→ كتاب الحدود (مسألة 2200 - 2202) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (مسألة 2203) ابن حزم |
كتاب الحدود (تتمة 1 مسألة 2203) ← |
كتاب الحدود
2203 - مسألة : من المنافقين والمرتدين قال قوم : إن رسول الله ﷺ قد عرف المنافقين , وعرف أنهم مرتدون كفروا بعد إسلامهم وواجهه رجل بالتجوير , وأنه يقسم قسمة لا يراد بها وجه الله وهذه ردة صحيحة فلم يقتله. قالوا : فصح أن لا قتل على مرتد , ولو كان عليه قتل لانفذ ذلك رسول الله ﷺ على المنافقين المرتدين الذين قال الله تعالى {فيهم إذا جاءك المنافقون} إلى قوله تعالى {فهم لا يفقهون} .
قال أبو محمد رحمه الله : هذا كل ما احتجوا به , ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون كل آية تعلق بها متعلق في أن رسول الله ﷺ عرف المنافقين بأعيانهم , ومبينون بعون الله تعالى وتأييده أنهم قسمان : قسم لم يعرفهم قط عليه السلام. وقسم آخر افتضحوا , فعرفهم فلاذوا بالتوبة , ولم يعرفهم عليه السلام أنهم كاذبون أو صادقون في توبتهم فقط. فإذا بينا هذا بعون الله تعالى بطل قول من احتج بأمر المنافقين في أنه لا قتل على مرتد , وبقي قول : من رأى القتل بالتوبة.
وأما إنه لا يسقط بالتوبة , والبرهان على الصحيح من ذلك , فنقول وبالله تعالى التوفيق. قال الله تعالى : {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} إلى قوله تعالى {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} . فهذه أول آية في القرآن فيها ذكر المنافقين , وليس في شيء منها دليل على أن رسول الله ﷺ عرفهم , ولا على أنه لم يعرفهم , فلا متعلق فيها لأحد من أهل القولين المذكورين
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم} إلى قوله تعالى : {إن الله بما يعملون محيط} ففي هذه الآية دليل على أن هؤلاء القوم ممكن أن يكونوا معروفين , لأن الله تعالى أخبرنا أنهم من غيرنا بقوله تعالى {من دونكم} فإذ هم من غيرنا فممكن أن يكونوا من اليهود مكشوفين. وممكن أن يكون قوله تعالى {عنهم} أنهم قالوا : آمنا أي بما عندهم. وقد يمكن أيضا : أن يكونوا من المنافقين المظهرين للإسلام. وممكن أن الله تعالى أمرنا أن لا نتخذهم بطانة إذا أطلعنا منهم على هذا , والوجه الأول أظهر وأقوى لظاهر الآية. وإذ كلتاهما ممكن فلا متعلق في هذه الآية لمن ذهب أن رسول الله ﷺ كان يعرف المنافقين بأعيانهم , ويدري أن باطنهم النفاق.
وقال تعالى {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم} إلى قوله تعالى : {حتى يحكموك فيما شجر بينهم} . وصح عن رسول الله ﷺ : ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا في كتاب مسلم وغيره إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.
ومن طريق مسلم أيضا ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , ، ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا جميعا : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ﷺ : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب , إذا وعد أخلف , إذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر. فقد صح أن هاهنا نفاقا لا يكون صاحبه كافرا , ونفاقا يكون صاحبه كافرا , فيمكن أن يكون هؤلاء الذين أرادوا التحاكم إلى الطاغوت لا إلى النبي ﷺ مظهرين لطاعة رسول الله ﷺ عصاة بطلب الرجوع في الحكم إلى غيره معتقدين لصحة ذلك , لكن رغبة في اتباع الهوى , فلم يكونوا بذلك كفارا بل عصاة , فنحن نجد هذا عيانا عندنا , فقد ندعو نحن عند الحاكم إلى القرآن وإلى سنة رسول الله ﷺ الثابت عنهم بإقرارهم فيأبون ذلك ويرضون برأي أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , هذا أمر لا ينكره أحد , فلا يكونون بذلك كفارا , فقد يكون أولئك هكذا حتى إذا بين الله تعالى أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله ﷺ فيما شجر بينهم , وجب أن من وقف على هذا قديما وحديثا , وإلى يوم القيامة فأبى وعند فهو كافر وليس في الآية : أن أولئك عندوا بعد نزول هذه الآية , فإذ لا بيان فيها فلا حجة فيها لمن يقول : إن رسول الله ﷺ عرفهم أنهم منافقون وأقرهم.
وقال تعالى {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة} إلى قوله تعالى : {وكيلا} فهذا ليس فيه نص على أنهم كانوا يظهرون الإيمان , بل لعلهم كانوا كفارا معلنين , وكانوا يلتزمون الطاعة بالمسالمة , فإذ لا نص فيها فلا حجة فيها لمن ادعى أنه عليه السلام كان يعرفهم ويدري أن عقدهم النفاق.
وقال تعالى {فما لكم في المنافقين فئتين} إلى قوله : {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} .
وقد روينا عن طريق البخاري ، حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي ، حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال : سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت قال : لما خرج رسول الله ﷺ إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه , وكان أصحاب رسول الله ﷺ فرقتين : فرقة تقول : نقاتلهم , وفرقة تقول : لا نقاتلهم , فنزلت فما لكم في المنافقين فئتين فهذا إسناد صحيح , وقد سمى الله تعالى أولئك : منافقين.
وأما قوله تعالى في هذه الآية متصلا بذلك {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} إلى قوله تعالى : {فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} فقد كان يمكن أن يظن أنه تعالى عنى بذلك أولئك المنافقين , وهو كان الأظهر لولا قوله تعالى {فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله} فهذا يوضح غاية الإيضاح أنه ابتداء حكم في قوم آخرين غير أولئك المنافقين , لأن أولئك كانوا من سكان المدينة بلا شك , وليس على سكان المدينة هجرة , بل الهجرة كانت إلى دارهم. فإذا كان ذلك كذلك فحكم الآية كلها أنها في قوم كفار لم يؤمنوا بعد , وادعوا أنهم آمنوا ولم يهاجروا , وكان الحكم حينئذ : أن من آمن ولم يهاجر لم ينتفع بإيمانه , وكان كافرا كسائر الكفار ، ولا فرق , حتى يهاجر , إلا من أبيح له سكنى بلده , كمن بأرض الحبشة , والبحرين , وسائر من أبيح له سكنى أرضه , إلا المستضعفين , قال الله تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} . وقد قال تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فقد قطع الله تعالى الولاية بيننا وبينهم , فليسوا مؤمنين.
وقال تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله {إلا المستضعفين} الآية.
فإن قال قائل : معنى حتى يهاجروا في سبيل الله أي حتى يجاهدوا معكم , بخلاف فعلهم حين انصرفوا عن أحد وأرادوا أن يجعلوا الآية كلها في المنافقين المنصرفين عن أحد قيل له وبالله تعالى التوفيق : هذا ممكن , ولكن قد قال تعالى {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} فأخبرونا هل فعل ذلك النبي عليه السلام فقتل الراجعين عن أحد حيث وجدهم وهل أخذهم أم لا
فإن قالوا : قد فعل ذلك , كذبوا كذبا لا يخفى على أحد , وما عند مسلم شك في أنه عليه السلام لم يقتل منهم أحدا ، ولا نبذ العهد إلى أحد منهم.
وإن قالوا : لم يفعل ذلك عليه السلام ، ولا المؤمنون قيل لهم : صدقتم , ولا يحل لمسلم أن يظن أن النبي عليه السلام خالف أمر ربه , فأمره تعالى إن تولوا بقتلهم , حيث وجدهم , فلم يفعل , وهذا كفر ممن ظنه بلا شك.
فإن قالوا : لم يتولوا بل تابوا ورجعوا وجاهدوا قيل لهم : فقد سقط حكم النفاق عنهم بلا شك وحصل لهم حكم الإعلام بظاهر الآية بلا شك فقد بطل تعلقهم بهذه الآية جملة في أنه عليه السلام كان يعرف المنافقين. ولكن في قوله تعالى {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم} إلى قوله تعالى : {فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} بيان جلي بأن هؤلاء لم يكونوا قط من الأوس ، ولا من الخزرج , لأنهم لم يكن لهم قوم محاربون للنبي عليه
السلام ، ولا نسبوا قط إلى قوم معاهدين النبي عليه السلام بميثاق معقود , هذا مع قوله تعالى {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} إلى قوله تعالى {سبيلا} فإن هذا بيان جلي على أنهم من غير الأنصار , ومن غير المنافقين , لكن من الكفار المجاهرين بالكفر. إلا أن يقول قائل : إن قوله تعالى {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} استثناء منقطع مما قبله في قول آخرين وعلى كل حال فقد سقط حكم النفاق على أولئك إن كان هكذا.
فإن قيل : فإن كان الأمر كما قلتم أن في قوله تعالى {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} أنه في قوم من الكفار غير أولئك , فحسبنا أنه تعالى قد سمى أولئك الراجعين " منافقين " فصاروا معروفين قيل له وبالله تعالى التوفيق : وقد
قلنا إن النفاق قسمان : قسم لمن يظهر الكفر ويبطن الإيمان , وقسم لمن يظهر غير ما يضمر فيما سوى الدين ، ولا يكون بذلك كافرا , وقد قيل لأبن عمر : إنا ندخل على الإمام فيقضي بالقضاء فنراه جورا فنمسك فقال : إنا معشر أصحاب رسول الله ﷺ نعد هذا نفاقا , فلا ندري ما تعدونه أنتم
وقد ذكرنا قبل قول رسول الله ﷺ : ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا وإن صلى وإن صام وقال إني مسلم. فإذا كان الأمر كذلك , فلا يجوز أن نقطع عليهم بالكفر الذي هو ضد الإسلام إلا بنص , ولكنا نقطع عليهم بما قطع الله تعالى به من اسم النفاق , والضلالة , والإركاس , وخلاف الهدى ، ولا نزيد ، ولا نتعدى ما نص الله تعالى عليه بآرائنا وبالله تعالى التوفيق.
وقال الله تعالى {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما} إلى قوله : {أجرا عظيما} .
قال أبو محمد : أما هؤلاء فمنافقون النفاق الذي هو الكفر , فلا شك لنصه تعالى على أنهم مذبذبون , لا إلى المؤمنين , ولا إلى المجاهرين بالكفر في نار جهنم , وأنهم أشد عذابا من الكفار , بكونهم في الدرك الأسفل من النار. ولكن ليس في شيء من هذه الآيات كلها أنه عليه السلام عرفهم , بأعيانهم , وعرف نفاقهم , إذ لا دليل على ذلك , فلا حجة فيها لمن ادعى أنه عليه السلام عرفهم , وعرف نفاقهم. ثم لو كان ذلك لكان قوله تعالى {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} إلى قوله تعالى {أجرا عظيما} موجبا لقبول توبتهم إذا تابوا وهم قد أظهروا التوبة , والندم , والإقرار بالإيمان بلا شك , فبطل عنهم بهذا حكم النفاق جملة في الدنيا , وبقي باطن أمرهم إلى الله تعالى. وهذه الآية تقضي على كل آية فيها نص بأنه عليه السلام عرف منافقا بعينه , وعرف نفاقه , قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم} إلى قوله تعالى {فأصبحوا خاسرين} .
قال أبو محمد رحمه الله : فأخبر الله تعالى عن قوم يسارعون في الذين كفروا حذرا أن تصيبهم دائرة , وأخبر تعالى عن الذين آمنوا أنهم يقولون للكافرين {أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} يعنون الذين يسارعون فيهم , قال الله تعالى {حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين} فهذا لا يكون إلا خبرا عن قوم أظهروا الميل إلى الكفار فكانوا منهم كفارا خائبي الأعمال ، ولا يكونون في الأغلب إلا معروفين , لكن قوله تعالى فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين دليل على ندامتهم على ما سلف منهم , وأن التوبة لهم معروضة على ما في الآية التي ذكرنا قبل هذه وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} إلى قوله تعالى {لا تعلمهم نحن نعلمهم}
قال أبو محمد : فهذه في المنافقين بلا شك , وقد نص الله تعالى على أن المسلمين لا يعلمونهم ورسول الله ﷺ مخاطب بهذا الخطاب مع المسلمين بلا شك فهو لا يعلمهم , والله تعالى يعلمهم ,
وقال تعالى {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك} إلى قوله تعالى {كارهون}
قال أبو محمد رحمه الله : ليس في أول الآية إلا أنهم يحلفون كاذبين وهم يعلمون كذبهم في ذلك , وأنهم يهلكون أنفسهم بذلك , وهذه صفة كل عاص في معصيته. وفي الآية أيضا : معاتبة الله تعالى نبيه عليه السلام على إذنه لهم.
وأما قوله تعالى {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر} إلى قوله تعالى {يترددون} فإن وجه هذه الآية التي يجب أن لا تصرف عنه إلى غيره بغير نص , ولا إجماع : أنه في المستأنف ; لأن لفظها لفظ الأستقبال.
ولا خلاف في هذه الآية أنها نزلت بعد تبوك , ولم يكن لرسول الله ﷺ بعد تبوك غزوة أصلا , ولكنا نقطع على أنها لو كانت هناك غزوة بعد تبوك وبعد نزول الآية فاستأذن قوم منهم النبي ﷺ في القعود دون عذر لهم في ذلك لكانوا بلا شك مرتابة قلوبهم كفارا بالله تعالى وباليوم الآخر مترددين في الريب فبطل تعلقهم بهذه الآية. ثم قوله تعالى {ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة} إلى قوله تعالى {كارهون} فهذه أخبار عما خلا لهم وعن سيئات اقترفوها , وليس فيها شيء يوجب لهم الكفر , حتى لو كانوا معروفين بأعيانهم وبالله تعالى التوفيق.
وقوله تعالى {ومنهم من يقول ائذن لي} إلى قوله تعالى {وهم فرحون} .
قال أبو محمد رحمه الله : قد قيل : إن هذه الآية نزلت في الحر بن قيس وهذا لا ينسند ألبتة , وإنما هو منقطع من أخبار المغازي , ولكن على كل حال يقال : هذا كان معروفا بلا شك. وليس في الآية أنه كفر بذلك , ولكنه عصى و (.. ) وأذنب , وبلى إن جهنم لمحيطة بالكافرين ، ولا يجوز أن يقطع بهذا النص على أن ذلك القائل كان من الكافرين.
وأما الذي أخبر الله تعالى بأنه إن أصابت رسوله عليه السلام سيئة ومصيبة تولوا وهم فرحون , أو أنه إن أصابته حسنة ساءتهم , فهؤلاء كفار بلا شك , وليس في الآية نص على أن القائل : ائذن لي ، ولا تفتني , كان منهم , ولا فيها نص على أنه عليه السلام عرفهم وعرف نفاقهم فبطل تعلقهم بهذه الآية.
وقال تعالى {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم} إلى قوله {يفرقون}
قال أبو محمد : أما هؤلاء فكفار بلا شك , مظهرون للإسلام , ولكن ليس في الآية أنه عليه السلام عرفهم بأعيانهم , ولا دليل فيها على ذلك أصلا , وإنما هي صفة وصفها الله تعالى فيهم ليميزوها من أنفسهم. وليس في قوله تعالى {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} دليل على أنه كان يعرفهم بأعيانهم , وأنه كان يعرف نفاقهم , بل قد كان للفضلاء من الأنصار ، رضي الله عنهم ، الأموال الواسعة , والأولاد النجباء الكثير : كسعد بن عبادة , وأبي طلحة , وغيرهما فهذه صفة عامة يدخل فيها الفاضل الصادق , والمنافق , فأمر تعالى في الآية أن لا تعجبه أموالهم , ولا أولادهم , عموما , لأن الله تعالى يريد أن يعذب المنافقين منهم بتلك الأموال ويموتوا كفارا ، ولا بد وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات} إلى قوله تعالى {راغبون}
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا لا يدل ألبتة لا بنص , ولا بدليل على كفر من فعل هذا , ولكنها معصية بلا شك.
وقال تعالى {ومنهم الذين يؤذون النبي} إلى قوله تعالى {ذلك الخزي العظيم} . قال : وهذه الآية ليس فيها دليل على كفر من قال حينئذ : إن رسول الله ﷺ أذن , وإنما يكون كافرا من قال ذلك , وآذى رسول الله ﷺ بعد نزول النهي عن ذلك , ونزول القرآن بأن من فعل ذلك فهو كافر , وأن من حاد الله تعالى ورسوله ﷺ فله جهنم خالدا فيها. فقد جاء أن عمر قال لرسول الله ﷺ والله يا رسول الله إنك لاحب إلي من كل أحد إلا نفسي , فقال له رسول الله ﷺ كلاما معناه أنه لا يؤمن حتى يكون أحب إليه من نفسه , فقال له عمر : أما الآن فأنت أحب إلي من نفسي.
قال أبو محمد : لا يصح أن أحدا عاد إلى أذى رسول الله ﷺ ومحادته بعد معرفته بالنازل في ذلك من عند الله تعالى إلا كان كافرا.
ولا خلاف في أن امرأ لو أسلم ولم يعلم شرائع الإسلام فاعتقد أن الخمر حلال , وأن ليس على الإنسان صلاة , وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافرا بلا خلاف يعتد به , حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر. ويبين هذا قوله تعالى في الآية المذكورة {يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} فقد أخبرهم تعالى أنهم إن كانوا مؤمنين فإرضاء الله ورسوله أحق عليهم من إرضاء المسلمين فصح هذا بيقين وبالله تعالى نستعين.
وقال تعالى {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون} قال : وهذه الآية أيضا لا نص فيها على قوم بأعيانهم فلا متعلق فيها لأحد في هذا المعنى.
وقال تعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} إلى قوله تعالى {كانوا مجرمين} .
قال أبو محمد : هذه بلا شك في قوم معروفين كفروا بعد إيمانهم ولكن التوبة مبسوطة لهم بقوله تعالى {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} فصح أنهم أظهروا التوبة والندامة واعترفوا بذنبهم , فمنهم من قبل الله تعالى توبته في الباطن عنده لعلمه تعالى بصحتها , ومنهم من لم تصح توبته في الباطن فهم المعذبون في الآخرة ,
وأما في الظاهر فقد تاب جميعهم بنص الآية وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {المنافقون والمنافقات} إلى قوله تعالى {عذاب مقيم} . قال : فهذه صفة عامة لم يقصد بها إلى التعريف لقوم بأعيانهم , وهذه حق واجب على كل منافق ومنافقة وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} إلى قوله تعالى {ولا نصير} . قال : فهذه آية أمر الله تعالى رسوله ﷺ بمجاهدة الكفار والمنافقين , والجهاد قد يكون باللسان , والموعظة , والحجة : كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، هو ابن سلمة عن حميد عن أنس أن رسول الله ﷺ قال : جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
قال أبو محمد : وهذه الآية تدل على أن هؤلاء كانوا معروفين بأعيانهم وأنهم قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم , ولكن لما قال الله تعالى {فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما} صح أن الله تعالى بذل لهم التوبة وقبلها ممن أحاطها منهم وكلهم بلا شك أظهر التوبة.
وبرهان ذلك : حلفهم وإنكارهم فلا متعلق لهم في هذه الآية وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى قوله تعالى {يكذبون} . قال : وهذه أيضا صفة أوردها الله تعالى يعرفها كل من فعل ذلك من نفسه , وليس فيها نص ، ولا دليل , على أن صاحبها معروف بعينه , على أنه قد
روينا أثرا لا يصح , وفيه أنها نزلت في ثعلبة بن حاطب وهذا باطل , لأن ثعلبة بدري معروف , وهذا أثر : حدثنا حمام ، حدثنا يحيى بن مالك بن عائذ ، حدثنا الحسن بن أبي غسان ، حدثنا زكريا بن يحيى الباجي ني سهل السكري ، حدثنا أحمد بن الحسن الخراز ، حدثنا مسكين بن بكير ، حدثنا معان بن رفاعة السلامي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال : جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال : لم يقبلها النبي ﷺ ولا أبو بكر , ولا أقبلها
قال أبو محمد : وهذا باطل بلا شك , لأن الله تعالى أمر بقبض زكوات أموال المسلمين , وأمر عليه السلام عند موته أن لا يبقى في جزيرة العرب دينان , فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر , وعمر قبض زكاته ، ولا بد , ولا فسحة في ذلك وإن كان كافرا ففرض أن لا يقر في جزيرة العرب فسقط هذا الأثر بلا شك , وفي رواته : معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن , وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء , ومسكين بن بكير ليس بالقوي.
وقال تعالى {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} إلى قوله تعالى {فاسقون} .
وقال تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} إلى قوله تعالى {وماتوا وهم فاسقون} .
قال أبو محمد : قدمنا هذه الآية وهي مؤخرة عن هذا المكان ; لأنها متصلة المعاني بالتي ذكرنا قبلها , لأنهما جميعا في أمر عبد الله بن أبي ثم نذكر القول فيهما جميعا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد : هذه الآيات فيها : أنهم يلمزون المطوعين من المؤمنين , ويسخرون منهم وهذا ليس كفرا بلا خلاف من أحد من أهل السنة.