→ كتاب الحدود (مسألة 2203) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (تتمة 1 مسألة 2203) ابن حزم |
كتاب الحدود (تتمة 2 مسألة 2203) ← |
كتاب الحدود
وأما قوله تعالى {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} إلى قوله تعالى {الفاسقين} .
وقوله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} إلى قوله تعالى {فاسقون} . فإن هذا لا يدل على تماديهم على الكفر إلى أن ماتوا , ولكن يدل يقينا على أن فعلهم ذلك من سخريتهم بالذين آمنوا غير مغفور لهم , لأنهم كفروا فيما خلا , فكان ما سلف من كفرهم موجبا أن يغفر لهم لمزهم المطوعين من المؤمنين , وسخريتهم بالذين لا يجدون إلا جهدهم وإن تابوا من كفرهم وأنهم ماتوا على الفسق لا على الكفر , بل هذا معنى الآية بلا شك.
برهان ذلك : ما روينا من طريق مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا عبيد الله ، هو ابن عمر عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله ﷺ فسأله أن يعطيه قميصا يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ﷺ ليصلي عليه , فقام عمر وأخذ بثوب رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه فقال رسول الله ﷺ إنما خيرني الله تعالى فقال : {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} إلى قوله تعالى {سبعين مرة} وسأزيد على السبعين قال : إنه منافق فصلى عليه رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} قال مسلم : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى ، هو ابن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر بإسناده ومعناه , وزاد فترك الصلاة عليهم
قال أبو محمد : وحدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر قال : حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا ابن الورد ، حدثنا ابن عبد الرحيم الرقي عن عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفي عبد الله بن أبي دعي له رسول الله ﷺ للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف إليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله أتصلي على عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا يوم كذا , والقائل كذا في يوم كذا , أعدد أيامه حتى إذا أكثرت عليه قال يا عمر أخر عني إني قد خيرت فاخترت قد قيل لي استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت قال : ثم صلى عليه رسول الله ﷺ ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه , قال : فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله ﷺ والله ورسوله أعلم , فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان ، ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره إلى قوله تعالى {وهم فاسقون} فما صلى رسول الله ﷺ على منافق حتى قبضه الله تعالى.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، حدثنا حجير بن المثنى ، حدثنا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله ﷺ ليصلي عليه فلما قام رسول الله ﷺ وثبت , ثم قلت : يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقال يوم كذا : كذا وكذا , أعدد عليه , فتبسم رسول الله ﷺ وقال : أخر عني يا عمر , فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت فلو علمت أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها , فصلى عليه رسول الله ﷺ ثم انصرف , فما مكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة المذكورتان , قال عمر : فعجبت من جرأتي على رسول الله ﷺ والله أعلم.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري ، حدثنا أبو ذر الهروي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، حدثنا إبراهيم بن خريم ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال : لما حضر عبد الله بن أبي الموت , قال ابن عباس : فدخل عليه رسول الله ﷺ فجرى بينهما كلام فقال له عبد الله بن أبي : قد أفقه ما تقول ولكن من علي اليوم وكفني بقميصك هذا , وصل علي قال ابن عباس : فكفنه رسول الله ﷺ بقميصه وصلى عليه والله أعلم أي صلاة كانت , وأن رسول الله ﷺ لم يخدع إنسانا قط غير ، أنه قال يوم الحديبية : كلمة حسنة , قال الحكم : فسألت عكرمة ما هذه الكلمة قال : قالت قريش : يا أبا حباب إنا قد منعنا محمدا طواف هذا البيت , ولكنا نأذن لك فقال : لا , لي في رسول الله ﷺ أسوة حسنة ".
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وسمع جابرا يقول : أتى النبي ﷺ قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته فوقف فأمر به فأخرج من حفرته , فوضعه على ركبتيه , وألبسه قميصه , ونفث عليه من ريقه , والله أعلم
قال أبو محمد رحمه الله : فهذا كله يوجب صحة ما قلناه لوجوه : أحدها ظاهر الآية كما
قلنا من أنهم كفروا قبل , وماتوا على الفسق.
والثاني أن الله تعالى قد نهى النبي ﷺ والمؤمنين عن الأستغفار جملة للمشركين بقوله تعالى {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} إلى قوله تعالى {أصحاب الجحيم} فلو كان ابن أبي وغيره من المذكورين ممن تبين للنبي ﷺ أنهم كفار بلا شك لما استغفر لهم النبي ﷺ ولا صلى عليه. ولا يحل لمسلم أن يظن بالنبي ﷺ أنه خالف ربه في ذلك.
فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعلم قط أن عبد الله بن أبي والمذكورين كفار في الباطن
روينا من طريق مسلم ، حدثنا حرملة بن يحيى التجيبي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب بن حور عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل , وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله ﷺ يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل , وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب , فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه ويعيدان عليه تلك المقالة , حتى قال أبو طالب , آخر ما كلمهم به : على ملة عبد المطلب , فقال رسول الله ﷺ أما والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالى {ما كان للنبي والذين آمنوا} الآية
قال أبو محمد : فصح أن النهي عن الأستغفار للمشركين نزل بمكة بلا شك فصح يقينا أنه عليه السلام لم يوقن أن عبد الله بن أبي مشرك ولو أيقن أنه مشرك لما صلى عليه أصلا , ولا استغفر له ,
وكذلك تعديد عمر بن الخطاب مقالات عبد الله بن أبي ابن سلول : لا , ولو كان عنده كافرا لصرح بذلك , وقصد إليه , ولم يطول بغيره. والثالث شك ابن عباس , وجابر , وتعجب عمر من معارضة النبي ﷺ في صلاته على عبد الله بن أبي , وإقراره بأن رسول الله ﷺ أعرف منه. والرابع أن الله تعالى إنما نهى نبيه ﷺ عن الصلاة عليهم والأستغفار لهم فقط , ولم ينه سائر المسلمين عن ذلك , وهذا لا ننكره , فقد كان رسول الله ﷺ لا يصلي على من عليه دين لا يترك له وفاء ويأمر المسلمين بالصلاة عليهم. فصح يقينا بهذا أن معنى الآيات إنما هو أنهم كفروا بذلك من قولهم , وعلم بذلك النبي عليه السلام والمسلمون. ثم تابوا في ظاهر الأمر , فمنهم من علم الله تعالى أن باطنه كظاهره في التوبة , ومنهم من علم الله تعالى أن باطنه خلاف ظاهره , ولم يعلم ذلك النبي عليه السلام ، ولا أحد من المسلمين , وهذا في غاية البيان وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله} إلى قوله تعالى {وهم كافرون} . قال فقوله تعالى {فرح المخلفون} الآية ليس فيها نص على أنهم كفروا بذلك , ولكنهم أتوا كبيرة من الكبائر كانوا بها عصاة فاسقين. وقد ذكر الله تعالى هؤلاء بأعيانهم في سورة الفتح. وبين تعالى هذا الذي قلناه هنالك بزيادة على ما ذكرهم به هاهنا , فقال تعالى {سيقول لك المخلفون من الأعراب} إلى قوله تعالى {عذابا أليما} فنص الله تعالى على أن أولئك المخلفين الذين أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن لا يصلي على أحد منهم مات أبدا , وأنهم كفروا بالله وبرسوله , والذين أمر الله تعالى نبيه ﷺ أن لا تعجبه أموالهم ، ولا أولادهم , وأنه تعالى أراد أن تزهق أنفسهم وهم كافرون : أنهم مقبولة توبتهم إن تابوا في ظاهر أمرهم , وفي الحكم بأن باطنهم : أن من كان منهم صحيح التوبة مطيعا إذا دعي بعد موت رسول الله ﷺ إلى الجهاد فسيؤتيه أجرا عظيما , وأن من تولى عذبه الله تعالى عذابا أليما. فصح ما قلناه من أنهم كفروا فعرف رسول الله ﷺ أنهم كفروا ثم تابوا فقبل توبتهم , ولم يعرف عليه السلام بعد التوبة من منهم الصادق في سر أمره , ولا من منهم الكفر في باطن معتقده , وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره بشهادة النصوص , كما أوردنا آنفا وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله} إلى قوله تعالى {فهم لا يفقهون}
قال أبو محمد رحمه الله : فهذه نص الآيات التي ذكرنا أيضا وقد تكلمنا فيها ,
وقال تعالى {وجاء المعذرون من الأعراب} إلى قوله تعالى {عذاب أليم} . قال : وهذه الآية تبين ما قلناه نصا , لأنه تعالى أخبر أن بعضهم كفار , إلا أن كلهم عصاة ,
فأما المبطنون للكفر منهم فلم يعلمهم النبي عليه السلام ، ولا علمهم أحد منهم إلا الله تعالى فقط.
وقال تعالى {إنما السبيل على الذين يستأذنونك} إلى قوله {عن القوم الفاسقين}
قال أبو محمد رحمه الله : وهذه كالتي قبلها ,
وقد قلنا : إن فيهم من كفر , فأولئك الذين طبع الله على قلوبهم , ولكن الله تعالى أرجأ أمرهم بقوله تعالى {وسيرى الله عملكم ورسوله} . فصح ما قلناه واتفقت الآيات كلها والحمد لله رب العالمين.
وكذلك أخبر تعالى أن مأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون وجهنم تكون جزاء على الكفر وتكون جزاء على المعصية ,
وكذلك لا يرضى تعالى عن القوم الفاسقين , وإن لم يكونوا كافرين.
وقال تعالى {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} إلى قوله تعالى {إن الله غفور رحيم}
قال أبو محمد : وهذه الآيات كلها تبين نص ما قلناه من أن فيهم كفارا في الباطن
قال أبو محمد رحمه الله : لا يعلم سرهم إلا الله تعالى ,
وأما رسوله عليه السلام فلا.
وقال تعالى {وممن حولكم من الأعراب منافقون} إلى قوله تعالى {سميع عليم}
قال أبو محمد : هذه الآية مبينة نص ما قلناه بيانا لا يحل لأحد أن يخالفه من أن النبي عليه السلام لا يعلم المنافقين لا من الأعراب , ولا من أهل المدينة ولكن الله تعالى يعلمهم , وأن منهم من يتوب فيعفو الله تعالى عنه , وأن النبي ﷺ مأمور بأخذ زكوات جميعهم على ظاهر الإسلام.
وقال تعالى {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا} إلى قوله تعالى {إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}
قال أبو محمد رحمه الله : وهذه كالتي قبلها , وفيها , أن بنيانهم للمسجد قصدوا به الكفر , ثم أظهروا التوبة , فعلم الله تعالى صدق من صدق فيها , وكذب من كذب فيها. ونعم لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم وقد قدم الله تعالى أن من أذنب ذنبا فممكن أن لا يغفره له أبدا حتى يعاقبه عليه , وهذا مقتضى هذه الآية.
وقال تعالى {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول} إلى قوله تعالى {لا يفقهون}
قال أبو محمد رحمه الله : فهذه لا دليل فيها أصلا على أن القائلين بذلك معروفون بأعيانهم لكنها صفة وصفها الله تعالى يعرفونها من أنفسهم إذا سمعوها فقط.
وقال تعالى {ويقولون آمنا بالله وبالرسول} إلى قوله تعالى {هم الفائزون}
قال أبو محمد : ليس في هذه الآية بيان أنهم معروفون بأعيانهم وإنما هي صفة من سمعها عرفها من نفسه , وهي تخرج على وجهين : أحدهما أن يكون من فعل ذلك كافرا وهو أن يعتقد النفار عن حكم رسول الله ﷺ ويدين بأن لا يرضى به فهذا كفر مجرد. والوجه الثاني ينقسم قسمين :
أحدهما أن يكون فاعل ذلك متبعا لهواه في الظلم ومحاباة نفسه عارفا بقبح فعله في ذلك ومعتقدا أن الحق في خلاف فعله فهذا فاسق , وليس كافرا.
والثاني أن يفعل ذلك مقلدا لأنسان في أنه قد شغفه تعظيمه إياه وحبه موهما نفسه أنه على حق , وهذه الوجوه كلها موجودة في الناس فأهل هذين القسمين الآخرين مخطئون عصاة وليسوا كفارا ويكون معنى قوله تعالى {وما أولئك بالمؤمنين} أي وما أولئك بالمطيعين , لأن كل طاعة لله تعالى فهو إيمان , وكل إيمان طاعة لله تعالى , فمن لم يكن مطيعا لله تعالى في شيء ما فهو غير مؤمن في ذلك الشيء بعينه وإن كان مؤمنا في غير ذلك مما هو فيه مطيع لله تعالى.
وقال تعالى {يا أيها النبي اتق الله} إلى قوله تعالى {عليما حكيما}
قال أبو محمد رحمه الله : هذه الآية يقتضي ظاهرها أن أهواء الكافرين والمنافقين معروفة , وهو أن يكفر جميع المؤمنين. قال تعالى {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} فإذ أهواؤهم معروفة ففرض على النبي ﷺ وعلى كل مسلم أن لا يطيعهم في ذلك مما قد عرف أنه مرادهم , وإن لم يشيروا عليه في ذلك برأي. ولا يجوز أن يظن ظان أن الكفار والمنافقين أتوا رسول الله ﷺ مشيرين عليه برأي راجين أن يتبعهم فيه , فإذ الأمر كذلك فليس في الآية بيان أن المنافقين كانوا معروفين بأعيانهم عند رسول الله ﷺ يدري أنهم منافقون , ولكنهم معروفة صفاتهم جملة , ومن صفاتهم بلا شك إرادتهم أن يكون كل الناس كفارا.
وقال تعالى {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} الآية
قال أبو محمد رحمه الله : هذا أيضا ليس فيه بيان بأنهم قوم معروفون بأعيانهم وإنما هو خبر عن قائلين قالوا ذلك.
وقال تعالى {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا}
قال أبو محمد : وهذا أيضا ممكن أن يقوله يهود , وممكن أن يقوله أيضا قوم مسلمون خورا وجبنا , وإذ كل ذلك ممكن فلا يجوز القطع من أجل هذه الآية على أن رسول الله ﷺ كان يعرف أنهم منافقون.
وأما قول الله تعالى {ويستأذن فريق منهم النبي} إلى قوله تعالى {وكان عهد الله مسئولا} فإن هذا قد روي أنه كان نزل في بني حارثة , وبني سلمة وهم الأفاضل البدريون الأحديون ولكنها كانت وهلة في استئذانهم النبي ﷺ يوم الخندق , وقولهم إن بيوتنا عورة وفيهما نزلت إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما. كما ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان بن عيينة قال عمرو بن دينار : سمعت جابر بن عبد الله يقول : فينا نزلت إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما قال جابر : نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة. قال جابر : وما نحب أنها لم تنزل لقوله تعالى {والله وليهما}
قال أبو محمد : مع أنه ليس في الآية أن هذا كفر أصلا , فبطل التعلق بها وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى {قد يعلم الله المعوقين منكم} إلى قوله تعالى {وكان ذلك على الله يسيرا} .
قال أبو محمد : فهذه ليس فيها دليل على أنها في قوم معروفين بأعيانهم ولكنها صفة يعرفها من نفسه من سمع منهم هذه الآية , إلا أن قول الله تعالى بعدها بيسير {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} بيان جلي على بسط التوبة لهم , وكل هؤلاء بلا خلاف من أحد من الأمة معترف بالإسلام , لائذ بالتوبة فيما صح عليهم , من قول يكون كفرا ومعصية. فبطل التعلق بهذه الآية لمن ادعى أن رسول الله ﷺ كان يعرفهم بأعيانهم , ويعرف أنهم يعتقدون الكفر في باطنهم
قال الله تعالى {ولا تطع الكافرين والمنافقين} إلى قوله تعالى {وكفى بالله وكيلا}
قال أبو محمد : قد مضى قولنا في قوله تعالى {ولا تطع الكافرين والمنافقين} .
وقال تعالى {ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} لا يختلف مسلمان في أنه ليس على ترك قتال الكافرين وإصغارهم ودعائهم إلى الإسلام ولكن فيما عدا ذلك ,
وقال تعالى {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض} إلى قوله تعالى {ولن تجد لسنة الله تبديلا}
قال أبو محمد : هذه الآية فيها كفاية لمن عقل ونصح نفسه , لأن الله تعالى قطع بأنه إن لم ينته المنافقون , والذين في قلوبهم مرض , والمرجفون في المدينة : ليغرين بهم رسول الله ﷺ ثم لا يجاورونه فيها إلا قليلا , فأخبر تعالى أنهم يكونون إن لم ينتهوا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا وإعراب ملعونين أنه حال لمجاورتهم معناه لا يجاورونه إلا قليلا ملعونين. ولو أراد الله تعالى غير هذا لقال : ملعونون على خبر ابتداء مضمر ثم أكد تعالى بأن هذا هو سنته تعالى التي لا تتبدل. فنسأل من قال : إن رسول الله ﷺ علمهم بأعيانهم وعلم نفاقهم , هل انتهوا أو لم ينتهوا فإن قال : انتهوا , رجع إلى الحق , وصح أنهم تابوا ولم يعلم باطنهم في صحة التوبة أو كذبها إلا الله تعالى وحده لا شريك له , ولم يعلم رسول الله ﷺ قط إلا الظاهر الذي هو الإسلام , أو كفرا رجعوا عنه فأظهروا التوبة منه. وإن قال : لم ينتهوا , لم يبعد عن الكفر , لأنه يكذب الله تعالى , ويخبر أنه تعالى بدل سنته التي قد أخبر أنه لا يبدلها أو بدلها رسوله عليه السلام.