الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثانية والستون

كتاب الحدود

2204 - مسألة : حد الزنى

قال أبو محمد رحمه الله : قال الله تعالى {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة}

وقال تعالى {ولا يزنون} الآية. فحرم تعالى الزنى وجعله من الكبائر , توعد فيه بالنار.

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا الفضل بن غزوان عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن , ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن , ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن. قال عكرمة قلت لأبن عباس كيف ينتزع الإيمان منه قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإن تاب عاد إليه هكذا , وشبك بين أصابعه.

ومن طريق البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا شعبة عن الأعمش عن ذكوان هو أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن , ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن والتوبة معروضة. أنا عبد الله بن ربيع التميمي ، حدثنا محمد بن معاوية المرواني ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن راهويه أنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : ثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف , وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , كلهم حدثوني عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن , ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن , ولا ينتهب نهبة ذات شرف فيرفع المسلمون إليها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.

قال أبو محمد رحمه الله : الإيمان هو جميع الطاعة , فأي طاعة أطاع العبد بها ربه فهي إيمان وهو بفعله إياها مؤمن , وأي معصية عصى بها العبد ربه فليست إيمانا , فهو بفعله إياها غير مؤمن , والإيمان والطاعة شيء واحد , فمعنى ليس مؤمنا : ليس مطيعا لله تعالى , ولو كان نفي الإيمان هاهنا إيجابا للكفر لوجب قتل السارق ومن ذكر معه على الردة هذا لا يقوله أحد , ولا فعله رسول الله ﷺ .

حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا في إحدى ثلاث : رجل كفر بعد إيمانه , أو زنى بعد إحصانه , أو نفس بنفس. وقد روي عن عثمان رضي الله عنه ، أنه قال وهو محصور في الدار : بم تقتلوني وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إيمان , أو زنى بعد إحصان , أو قتل نفسا فقتل بها.

قال أبو محمد رحمه الله : وعظم الله تعالى بعض الزنى على بعض , وكله عظيم , ولكن المعاصي بعضها أكبر من بعض , فعظم الله الزنى بحليلة الجار , وبامرأة المجاهد , وزنى الشيخ.

وروينا من طريق مسلم ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال : سألت رسول الله ﷺ أي الذنب أعظم عند الله تعالى قال : أن تدعو لله ندا وهو خلقك , قلت : ثم أي قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك , قلت : ثم أي قال : أن تزاني بحليلة جارك. وبه إلى مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ : حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم , وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء , فما ظنكم .

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن منصور قال سمعت ربعي بن حراش يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه إلى زر عن النبي ﷺ قال : ثلاثة يحبهم الله , وثلاثة يبغضهم : الثلاثة الذين يبغضهم الله : الشيخ الزاني , والفقير المختال , والغني الظلوم.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : ثلاثة لا ينظر الله إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان , وملك كذاب , وعامل مستكبر. قال أحمد بن شعيب وأنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام ، حدثنا محمد بن ربيعة ، حدثنا الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ فذكره , وقال فيه : الشيخ الزاني , والإمام الكذاب , والعامل المختال.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا أبو داود الحزامي ، حدثنا عارم هو محمد بن الفضل ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : أربعة يبغضهم الله : البياع الحلاف , والفقير المختال , والشيخ الزاني , والإمام الجائر.


2205 - مسألة : ما الزنى

قال علي : قال الله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم} إلى قوله {فأولئك هم العادون} وصح أن رسول الله ﷺ قال : الولد للفراش , وللعاهر الحجر

وقد ذكرناه بإسناده فيما تقدم. فصح أنه ليس الوطء إلا مباحا لا يلام فاعله , أو عهرا في غير الفراش وهاهنا وطآن آخران : أحدهما من وطئ فراشا مباحا في حال محرمة , كواطئ الحائض , والمحرمة , والمحرم , والصائم فرضا , والصائمة كذلك , والمعتكف , والمعتكفة , والمشركة فهذا عاص وليس زانيا بإجماع الأمة كلها , إلا أنه وطئ فراشا حرم بوجه ما , فإذا ارتفع ذلك الوجه حل له وطؤها.

والثاني من جهل , فلا ذنب له , وليس زانيا فبعد هذين الوطأين فليس إلا من وطئ امرأته المباحة بعقد نكاح صحيح , أو بملك يمين صحيح يحل فيه الوطء , أو عاهر وهو من وطئ من لا يحل النظر إلى مجردها , وهو عالم بالتحريم : فهذا هو العاهر الزاني وبالله تعالى التوفيق.


2206 - مسألة : حد الزنى :

قال علي رحمه الله : قال الله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} الآية إلى قوله تعالى : {فأعرضوا عنهما}

قال أبو محمد رحمه الله : فصح النص والإجماع على أن هذين الحكمين منسوخان بلا شك , ثم اختلف الناس : فقالت طائفة : إن قوله تعالى {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} ناسخ لقوله {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى قوله تعالى {أو يجعل الله لهن سبيلا} وحمل من قال هذا قوله عز وجل {واللذان يأتيانها منكم} على أن المراد به الزاني والزانية. وقال آخرون : ليس أحد الحكمين ناسخا للآخر , لكن قوله تعالى {فأمسكوهن في البيوت} هذا كان حكم الزواني من النساء ثيباتهن وأبكارهن

وقوله تعالى {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} هذا حكم الزانين من الرجال خاصة الثيب منهم والبكر

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا قول ابن عباس وغيره : كما ، حدثنا أبو سعيد الجعفري ، حدثنا محمد بن علي الإدفوي المقري ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، أنه قال في قول الله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} . فكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتى تموت. ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وإن كانا محصنين رجما , فهذا السبيل الذي جعل الله لهما. قال ابن عباس :

وقوله تعالى {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال , فأنزل الله تعالى بعد هذا {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله ﷺ : حدثنا أبو سعيد الجعفري ، حدثنا محمد بن علي الأدفوي ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمد أنا سلمة ، هو ابن شيب ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} قال : نسختها الحدود وقال قتادة أيضا : في قوله تعالى {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} نسختها الحدود

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا هو القول الصحيح , لأن قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى قوله {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} إنما فيه حكم النساء فقط , وليس فيها حكم الرجال أصلا. ثم عطف الله تعالى عليها متصلا بها قوله تعالى {واللذان يأتيانها منكم فأذوهما} فكان هذا حكما زائدا للرجال مضافا إلى ما قبله من حكم النساء , ولا يجوز ألبتة أن يقال في شيء من القرآن : إنه منسوخ بكذا , ولا أنه ناسخ لكذا إلا بيقين , لأنه إخبار عن مراد الله تعالى , ولا يمكن أن يعلم مراد الله تعالى منا , إلا بنص قرآن أو سنة ثابتة عن رسول الله ﷺ , فإنها بوحي من الله تعالى , أو بإجماع متيقن من جميع الصحبة رضي الله تعالى عنهم قالوه عن توقيف من رسول الله ﷺ لهم ذلك , أو بضرورة , وهو أن يتيقن تأخير أحد النصين بعد الآخر , ولا يمكن استعمالهما جميعا : فندري حينئذ بيقين أن الله تعالى أبطل حكم الأول بالنص الآخر

وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ولا فرق. فمن أخبر عن مراد الله تعالى منا بشيء من دين الله تعالى بغير أحد هذه الوجوه فقد أخبر عن الله تعالى بما لا علم له , وهذا هو الكذب على الله تعالى بلا شك : أخبر عنه بما لم يخبر به تعالى عن نفسه. فصح يقينا : أن حكم النساء الزواني كان الحبس في البيوت حتى يمتن , أو يجعل الله لهن سبيلا بحكم آخر ، وأن حكم الرجال الزناة كان الأذى , هذا ما لا شك فيه عند أحد من الأمة , ثم نسخ هذا كله بالحدود بلا خلاف من أحد من الأمة , وليس معنا يقين بأن حبس الزواني من النساء نسخ بالأذى , ثم نسخ عنهن الأذى بالحد , هذا ما لم يأت به قرآن , ولا سنة ، ولا إجماع , ولا أوجبته ضرورة فلم يجز القول به وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : فلما صح بالنص والإجماع أن الحبس والأذى منسوخان عن الزواني والزناة باليقين الذي لا شك فيه بالحدود وجب أن ننظر في الناسخ ما هو فوجدنا الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني , والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة ثم اختلفوا : فقالت طائفة : ومع المائة جلدة نفي سنة.

وقالت طائفة : هذا على الرجل ,

وأما المرأة فلا نفي عليها.

وقالت طائفة : لا نفي في ذلك , لا على رجل ، ولا امرأة , ثم اتفقوا كلهم , حاش من لا يعتد به بلا خلاف , وليس هم عندنا من المسلمين , فقالوا : إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا ثم اختلفوا : فقالت طائفة : عليهما مع الرجم المذكور جلد مائة لكل واحد منهما.

وقالت طائفة : ليس عليهما إلا الرجم , ولا جلد عليهما. وقالت الأزارقة من الخوارج : ليس عليهما إلا الجلد فقط , ولا رجم على زان أصلا. ثم وجدنا الأمة قد اتفقت بلا خلاف من أحد منهم : على أن الأمة إذا أحصنت فعليها خمسون جلدة

قال أبو محمد رحمه الله : ولا ندري أحدا أوجب عليها مع ذلك الرجم , ولا يقطع على أن المنع من رجمها إجماع والله أعلم. ثم اختلفوا : فقالت طائفة : عليها نفي ستة أشهر مع الجلد.

وقالت طائفة : لا نفي عليها مع ذلك أصلا. ثم اختلفوا في الأمة إذا لم تحصن وزنت : فقالت طائفة : عليها خمسون جلدة ونفي ستة أشهر.

وقالت طائفة : ليس عليها إلا خمسون جلدة فقط ، ولا نفي عليها.

وقالت طائفة : لا شيء عليها , لا جلد ، ولا نفي أصلا. ثم اختلفوا في حد العبد إذا زنى وهو محصن أو غير محصن : فقالت طائفة : حده كحد الأمة على حسب اختلافهم في النفي مع الجلد , أو إسقاط النفي.

وقالت طائفة : حده كحد الحر الرجم أو النفي. واختلفوا في حد من بعضه حر وبعضه عبد إذا زنى من العبيد والإماء : فقالت طائفة : حده حد العبد التام الرق , أو الرجم والنفي , والأمة التامة الرق.

وقالت طائفة : عليه من الجلد والنفي بحساب ما فيه من الحرية وبحساب ما فيه من الرق

قال أبو محمد رحمه الله : ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون جميع هذه المسائل مسألة مسألة ومتقصون ما احتجت به كل طائفة لقولها , ومبينون بعون الله تعالى صواب القول في ذلك بالبراهين من القرآن , والسنة , كما فعلنا في سائر كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين وبه تعالى نستعين , ونعتصم.


2207 - مسألة : حد الحر والحرة غير المحصنين

قال أبو محمد رحمه الله : قال الله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}

قال أبو محمد رحمه الله : فجاء النص كما ترى , ولم يختلف أحد من أهل القبلة في أن الجلد حكم الزاني الحر غير المحصن , والزانية الحرة غير المحصنة , وإنما اختلف الناس في هل عليهما نفي كما ذكرنا أم لا وهذا باب قد تقصيناه في أبواب مجموعة صدرنا بها قبل كلامنا في المرتدين ذكرنا فيها كل حكم يختص به حدان من الحدود فصاعدا وتقصينا هنالك الآثار بأسانيدها , ونذكر هاهنا إن شاء الله تعالى جملة مختصرة من ذلك. وبالله تعالى التوفيق. فنقول : إنه قد صح أن رسول الله ﷺ قال : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. وصح عنه عليه السلام من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد : أنه سمع رسول الله ﷺ يأمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام. وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة , أن رسول الله ﷺ قضى فيمن زنى ولم يحصن بأن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه. وصح أنه عليه السلام قال للذي زنى ابنه بامرأة مستأجرة : على ابنك جلد مائة وتغريب عام , وعلى امرأة هذا الرجم. وصح أن عمر بن الخطاب جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عاما ".

وروي أيضا مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة ، رضي الله عنهم ، ولم يرو عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خلاف ذلك إلا رواية عن علي : ليس على أم الولد نفي وإنما قال في البكرين يزنيان : حسبهما من الفتنة أن ينفيا. وعن ابن عباس : من زنى جلد وأرسل

قال أبو محمد رحمه الله : فليس قول ابن عباس " من زنى جلد وأرسل " دليلا على أنه لا يوجب النفي عنده , بل قد يكون قوله " وأرسل " يريد به أن يرسل إلى بلد آخر.

وكذلك قول علي " حسبهما من الفتنة أن ينفيا " يخرج على إيجاب النفي , وأن ذلك حسبهما من البلاء

قال الله تعالى {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} إلى قوله تعالى {وليعلمن الكاذبين} والرواية عنه في أن أم الولد لا تنفى إذا زنت لا تصح على ما ذكرنا قبل

قال أبو محمد رحمه الله : وكلا القولين دعوى بلا برهان.

ومن عجائب الدنيا أن يجعلوا الأربعين التي زادها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حد الخمر على سبيل التعزير حدا واجبا مفترضا , وهو رضي الله عنه يجلد مرة أربعين , ومرة ستين , ومرة ثمانين.

وكذلك عثمان بعده , وعلي , وغيرهما من الصحابة ، رضي الله عنهم ، ثم يأتون إلى حد افترضه الله تعالى على لسان رسوله ﷺ فيجعلونه تعزيرا , كل ذلك جرأة على الدعوى بلا برهان , وادعوا أن رسول الله ﷺ قال : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولم يقل " فلينفها " دليلا على نسخ التغريب

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا من الباطل المحض , لأن هذا خبر مجمل أحال فيه رسول الله ﷺ على غيره , فلم يذكر نفيا , ولا عدد الجلد , فإن كان دليلا على إسقاط التغريب فهو أيضا دليل على إسقاط عدد ما يجلد , وإن لم يكن دليلا على إسقاط عدد ما يجلد , لأنه لم يذكر فيه , فليس أيضا دليلا على نسخ النفي وإن لم يذكر فيه , والأخبار يضم بعضها إلى بعض , وأحكام الله تعالى وأحكام رسوله عليه السلام كلها حق ، ولا يحل ترك بعضها لبعض , بل الواجب ضم بعضها إلى بعض واستعمال جميعها

قال أبو محمد رحمه الله : وأما إسقاط مالك النفي عن العبيد , والإماء , والنساء , وإثباته إياه على الحر , فتفريق لا دليل على صحته , لأن قضاء رسول الله ﷺ وأمره قد ورد عموما بالنفي على كل من زنى ولم يحصن , ولم يخص الله تعالى ، ولا رسوله ﷺ امرأة من رجل , ولا عبدا من حر وما كان ربك نسيا. وقد قال الله تعالى في الإماء {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} .

فصح أن عليهن من النفي نصف ما ينفي المحصن ,

وكذلك أمر رسول الله ﷺ بأن يقام الحد على المكاتب بنسبة ما أدى من حد الحر , وبنسبة ما لم يؤد من حد العبد. فبطل كل ما خالف حكم الله تعالى وحكم رسوله ﷺ وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الحدود
كتاب الحدود (مسألة 2167 - 2169) | كتاب الحدود (مسألة 2170 - 2171) | كتاب الحدود (مسألة 2172 - 2173) | كتاب الحدود (مسألة 2174 - 2175) | كتاب الحدود (مسألة 2176 - 2178) | كتاب الحدود (مسألة 2179 - 2180) | كتاب الحدود (مسألة 2181 - 2182) | كتاب الحدود (مسألة 2183 - 2186) | كتاب الحدود (مسألة 2187 - 2188) | كتاب الحدود (مسألة 2189 - 2192) | كتاب الحدود (مسألة 2193 - 2194) | كتاب الحدود (مسألة 2195 - 2196) | كتاب الحدود (مسألة 2197 - 2198) | كتاب الحدود (مسألة 2199) | كتاب الحدود (مسألة 2200 - 2202) | كتاب الحدود (مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 1 مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 2 مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 3 مسألة 2203) | كتاب الحدود (مسألة 2204 - 2207) | كتاب الحدود (مسألة 2208 - 2209) | كتاب الحدود (مسألة 2210 - 2212) | كتاب الحدود (مسألة 2213 - 2216) | كتاب الحدود (مسألة 2217 - 2220) | كتاب الحدود (مسألة 2221 - 2223) | كتاب الحدود (مسألة 2224 - 2228) | كتاب الحدود (مسألة 2229 - 2231) | كتاب الحدود (مسألة 2232 - 2235) | كتاب الحدود (مسألة 2236 - 2238) | كتاب الحدود (مسألة 2239 - 2243) | كتاب الحدود (مسألة 2244 - 2246) | كتاب الحدود (مسألة 2247 - 2255)