→ كتاب الحدود (تتمة 1 مسألة 2203) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (تتمة 2 مسألة 2203) ابن حزم |
كتاب الحدود (تتمة 3 مسألة 2203) ← |
كتاب الحدود
قال أبو محمد : وكل من وقف على هذا وقامت عليه الحجة ثم تمادى فهو كافر , لأنه مكذب لله تعالى , أو مجور لرسوله عليه السلام وكلا الأمرين كفر.
قال أبو محمد : ولقد بلغني عن بعض من خذله الله تعالى أنه تلا هذه الآية ثم قال : ما انتهوا ، ولا أغراه بهم
قال أبو محمد : نحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا , فإن قائله آفك كاذب , عاص لله تعالى لا يحل له الكلام في الدين ونسأل الله تعالى العافية.
وقال تعالى {ومنهم من يستمع إليك} إلى قوله تعالى {واتبعوا أهواءهم}
قال أبو محمد : من عصى الله تعالى فقد طبع على قلبه في الوجه الذي عصى فيه , ولو لم يطبع على قلبه فيه لما عصى فقد يمكن أن يكون هؤلاء منافقين فإعلانهم بالتوبة ماح لما تقدم في الظاهر , والله أعلم بالباطن وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {فإذا أنزلت سورة محكمة} إلى قوله {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم}
قال أبو محمد : وهذا كالذي قبله إما أن يكون هذا النظر يبين معتقدهم وإظهارهم الإسلام توبة تصح به قبولهم على ظاهرهم وإن لم يكن ذلك النظر دليلا يتميزون به فهم كغيرهم ، ولا فرق.
وقال تعالى {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} إلى قوله تعالى {والله يعلم إسرارهم
قال أبو محمد : هذه صفة مجملة لمن ارتد معلنا أو مسرا , ولا دليل فيها على أنه عليه السلام عرف أنهم منافقون مسرون للكفر وبالله تعالى التوفيق. قال تعالى {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} إلى قوله تعالى {والله يعلم أعمالكم}
قال أبو محمد : قد بين الله تعالى : أنه لو شاء أراهم نبيه عليه السلام وهذا لا شك فيه ثم قال تعالى {ولتعرفنهم في لحن القول} فهذا كالنظر المتقدم إن كان لحن القول برهانا يقطع به رسول الله ﷺ على أنهم منافقون , فإظهارهم خلاف ذلك القول وإعلانهم الإسلام توبة في الظاهر كما قدمنا وإن كان عليه السلام لا يقطع بلحن قولهم على ضميرهم , فإنما هو ظن يعرفه في الأغلب لا يقطع به وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد : قد ذكرنا في " براءة , والفتح قول الله تعالى {سيقول لك المخلفون} الآيات كلها , وبينا أن الله تعالى وعدهم بقبول التوبة والأجر العظيم إن تابوا وأطاعوا لمن دعاهم بعد النبي عليه السلام إلى الجهاد وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {قالت الأعراب آمنا} إلى قوله تعالى {غفور رحيم}
قال أبو محمد : هذا دليل على أنهم استسلموا لله تعالى غلبة ولم يدخل الإيمان في قلوبهم , ولكن الله تعالى قد بسط لهم التوبة في الآية نفسها بقوله تعالى {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا} فإظهارهم الطاعة لله تعالى ولرسوله عليه السلام مدخل لهم في حكم الإسلام ومبطل لان يكون عليه السلام عرف باطنهم.
وقال تعالى {يوم يقول المنافقون والمنافقات} إلى قوله تعالى {وغرتكم الأماني} .
قال أبو محمد : فهذه حكاية عن يوم القيامة , وإخبار بأنهم كانوا في الدنيا مع المسلمين , وهذا يبين أنهم لم يكونوا معروفين عند النبي ﷺ ولا عند المسلمين , وهذه الآية يوافقها :
ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ﷺ قال في حديث فيجمع الله الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من يعبد الشمس الشمس , ويتبع من يعبد القمر القمر , ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت , وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها وذكر الحديث.
وقال تعالى {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى} إلى قوله تعالى {فبئس المصير}
قال أبو محمد : هؤلاء معروفون بلا شك , ولكن التوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات.
وقال تعالى {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم} إلى قوله تعالى {هم الخاسرون}
قال أبو محمد : وهذه صفة قوم لم يسلموا إلا أنهم يتبرءون من موالاة الكفار , فإن كانوا معروفين بالكفر فالتوبة لهم مبسوطة , كما ذكر تعالى في سائر الآيات التي تلونا قبل وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {ألم تر إلى الذين نافقوا} إلى قوله تعالى {بأسهم بينهم شديد}
قال أبو محمد : هذا قد يكون سرا علمه الله منه وفضحه ولم يسم قائله ويمكن أن يكون قد عرف فالتوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات ,
وقال تعالى {إذا جاءك المنافقون} إلى قوله تعالى {ولكن المنافقين لا يعلمون}
قال أبو محمد : هذا نزل في عبد الله بن أبي ,
كما روينا من طريق البخاري ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا أبو إسحاق هو السبيعي قال : سمعت زيد بن أرقم قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله , وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت النبي ﷺ فأخبرته , فأرسل إلى عبد الله بن أبي , فاجتهد يمينه ما فعل , فقالوا : كذب زيد يا رسول الله , فوقع في نفسي مما قال شدة , حتى أنزل الله تعالى تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} فدعاهم النبي ﷺ ليستغفر لهم فلووا رءوسهم. قال : وقوله خشب مسندة كانوا رجالا أجمل شيء :
كما روينا من طريق البخاري ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان قال عمرو بن دينار : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار : فقال : دعوها فإنها منتنة , فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال : فعلوها , أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل , فبلغ ذلك النبي ﷺ فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي ﷺ : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه , فقال سفيان : فحفظته من عمر , وقال : سمعت جابرا قال : كنا مع النبي ﷺ
قال أبو محمد : أما قول الله تعالى {إذا جاءك المنافقون} إلى قوله تعالى {فهم لا يفقهون} فهم قوم كفروا بلا شك بعد إيمانهم ارتدوا بشهادة الله تعالى عليهم بذلك , إلا أن التوبة لهم بيقين مذكورة في الآية , وفيما رواه زيد بن أرقم من الحديث الثابت. أما النص فقوله تعالى {يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم} .
وأما منع الله تعالى من المغفرة لهم , فإنما هو بلا شك فيما قالوه من ذلك القول , لا في مراجعة الإيمان بعد الكفر , فإن هذا مقبول منهم بلا شك.
برهان ذلك : ما سلف في الآيات التي قدمنا قبل ,
وأيضا إطلاقهم فيه نبيه ﷺ على الأستغفار لهم بقوله سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم وهم قد أظهروا الإيمان بلا شك , والله أعلم بنياتهم.
برهان ذلك : ما قد ذكرناه قبل من شك جابر , وابن عباس , وعمر ، رضي الله عنهم ، في ابن أبي بعينه صاحب هذه القصة.
وكذلك الخبر عن جابر إذ قال عمر للنبي عليه السلام دعني أضرب عنق هذا المنافق يعني عبد الله بن أبي فليس في هذا دليل أنه حينئذ منافق , لكنه قد كان نافق بلا شك وقد قال عمر رضي الله عنه مثل هذا في مؤمن برئ من النفاق جملة وهو حاطب بن بلتعة وقول رسول الله ﷺ : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه دليل بين على تحريم دم عبد الله بن أبي ابن سلول بقوله عليه السلام " دعه " وهو عليه السلام لا يجوز أن يأمر بأن يدع الناس فرضا واجبا.
وكذلك قوله عليه السلام لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه بيان جلي بظاهر لفظه , مقطوع على غيبة بصحة باطن أن عبد الله بن أبي من جملة أصحاب رسول الله ﷺ بظاهر إسلامه , وأنه من جملة الصحابة المسلمين الذين لهم حكم الإسلام , والذين حرم الله تعالى دماءهم إلا بحقها وبيقين ندري أنه لو حل دم ابن أبي لما حاباه رسول الله ﷺ ولو وجب عليه لما ضيعه عليه السلام ومن ظن أن رسول الله ﷺ لا يقتل من وجب عليه القتل من أصحابه فقد كفر , وحل دمه وماله , لنسبته إلى رسول الله ﷺ الباطل , ومخالفة الله تعالى , والله : لقد قتل رسول الله ﷺ أصحابه الفضلاء المقطوع لهم بالإيمان والجنة , إذ وجب عليهم القتل , كماعز , والغامدية , والجهينية ، رضي الله عنهم ، فمن الباطل المتيقن , والضلال البحت , والفسوق المجرد : بل من الكفر الصريح : أن يعتقد , أو يظن من هو مسلم : أن رسول الله ﷺ يقتل مسلمين فاضلين من أهل الجنة من أصحابه أشنع قتلة بالحجارة , ويقتل الحارث بن سويد الأنصاري قصاصا بالمجدر بن خيار البلوي بعلمه عليه السلام دون أن يعلم ذلك أحد , والمرأة التي أمر أنيسا برجمها , إن اعترفت. وبقطع يد المخزومية ويقول لو كانت فاطمة لقطعت يدها. وبقوله عليه السلام إنما هلكت بنو إسرائيل بأنهم كانوا إذا أصاب الضعيف منهم الحد أقاموه عليه , وإذا أصابه الشريف تركوه. ثم يفعل هو عليه السلام ذلك , ويعطل إقامة الحق الواجب في قتل المرتد على كافر يدري أنه ارتد الآن , ثم لا يقنع بهذا حتى يصلي عليه , ويستغفر له وهو يدري أنه كافر. وقد تقدم نهي الله تعالى له عن الأستغفار للكفار. ونحن نشهد بشهادة الله تعالى بأن من دان بهذا واعتقده فإنه كافر , مشرك , مرتد , حلال الدم والمال نبرأ إلى الله تعالى منه ومن ولايته من يظن به النفاق بلا خلاف , فالأمر فيمن دونه بلا شك أخفى فارتفع الإشكال في هذه الآيات ولله الحمد. وصح أن عبد الله بن أبي بعد أن كفر هو ومن ساعده على ذلك أظهروا التوبة والإسلام , فقبل رسول الله ﷺ ذلك منهم , ولم يعلم باطنهم على ما كانوا عليه من الكفر أم على ما أظهروا من التوبة ولكن الله تعالى عليم بذلك , وهو بلا شك المجازي عليه يوم القيامة.
وقال تعالى {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}
قال أبو محمد : هذا يخرج على وجهين لا ثالث لهما : أما من يعلم أنه منافق وكفر فإنه عليه السلام يجاهده بعينه بلسانه , والإغلاظ عليه حتى يتوب ومن لم يعلمه بعينه جاهده جملة بالصفة , وذم النفاق , والدعاء إلى التوبة. ومن الباطل البحت أن يكون رسول الله ﷺ يعلم أن فلانا بعينه منافق متصل النفاق ثم لا يجاهده , فيعصي ربه تعالى , ويخالف أمره ومن اعتقد هذا فهو كافر , لأنه نسب الأستهانة بأمر الله تعالى إلى رسوله ﷺ ,
قال أبو محمد : هذا كل ما في القرآن من ذكر المنافقين قد تقصيناه والحمد لله رب العالمين , وبقيت آثار نذكرها الآن إن شاء الله تعالى :
روينا من طريق البخاري ، حدثنا سعيد بن عفير ني الليث ، هو ابن سعد ، حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب أخبرني محمود بن ربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك ممن شهد بدرا قال في حديث فغدا علي رسول الله ﷺ وأبو بكر حين ارتفع النهار , قال : وحبسناه على خزيرة صنعناها له , قال : فثاب في البيت رجال ذوو عدد , فاجتمعوا , فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخشن أو ابن دخشن فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله , فقال رسول الله ﷺ لا تقل ذلك , ألا تراه قد قال : لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال : الله ورسوله أعلم , فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال رسول الله ﷺ فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا بن إسحاق بن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن مسرة ، حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي ، حدثنا أبي عن قتادة عن عبيد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ : لا تقولوا للمنافق : سيدا , فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم.
ومن طريق مسلم ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا جرير ، هو ابن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : لما كان يوم حنين آثر رسول الله ﷺ ناسا في القسمة , فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل , وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك , وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة , فقال رجل : والله إن هذه لقسمة ما يعدل فيها , ما أريد بها وجه الله , قال فقلت : والله لاخبرن به رسول الله ﷺ قال : فأتيته فأخبرته بما قال , فتغير وجه رسول الله ﷺ حتى كان كالصرف ثم قال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله , يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر. قال ابن مسعود : قلت : لا جرم , لا أرفع إليه بعدها حديثا.
ومن طريق مسلم ، حدثنا محمد بن المثنى , ومحمد بن رمح قال محمد بن رمح بن المهاجر أنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر , وقال ابن المثنى : حدثنا عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفي قال : سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول : أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال : أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله ﷺ يقبض منها يعطي الناس فقال : يا محمد اعدل قال ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال : معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي , إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية.