→ كتاب الحدود (مسألة 2195 - 2196) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (مسألة 2197 - 2198) ابن حزم |
كتاب الحدود (مسألة 2199) ← |
كتاب الحدود
2197 - مسألة : وأما نفي الزاني فإن الناس اختلفوا فيه : فقالت طائفة : الزاني غير المحصن , يجلد مائة , وينفى سنة الحر , والحرة ذات الزوج , وغير ذات الزوج , في ذلك سواء
وأما العبد الذكر فكالحر ,
وأما الأمة فجلد خمسين ونفي ستة أشهر
وهو قول الشافعي , وأصحابه , وسفيان الثوري , والحسن بن حي , وابن أبي ليلى.
وقالت طائفة : ينفى الرجل الزاني جملة , ولا تنفى النساء.
وهو قول الأوزاعي.
وقالت طائفة : ينفى الحر الذكر , ولا تنفى المرأة الحرة ذات زوج كانت أو غير ذات زوج ، ولا الأمة , ولا العبد
وهو قول مالك , وأصحابه.
وقالت طائفة : لا نفي على زان أصلا لا على ذكر , ولا على أنثى , ولا حر , ولا عبد , ولا أمة
وهو قول أبي حنيفة , وأصحابه.
قال أبو محمد رحمه الله : ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى ما جاء في ذلك عن المتقدمين فمن ذلك : ما ناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب ، حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي سمعت عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع ، عن ابن عمر قال : إن رسول الله ﷺ ضرب وغرب , وإن أبا بكر ضرب وغرب , وإن عمر ضرب وغرب. أنا حمام ، أخبرنا ابن مفرج ، أخبرنا ابن الأعرابي أنا الدبري أنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن رجلا وقع على جارية بكر فأحبلها فاعترف ولم يكن أحصن فأمر به أبو بكر فجلده مائة ثم نفي. وعن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أتى رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أخته أحدثت وهي في سترها وأنها حامل فقال عمر : أمهلها حتى إذا وضعت واستقلت فآذني بها , فلما وضعت جلدها مائة وغربها إلى البصرة عاما.
ومن طريق مالك ، عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب غرب في الزنى سنة. قال ابن وهب , قال ابن شهاب : ثم لم يزل ذلك الأمر تمضي به السنة حتى غرب مروان في إمرته بالمدينة ثم ترك ذلك الناس. وعن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة ، عن العلاء بن بدر عن كلثوم بن جبير قال , تزوج رجل منا امرأة فزنت قبل أن يدخل بها , فجلدها علي بن أبي طالب مائة سوط ونفاها سنة إلى نهر كربلاء فلما رجعت دفعها إلى زوجها , وقال : امرأتك فإن شئت فطلق , وإن شئت فأمسك. وعن ابن شهاب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه أن حاطبا توفي وأعتق من صلى من رقيقه وصام , وكانت له وليدة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم يرعه إلا حملها , فذهب إلى عمر فزعا , فقال له عمر : أنت الرجل الذي لا تأتي بخير , فأرسل إليها عمر : أحبلت فقالت : نعم , من مرعوش بدرهمين , فإذا هي تستهل به , وصادفت عنده علي بن أبي طالب , وعثمان بن عفان , وعبد الرحمن بن عوف , فقال : أشيروا علي , وعثمان جالس فاضطجع ,
فقال علي , وعبد الرحمن : قد وقع عليها الحد , قال : أشر علي يا عثمان قال : قد أشار عليك أخواك , قال : أشر علي أنت قال : أراها تستهل به كأنها لا تعلمه , وليس الحد إلا على من علمه , فأمر بها فجلدت مائة وغربها. وعن عطاء قال : البكر تجلد مائة وتنفى سنة. وعن عبد الله بن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان مائة وينفيان سنة. وعن ابن عمر أنه حد مملوكة له في الزنى ونفاها إلى فدك.
قال أبو محمد رحمه الله : وأما من لم ير ذلك : فكما أنا حمام ، أخبرنا ابن مفرج ، أخبرنا ابن الأعرابي أنا الدبري أنا عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي , قال : قال علي بن أبي طالب في البكر يزني بالبكر , فإن حبسهما من الفتيان ينفيان وعن إبراهيم النخعي أن علي بن أبي طالب قال في أم الولد إذا أعتقها سيدها , أو مات فزنت : أنها تجلد ، ولا تنفى
قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى
فنظرنا في قول من قال بالتغريب من حد الزنى يذكرون : ما رويناه من طريق مسلم أنا قتيبة أنا ليث ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة , وزيد بن خالد أنهما قالا إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله فقال : الخصم الآخر وهو أفقه منه : نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال له رسول الله ﷺ قل : قال : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة , فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم , فقال له رسول الله ﷺ والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد عليك , وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام , واغد يا أنيس على امرأة هذا , فإن اعترفت فارجمها قال : فغدا عليها فاعترفت , فأمر بها فرجمت.
قال أبو محمد رحمه الله : وهكذا رويناه من طريق معمر , وصالح بن كيسان , ويونس بن يزيد , وسفيان بن عيينة , ومالك بن أنس , كلهم عن الزهري بهذا الإسناد.
ومن طريق مسلم ، أخبرنا يحيى بن يحيى التميمي أنا هشيم عن منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله ﷺ خذوا عني , خذوا عني : قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام , والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
ومن طريق مسلم أنا عمرو الناقد أنا هشيم بهذا الإسناد مثله.
ومن طريق مسلم أنا محمد بن المثنى , ، ومحمد بن بشار جميعا عن عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله عن عبادة بن الصامت قال : كان نبي الله ﷺ إذا أنزل عليه كرب لذلك , وتربد له وجهه , قال : فأنزل عليه ذات يوم , فبقي كذلك , فلما سري عنه قال : خذوا عني : قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب بالثيب , والبكر بالبكر , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة , البكر جلد مائة ثم نفي سنة. أنا عبد الله بن ربيع أنا محمد بن معاوية أنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الأعلى أنا يزيد ، هو ابن زريع أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال : كان رسول الله ﷺ إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه , فنزل عليه ذات يوم فلقي ذلك فلما سري عنه قال : خذوا عني : قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة , والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
قال أبو محمد رحمه الله : ورواه أيضا شعبة , وهشام الدستوائي , كلاهما عن قتادة بإسناده أنا عبد الله بن ربيع أنا محمد بن معاوية أنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية , ، ومحمد بن يحيى بن عبد الله , قال ابن علية : أنا عبد الرحمن بن مهدي أنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة , وقال محمد بن يحيى : أنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنا أبي عن صالح بن كيسان , ثم اتفق صالح , وابن أبي سلمة , كلاهما عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال : سمعت رسول الله ﷺ يأمر فيمن لم يحصن إذا زنى بجلد مائة وتغريب عام. وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع أنا حجير أنا الليث عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قضى فيمن زنى ولم يحصن أن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه
قال أبو محمد رحمه الله : فكانت هذه آثار متظاهرة رواها ثلاثة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، عبادة بن الصامت , وأبو هريرة , وزيد بن خالد الجهني بإيجاب تغريب عام مع جلد مائة على الزاني الذي لم يحصن , مع إقسام النبي عليه السلام بالله تعالى في قضائه به أنه كتاب الله تعالى وكتاب الله تعالى هو وحيه وحكمه مع أن الله تعالى يقول في القرآن {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} فهذا نص القرآن , فإن كل ما قاله رسول الله ﷺ فعن وحي من الله تعالى يقوله.
وقال تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} . وفرق عليه السلام بين حد المملوك , وحد الحر في حديث ابن عباس , وعلى الذي أوردنا قبل في باب حد المماليك فصح النص أن على المماليك ذكورهم وإناثهم نصف حد الحر والحرة , وذلك جلد خمسين ونفي ستة أشهر.
قال أبو محمد رحمه الله : ثم نظرنا في قول من لم ير التغريب على النساء والمماليك , فوجدناهم يذكرون الخبر الذي قد أوردناه قبل بإسناده , فأغنى عن ترداده ,
وهو قوله عليه السلام إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ، ولا يثرب فلا حجة لهم فيه لأنه خبر مجمل فسره غيره , لأنه إنما فيه " فليجلدها " ولم يذكر فيه عدد الجلد كم هو فصح أنه إنما أحال عليه السلام بيان الجلد المأمور به فيه على القرآن , وعلى الخبر الذي فيه بيان حكم المملوك في الحدود , فإذ هو كذلك , فليس سكوت النبي ﷺ عن ذكر التغريب في ذلك الخبر : حجة في إبطال التغريب الذي قد صح أمره ﷺ به فيمن زنى ولم يحصن. كذلك ليس في سكوته ﷺ عن ذكر عدد جلدها كم هو : حجة في إسقاط ما قد صح عنه عليه السلام من أن حدها نصف حد الحرة.
وأيضا فإن هذا الخبر , ليس فيه : أن لا تغريب , ولا أن التغريب ساقط عنها , لكنه مسكوت عنه فقط , وإذا لم يكن فيه نهي عن تغريبها , فلا يجوز أن يكون هذا الخبر معارضا للأخبار التي فيها النفي وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد رحمه الله : وقال بعضهم : إن حق السيد في خدمة عبده وأمته , وحق أهل المرأة فيها , فلا يجوز قطع حقوقهم بنفي العبد , والأمة , والمرأة فيقال لهم : ليس بشيء , لأن حق الزوجة والولد أيضا في زوجها وابنهم , فلا يجوز قطعه بنفيهم. فإن ادعوا أن حديث عبادة منسوخ بقول الله تعالى {الزانية والزاني} الآية وقالوا : لأن حديث عبادة خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا قالوا : صح أن هذا الخبر كان بعد قول الله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} الآية. قال : فكان السبيل ما ذكر في حديث عبادة من الجلد والرجم والتغريب. ثم جاء قول الله تعالى {الزانية والزاني} الآية , فكان ناسخا لخبر عبادة.
قال أبو محمد رحمه الله : هذا كلام جمع التخليط والكذب , أما التخليط : فدعواهم النسخ ,
وأما الكذب : فهو التحكم منهم في أوقات نزول الآية , وما في خبر عبادة بلا
برهان. ونحن نبين ذلك بحول الله تعالى وقوته فنقول : إن دعواهم أن خبر عبادة كان قبل نزول الآية من أجل ما فيه خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا فظن منهم , وقد حرم الله تعالى القطع بالظن بقوله تعالى {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} .
وقال تعالى {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} . وبقوله ﷺ : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. لكن القول الصحيح في هذا المكان , هو أن القطع بأن حديث عبادة كان قبل نزول الزانية والزاني الآية , أو بأن نزول هذه الآية كان قبل حديث عبادة , فمن الممكن أن يكون حديث عبادة قبل نزول الآية المذكورة. وجائز أن يكون نزول الآية قبل حديث عبادة , وكل ذلك سواء , أي ذلك كان لا يعترض بعضه على بعض , ولا يعارض شيء منه شيئا ,
ولا خلاف بين الآية والحديث على ما نبين إن شاء الله تعالى فنقول : إنه إن كان حديث عبادة قبل نزول الآية , فقد صح ما في حكم حديث عبادة من الجلد , والتغريب , والرجم , وكانت الآية وردت ببعض ما في حديث عبادة , وأحالنا الله تعالى في باقي الحد على ما سلف في حديث عبادة. وكما لم تكن الآية مانعة عندهم من الرجم الذي ذكر في حديث عبادة قبل نزولها بزعمهم ولم يذكر فيها , فكذلك ليست مانعة من التغريب الذي ذكر في حديث عبادة قبل نزولها بزعمهم ولم يذكر فيها , ولا فرق. هذا هو الحكم الذي لا يجوز تعديه إن كان حديث عبادة قبل نزول الآية , كما ادعوا وإن كان حديث عبادة بعد نزول الآية , فقد جاء بما في الآية من الجلد , وزيادة الرجم , والتغريب , وكل ذلك حق , ولم يكن قول رسول الله ﷺ في حديث عبادة قد جعل الله لهن سبيلا بموجب أن يكون قبل نزول الآية ، ولا بد , بل قد تنزل الآية ببعض الذي جعله الله تعالى لهن , ثم بين رسول الله ﷺ في حديث عبادة تمام السبيل , وهو الرجم , والتغريب المضافان إلى ما في الآية من الجلد وبالله تعالى التوفيق.
2198 - مسألة : من أصاب حدا ولم يدر بتحريمه
قال أبو محمد رحمه الله : من أصاب شيئا محرما فيه حد أو لا حد فيه وهو جاهل بتحريم الله تعالى له فلا شيء عليه فيه لا إثم ، ولا حد ، ولا ملامة لكن يعلم , فإن عاد أقيم عليه حد الله تعالى , فإن ادعى جهالة نظر , فإن كان ذلك ممكنا فلا حد عليه أصلا وقد قال قوم بتحليفه , ولا نرى عليه حدا , ولا تحليفا وإن كان متيقنا أنه كاذب لم يلتفت إلى دعواه
قال أبو محمد : برهان ذلك قول الله تعالى {لأنذركم به ومن بلغ} فإن الحجة على من بلغته النذارة لا من لم تبلغه , وقد قال الله تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وليس في وسع أحد أن يعلم ما لم يبلغه , لأنه علم غيب , وإذا لم يكن ذلك في وسعه فلا يكلف الله أحدا إلا ما في وسعه , فهو غير مكلف تلك القصة , فلا إثم عليه فيما لم يكلفه , ولا حد ، ولا ملامة. وإنما سقط هذا عمن يمكن أن يعلم , ويمكن أن يجهل , فلقول رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام. وقد جاءت في هذا عن السلف آثار كثيرة :
كما روينا عن سعيد بن المسيب : أن عاملا لعمر بن الخطاب كتب إلى عمر يخبره : أن رجلا اعترف عنده بالزنى فكتب إليه عمر , أن سله : هل كان يعلم أنه حرام , فإن قال : نعم , فأقم عليه الحد , وإن قال : لا , فأعلمه أنه حرام , فإن عاد فاحدده. وعن الهيثم بن بدر عن حرقوص قال : أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب فقالت : إن زوجي زنى بجاريتي , فقال : صدقت , هي ومالها لي حل , فقال له علي : اذهب ، ولا تعد , كأنه درأ عنه الحد بالجهالة