولى نحو الوحدة. وبدأت الاجتماعات تعقد لهذا الغرض، ولمناقشة دستور فيدرالي. وبعد جهود مضنية أزالت الخلافات بين المناطق، تم صَوْغ الدستور الفيدرالي وأجيز من قبل كل المقاطعات في 1900م. وهو العام نفسه الذي رفع فيه الأمر للبرلمان البريطاني في يوليو 1900م. وأثمرت كل هذه الجهود عن كومنولث أستراليا للوجود في اليوم الأول من يناير عام 1901م.
حفل افتتاح البرلمان بوساطة دوق يورك أقيم في مبنى معرض ملبورن في مايو 1901م. وقد رسم المنظر الفنان توم روبرتس. |
أستراليا البيضاء، التحكيم، القومية داخل إطار الإمبراطورية. كما ناقش أعضاء البرلمان السياسات الاقتصادية، واختلفوا حولها، أتكون سياسة تجارة واقتصاد حُرَّيْن أم سياسة حماية؟ وكان لكل رأي مناصروه. وقد شهد هذا البرلمان والنشاط الذي أعقبه ظهور نظام الحزبين في أستراليا.
وكان عليها إلى جانب ذلك معالجة وباء الانفلونزا الذي تفشى في البلاد، وأحدث ضحايا فاقوا ضحايا الحرب، وكذلك كان على الحكومة معالجة أمر الهجرة، فقد دخل البلاد بين عامي 1921 - 1930م نحو 300,000 مهاجر، معظمهم من بريطانيا، فضلتهم الحكومة على غيرهم من المهاجرين، وعملت على مساعدتهم على الاستقرار والعمل في الأراضي الزراعية والرعوية.
حاربت القوات الأسترالية إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ؛ في معارك شمالي إفريقيا 1941م، والجبهة اليونانية. ولكن بدخول اليابان الحرب ازداد قلق الساسة الأستراليين، وخوفهم على بلادهم ؛ فعملوا على إعادة بعض القوات الأسترالية من الجبهة لحراسة البلاد من الخطر الياباني. والواقع أن اليابان لم تكن تَوَدُّ محاربة أستراليا، وإنما كانت خطتها هي عزل أستراليا أكثر من غزوها. وقد استطاعت أستراليا بمساعدة الولايات المتحدة التي جعلت من أستراليا قاعدة للهجوم على اليابان رَدَّ الخطر الياباني.
وبحلول عام 1945م كانت أستراليا قد شهدت تغيُّرات عدة. فقد ازدهرت صناعاتها بسبب الحرب، واستمر ذلك الازدهار لمدة عشرين عامًا. وتحسنت أوضاع النساء اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وبدأ عدد السكان في الازدياد، بسبب تزايد الهجرة. ونسبة الولادة بين الأستراليين، فقد وصل أستراليا في الفترة 1947 - 1960م حوالي 853,953 مهاجرًا، وكان أثرهم عظيمًا عليها وعلى نموها الاقتصادي ؛ حيث استمرت الحكومة في سياسة إعادة البناء، والتوسع الزراعي والصناعي، وكذلك كانت الحكومة تهتم في هذه الفترة اهتمامًا بالغًا بالخطر الشيوعي ـ خاصة أيام اشتداد الحرب الباردة ـ وتعمل للنفوذ الشيوعي ألف حساب، فتخشى من الحزب الشيوعي الأسترالي، وتبالغ في أهميته ودوره، وتهتم بالنقابات، وإبعاد الأثر الشيوعي عنها، وهكذا بدأت أستراليا تحس في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي بضرورة الخروج من عزلتها، وبإحساسها بالعالم من حولها، خاصة العالم الآسيوي. وبالعمل على استقلال سياستها الخارجية.
وقد عملت حكومة كيرتن في 1941م على تحقيق كل تلك المبادئ، ولكن خوفها من الشيوعية جعلها تعتمد أكثر فأكثر على سند الولايات المتحدة. ولعل تلك المخاوف هي التي دفعت بأستراليا للمشاركة بجنودها في الحرب الكورية، وبإرسالهم إلى الملايو، وقد ظلت الحكومات الأسترالية تتجاهل آسيا عامة، على الرغم من أن بعضها أقام علاقات تجارية وطيدة مع اليابان في فترة ما بعد الحرب.
كانت الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الميلادي فترة سلام ورخاء واستقرار سياسي في أستراليا. وقد ظلت الخدمات الصحية والتعليمية في توسّع مستمر، وازدهرت الآداب والفنون، وبدت فيها الذاتية الأسترالية واضحة جلية.
كان تورط أستراليا في حرب فيتنام يقابل رخاء الستينيات ويلقي بظلاله عليه، وكان هذا التَّورُّط يلقى معارضة في الأوساط الشعبية، ويشير إلى أن الحكومة الائتلافية التي اختطت سياسة التورط تلك، قد فقدت صلتها بالجماهير، الأمر الذي أدى إلى سقوطها وفوز حزب العمال في عام 1972م بعد فترة ثلاثة وعشرين عامًا قضاها في المعارضة. وتمكّن هذا الحزب من الحكم تحت قيادة زعيمه ويتلام غو حتى عام 1975م، حيث أزيح عن الحكم، بسبب معارضة مجلس الشيوخ له، وبسبب المشاكل الاقتصادية التي واجهته والمتمثلة أساسًا في ارتفاع أسعار النفط. وقد استمرت هذه المشاكل وأدت إلى تعاقب الحكومات الائتلافية والعمالية على كرسي الحكم فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين الميلادي.
مظاهرة في مدينة ملبورن في السبعينيات ضد اشتراك أستراليا في حرب فيتنام. |
شهدت فترة الثمانينيات مجيء حكومة العمال بقيادة زعيم الحزب بوب هوك وقد اتّسمت سياستها بالمحافظة ؛ فحاولت إنعاش الاقتصاد، وذلك عن طريق تعويم الدولار الأسترالي، وتخفيض قيمة الفائدة، وتحديد الأجور، وإصلاح النظام المصرفي، ولكن الأمور الاقتصادية ازدادت سوءًا باستمرار تدهور الدولار الأسترالي، وتزايد عجز الميزان التجاري، كذلك شهدت هذه الفترة زيادة مطردة في أعداد المهاجرين القادمين من جنوبي أوروبا وآسيا، وإن بقي معظم المهاجرين من إنجلترا، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية صارت هي الشريك التجاري الأقوى لأستراليا بدلاً من أوروبا، وكذلك ازدادت التجارة مع اليابان بصفة ملحوظة. ورغم كل ذلك بقيت أستراليا دولة أوروبية في محيط جغرافي آسيوي أطلسي، كما أنها ظلت مدركة لموقعها الجغرافي أكثر من ذي قبل، وبدأت تحاول إيجاد دور مستقل لها في المحيط العالمي. وفي الانتخابات التي أجريت في أعوام 1996م و1998م و 2001م، فاز الائتلاف المكون من الحزب الوطني والحزب الليبرالي وأصبح جون هوارد زعيم الحزب الليبرالي رئيسًا للوزراء. دعا كثير من الأستراليين خلال تسعينيات القرن الماضي إلى ضرورة تحول بلادهم من تبعية التاج البريطاني إلى النظام الجمهوري الرئاسي. وفي عام 1998م، صدر مرسوم دستوري قضى بتحول أستراليا إلى جمهورية بحلول الأول من يناير 2001م.وفي عام 1999م، تم إجراء استفتاء شعبي للموافقة على صيغة المرسوم إلا أن الشعب الأسترالي اختار ان تكون بلادهم تابعة للتاج البريطاني.
★ تَصَفح أيضًا: أستراليا.