الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثالثة والسبعون

كتاب الحدود

2244 - مسألة : فيمن قال لأمرأته : يا زانية فقالت : زنيت معك , أو قال ذلك لرجل , فقال : أنت أزنى مني

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة قال فيمن قال لأمته : يا زانية , فقالت : زنيت بك , قال : تجلد تسعين. وبه إلى حماد بن سلمة عن أبي حرة عن الحسن في امرأة حرة قالت لأخر : زنيت بك , قال : تجلد حدين

قال أبو محمد : إذا قال الرجل للمرأة , أو قالت المرأة للرجل : زنيت بك , فهذا اعتراف مجرد بالزنا وليس قذفا ; لأنه من قال هذا اللفظ فإنما أخبر عن نفسه , أنه زنى ولم يخبر عن المقول له بزنا أصلا , وقد يزني الرجل بالمرأة وهي سكرى , أو مجنونة , أو مغلوبة , أو وهي جاهلة وهو عالم , وتزني المرأة بالرجل كذلك. وكمن ابتاع أمة فإذا بها حرة , فهي زانية , وليس هو زانيا فقائل هذا القول إن قاله معترفا فعليه حد الزنا فقط , ولا شيء عليه غير ذلك , وإن قاله لها شاتما فليس قاذفا ، ولا معترفا , فلا حد عليه لا للزنى ، ولا للقذف ولكن يعزر للأذى فقط. فلو قال لها : زنينا معا , أو قالت له ذلك , فهذا إن كان قاله شاتما فهو قذف صحيح عليه حد القذف فقط , وإن قاله معترفا فعليه حد الزنا فقط.

وكذلك على المرأة إن قالت ذلك ، ولا فرق

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري , وربيعة , قالا جميعا فيمن قال لأخر : إني أراك زانيا , فقال له الآخر : أنت أزنى مني وهما عفيفان فإنهما يجلدان الحد معا زاد ربيعة : لا يكون رجل أزنى من رجل حتى يكون زانيا

وقال مالك : يضربان الحد جميعا.

قال أبو محمد رحمه الله : أما قول ربيعة " لا يكون رجل أزنى من رجل حتى يكون زانيا " فخطأ , والمستعمل في اللغة غير هذا : قال الله تعالى {آلله خير أما يشركون} ولا خير أصلا فيما يشركون.

وقال تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} وليس في القرار في النار خير أصلا , ولا فيها من حسن المقيل لا كثير ، ولا قليل نعوذ بالله منها.

وقال رسول الله ﷺ : كتاب الله أحق وشرط الله أوثق وليس في شرط لغير الله شيء من الثقة , ولا في غير كتاب الله تعالى في الدين شيء من الحق.

وأما السنة والإجماع فهما داخلان في كتاب الله تعالى ; لأن كل ذلك عدل الله تعالى ,

فنظرنا في هذا : فوجدنا من قال لأخر : أنت أزنى مني , ليس فيه اعتراف على نفسه بالزنا , وإنما هو قذف صحيح , فواجب جلده حد القذف وبالله تعالى التوفيق.


2245 - مسألة : فيمن ادعت أن فلانا استكرهها

قال علي : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري , وقتادة قالا جميعا : في امرأة قذفت رجلا بنفسها أنه غلبها على نفسها , والرجل ينكر ذلك , وليس لها بينة : فإنها تضرب حد الفرية.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة أنا قتادة أن رجلا استكره امرأة فصاحت فجاء مؤذن فشهد لها عند عمر بن عبد العزيز : أنه سمع صياحها , فلم يجلدها.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرني عميرة بن أبي ناجية عن يزيد بن أبي حبيبة عن عمر بن عبد العزيز : أنه أتته امرأة فقالت : إن فلانا استكرهني على نفسي فقال : هل سمعك أحد أو رآك قالت : لا , فجلدها بالرجل وهو عمرو بن مسلم , أو إسحاق بن مسلم مولى عمرو بن عثمان قال ابن وهب : سألت مالكا عن المرأة تقول : إن فلانا أكرهني على نفسي قال : إن كان ليس مما يشار إليه بذلك ; جلدت الحد , وإن كان مما يشار إليه بالفسق نظر في ذلك

قال أبو محمد رحمه الله : هاهنا يرون عليه السجن الطويل , والأدب , وغرم مهر مثلها وهذه أقوال تدور على وجوه : إما جلدها حد القذف إن لم يكن لها بينة

وهو قول الزهري , وقتادة.

وأما إسقاط الحد عنها بشهادة واحد : أنه سمع صياحها فقط وهو عن عمر بن عبد العزيز وإلا فتجلد.

وأما أن يدرأ عنها الحد بأن يرى معها خاليا , ويؤثر فيه أثرا , أو يسمع صياحها

وهو قول ربيعة وهو أيضا قول يحيى بن سعيد الأنصاري , وزاد : أن يعاقب الرجل المدعى عليه إن كان ذلك أشد العقوبة إن ظهر بشيء مما ذكرنا , وإلا فالحد على المرأة حد القذف.

وأما أن ينظر , فإن كان المدعى عليه من أهل العافية جلد حد القذف وإن كان ممن يشار إليه بالفسق فلا شيء عليها , ويسجن هو ويطال سجنه , ويغرم مهر مثلها

وهو قول مالك

قال أبو محمد رحمه الله : أما قول مالك فظاهر الخطأ ; لأنه فرق في الأدعاء بين المشار إليه بالخير , والمشار إليه بالفسق , ولم يوجب الفرق بين شيء من ذلك قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , ولا قياس , ولا قول صاحب وقد أجمعت الأمة كلها على أن رجلا يدعي دينا على آخر , والمدعى عليه منكر : فإنه يحلف ولو أنه أحد الصحابة ، رضي الله عنهم ، وقد قضى باليمين علي وعمر , وعثمان ، وابن عمر , وغيرهم ، رضي الله عنهم ، ولا أحد أفضل منهم , ولا أبعد من التهمة , والدعوى بجحد المال , والظلم , والغصب كالدعوى بالغلبة في الزنا , ولا فرق ; لأن كل ذلك حرام , ومعصية. وقد قال رسول الله ﷺ : لو أعطي قوم بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على من ادعي عليه

وقال عليه السلام لصاحب من أصحابه اختصما بينتك أو يمينه وقد أجمعت الأمة , ومالك معهم على أن مسلما برا فاضلا عدلا ولو أنه أحد الصحابة ، رضي الله عنهم ، : ادعى مالا على يهودي , أو نصراني , ولا بينة له أن اليهودي , أو النصراني : يبرأ من ذلك بيمينه , وأن الكافر لو ادعى ذلك على المسلم لاحلف له , فكيف يقضي لها بدعواها , فيغرمه مهرها من أجل أنه فاسق , ولا فاسق أفسق من كافر , قال الله تعالى الكافرون هم الفاسقون فهذان وجهان من الخطأ وثالث وهو القضاء عليه بالسجن والعقوبة دون بينة وهذا ظلم ظاهر لا خفاء به. ورابع هو أنه لا يخلو من أن يكون يصدقها أو يكذبها , ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كان يصدقها فينبغي له أن يقيم عليها حد الزنا وإلا فقد تناقض وضيع حدا لله تعالى , وإن كان يكذبها فبأي معنى يسجنه ويغرمه مهر مثلها , فيؤكلها المال بالباطل , ويأخذ ماله بغير حق. وخامس وهو أنه إن تكلمت وكان المدعى عليه معروفا بالعافية : جلدها حد القذف , وإن مكثت , فظهر بها حمل : رجمها إن كانت محصنة وهذا ظلم ما سمع بأشنع منه , وحرج في الدين لم يجعله الله تعالى قط فيه , ولا يحفظ عن أحد فرق هذا التفريق قبل مالك وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد أوجب الحد على من رمى أحدا بالزنا , إلا أن يأتي ببينة. ثم نظرنا في التي تشتكي بإنسان : أنه غلبها على نفسها فوجدناها لا تخلو من أن تكون قاذفة , أو تكون غير قاذفة , فإن كانت قاذفة فالحد واجب عليها بلا شك , إذ لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد , كقاذف الفاضل , ولا فرق. والقذف هو ما قصد به العيب والذم وهذه ليست قاذفة إنما هي مشتكية مدعية , وإذ ليست قاذفة فلا حد للقذف عليها , ولكن تكلف البينة , فإن جاءت بها أقيم عليه حد الزنا , وإن لم تأت بها فلا شيء عليه أصلا , لا سجن , ولا أدب , ولا غرامة ; لأن ماله محرم , وبشرته محرمة , ومباح له المشي في الأرض , قال الله تعالى {فامشوا في مناكبها} .

فإن قال قائل : فإن لم تكن بينة فاقضوا عليه باليمين بهذا الخبر

قلنا : وبالله تعالى التوفيق إن دعواها انتظم حقا لها وحقا لله تعالى , ليس لها فيه دخول ، ولا خروج فحقها : التعدي عليها وظلمها , وحق الله تعالى : هو الزنا , فواجب أن يحلف لها في حقها , فيحلف بالله ما تعديت عليك في شيء , ولا ظلمتك وتبرأ ذمته. ولا يجوز أن يحلف بالله ما زنى ; لأنه لا خلاف في أن أحدا لا يحلف في حق ليس له فيه مدخل. ولا يختلف اثنان في أن من قال : إنك غصبتني وزيدا دينارا , فإنه إنما يحلف له في حقه من الدينار لا في حق زيد , وهكذا في كل شيء.

وأما الفرق بين الذم والشكوى , فإنهم لا يختلفون فيمن قال لأخر ابتداء أو في كلام بينهما يا ظالم , يا غاصب , أنه مسيء فمن قائل : عليه الأدب , ومن قائل : لأخر أن يقول له مثل ذلك. ولا يختلفون فيمن شكا بآخر فقال : ظلمني وأخذ مالي بغير حق , أنه لا شيء عليه وأنه ليس مسيئا بذلك فصح الفرق بين الشكوى وبين الأعتداء بالسب والقذف وبالله تعالى التوفيق.


2246 - مسألة : فيمن قذف وهو سكران

قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا في مواضع كثيرة حكم السكران وأنه غير مؤاخذ بشيء أصلا إلا حد الخمر فقط , إلا أننا نذكر عمدة حجتنا في ذلك باختصار إن شاء الله تعالى

قال أبو محمد رحمه الله : قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فشهد الله تعالى وهو أصدق شاهد : أن السكران لا يدري ما يقول , وإذ لم يدر ما يقول فلا شيء عليه , ولم يختلف أحد من الأمة في أن امرأ لو نطق بلفظ لا يدري معناه وكان معناه كفرا , أو قذفا , أو طلاقا فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك , فإذا كان السكران لا يدري ما يقول , فلا يجوز أن يؤاخذ بشيء مما يقول , قذفا كان أو غير قذف.

فإن قالوا : كان هذا قبل تحريم الخمر

قلنا : نعم , فكان ماذا والأمة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد منها على أن حكم هذه الآية باق لم ينسخ , وأنه لا يحل لسكران أن يقرب الصلاة حتى يدري ما يقول.

وكذلك لا يختلف اثنان من ولد آدم في أن حال السكران في أنه لا يدري ما يقول باق كما كان لم يحله الله تعالى عن صفته.

فإن قالوا : هو أدخل ذلك على نفسه

قلنا : نعم , وهذا لا فائدة لكم فيه لوجوه :

أولها أن هذا تعلل لا يوجب حكما ; لأنه لم يأت بهذا التعليل قرآن , ولا سنة ، ولا إجماع الثاني إنا نسألكم عمن أكره على شرب الخمر , ففتح فمه كرها بأكاليب وصب فيه الخمر حتى سكر , فإن هذا لا خلاف في أنه غير آثم , ولا في أنه لم يدخله على نفسه , فينبغي أن يكون حكمه عندكم بخلاف حكم من أدخله على نفسه , فلا تلزموا هذا المكره شيئا مما قال في ذلك السكر , وإلا فقد تناقضتم. والثالث إنا نسألكم عمن شرب البلاذر فجن , أو تزيد فقطع عصب ساقيه فأقعد , أيكون لذلك المجنون حكم المجانين في سقوط جميع الأحكام عنه , أو تكون الأحكام لازمة له من أجل أنه أدخل ذلك على نفسه وهل يكون للذي أبطل ساقيه عمدا أو أشرا ومعصية لله تعالى حكم المقعد في الصلاة وسقوط الحج وغير ذلك أم لا يسقط عنه شيء من ذلك من أجل إدخاله ذلك على نفسه فمن قولهم بلا خلاف إن لهما حكم سائر المجانين , وسائر القاعدين. فبطل تعلقهم بأن السكران أدخل ذلك على نفسه. وقد صح أن حمزة رضي الله عنه قال لرسول الله ﷺ ولعلي بن أبي طالب , وزيد بن خالد : هل أنتم إلا عبيد لأبائي وهو سكران فلم يعنفه على ذلك , ولو قالها صحيحا لكفر بذلك , وحاش له من ذلك.

فصح أن السكران إذا ذهب تمييزه فلا شيء عليه لا في القذف ، ولا في غيره ; لأنه مجنون لا عقل له.

فإن قالوا : قد جاء عن بعض الصحابة ، رضي الله عنهم ، إذا شرب سكر , وإذا سكر هذى , وإذا هذى افترى , وإذا افترى جلد ثمانين

قلنا : حاشى لله أن يقول صاحب هذا الكلام الفاسد هم والله , أجل , وأعقل , وأعلم , من أن يقولوا هذا السخف الباطل , ويكفي منه إجماعهم على أن من هذى فلا حد عليه , ولو كفر , أو قذف , فهم يحتجون بما هم أول مخالف له , وأحضر مبطل لحكمه ونعوذ بالله من مثل هذا. وسنتكلم إن شاء الله تعالى في إبطال هذا الخبر من طريق إسناده , ومن تخاذله وفساده في كلامنا في " حد الخمر " من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى

فإن قالوا : ومن يدري أنه سكران , ولعله تساكر قيل لهم : قولوا هذا بعينه في المجنون : ومن يدري أنه مجنون , ولعله متحامق , وأنتم لا تقولون هذا , بل تسقطون عنه الأحكام والحدود , فالحال التي تدرى في المجنون أنه مجنون , بمثلها يدرى في السكران أنه سكران ، ولا فرق وهي : إنه إذا بلغ من نفسه من التخليط في كلامه وأفعاله حيث يوقن أنه لا يبلغه من نفسه المميز الصاحي حياء من مثل تلك الحال فهذا بلا شك أحمق , وسكران , كما قال الله تعالى {حتى تعلموا ما تقولون} فمن خلط في كلامه فليس يعلم ما يقول وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الحدود
كتاب الحدود (مسألة 2167 - 2169) | كتاب الحدود (مسألة 2170 - 2171) | كتاب الحدود (مسألة 2172 - 2173) | كتاب الحدود (مسألة 2174 - 2175) | كتاب الحدود (مسألة 2176 - 2178) | كتاب الحدود (مسألة 2179 - 2180) | كتاب الحدود (مسألة 2181 - 2182) | كتاب الحدود (مسألة 2183 - 2186) | كتاب الحدود (مسألة 2187 - 2188) | كتاب الحدود (مسألة 2189 - 2192) | كتاب الحدود (مسألة 2193 - 2194) | كتاب الحدود (مسألة 2195 - 2196) | كتاب الحدود (مسألة 2197 - 2198) | كتاب الحدود (مسألة 2199) | كتاب الحدود (مسألة 2200 - 2202) | كتاب الحدود (مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 1 مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 2 مسألة 2203) | كتاب الحدود (تتمة 3 مسألة 2203) | كتاب الحدود (مسألة 2204 - 2207) | كتاب الحدود (مسألة 2208 - 2209) | كتاب الحدود (مسألة 2210 - 2212) | كتاب الحدود (مسألة 2213 - 2216) | كتاب الحدود (مسألة 2217 - 2220) | كتاب الحدود (مسألة 2221 - 2223) | كتاب الحدود (مسألة 2224 - 2228) | كتاب الحدود (مسألة 2229 - 2231) | كتاب الحدود (مسألة 2232 - 2235) | كتاب الحدود (مسألة 2236 - 2238) | كتاب الحدود (مسألة 2239 - 2243) | كتاب الحدود (مسألة 2244 - 2246) | كتاب الحدود (مسألة 2247 - 2255)