→ كتاب الحدود (مسألة 2199) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (مسألة 2200 - 2202) ابن حزم |
كتاب الحدود (مسألة 2203) ← |
كتاب الحدود
2200 - مسألة : ميراث المرتد
قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في ميراثه : فقالت طائفة : هو لورثته من المسلمين : كما أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عبد البصير أنا قاسم بن أصبغ أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن المثنى أنا موسى بن مسعود أبو حذيفة أنا سفيان عن سماك بن حرب عن دثار بن يزيد بن عبيد بن الأبرص الأسدي أن علي بن أبي طالب قال : ميراث المرتد لولده. وعن الأعمش عن الشيباني قال : أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم , ثم ارتد عن الإسلام , فقال له علي : لعلك إنما ارتددت , لان تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الإسلام , قال : لا , قال : فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها فأردت أن تزوجها ثم تعود إلى الإسلام , قال : لا , قال : فارجع إلى الإسلام قال : لا , حتى ألقى المسيح فأمر به فضربت عنقه , فدفع ميراثه إلى ولده من المسلمين وعن ابن مسعود بمثله.
وقالت طائفة بهذا , منهم : الليث بن سعد , وإسحاق بن راهويه. وقال الأوزاعي : إن قتل في أرض الإسلام فماله لورثته من المسلمين.
وقالت طائفة : إن كان له وارث على دينه فهو أحق به , وإلا فماله لورثته من المسلمين :
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن إسحاق بن راشد أن عمر بن عبد العزيز كتب في رجل من المسلمين أسر فتنصر إذا علم ذلك ترث منه امرأته , وتعتد ثلاثة قروء , ودفع ماله إلى ورثته من المسلمين لا أعلمه , قال : إلا أن يكون له وارث على دينه في أرض فهو أحق به.
وقالت طائفة : ميراثه لأهل دينه فقط :
كما روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال : ميراث المرتد لأهل دينه. قال عبد الرزاق : أنب، أخبرنا ابن جريج قال : الناس فريقان , منهم من يقول : ميراث المرتد للمسلمين , لأنه ساعة يكفر يوقف , فلا يقدر منه على شيء حتى ينظر أيسلم أم يكفر منهم النخعي : والشعبي , والحكم بن عتيبة وفريق يقول : لأهل دينه.
وقالت طائفة : إن راجع الإسلام فماله له , وإن قتل فماله لبيت مال المسلمين لا لورثته من الكفار قال بهذا ربيعة , ومالك , وابن أبي ليلى , والشافعي.
وقالت طائفة : إن راجع الإسلام فماله له , وإن قتل فماله لورثته من الكفار قال بهذا أبو سليمان , وأصحابنا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن قتل المرتد فماله لورثته من المسلمين , وترثه زوجته كسائر ورثته , وإن فر ولحق بأرض الحرب وترك ماله عندنا فإن القاضي يقضي بذلك , ويعتق أمهات أولاده ومدبره ويقسم ماله بين ورثته من المسلمين على كتاب الله تعالى , فإن جاء مسلما أخذ من ماله ما وجد في أيدي ورثته , ولا ضمان عليهم فيما استهلكوه , هذا فيما كان بيده قبل الردة
وأما ما اكتسبه في حال ردته ثم قتل أو مات فهو فيء للمسلمين.
وقالت طائفة : مال المرتد ساعة يرتد لجميع المسلمين قتل , أو مات , أو لحق بأرض الحرب , أو راجع الإسلام كل ذلك سواء.
وهو قول بعض أصحاب مالك , ذكر ذلك ابن شعبان عنه , وأشهب.
قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا نظرنا في ذلك , فكان الثابت عن رسول الله ﷺ من أنه لا يرث المسلم الكافر : مانعا من توريث ولد المرتد وهم مسلمون مال أبيهم المرتد , لأنه كافر وهم مسلمون أنا بهذا الحديث جماعة , ومن جملتهم : ما أناه عبد الله بن ربيع أنا محمد بن إسحاق بن السليم ، أخبرنا ابن الأعرابي أنا أبو داود ، أخبرنا مسدد أنا سفيان عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن النبي ﷺ قال : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم. هذا عموم منه عليه السلام لم يخص منه مرتد من غيره وما كان ربك نسيا ولو أراد الله أن يخص المرتد من ذلك لما أغفله , ولا أهمله , بل قد حض الله تعالى على أن المرتد من جملة الكفار بقوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} . فسقط هذا القول جملة وبالله تعالى التوفيق.
2201 - مسألة : وصية المرتد وتدبيره
قال أبو محمد : كل وصية أوصى بها قبل ردته , أو في حين ردته , بما يوافق البر ودين الإسلام , فكل ذلك نافذ في ماله الذي لم يقدر عليه حتى قتل , لأنه ماله وحكمه نافذ فإذا قتل أو مات , فقد وجبت فيه وصاياه بموته قبل أن يقدر على ذلك المال.
وأما إذا قدرنا عليه قبل موته من عبد , وذمي , أو مال , فهو للمسلمين كله , لا تنفذ فيه وصية , لأنه إذا وجبت الوصية بموته لم يكن ذلك المال له بعد , ولا تنفذ وصية أحد فيما لا يملكه.
2202 - مسألة : من صار مختارا إلى أرض الحرب , مشاقا للمسلمين أمرتد هو بذلك أم لا ومن اعتضد بأهل الحرب على أهل الإسلام وإن لم يفارق دار الإسلام أمرتد هو بذلك أم لا
قال أبو محمد : أنا عبد الله بن ربيع أنا محمد بن معاوية أنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن قدامة عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال : كان جرير يحدث عن النبي ﷺ إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة , وإن مات مات كافرا , فأبق غلام لجرير , فأخذه فضرب عنقه. وبه إلى أحمد بن شعيب أنا قتيبة أنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي إسحاق عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله ﷺ : إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه.
ومن طريق مسلم أنا علي بن حجر السعدي أنا إسماعيل يعني ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول : أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم قال منصور : قد والله روي عن النبي ﷺ ولكن أكره أن يروى عني هاهنا بالبصرة.
حدثنا عبد الله بن ربيع أنا محمد بن إسحاق ، أخبرنا ابن الأعرابي أنا أبو داود أنا هناد بن السري أنا أبو معاوية ، هو ابن أبي خازم الضرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال : بعث رسول الله ﷺ سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل , فبلغ ذلك النبي ﷺ فأمر لهم بنصف العقل , وقال : أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين , قالوا : يا رسول الله لا تتراءى نارهما.
قال أبو محمد رحمه الله : حديث الشعبي عن جرير الذي قدمنا هو من طريق منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي موقوف على جرير , فلا وجه للأشتغال به. وهو من طريق مغيرة عن الشعبي مسند , إلا أن فيه : إن العبد بإقامته يكون كافرا , فظاهره في المملوك , لأن الحر لا يوصف بإباق في المعهود لكن رواية أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الخبر بيان أنه في الحر والمملوك , وبيان الإباق الذي يكفر به , وهو إباقه إلى أرض الشرك , والبعد واقع على كل أحد , لأن كل أحد عبد الله تعالى :
كما روينا من طريق مسلم ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة " سمعت النبي ﷺ يقول : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين , ولعبدي ما سأل , فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين , قال الله : حمدني عبدي. فقوله تعالى ( إذا قال العبد ) عني به الحر والمملوك بلا شك. والإباق مطلق على الحر أيضا قال الله تعالى {إذ أبق إلى الفلك المشحون} فأخبر تعالى عن رسوله الحر يونس بن متى ﷺ أنه أبق إذ خرج مغاضبا لأمر ربه تعالى. وقد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى , وعن إمام المسلمين وجماعتهم , ويبين هذا حديثه ﷺ : أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر , قال الله تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} .
قال أبو محمد رحمه الله : فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين , فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها : من وجوب القتل عليه , متى قدر عليه , ومن إباحة ماله , وانفساخ نكاحه , وغير ذلك , لأن رسول الله ﷺ لم يبرأ من مسلم.
وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه , ولم يحارب المسلمين , ولا أعانهم عليهم , ولم يجد في المسلمين من يجيره , فهذا لا شيء عليه , لأنه مضطر مكره.
وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب : كان عازما على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم , لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه , وهو كان الوالي بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور.
وكذلك : من سكن بأرض الهند , والسند , والصين , والترك , والسودان والروم , من المسلمين , فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر , أو لقلة مال , أو لضعف جسم , أو لأمتناع طريق , فهو معذور. فإن كان هناك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة , أو كتابة : فهو كافر وإن كان إنما يقيم هنالك لدنيا يصيبها , وهو كالذمي لهم , وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم , فما يبعد عن الكفر , وما نرى له عذرا ونسأل الله العافية. وليس كذلك : من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية ; ومن جرى مجراهم , لأن أرض مصر والقيروان , وغيرهما , فالإسلام هو الظاهر , وولاتهم على كل ذلك لا يجاهرون بالبراءة من الإسلام , بل إلى الإسلام ينتمون , وإن كانوا في حقيقة أمرهم كفارا.
وأما من سكن في أرض القرامطة مختارا فكافر بلا شك , لأنهم معلنون بالكفر وترك الإسلام ونعوذ بالله من ذلك.
وأما من سكن في بلد تظهر فيه بعض الأهواء المخرجة إلى الكفر , فهو ليس بكافر , لأن اسم الإسلام هو الظاهر هنالك على كل حال , من التوحيد , والإقرار برسالة محمد ﷺ والبراءة من كل دين غير الإسلام وإقامة الصلاة , وصيام رمضان , وسائر الشرائع التي هي الإسلام والإيمان والحمد لله رب العالمين. وقول رسول الله ﷺ : أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين يبين ما قلناه , وأنه عليه السلام إنما عنى بذلك دار الحرب , وإلا فقد استعمل عليه السلام عماله على خيبر , وهم كلهم يهود. وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم فلا يسمى الساكن فيهم لأمارة عليهم , أو لتجارة بينهم : كافرا , ولا مسيئا , بل هو مسلم حسن , ودارهم دار إسلام , لا دار شرك , لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها , والحاكم فيها , والمالك لها. ولو أن كافرا مجاهدا غلب على دار من دور الإسلام , وأقر المسلمين بها على حالهم , إلا أنه هو المالك لها , المنفرد بنفسه في ضبطها , وهو معلن بدين غير الإسلام لكفر بالبقاء معه كل من عاونه , وأقام معه وإن ادعى أنه مسلم لما ذكرنا.
وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين , وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين , أو على أخذ أموالهم , أو سبيهم , فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع , فهو هالك في غاية الفسوق , ولا يكون بذلك كافرا , لأنه لم يأت شيئا أوجب به عليه كفرا : قرآن أو إجماع , وإن كان حكم الكفار جاريا عليه فهو بذلك كافر على ما ذكرنا , فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافرا والله أعلم وإنما الكافر الذي برئ منه رسول الله ﷺ هو المقيم بين أظهر المشركين وبالله تعالى التوفيق.