→ كتاب الحدود (مسألة 2187 - 2188) | ابن حزم - المحلى كتاب الحدود (مسألة 2189 - 2192) ابن حزم |
كتاب الحدود (مسألة 2193 - 2194) ← |
كتاب الحدود
2189 - مسألة : هل يقيم السيد الحدود على مماليكه أم لا
قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : يقيم السيد جميع الحدود من القتل فما دونه على مماليكه
وقالت طائفة : يحد السيد مماليكه في الزنى , والخمر , والقذف , ولا يحده في قطع قالوا : وإنما يحده إذا شهد عليه بذلك الشهود
وقالت طائفة : لا يحد السيد مملوكه في شيء من الأشياء , وإنما الحدود إلى السلطان فقط فالقول الأول : كما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع أن ابن عمر قطع يد غلام له سرق , وجلد عبدا له زنى من غير أن يرفعهما وبه إلى عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر قال : إن جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك , فأخبرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب , فقتلها , فأنكر ذلك عليها عثمان بن عفان فقال له ابن عمر : ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت فاعترفت فسكت عثمان وبه إلى عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع قال : أبق غلام لأبن عمر فمر على غلمة لعائشة أم المؤمنين فسرق منهم جرابا فيه تمر , وركب حمارا لهم فأتي به ابن عمر فبعث به إلى سعيد بن العاص وهو أمير على المدينة فقال سعيد : لا يقطع غلام أبق فأرسلت إليه عائشة : إنما غلمتي غلمتك , وإنما جاع , وركب الحمار ليبلغ عليه , فلا تقطعه قال : فقطعه ابن عمر وعن إبراهيم النخعي أن النعمان بن مقرن قال : لأبن مسعود أمتي زنت قال : اجلدها , قال : إنها لم تحصن قال : إحصانها إسلامها قال شعبة : أنا الأعمش عن إبراهيم بهذا , وفيه : جلدها خمسين وعن عبد الله بن مسعود وغيره , قالوا : إن الرجل يجلد مملوكته الحدود في بيته , وأن النعمان بن مقرن سأل عبد الله بن مسعود قال : أمتي زنت قال : اجلدها خمسين , قال إنها لم تحصن قال ابن مسعود : إحصانها إسلامها وعن ابن وهب ، حدثنا ابن جريج : أن عمرو بن دينار أخبره : أن فاطمة بنت رسول الله كانت تجلد وليدتها خمسين إذا زنت وعن أنس بن مالك : أنه كان يجلد ولائده خمسين إذا زنين
حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج ، حدثنا عمرو بن دينار أن الحسن بن محمد ابن الحنفية أخبره : أن فاطمة بنت محمد ﷺ جلدت أمة لها الحد زنت وعن إبراهيم النخعي قال : كان علقمة , والأسود يقيمان الحد على جواري قومهما
قال أبو محمد رحمه الله : وقد روي عن بعض من ذكرنا , وغيرهم : جواز عفو السيد عن مماليكه في الحدود : كما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن رجل عن سلام بن مسكين أخبرني عن حبيب بن أبي فضالة أن صالح بن كريز حدثه أنه جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب , قال : فبينما أنا جالس إذ جاء أنس بن مالك فجلس فقال : يا صالح ما هذه الجارية معك قلت : جاريتنا بغت فأردت أن أرفعها إلى الإمام ليقيم عليها الحد قال : لا تفعل , رد جاريتك , واتق الله واستر عليها قلت : ما أنا بفاعل حتى أرفعها , قال له أنس : لا تفعل وأطعني , قال صالح : فلم يزل يراجعني حتى قلت له : أردها على أن ما كان علي من ذنب فأنت له ضامن فقال أنس : نعم , قال : فرددتها وعن إبراهيم النخعي في الأمة تزني , قال : تجلد خمسين , فإن عفا عنها سيدها فهو أحب إلينا , قال عبد الرزاق : وبه نأخذ
قال أبو محمد رحمه الله : وهذان أثران ساقطان , لأنهما عمن لم يسم
وأما من فرق بين ذات الزوج وغير ذات الزوج فكما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : في الأمة إذا كانت ليست بذات زوج فظهر منها فاحشة جلدت نصف ما على المحصنات من العذاب يجلدها سيدها فإن كانت من ذوات الأزواج رفع أمرها إلى الإمام وعن ربيعة ، أنه قال : إحصان المملوكة أن تكون ذات زوج , فيذكر منها فاحشة فلا يصدق عليها سيدها , والزوج يذب عن ولده , وعن رحمها , وعن ما بيده , فليس يقيم الفاحشة عليها إلا بشهادة أربعة , ولا يقيم الحد عليها إذا ثبت إلا السلطان , قال الله تعالى {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}
وأما من فرق بين الجلد في الزنى , والخمر , والقذف , وبين القطع في السرقة , فهو قول مالك , والليث : وما نعلمه عن أحد قبلهما
قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بمن الله تعالى فوجدنا أبا حنيفة , وأصحابه , يحتجون بما : ناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى البكاء عن مسلم بن يسار عن أبي عبد الله رجل من أصحاب رسول الله ﷺ قال : كان ابن عمر يأمرنا أن نأخذ عنه , قال : هو عالم فخذوا عنه , فسمعته يقول : الزكاة , والحدود , والفيء , والجمعة , إلى السلطان وعن الحسن البصري : أنه ضمن هؤلاء أربعا : الجمعة , والصدقة , والحدود , والحكم وعن ابن محيريز ، أنه قال : الحدود , والفيء , والزكاة , والجمعة , إلى السلطان
قال أبو محمد رحمه الله : ما نعلم لهم شبهة غير هذا , وكل هذا لا حجة لهم فيه , لأنه ليس في شيء مما ذكروا : أن لا يقيم الحدود على المماليك ساداتهم , وإنما فيه ذكر الحدود عموما إلى السلطان , وهكذا نقول , لكن يخص من ذلك حدود المماليك إلى ساداتهم بدليل إن وجد ثم أيضا لو كان فيما ذكروه لما كانت فيه حجة , لأنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ
قال أبو محمد رحمه الله : وأما قول مالك , والليث , في التفريق بين الجلد , والقطع , والقتل , فلا نعلم لهم أيضا حجة أصلا , ولا ندري لهم في هذا التفريق سلفا من صاحب , ولا تابع , ولا متعلقا من قرآن , ولا من سنة صحيحة , ولا سقيمة , ولعل بعضهم أن يقول : إن السيد له جلد عبيده وإمائه أدبا , وليس له قطع أيديهم أدبا , فلما كان الحد في الزنى , والخمر , والقذف جلدا كان ذلك للسادات , لأنه حد , وجلد
قال أبو محمد رحمه الله : فهذا القول في غاية الفساد لقول رسول الله ﷺ : إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فجلد الأدب هو غير جلد الحد بلا شك وبالله تعالى التوفيق ثم نظرنا في قول ربيعة , فوجدناه قولا لا تؤيده حجة , لا من قرآن , ولا من سنة صحيحة : أما قول ربيعة فإن للزوج أن ينوب عنها فحجة زائفة جدا , وما جعل الله تعالى للزوج اعتراضا , ولا ذبا فيما جاءت السنة بإقامته عليها
وأما من رأى السيد يقيم جميع الحدود على مماليكه ,
فنظرنا فيه فوجدنا : ما ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عيسى بن حماد المصري ، حدثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد , ولا يثرب عليها , ثم إن زنت فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها , ثم إن زنت الثالثة فليبعها لو بحبل من شعر وعن مسلم أيضا : أنا القعنبي أنا مالك ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال : إن زنت فاجلدوها , ثم إن زنت فاجلدوها , ثم إن زنت فاجلدوها , ثم بيعوها , ولو بضفير قال ابن شهاب : والضفير الحبل قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة , أو الرابعة والأخبار فيما ذكرنا كثيرة جدا
قال أبو محمد رحمه الله : ثم نتكلم بعون الله تعالى فيما ذكرنا في الأخبار المذكورة من بيع الأمة التي تزني , فنقول : إن الليث روى هذا الحديث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة : إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر
وهكذا رواه عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة وهكذا أيضا رواه خالد بن الحارث ، عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة , فلم يذكروا زناها المرة الثالثة جلدا , بل ذكروا البيع فقط وعن أبي صالح عن أبي هريرة أن يقام الحد عليها ثلاث مرات , ثم تباع بعد الثالثة مع الجلد
وهكذا رواه سفيان بن عيينة
قال علي : فوجب أن يلغى الشك ويستقر البيع بعد الثالثة مع الجلد والطرق كلها في ذلك في غاية الصحة , وكل ما صح عن النبي ﷺ فهو عن الله تعالى , قال الله تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} فإذ ذلك كذلك فأمره ﷺ بالبيع في الثالثة ندب
برهان ذلك : أمره بالبيع في الرابعة لا يمكن ألبتة إلا هذا , لأنه لو كان أمره ﷺ في الثالثة فرضا لما أباح حبسها إلى الرابعة
وأما البيع في الرابعة ففرض لا بد منه , لأن أوامره ﷺ على الفرض لقول الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} الآية
قال أبو محمد رحمه الله : ويجبره السلطان على بيعها أحب أم كره بما ينتهي إليه العطاء فيها , ولا يتأتى بها طلب زيادة , ولا سوق , كما أمر رسول الله ﷺ أن تباع ولو بحبل من شعر , أو ضفير من شعر إذا لم يوجد فيها إلا ذلك , فإن زنت في خلال تعريضها للبيع , أو قبل أن تعرض حدها أيضا , لعموم أمره ﷺ بجلدها إن زنت
وكذلك إن غاب السيد أو مات , فلا بد من بيعها على الورثة ضرورة فإن كانت لصغار جلدها الولي أو الكافل , لقول رسول الله ﷺ في رواية مالك عن الزهري فاجلدوها , فهو عموم لكل من قام به , ولا يلزم البيع في العبد إذا زنى , لأن رسول الله ﷺ إنما أمر بذلك الأمة إذا زنت وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
وكذلك إن سرقت الأمة أو شربت الخمر , فإنها تحد ، ولا يلزم بيعها , لأن النص إنما جاء في زناها فقط وما كان ربك نسيا
قال أبو محمد رحمه الله : فلو أعتقها السيد إذا تبين زناها لم ينفذ عتقه بل هو مردود , لأنه مأمور ببيعها وإخراجها عن ملكه , فهو في عتقه إياها , أو كتابته لها , أو هبته إياها , أو الصدقة بها , أو إصداقها , أو إجارتها , أو تسليمها في شيء بصفة غير البيع مما شاء نقدا أو إلى أجل بدنانير أو بدراهم : مخالف لأمر رسول الله ﷺ وقد قال عليه السلام من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
وكذلك لو دبرها فمات , أو أوصى بها , فكل ذلك باطل , ولا بد من بيعها
قال أبو محمد رحمه الله : ولا يجوز أن يقيم الحد السيد على مماليكه إلا بالبينة , أو بإقرار المماليك , أو صحة علمه ويقينه , على نص قوله ﷺ : فتبين زناها ، ولا يطلق على إقامة الحدود على المماليك إلا أهل العدالة , فقط من المسلمين
2190 - مسألة : أي الأعضاء تضرب في الحدود
قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا
وقال الله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية ففعلنا : فوجدنا الله تعالى قال : {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}
وقال عليه السلام إذا شرب فاجلدوه
وقال عليه السلام وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وسنذكر كل ذلك إن شاء الله تعالى فلم نجد عن الله تعالى , ولا عن رسوله ﷺ أمرا بأن يخص عضوا بالضرب دون عضو إلا حد القذف وحده , فإن رسول الله ﷺ قال فيه البينة وإلا حد في ظهرك
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا عمران بن يزيد الدمشقي ، حدثنا مخلد بن الحسين الأسدي ، حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال : إن أول لعان كان في الإسلام أن هلال بن أمية قذف شريك ابن سحماء بامرأته فأتى النبي ﷺ فأخبره بذلك , فقال له النبي ﷺ البينة وإلا حد في ظهرك يردد ذلك عليه مرارا فوجب أن لا يخص بضرب الزنى , والخمر عضو من عضو , إذ لو أراد الله تعالى ذلك لبينه على لسان رسوله ﷺ إلا أنه يجب اجتناب الوجه ، ولا بد , والمذاكر , والمقاتل أما الوجه فل
ما روينا من طريق مسلم ، حدثنا عمرو الناقد , وزهير بن حرب قالا جميعا : أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه
وأما المقاتل : فضربها غرر , كالقلب , والأنثيين , ونحو ذلك ، ولا يحل قتله ، ولا التعريض به , لما نخاف منه وبالله تعالى التوفيق
2191 - مسألة : كيف يضرب الحدود أقائما أم قاعدا اختلف الناس في ذلك
وقال الله تعالى {فإن تنازعتم في شيء} الآية أما من قال بأن الحدود تقام على المحدود وهو قائم فإنهم ذكروا في ذلك ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد أنا إبراهيم بن أحمد أنا الفربري أنا البخاري أنا إسماعيل بن عبد الله أنا مالك عن نافع ، عن ابن عمر , فذكر حديث اليهوديين اللذين رجمهما رسول الله ﷺ في الزنى , قال ابن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة وذكروا حديث أبي هريرة في جلده حد القذف الذي يقول في ذلك : لعمرك إني يوم أضرب قائما ثمانين سوطا , إنني لصبور ثم أتوا بأطرف ما يكون من التخليط فقالوا : إن قول عمر بن الخطاب للجالد في الحد " اضرب وأعط كل ذي عضو حقه " دليل على أن المجلود كان قائما , وقال : فدل حديث اليهوديين على أن الرجل كان قائما , وإنها كانت قاعدة
قال أبو محمد رحمه الله : فكل هذا عليهم لا لهم على ما نبين إن شاء الله تعالى أما حديث النبي ﷺ في ذلك فهم أول من عصاه وخالفه , وقالوا : لا يحل أن يقام حد الزنى على يهودي ، ولا يهودية , وحملوا فعل رسول الله ﷺ ذلك على ما لم يقدموا على إطلاقه بألسنتهم , إما أنه على معصية الله تعالى
وأما أنه على إنفاذ لما في التوراة , مما لا يجوز لهم إنفاذه , وأنه على كل حال لم يحكم رسول الله ﷺ في ذلك بأمر الله تعالى ، ولا بوحيه إليه , ولا بحق يجب اتباعه فيه : لا محيد لهم من هذا فهذا الذي ظنوا من ذلك كذب بحت , وما فيه دليل على أنه كان قائما , ولا أنها كانت قاعدة , بل قد يحني عليها وهو راكع وهو الأظهر أو وهو منكب قريب من الجلوس , وهو ممكن جدا أيضا ,
وأما أن يحني عليها وهو قائم وهي قاعدة فممتنع لا يمكن ألبتة , ولا يتأتى ذلك وقد يمكن أن يكونا قائمين , ويحني عليها بفضل ما للرجل على المرأة من الطول , وقد يمكن أن يكونا قاعدين
وأما حديث أبي هريرة فليس فيه : أن أبا هريرة أوجب عليه أن يقوم قائما , إذ جلده ، ولا بد , ولا أن المرأة بخلاف الرجل
قال أبو محمد رحمه الله : فإذ لا نص في شيء من هذا , ولا إجماع , فقد أيقنا أن الله تعالى لو أراد أن يكون إقامة الحد على حال لا يتعدى من قيام أو قعود , أو فرق بين رجل وامرأة لبينه على لسان رسوله عليه السلام
فصح أن الجلد في الزنى , والقذف , والخمر , والتعزير : يقام كيفما تيسر على المرأة والرجل , قياما وقعودا , فإن امتنع أمسك , وإن دفع بيديه الضرب عن نفسه : مثل أن يلقى الشيء الذي يضرب به فيمسكه أمسكت يداه
2192 - مسألة : صفة الضرب
قال أبو محمد رحمه الله : أجاز قوم أن يسال الدم في جلد الحدود , والتعزير وهو لم يأت به عن الصحابة شيء من ذلك , بل قد صح عن عمر رضي الله عنه مما قد ذكرناه قبل لا تجد , فاجلدها , ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ، والذي نقول به في الضرب في الزنى , والقذف , والخمر , والتعزير : أن لا يكسر له عظم , ولا أن يشق له جلد , ولا أن يسال الدم , ولا أن يعفن له اللحم , لكن بوجع سالم من كل ذلك , فمن تعدى فشق في ذلك الضرب جلدا , أو أسال دما , أو عفن لحما , أو كسر له عظما , فعلى متولي ذلك القود , وعلى الآمر أيضا القود إن أمر بذلك
برهان ذلك : قول الله تعالى {قد جعل الله لكل شيء قدرا} فعلمنا يقينا أن لضرب الحدود قدرا لا يتجاوزه وقدرا لا ينحط عنه بنص القرآن , فطلبنا ذلك فوجدنا أدنى أقداره أن يؤلم , فما نقص عن الألم فليس من أقداره وهذا ما لا خلاف فيه من أحد وكان أعلى أقداره نهاية الألم في الزنى مع السلامة من كل ما ذكرنا , ثم الحطيطة من الألم على حسب ما وصفنا
فأما المنع من كل ما ذكرنا , فلقول رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام فحرمت إسالة الدم نصا إذ هرق الدم حرام , إلا ما أباحه نص , أو إجماع ، ولا نص , ولا إجماع على إباحة إسالة الدم في شيء من الحدود نعم , ولا عن أحد من التابعين
وأما تعفن اللحم : فقد نص رسول الله ﷺ على تحريم البشرة , فلا يحل منها إلا ما أحله نص أو إجماع , وإنما صح النص والإجماع على إباحتها للألم فقط ,
وأما كسر العظام , فلا يقول بإباحته في ضرب الحدود أحد من الأمة بلا شك
قال أبو محمد رحمه الله : ومن خالفنا في هذه الأشياء سألناه ألشدة الضرب في ذلك حد أم لا
فإن قالوا : لا , تركوا قولهم , وخالفوا الإجماع , ولزمهم أن يبيحوا أن يجلد في كل ذلك بسوط مملوء حديدا أو رصاصا يقتل من ضربه وهذا لا يقوله أحد من الأمة
وإن قالوا : إن لذلك حدا وقدرا نقف عنده فلا يحل تجاوزه : سئلوا عن ذلك , فإن حدوا فيه غير ما حددنا كانوا متحكمين في الدين بلا برهان
فإن قالوا : إن الحدود إنما جعلت للردع
قلنا لهم : كلا , ما ذلك كما تقولون , إنما ردع الله تعالى بالتحريم وبالوعيد في الآخرة فقط ,
وأما بالحدود فإنما جعل الله تعالى كما شاء , ولم يخبرنا الله تعالى أنها للردع , ولو كانت للردع كما تدعون لكان ألف سوط أردع من مائة ومن ثمانين , ومن أربعين , ومن خمسين , ولكان قطع اليدين والرجلين أردع من قطع يد واحدة , ولكنا نقول : هي نكال وعقوبة , وعذاب , وجزاء , وخزي , كما قال الله تعالى في المحاربة {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون} الآية
وقال تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}
وقال تعالى في القاذف {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا} الآية
وقال تعالى {والسارق والسارقة} الآية
وقال تعالى {الزانية والزاني} الآية وإنما التسمية في الدين إلى الله تعالى , لا إلى الناس فصح أنه تعالى جعلها كما شاء حيث شاء , ولم يجعلها حيث لم يشأ
قال أبو محمد رحمه الله : فإذ قد صح ما ذكرنا , وصح مقدار الضرب الذي لا يتجاوز , فقد صح أن من تجاوز ذلك المقدار فإنه متعد لحدود الله تعالى , وهو عاص بذلك , ولا تنوب معصية الله تعالى عن طاعته , فإذ هو متعد فعليه القود , قال الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} الآية فضرب التعدي لا يتبعض بلا شك , فإذ لا يتبعض وهو معصية فباطل أن يجزي عن الحد الذي هو طاعة لله تعالى فيقتص له منه , ثم يقام عليه الحد ، ولا بد وبالله تعالى التوفيق.