الرئيسيةبحث

الكساد العظيم 1929 ( Great Depression 1929)



باعة التفاح اصطفّوا في شوارع كثير من المدن الكبرى خلال الكساد العظيم. كان الآلاف من الرجال الذين فقدوا عملهم يبيعون التفاح ليكسبوا ما يكفي للغذاء والكساء.
الكسـاد العظيـمفترة من فترات الهبوط التجاري العالمي خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين. ويأتي ترتيبها كأسوأ وأطول فترة بطالة وركود في النشاط التجاري في الأزمنة الحديثة. بدأ الكساد العظيم في أكتوبر 1929م عندما هبطت أسعار الأسهم والحصص في الشركات والمحال التجارية، في الولايات المتحدة الأمريكية وتركت الملايين بلا عمل ولا مال. واضطر الكثيرون للاعتماد في غذائهم على الحكومة أو المنظمات الخيرية.

أثَّر الكساد العظيم على كل بلد تقريباً وتسبب في انخفاض حاد في التجارة العالمية، لأن كل بلد حاول مساعدة الصناعات في بلده، بزيادة القيود على الواردات. وأدى الكساد إلى أن تقوم بعض الدول بتغيير زعمائها، ونظام الحكم فيها. وأدت الأحوال الاقتصادية السيئة إلى صعود الدكتاتور الألماني أدولف هتلر، وإلى أن تغزو اليابان الصين.

أيّد الشعب الألماني هتلر ؛ لأن خططه لجعل ألمانيا دولة قيادية في العالم أعطتهم الأمل في تحسن الأحوال. كما طور اليابانيون صناعات ومناجم في منشوريا التابعة للصين، وادعوا أن هذا النمو الاقتصادي سيريحهم من الكساد في اليابان. وكان التوجه العسكري في ألمانيا واليابان أحد الأسباب التي قادت إلى قيام الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945م). انتهى الكساد العظيم بعد أن زادت الدول من إنتاج المواد الحربية في بداية الحرب العالمية الثانية، وهيأ هذا المستوى المرتفع من الإنتاج، فرصاً للعمل، ووضع كثيرًا من النقود للتداول في الأيدي مرة أخرى.

كان للكساد أثر دائم على الحكومات والأفراد، فعلى سبيل المثال تقلدت كثير من الدول مسؤوليات أكثر من أي وقت مضى لتقوية اقتصادياتها.

أسباب الكساد العظيم

ساهمت أسباب كثيرة في الحدّة التي كان عليها الكساد العظيم، ففي أوروبا تسببت الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918م) في خراب وفوضى اقتصادية، وفي الولايات المتحدة أثناء العشرينيات ساعد إفلاس مصارف كثيرة مع الدخول المنخفضة بين المزارعين وعمال المصانع في تهيئة المسرح للكساد. كذلك ساعد توزيع الدخل غير المتساوي بين العمال في حلول الهبوط. ويتفق أغلب الاقتصاديين على أن انهيار بورصة نيويورك الذي حدث في عام 1929م هو الذي بدأ الكساد.

آثار الحرب العالمية الأولى:

كانت الدولتان الصناعيتان ألمانيا وإنجلترا أكثر الدول الأوروبية تأثراً بالهبوط الاقتصادي بعد الحرب. وبالرغم من حدوث ازدهار في الإنتاج في بداية عقد العشرينيات إلا أن الحرب خربت أنماط التجارة التقليدية واختفى كثير من أسواق ما قبل الحرب، وبعد أن هجرت قاعدة الذهب، لم تعد هنالك أسعار صرف معترف بها لعملة كل بلد. ★ تَصَفح: غطاء الذهب.

طُلب من ألمانيا أن تدفع تعويضات ضخمة بعد الحرب، وعندما عجزت عن ذلك، اجتاحت فرنسا منطقة الرور في عام 1923م للاستيلاء على مناجم الفحم الحجري، ونتيجة لذلك قامت إضرابات عمال المناجم، ونقص الإنتاج بشكل حاد. وأدى التضخم الواسع إلى فقدان المارك الألماني قيمته، وبدأ الناس يحملون أجورهم الأسبوعية في حقائب من البنكنوت عديم القيمة. وكان الحل الوحيد هو أن تتفق الدول الأوروبية الأخرى، لتسمح لألمانيا بتخفيض ما تدفعه، وأن تقوم الولايات المتحدة بإقراض المال لألمانيا. ومع أن الإنتاج الصناعي زاد في أواخر عقد العشرينيات إلا أن الحكومات ظلت ضعيفة وغير مستقرة.

وفي إنجلترا، كانت هنالك زيادة سريعة في عضوية نقابات العمال خلال الحرب، وكانت لهم آمال كبيرة نسبيًا في التوصل أخيرًا إلى تأسيس حكومة عمالية، مما أفسد نظام الحزبين التقليديين. وفي العشرينيات لم تتلق أي حكومة الدعم الكافي الذي يمكنها من اقتراح وتثبيت استراتيجية طويلة المدى لمكافحة البطالة. فكان أكثر من 20% من القوة العاملة بدون عمل رأسا بعد ازدهار ما بعد الحرب. وكانت أكثر المناطق تضرراً هي شمالي إنجلترا وكلايد سايد في أسكتلندا وجنوبي ويلز ؛ حيث كانت مناجم الفحم الحجري والحديد والصلب وصناعة السفن مصدر أغلب الوظائف. وفي عام 1926م أيد مؤتمر نقابات العمال إضرابًا عامًا دُعي له عمال المناجم الذين كانوا مهددين بتخفيض أجورهم، لكن الحكومة كانت مستعدة تماماً لذلك، واعتمدت الحكومة على تأييد الجيش والشرطة والمتطوعين المدنيين لتواصل تقديم الخدمات الأساسية فانهار الإضراب العام بعد اثني عشر يوماً من بدئه، إلا أن عمال المناجم استمروا مضربين لسبعة أشهر مسببين الشقاء لآلاف الأسر.

أثرت الحرب على أستراليا أيضا حيث تطورت الصناعة خلال الحرب عندما كان الحصول على السلع المستوردة صعباً.استمرت الصناعة في التدهور أثناء العشرينيات. وقد هاجرت أعداد متزايدة من القوة العاملة إلى المدن للعمل في المصانع والمحال التجارية والمكاتب، إلا أن تكاليف الإنتاج كانت عالية، وكانت الواردات مصدر المنافسة الشديدة بالرغم من الحماية الجمركية. اشتغل كثير من العمال في المشاريع العامة عندما شرعت حكومات الولايات في محاولة مقابلة احتياجات المدن النامية. اقترضت حكومات الولايات المال من الخارج لتمويل مشاريع العمل العامة. وفي أواخر العشرينيات أربكت الإضرابات وعمليات إغلاق المصانع صناعة الولايات وزادت من البطالة، حتى أثناء عقد العشرينيات المزدهرة بلغ متوسط نسبة البطالة 10% من القوى العاملة.

كساد العشرينيات الزراعي:

كانت العشرينيات فترة ازدهار اقتصادي في الولايات المتحدة لم يستفد منها ؛ إذ هبطت أسعار السلع الزراعية بقرابة 40% في عامي 1920 و1921م وبقيت منخفضة خلال العشرينيات. وقد فقد بعض المزارعين مالاً كثيراً لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على سداد الديون عن مزارعهم المرهونة، وكان عليهم إما أن يؤجروا أراضيهم أو يغادروها. وعندما حل عام 1927م كانت الأسعار العالمية في طريقها للانخفاض مرة أخرى، وكان المزارعون في بلدان أخرى كثيرة، مثل أستراليا، يعانون من المصاعب المالية.

زادت إفلاسات المصارف خلال العشرينيات وحدث أغلبها في المناطق الزراعية، لأن المزارعين كانوا يعيشون أوضاعاً صعبة. وفي يوليو 1929م ـ وهي أكثر فترات العشرينيات ازدهارًا ـ أفلس أكثر من 550 مصرفًا أمريكيًا.

التوزيع غير المتساوي للدخل:

زاد أصحاب المصانع والسكك الحديدية والمناجم من دخولهم في أوائل العشرينيات، حيث ظل ازدهار ما بعد الحرب مستمراً. وزاد الإنتاج الصناعي بمعدل يقارب 50% إلا أن أجور العمال زادت ببطء شديد مقارنة بذلك. ونتيجة لذلك لم يعد أولئك العمال قادرين على شراء السلع بنفس السرعة التي تنتجها الصناعة. واضطر كثير من العمال للاستدانة، وخفض الكثيرون من إنفاقهم للحد من ديونهم، ثم قلت النقود المتداولة، وتباطأ النشاط الاقتصادي.

انهيار سوق الأوراق المالية:

زادت أسعار الأسهم في بورصة نيويورك بأكثر من الضعف في المتوسط خلال الفترة من 1925 إلى 1929م، وشجعت أسعار الأسهم المتزايدة الناس على المضاربة ؛ أي شراء الأسهم بأمل جني أرباح كبيرة عندما ترتفع الأسعار مستقبلاً.

هبطت الأسعار بسرعة في 24 أكتوبر 1929م الذي صار يسمى الخميس الأسود، وبقي أغلبها معتدلاً في يومي الجمعة والسبت التاليين، إلا أن الأسعار هبطت مرة ثانية في يوم الاثنين التالي. وفي يوم الثلاثاء 29 أكتوبر، أصاب الهلع حملة الأسهم، وباعوا رقمًا قياسياً من أسهمهم وصل 16,410,030 سهمًا. وقد فقد آلاف الناس مبالغ ضخمة من المال، عندما هبطت الأسعار أدنى بكثير مما دفعوه عند شراء الأسهم، كذلك كان كثير من المصار ف والشركات قد اشترت أسهماً وخسرت الكثير، لدرجة أنها اضطرت إلى إغلاق محالها. وبعد ذلك أصبحت أسعار الأسهم تواصل انخفاضها لمدة ثلاث سنوات متتالية.

الكساد المتزايد في الولايات المتحدة الأمريكية

اختلف الكساد العظيم في طول فترته وحدَّته عن الكسادات السابقة. فقد زادت حالات الإفلاس بسرعة بين المصارف والمصانع والمحلات التجارية، وتضخمت البطالة وفقد الملايين من الناس أعمالهم ومدخراتهم وبيوتهم.

إفلاس البنوك قضى على مدخرات ملايين الناس خلال الكساد العظيم. وقد تجمهر المودعون حول بنك الوحدة الأمريكي في مدينة نيويورك بعد أن انهار عام 1931م. وأقفل حوالي 9,000 مصرف في الولايات المتحدة أبوابها ما بين يناير 1930 إلى مارس 1933م.

الانهيار الاقتصادي:

هبطت أسعار الأسهم الصناعية بما يقارب 80% في الولايات المتحدة من 1930 إلى 1933م وفقدت المصارف والمستثمرون في أسواق الأسهم مبالغ كبيرة من المال. كذلك كانت المصارف قد أقرضت أموالاً لأناس كثيرين لم يعودوا قادرين على السداد، ودفع الكساد المتزايد الكثيرين ليسحبوا مدخراتهم من المصارف، لكن المصارف واجهت صعوبات شديدة في مقابلة السحوبات التي حدثت في وقت لم تكن المصارف فيه قادرة على تحصيل مستحقاتها من ديونها على الآخرين. بذلك أنهت إفلاسات المصارف مدخرات ملايين الناس.

أدى إفلاس المصارف إلى تخفيض المال المتاح لإقراض الصناعة وتسبب الهبوط في حجم النقد المتاح إلى هبوط في الإنتاج، ومزيد من البطالة وبحلول عام 1932م هبطت القيمة الإجمالية للتجارة العالمية بأكثر من النصف، حينما بدأت البلدان تهجر غطاء الذهب وتمنع استيراد سلع من الخارج.

المعاناة الإنسانية:

صارت المعاناة حقيقة يعيشها الملايين مع استمرار الكساد، ومات الكثيرون من أمر اض ناتجة عن سوء التغذية. وفقد الآلاف مساكنهم لأنهم عجزوا عن دفع الأقساط المستحقة. وفي الولايات المتحدة كان الشباب ينتقلون من مكان إلى آخر في داخل القطر بحثاً عن الغذاء والكساء والمأوى والعمل. سافر بعض الناس في قطارات البضائع وعاشوا بالقرب من محطات القطارات في معسكرات سميت غابات المتشردين.

تحصل الجوالة المتشردون العاطلون على الطعام من وكالات الإغاثة أو الإرساليات الدينية في المدن، وكانت أغلب وجباتهم تتكون من الحساء والبقول أو اليخنة، وهي وجبات لم تقدم لهم التغذية الكافية. تسوّل الجوالة من أجل الغذاء أو قاموا بسرقته، إذ لم تكن هناك طريقة أخرى يسدون بها رمقهم. وأحياناً كانوا يأكلون الفتات من صناديق القمامة.

وجد الجوالة ذوو الثياب الرثة أن الحصول على الكساء أصعب من الحصول على الغذاء، حيث إن الإرساليات كانت تعطي جل ما تملك من كساء للمحتاجين من أهل المنطقة. وقد أصاب المرض كثيرًا من الجوالة لأنهم لم يجدوا الطعام والكساء المناسبين، وحتى الهائمون المرضى وجدوا صعوبة في تلقي العلاج لأن المستشفيات كانت تعالج أهل المنطقة أولاً.

وبقي كثير من الذين فقدوا بيوتهم في أحيائهم وتكدّس البعض في منازل الأقرباء بينما انتقل آخرون إلى أقسام المدن الفقيرة وبنوا أكواخاً من علب الصفيح المسطحة والصناديق القديمة وأصبحت مجموعات هذه الأكواخ تسمى مدن هوفر، وهو اسم يعكس غضب الناس وخيبة أملهم في فشل الرئيس هربرت هوفر لإنهاء الكساد.

وصف زائر لإحدى مدن هوفر في مدينة أوكلاهوما بولاية أوكلاهوما آثار الكساد قائلاً: "هنا كل هؤلاء الناس يسكنون في هياكل سيارات قديمة صدئة. إحدى الأسر... كانت تسكن في صندوق بيانو. هذا الجزء لم يكن مجرد جزء صغير، بل ربما كان بعرض عشرة أميال وطول عشرة أميال ويسكن الناس في أي خردة يستطيعون جمعها".

في عام 1932م رفض كثير من المزارعين شحن محصولاتهم إلى السوق، على أمل أن يحسن تقليل المعروض من السلع الزراعية من أسعارها. وقد حدثت إضرابات المزارعين في كل أنحاء البلاد، لكنها تركزت في ولاية أيوا والولايات المحيطة بها.

أصاب جفاف شديد وعواصف رملية أجزاء من الغرب الأوسط والجنوب الغربي خلال الثلاثينيات وأصبحت المنطقة المنكوبة تُعرف باسم سلطانية الغبار، وأفلست آلاف الأسر صاحبة المزارع. وهاجر كثير من المزارعين إلى المناطق الزراعية الخصبة في كاليفورنيا، بحثاً عن العمل. وعمل أغلب من وجدوا عملاً في قطف الفواكه والخضراوات بأجور منخفضة جدًا، وتكدست الأسر المهاجرة في أكواخ قرب الحقول، أو أقامت مخيمات في الهواء الطلق. وتصف رواية جون شتاينبك بذور الغضب (1939م) المشاق التي واجهتها بعض الأسر المهاجرة خلال الكساد. ★ تَصَفح: العواصف الغبارية.

أثر الكساد في أوروبا

العمال العاطلون في مدينة جارو، وهي مدينة صناعية في شمال شرقي إنجلترا، ساروا إلى لندن في عام 1934 لإشهار مصيبتهم وأصبحت مسيرة جارو أكثر مسيرات الجوع التي حدثت في بريطانيا أثناء الكساد العظيم وكانت مدن شمالي إنجلترا التي تعتمد على الصناعة الثقيلة أكثرها تأثراً بالبطالة.
أثر انهيار سوق الأسهم في عام 1929م بسرعة على أوروبا. فقد أخرجت الولايات المتحدة كل أموالها من ألمانيا. وبحلول عام 1931م فشلت الصناعة مرة أخرى وأصبح الناس بلا عمل. عندئذ اتجه المستثمرون إلى إنجلترا، إلا أن مصارفها نفسها لم تتحمل استنزاف احتياطياتها الذهبية. وحاولت إنجلترا أن تقترض من الولايات المتحدة، وكان شرط القرض هو أن تساوي الحكومة البريطانية بين إيراداتها ونفقاتها، الشيء الذي كان ممكنًا فقط بتخفيض تعويضات العاطلين، وهو مالم تكن الحكومة العمالية آنذاك على استعداد للقيام به. ونظرًا لعجز كل الأحزاب السياسية عن حل المشكلة منفردة، فقد كوَّن زعماؤها ائتلافًا يسمى بالحكومة الوطنية تمثل صلاحيات الحكومة من 1931 إلى 1939م.

والحال في أوروبا كالحال في الولايات المتحدة الأمريكية فقد واجه الناس التشرد والبطالة. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت ما بين عامي 1934 و 1938م أن 19% من السكان كانت تغذيتهم أقل من الحد المطلوب، وقامت مسيرات الجوع، وكان من أشهرها تلك التي خرجت من مدينة جارو في مقاطعة تاينسايد، لإشهار مأساة الآلاف من الناس. في النهاية أصدر البرلمان قانوناً لإعادة تنظيم التعويض للعاطلين وبحلول نهاية عقد الثلاثينيات لقي الكثير من الناس رعاية أحسن مما وجدوا في عقد العشرينيات. إلا إن أجزاء إنجلترا لم تتأثر كلها بنفس الدرجة. ففي بعض مناطق الجنوب الشرقي والمناطق الوسطى التي لم تكن بها صناعات ثقيلة، بدأ ازدهار من نوع جديد قائم على صناعة الكيميائيات والكهرباء وصناعة العربات وصناعة تحضير الأطعمة. أنفق المال على مساكن الضواحي وأجهزة الترفيه لتهيئ للعاملين حياة مرفهة مقارنة بحياة الأغلبية في المناطق المتضررة.

أما أهم أثر سياسي للكساد على أوروبا، فهو ظهور الأحزاب السياسية المتطرفة. وفي إنجلترا زادت شعبية كل من الحزب الشيوعي واتحاد الفاشيين البريطاني بقيادة أوزوالد مسلي في أكثر المناطق تدهورًا داخل المدن. إلا أن التطرف كان أكثر شدة في ألمانيا حيث انتهز أدولف هتلر الفرصة ليسحر كثيراً من الألمان الذين لم يكونوا راضين عن قيادة بلدهم بعد الحرب العالمية الأولى.

استغل هتلر فرصة ضعف الحكومة واشتداد جذوة الشعور الوطني عند كثير من الألمان، فأمسك بزمام أمر ألمانيا في عام 1933م وقام بتنفيذ خطة لإعادة تسليح ألمانيا مما أعاد الحياة للصناعة مرة ثانية وأنهى البطالة، إلا أنه في النهاية قاد إلى الحرب العالمية الثانية.

الكساد في أستراليا

ربما كان من الممكن لأستراليا أن تحل بنفسها مشاكل هبوط الثلاثينيات الاقتصادي لو لم تكن هناك عوامل خارجية. فالمشكلة كانت عالمية، فقد أدى فقدان رأس المال الخارجي الفجائي إلى أن تتوقف كل من الحكومة والشركات عن التوسع وتعطل بذلك كثير من الأعمال، فارتفعت نسبة البطالة.

المزارعون:

في العشرينيات اضطر المزارعون للاقتراض بشدة لزيادة الإنتاج وتطوير الأراضي الهامشية، ولكنهم واجهوا مصاعب مالية مما جعل بعض المزارعين يتخلى عن ممتلكاته ويذهب للبحث عن العمل في القرى والمدن. وسنّت الحكومة قوانين خاصة عرفت بتشريعات التأجيل سمحت للمزارعين بتأجيل سداد الديون الرهنية المستحقة عليهم، وكذلك ساعدتهم قوانين تعديل ديون المزارعين في البقاء.

كان رد فعل الحكومة الأولي للكساد هو تشجيع المزارعين على زراعة المزيد من القمح، لكن لم يكن لذلك أثر يذكر على دخل المزارعين، لأن الأسعار استمرت في الهبوط. ومن ضمن إجراءات الحكومة الأخرى لمساعدة المزارعين الهبات والمساعدة المباشرة وضرائب الدقيق. ترك بعض المزارعين ماشيتهم تهيم لعدم مقدرتهم تحمل أجور العمال، وسُرّح العمال الزراعيين، وخفضت أجور من بقي منهم على رأس العمل.

عاطل من مدينة بيرث بأستراليا حاول الحصول على العمل بالسير في الطرقات حاملاً لافتة تقول: أريد العمل! أي عرض!

البطالة:

كانت البطالة الظاهرة الرئيسية الواضحة للعيان من الكساد إذ كان معدل البطالة في أستراليا أكبر من المعدلات التي سجلت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أسوأ السنوات. ويقدر المؤرخون أن أكثر من ثلث القوى العاملة في أستراليا كان بلا عمل في عام 1932م وبعضهم كان عاطلاً طوال عقد الثلاثينيات حتى قيام الحرب العالمية الثانية في عام 1939م. ويعتقد بعض الخبراء أن البطالة ربما كانت منتشرة بدرجة أكبر مما تشير إليها الإحصائيات. من الجانب الآخر كان أغلب أهل أستراليا محظوظين بسبب طقسها المعتدل ؛ فالحياة هناك كانت أسهل بالمقارنة مع بعض البلدان الأخرى بالنسبة للمعدمين الذين لامال لديهم ولا مسكن ولا عمل.

مشاريع تخفيف البطالة:

باستثناء مقاطعة كوينز لاند لم تكن هنالك سياسات إعانة حكومية منظمة في أي ولاية أخرى مثلما نجد اليوم. ففي البداية وزعت الحكومة الغذاء ليتسلمه العاطلون من نقاط توزيع مركزية مختلفة. في المشاريع اللاحقة تلقى العاطلون بطاقات إعانة كانت بمثابة قسائم يمكن شراء سلع بموجبها من المتاجر المحلية، أما مشاريع الإعانة التالية، فقد هيأت للعاطلين عملاً ومنحتهم مبالغ مالية محدودة، وكانت أغلب الأعمال تتضمن جهداً يدوياً ثقيلاً.

آثار البطالة:

كان الناس يتجمهرون حول الصحف المعلقة على الحائط في الأماكن العامة ليقرأوا الإعلانات القليلة للوظائف، بينما تنتظر جماهير أخرى خارج الأماكن التي قد يكون بها عمل. وأصبح التسول أمرًا شائعًا، بينما تجول البعض من باب لباب، يعرضون بيع أشياء صنعوها بأنفسهم والبعض الآخر خرج إلى الطرقات المؤدية إلى الريف على أمل أن يكون الغذاء أكثر توفراً هناك وربما وجدوا عملاً يمكنهم من الحصول على ما يسدون به رمقهم.

فقد الكثير من العمال وأسرهم بيوتهم أو لم يعودوا قادرين على دفع إيجار مساكنهم، وأصبحت مقابلة محصلي الإيجارات وحجّاب المحاكم كابوسًا تخشاه كثير من الأسر. البعض واجه عار اليأس والطرد، وأخذت بعض الأسر أمتعتها وسارت نحو الأعداد المتزايدة من مدن الأكواخ مثل مستوطنة لابيروس في مدينة سيدني التي سميت الوادي السعيد بينما كان كثير من الرجال العُزّاب ينامون ليلاً في الحدائق العامة.

أجّل العديد من الخاطبين مواعيد زواجهم إلى أن تتحسن الأمور، وانخفضت معدلات الزواج والولادة بدرجة ملحوظة خلال الكساد.

وبالرغم من أن آثار الكساد كانت منتشرة إلا أن الدراسات أوضحت أن الكل لم يتأثر بنفس الدرجة. فقدكانت معدلات البطالة أعلى في أواسط المدن ومناطق سكن الطبقة العاملة منها في الضواحي، وكانت البطالة في المدن أعلى منها في الريف. وقد عانى العمال غير المهرة من البطالة لفترات أطول مما عانى المهرة. ويبدو أن النساء وجدن فرصاً للعمل أكثر من الرجال، وربما كان ذلك بسبب أن النساء كن عادة يشتغلن في صناعات أساسية كإنتاج الغذاء، وفضلهن أرباب العمل على الرجال لأنهن يقبلن أجورًا أقل.

ظهر التطرف السياسي في أستراليا أيضًا، وصوّت كثير من الناس لصالح الحزب الشيوعي وحركات الولاية الجديدة التي أيدت إنشاء ولايات جديدة تنفصل من الولايات القائمة.

علاج الكساد

الخطة الجديدة:

كان الرئيس هوفر في الولايات المتحدة يؤمن بأن مشاريع الأعمال إذا تركت بدون تدخل حكومي فستصحح الأوضاع الاقتصادية. وأعلن هوفر أن على حكومات الولايات والبلديات أن تمد يد العون للمحتاجين، لكن لم تكن تلك الحكومات تمتلك مالاً كافيًا للقيام بذلك. وفي نهاية المطاف أنشأ هوفر في عام 1932م مؤسسة إعادة البناء، ووفرت هذه الوكالة الحكومية بعض الفرج بإقراضها المال للمصارف والسكك الحديدية وبعض المؤسسات الكبرى الأخرى التي يجعل إفلاسها الكساد أكثر سوءاً، إلا أن أغلب الأمريكيين أحسوا بأن هوفر لم يفعل ما فيه الكفاية لمكافحة الكساد ولذا انتخبوا فرانكلين دي. روزفلت رئيسًا في عام 1932م.

آمن روزفلت بأن مسؤولية الحكومة الاتحادية الرئيسية هي محاربة الكساد العظيم وأنشأ روزفلت برنامجاً لرفع الكساد، أسماه الصفقة الجديدة (السياسة الجديدة).

كان للقوانين التي صدرت بموجب الصفقة الجديدة ثلاثة أهداف. أولاً، هيأت القوانين عوناً لذوي الحاجة. وثانياً ساعدت القوانين الانتعاش على مستوى البلاد بتوفير فرص العمل وتشجيع مشاريع الأعمال. ثالثاً، سعت القوانين لإصلاح العمل التجاري والحكومي حتى لايحدث كساد حاد في الولايات المتحدة مر ة أخرى أبداً.

ساعدت الحكومة في انعاش الاقتصاد بإنفاق مبالغ كبيرة من المال، وأعطى الإنفاق الاتحادي الثقة لرجال الأعمال ليقوموا بدورهم بالإنفاق، وتحسن الاقتصاد بعد أن بدأ المال في التداول. أنعشت الحكومة أيضًا التجارة بتخفيض التعريفات الجمركية على سلع مستوردة معينة، وفي المقابل خفضت دول أخرى التعريفات الجمركية على بعض السلع التي تستوردها من الولايات المتحدة.

تمكن بعض الأمريكيين الذين احتفظوا بوظائفهم في فترة الكساد من العيش في يسر، وكان بإمكان الكثيرين من أصحاب الدخل المنتظم أن يشتروا سيارات وملابس وسلعًا أخرى لم تكن في متناول أغلب الناس. ووجد من بحوزتهم مال كاف أن أحوالهم الاقتصادية بسبب الأسعار المنخفضة، كانت أحسن خلال الكساد مما كانت عليه في عقد العشرينيات.

اقتراب الحرب:

لم يتم الشفاء التام من الكساد العظيم حتى نهاية عقد الثلاثينيات عندما بدأت الحرب العالمية الثانية تقترب، ومع اشتداد التحضيرات للحرب عزز التجنيد العسكري والإنفاق على التسليح من العمالة. وعند نشوب الحرب في عام 1939م جاهدت اقتصاديات العالم الرئيسية لمضاعفة إنتاجها ولتشغيل كل مواردها لمقابلة احتياجات المجهود الحربي.

آثار الكساد طويلة المدى

تسبب الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية التي أعقبته، في تغيرات دائمة في السياسات الحكومية، كما أنها غيرت نظرة أعداد لاحصر لها من الناس إلى أوجه الحياة المختلفة.

سياسات حكومية جديدة:

بدأت كثير من الحكومات في توفير إعانات اجتماعية أحسن للفقراء والمحتاجين، وغيرت كثير من الحكومات من فلسفتها الأساسية نحو الإنفاق الحكومي. قبل الكساد كانت الحكومات تسعى لأن تنفق مبالغ تعادل إيراداتها تمامًا. لكن ومن أجل دعم برامجها الاجتماعية، استخدمت الحكومات التمويل بالعجز ؛ أي أنها أنفقت أموالاً أكثر مما تحصلت عليه كإيرادات. استمرت الحكومات في الاعتماد على التمويل بالعجز خلال أغلب سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت في عام 1945م.

مواقف جديدة:

غيّر الكساد من نظرة كثير من الناس نحو دور الدولة والأعمال التجارية ؛ فقبل الكساد كان كثير من الناس يرون في المصرفيين ورجال الأعمال قادة قوميين، وبعد انهيار سوق الأسهم وعجز هؤلاء القادة عن رفع الكساد، فقد الناس ثقتهم بهم. وأخيراً نجحت الحكومات في تحسين الأحوال، ونتيجة لذلك ارتأى كثير من الناس أن الحكومة ـ لا الشركات ـ هي المسؤولة عن الحفاظ على الاقتصاد الوطني.

غيّر الكثيرون من وجهة نظرهم الأساسية تجاه الحياة بسب الشقاء الذي عانوه خلال الكساد. كانوا في السابق يظنون أنهم سيحيون حياة سعيدة إذا ثابروا وادخروا النقود وعاملوا الآخرين معاملة حسنة، لكن الكساد هز قناعاتهم وبدا فهم الأمر صعبًا خاصة لأنه لم يكن هنالك من سبب لوقوع كل هذه الأحداث.

ربما يكون الكساد قد أثر على الشباب بدرجة أكبر من أي مجموعة أخرى وذلك من الناحية النفسية. فقد واجه الرجال والنساء صعوبة كبيرة في الحصول على عمل أو امتهان مهنة، وإذا ما تحصلوا على وظيفة لم يكن أمامهم مجال للترقي، لأن أرباب الأعمال كانوا يستغنون عن الوظائف طوال فترة الكساد. ونتيجة لذلك فقد كثير من الشباب الثقة في أنفسهم وقللوا من طموحاتهم.

أصبح بعض من عايشوا الكساد العظيم أكثر اهتمامًا بالممتلكات المادية من الذين ولدوا بعد تلك الفترة. فقد أجبر الكساد الناس على القلق على الضروريات مثل المأكل والملبس والمأوى. وبعد أن تحسنت الأوضاع الاقتصادية سعى الكثيرون لتملك أسباب الراحة المادية التي فقدوها، أو لم يمتلكوها أصلاً، بما في ذلك الأجهزة المنزلية والسيارة والمنزل. وسعى الآخرون للأمن المالي، وأكدوا على أهمية امتلاك عمل وادخار النقود تحسباً للظروف الصعبة في المستقبل.

أثر الاهتمام بأسباب الراحة المادية والأمان المالي الذي تأصل في نفوس الكثيرين من جيل الكساد على علاقتهم بأبنائهم، إذ لم يعرف أغلب من ترعرعوا في عقدي الخمسينيات والستينيات معنى أن تكون فقيرًا، ولم يعرفوا أي شيء عن الاضطرار للصراع من أجل العمل والمال، لذلك لم يفهموا لماذا يعلق آباؤهم أهمية كبيرة على الممتلكات المادية والأمان المالي، وانتقد كثير من الشباب نظرة آبائهم تلك. وأدى عدم الفهم وفقدان التفاهم والاتصال إلى بروز ما صار معروفًا بالفجوة بين الأجيال خلال عقد الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية